ج1وج2وج3.كتاب : المقتضب/ المبرد
الجزء
الأول
بسم
الله الرحمن الرحيم
تفسير
وجوه العربية وإعراب الأسماء والأفعالفالكلام كله: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى. لا
يخلو الكلام - عربيّا كان أو أعجميّا من هذه الثلاثة.
والمعرب:
الاسم المتمكّن، والفعل المضارع. وسنأتي على تفسير ذلك كله إن شاء الله.
أما
الأسماء فما كان واقعاً على معنى، نحو: رجل، وفرس، وزيد، وعمرو، وما أشبه ذلك
وتعتبر الأسماء بواحدة: كل ما دخل عليه حرف من حروف الجر فهو اسم، وإن امتنع من
ذلك فليس باسم.
وإعراب
الأسماء على ثلاثة أضرب: على الرفع، والنصب، والجر.
فأما
رفع الواحد المعرب غير المعتل فالضم ؛ نحو قولك: زيدٌ، وعبد الله، وعمرٌو.
ونصبه
بالفتح: نحو قولك: زيداً، وعمرواً، وعبد الله.
وجرّه
بالكسرة ؛ نحو قولك: زيدٍ، وعمروٍ، وعبد الله.
فهذه
الحركات تسمى بهذه الأسماء إذا كان الشيء معرباً، فإن كان مبنيّاً لا يزول من حركة
إلى أخرى، نحو: حيث، وقبل، وبعد - قيل له مضموم. ولم يقل مرفوع ؛ لأنه لا يزول عن
الضم.
وأين
و كيف يقال له مفتوح، ولا يقال له منصوب، لأنه لا يزول عن الفتح.
ونحو: هؤلاء، وحذار، وأمس مكسورٌ، ولا يقال له
مجرور، لأنه لا يزول عن الكسر وكذلك من، وهل، وبل يقال له موقوف، ولا يقال له
مجزوم. لأنه لا يزول عن الوقف.
وإذا
ثنّيت الواحد ألحقته ألفاً، ونوناً في الرفع.
أما
الألف فإنها علامة الرفع، وأما النون فإنها بدل من الحركة والتنوين اللذين كانا في
الواحد. فإن كان الاسم مجروراً أو منصوباً، فعلامته ياءٌ مكان الألف وذلك قولك:
جاءني الرجلان، ورأيت. الرجلين، ومررت بالرجلين.
يستوى
النصب، والجر في ذلك، وتكسر النون من الاثنين لعلة سنذكرها مع ذكر استواء الجر،
والنصب في موضعها إن شاء الله.
فإن
جمعت الاسم على حدّ التثنية ألحقته في الرفع واواً، ونوناً.
أما
الواو فعلامة الرفع، وأما النون فبدلٌ من الحركة والتنوين اللذين كانا في الواحد.
ويكون فيه في الجر، والنصب ياء مكان الواو. ويستوي الجر، والنصب في هذا الجمع ؛
كما استويا في التثنية ؛ لأن هذا الجمع على حد التثنية، وهو الجمع الصحيح.
وإنما
كان كذلك ؛ لأنك إذا ذكرت الواحد، نحو قولك: مسلم ثم ثنّيته أدّيت بناءه كما كان،
ثم زدت عليه ألفاً، نوناً، أو ياء ونوناً فإذا جمعته على هذا الحدّ أديت بناءه
أيضاً، ثم زدت عليه واواً، ونوناً، أو ياء ونوناً، ولم تغيّر بناء الواحد عمّا كان
عليه.
وليس
هكذا سائر الجمع ؛ لأنك تكسر الواحد عن بنائه، نحو. قولك: درهم، ثم تقول: دراهم:
تفتح الدال، وكانت مكسورة، وتكسر الهاء وكانت مفتوحة، وتفصل بين الراء والهاء بألف
تدخلها. وكذلك أكلب، وأفلس، وغلمان.
فلذلك
قيل لكل جمع بغير الواو، والنون: جمع تكسير. ويكون إعرابه كإعراب الواحد ؛ لأنه لم
يأت على حد التثنية.
ونون
الجمع الذي على حد التثنية أبداً مفتوحة.
وإنما
حركت نون الجمع، ونون الاثنين، لالتقاء الساكنين، فحركت نون الجمع بالفتح لأن
الكسر، والضم لا يصلحان فيها. وذلك أنها تقع بعد واو مضموم ما قبلها، أو ياءٍ
مكسور ما قبلها، ولا يستقيم توالي الكسرات والضّمّات مع الياء والواو، ففتحت.
وكسرت
نون الاثنين، لالتقاء الساكنين على أصل ما يجب فيهما إذا التقيا. ولم تكن فيهما
مثل هذه العلّة فتمتنع.
وإذا
جمعت المؤنث على حدّ التثنية فإن نظير قولك: مسلمون في جمع مسلم أن تقول في مسلمة:
مسلمات، فاعلم.
وإنّما
حذفت التاء من مسلمة ؛ لأنها علم التأنيث، والألف والتاء في مسلمات علم التأنيث
ومحال أن يدخل تأنيث على تأنيث.
فإذا
أردت رفعه قلت: مسلماتٌ فاعلم، ونصبه وجرّه: مسلماتٍ.
يستوي
الجر، والنصب ؛ كما استويا في مسلمين، لأن هذا في المؤنث نظير ذلك في المذكر.
وإنما
استوى الجر والنصب في التثنية، والجمع ؛ لاستوائهما في الكناية. تقول: مررت بك، ورأيتك. واستواؤهما أنهما
مفعولان ؛ لأن معنى قولك: مررت بزيد: أي فعلت هذا به. فعلى هذا تجري التثنية،
والجمع في المذكر، والمؤنث من الأسماء.
فأما
الأفعال فإنا أخرنا ذكرها حتى نضعها في مواضعها. بجميع تفسيرها إن شاء الله.
هذا
باب
الفاعلوهو
رفع. وذلك قولك: قام عبد الله، وجلس زيدٌ.
وإنما
كان الفاعل رفعاً لأنه هو والفعل جملةٌ يحسن عليها السكوت، وتجب بها الفائدة
للمخاطب. فالفاعل، والفعل بمنزلة الابتداء، والخبر إذا قلت: قام زيد فهو بمنزلة
قولك: القائم زيد.
والمفعول
به نصب إذا ذكرت من فعل به. وذلك لأنه تعدى إليه فعل الفاعل.
وإنما
كان الفاعل رفعاً والمفعول به نصباً، ليعرف الفاعل من المفعول به، مع العلة الذي
ذكرت لك.
فإن
قال قائل: أنت إذا قلت: قام زيد، فليس ههنا مفعول يجب أن تفصل بينه وبين هذا
الفاعل.
فإن
الجواب في ذلك أن يقال له: لمّا وجب أن يكون الفاعل رفعاً في الموضع الذي لا لبس
فيه للعلة التي ذكرنا ولما سنذكره من العِلَل في مواضعها فرأيته مع غيره علمت أنّ
المرفوع هو ذلك الفعل الذي عهدته مرفوعاً وحده وأنّ المفعول الذي لم تعهده مرفوعاً.
وكذلك
إذا قلت: لم يقم زيد، ولم ينطلق عبد الله، وسيقوم أخوك.
فإن
قال قائل: إنما رفعت زيداً أولاُ لأنه فاعل، فإذا قلت: لم يقم فقد نفيت عنه الفعل
فكيف رفعته ؟.
قيل
له: إن ّالنفي إنّما يكون على جهة ما كان موجباً، فإنما أعلمت السامع من الذي نفيت
عنه أن يكون فاعلا، فكذلك إذا قلت: لم يضرب عبد الله زيدا علم بهذا اللفظ من ذكرنا
أنه ليس بفاعل ومن ذكرنا أنه ليس بمفعول، ألا ترى أن القائل إذا قال: زيد في الدار
فأردت أن تنفي ما قال أنك تقول: ما زيد في الدار: فتردّ كلامه ثم تنفيه. ومع هذا
فإن قولك: يضرب زيد يضرب هي الرافعة فإذا قلت: لم يضرب زيدٌ فيضرب التي كانت رافعة
لزيد قد رددتها قبله، و لمْ إنّما عملت في يضرب ولم تعمل في زيد وإنما وجب العمل
بالفعل. فهذا كقولك:
سيضرب
زيد إذا أخبرت، وكاستفهامك إذا قلت: أضرب زيد ؟ إنّما استفهمت فجئت بالآلة التي من
شأنها أن ترفع زيدا وإن لم يكن وقع منه فِعْل.
ولكنّك
إنّما سألت عنه هل يكون فاعلا ؟ وأخبرت أنه سيكون فاعلا. فللفاعل في كل هذا لفظ
واحد يعرف به حيث وقع. وكذلك المفعول، والمجرور، وجميع الكلام في حال إيجابه،
ونفيه.
وسنضع
من الحجج المستقصاة في مواضعها أكثر من هذا ؛ لأن هذا موضع اختصار وتوطئة لما بعده
إن شاء الله.
هذا
باب
حروف
العطف بمعانيهافمنها الواو. ومعناها: إشراك الثاني فيما دخل فيه الأوّل ؛ وليس
فيها دليل على أيّهما كان أوّلاً ؛ نحو قولك: جاءني زيد وعمرو، ومررت بالكوفة
والبصرة. فجائز أن تكون البصرة أوّلاً، كما قال الله عزّ وجلّ: " واسجدي واركعي مع
الرّاكعين " والسجود بعد الركوع.
ومنها
الفاء. وهي توجب أنّ الثاني بعد الأوّل، وأنّ الأمر بينهما قريب ؛ نحو قولك: رأيت
زيدا، فعمرا، ودخلت مكة فالمدينة.
و
ثُمّ مثل الفاء ؛ إلاّ أنّها أشدّ تراخيا. تقول: ضربت زيدا ثم عمروا، وأتيت البيت
ثم المسجد.
ومنها
أو. وهي لأحد الأمرين عند شكّ المتكلم، أو قصده أحدهما. وذلك: قولك أتيت زيداً أو
عمروا، وجاءني رجل أو امرأةٌ.
هذا
إذا شكّ، فأما إذا قصد فقوله: كل السمك، أو اشرب اللبن: أي لا تجمع بينهما، ولكن
اختر أيّهما شئت ؟. وكذلك أعطني ديناراً، أو اكسني ثوبا.
وقد
يكون لها موضع آخر، معناه: الإباحة. وذلك قولك: جالس الحسن، أو ابن سيرين، وائت
المسجد أو السوق: أي قد أذنت لك في مجالسة هذا الضرب من الناس، وفي إتيان هذا
الضرب من المواضع.
فإن
نهيت عن هذا قلت: لا تجالس زيدا أو عمرا: أي لا تجالس هذا الضرب من الناس. وعلى
هذا قول الله عز وجل " ولا تطع منهم آثماٌ أو كفوراً " .
و
إِمّا بالخبر بمنزلة أَو، وبينهما فصل.
وذلك
أنك إذا قلت: جاءني زيد، أو عمرو، وقع الخبر في زيد يقينا حتّى ذكرت أَوْ فصار فيه
وفي عمرو شكّ ؛ و إِمّا تبتديء بها شاكّاً. وذلك قولك: جاءني إمّا زيدٌ، وإمّا
عمرو: أي: أحدهما. وكذلك وقوعها للتخيير ؛ تقول: اضرب إمّا عبد الله، وإمّا خالدا.
فالآمر لم يشكّ ولكنّه خيّر المأمور ؛ كما كان ذلك في أَوْ. ونظيره قول الله عزّ
وجلّ: " إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً وإمّا كفورا " وكقوله: "
فإمّا منّا بعد وإمّا فداء " .
ومنها
لا. وهي تقع لإخراج الثاني ممّا دخل فيه الأوّل. وذلك قولك: ضربت زيدا، لا عمروا،
ومررت برجل، لا امرأة.
ومنها
بل. ومعناه: الإضراب عن الأوّل، والإثبات للثاني ؛ نحو قولك: ضربت زيدا، بل عمروا،
وجاءني عبد الله، بل أخوه، وما جاءني رجل، بل امرأة.
ومنها
لكنْ. وهي للاستدراك بعد النفي. ولا يجوز أن تدخل بعد واجب إلاّ لترك قصّة إلى
قصّة تامّة ؛ نحو قولك: جاءني زيد لكن عبد الله لم يأت، وما جاءني زيد لكن عمرو،
وما مررت بأخيك لكن عدوّك. ولو قلت: مررت بأخيك لكن عمرو لم يجز.
ومنها
حتّى. ولها باب على حياله .
ومنها
أَمْ. وهي في الاستفهام نظيرة أَوْ في الخبر، ونذكره في باب الاستفهام إن شاء الله.
فهذه
الحروف - حرف العطف - تدخل الثاني من الإعراب فيما دخل فيه الأوّل.
هذا
باب
من
مسائل الفاعل والمفعولوتقول: أعجبني ضرب الضارب زيدا عبد الله. رفعت الضرب، لأنه
فاعل بالإعجاب، وأضفته إلى الضارب، ونصبت زيدا ؛ لأنه مفعول في صلة الضارب، ونصبت
عبد الله بالضرب الأول، وفاعله الضارب المجرور، وتقديره: أعجبني أن ضربَ الضاربُ
زيدا عبدَ الله. فهكذا تقدير المصدر.
وتقول:
سرّني قيام أخيك، فقد أضفت القيام إلى الأخ وهو فاعل، وتقديره: سرني أن قام أخوك.
وتقول: أعجبني ضَرْبٌ زيدٍ عمروا، وإن شئت قلت:
ضربٌ زيدٍ عمرو إذا كان عمرو ضرب زيدا، تضيف المصدر إلى المفعول كما أضفته إلى
الفاعل. وإن نونت، أو أدخلت فيه ألفاً ولاما جرى ما بعده على أصله، فقلت: أعجبني
ضربٌ زيدٌ عمروا، وإن شئت نصبت زيد ورفعت عمروا، أيهما كان فاعلا رفعته، تقدم أو
تأخر.
وتقول
أعجبني الضَرْبُ زيدُ عمروا، فمما جاء في القرآن منوّنا قوله: " أو إطعامٌ في
يوم ذي مسغبةٍ يتيماً ذا مقربةٍ " وقال الشاعر فيما كان بالألف واللام:
لقد
علمت أولى المغيرة أنني ... لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا
أراد
عن ضرْب مِسْمَع، فلما أدخل الألف واللام امتنعت الإضافة، فعمل عمل الفعل. ومثله
قوله:
وهن
وقوفٌ ينتظرن قضاءه ... بضاحي عذاةٍ أمره وهو ضامز
أي
ينتظرن أن يقضي أمره، فأضاف القضاء غلى ضميره.
ومثل
ذلك: عجبت من ضرْبِ الناس زيدا إذا كان مفعولا، وترفعه إذا كان فاعلا، على ما وصفت
لك. وتصير الناس في موضع نصب، لأنهم مفعولون.
وتقول:
أعجبني دقُّ الثوب القصار، وأكل الخبز زيدٌ، ومعاقبة اللص الأمير. فهذا لا يصلح
إلا أن يكون الأخير هو الفاعل.
وتقول: ما أعجب شيء شيئا إعجاب زيد ركوب الفرس
عمرو، فنصبت إعجاباً بالمصدر، وأضفته إلى زيد، فالتقدير: ما أعجب شيء شيئا، كما
أعجب زيدا أن ركب الفرس عمرو، لأنك أضفت الركوب إلى الفرس، والفرس مفعول، لأن
عمروا ركبه، وزيد المفعول، لأن الركوب أعجبه.
وتقول:
سرني والمشبعه طعامك شتم غلامك زيدا، بالنصب، والرفع في زيد على ما تقدره، من أن
يكون فاعلا، أو مفعولا.
وتقول:
أعجب إعطاء الدراهم خاك غلامك إيَّاك، نصيت إياك بأعجب وجعلت غلامك هو الذي أعطى
الدراهم أخاك.
وتقول: ضرب الضارب عمروا المكرم زيدا أحب أخواك،
نصبت الضرب الأول بأحب، وجررت الضارب بالإضافة، وعديته إلى عمرو، ونصبت المكرم
بالضرب الأول، والضرب الأول متعد ؛ فإن رأيت ألا تعديه قلت: ضرب الضارب المكرمٍ
زيدا أحب أخواك.
وهذا
كله في صلة الضرب ؛ لأنك أضفته إلى الضارب، وسائر الكلام إلى قولك أحب متصل به.
وتقول:
سر الشارب المطعمه طعامك شرابك زيدا.
ف
الشراب ينتصب ب الشارب. والمطعم يرتفع بالفعل الذي في الشارب. ونصبت الطعام بالفعل
الذي في المطعم وكله اسم واحد.
وتقول: ظننت الذي الضارب أخاه زيدٌ عمروا. فالذي
في موضع نصب بظننت، وعمروا مفعول ثان. وقوله: الضارب أخاه زيد الضارب مبتدأ وزيد
خبره، وهما جميعا في صلة الذي. وإنما اتصلا بالذي للهاء التي في قولك أخاه ؛ لأنها
ترجع إلى الذي.
ولو
قلت: قام الذي ضربت هندٌ أباها لم يجز، لأن الذي لا يكون اسماً إلا بصلة، ولا تكون
صلته إلا كلاما مستغنيا، نحو الابتداء والخبر، والفعل والفاعل، والظرف مع ما فيه،
نحو في الدار زيد، ولا تكون هذه الجملة صلة له إلا وفيها ما يرجع إليه من ذكره.
فلو قلت: ضربني الذي أكرمت هند أباها عنده، او في داره لصلح لما رددت إليه من ذكره.
ونظير
الذي ما، ومن، وأي، وأل التي في معنى الذين وكل موصول مما لم نذكره فهذا مجراه ولو
قلت: ضرب من أبوك منطلق زيدا لم يجز، فإن جعلت مكان الكاف هاء وقلت: أبوه صحت
المسألة بالراجع من ذكره.
وكذلك
بلغني ما صنغت، لأن ههنا هاء محذوفة والمعنى: ما صنعته.
وكذلك
رأيت من ضربت، وأكرمت من أهنت. في كل هذا قد حذفت هاءً. وإنما حذفتها ؛ لأن أربعة
أشياء صارت اسما واحدا ؛ وهي: الذي، والفعل، والفاعل، والمفعول به، فخفَّفت منها.
وإن شئت جئت بها.
وإنما
كانت الهاء أولى بالحذف ؛ لأن الذي هو الموصول الذي يقع عليه المعنى، والفعل هو
الذي يوضحه، ولم يجز حذف الفاعل ؛ لأن الفعل لا يكون إلا بفاعل، فحذفت المفعول من
اللفظ، لأن الفعل قد يقع ولا مفعول فيه، نحو قام زيد، وتكلم عبد الله، وجلس خالد.
وإنما فعلت هذا بالمفعول في الصلة، لأنه كان متصلاً بما قبله، فحذفته منه كما تحذف
التنوين من قوله:
ولا
ذاكر الله إلا قليلا
وما
أشبهه، ولو كان منفصلاً لم يجز حذفه ؛ لأن الضمير قد خرج من الفعل وصار في حيز
الباء. وكذلك: الذي ضربت
أخاه زيد، لا يجوز حذف الهاء من الأخ كما حذفت الهاء من الأول لما ذكرت لك.
وتقول:
سر دفعك إلى المعطى زيدا دينارا درهما القائم في داره عمرو. نصبت القائم بسر،
ورفعت عمروا بقيامه. ولو قلت: سرّ دُفُعك إلى زيد درهما ضربك عمروا كان محالا ؛
لأن الضرب ليس مما يسر. وكذلك لو قلت: أعجب قيامك قعودك كان خطأ. ولو قلت: وافق
قيامك قعود زيد لصلح. ومعناه أنهما قد اتفقا في وقت واحد. فلو أردت معنى الموافقة
التي هي إعجاب لم يصلح إلا في الآدميين.
وتقول:
اشتهى زيد شتما عمرو خالد. كأنك قلت: أن يشتم عمرو خالدا.
وكذلك
الألف واللام، فإن لم تنون، ولم تدخل ألفاً ولاماً، أضفت المصدر إلى الاسم الذي
بعده، فاعلا كان أو مفعولا، وجرى الذي بعده على الأصل.
وقد
فسرنا هذا فيما مضى في ذكرنا هذ الباب وتقول: أعجبك ضرب زيد عمروا، إذا كان زيد فاعلا،
وضرب زيدٍ عمرو إذا كان زيد مفعولا، ونحوه وقال الشاعر:
أفنى
تلادي وما جمعت من نشبٍ ... قرع القواقيز أفواه الأباريق
التقدير:
أن قرعت القواقيز أفواه الأباريق، وتنصب الأفواه إن جعلت القواقيز فاعلا.
هذا
باب نقول في
مسائل
طوال يمتحن بها المتعلمونالضاربَ الشاتمَ المكرِمَ المعطِيةَ درهما القائم في داره
أخوك سوطا أكرم الآكل طعامه غلامه زيدٌ عمروا خالدٍ بكرا عبد الله أخوك، نصبت
الضارب بأكرم، وجعلت ما بعد الضارب في صلته إلى قولك: أكرم. فصار اسما واحدا، والفاعل هو الآكل، وما بعده صلة
له إلى ذكرك الأسماء المفردة. وهذه الأسماء المنصوبة بدل من الضارب، والشاتم،
والمكرم. وخالدٍ المجرور بدل من الهاء في غلامه والمرفوع بدل من أحد هؤلاء
الفاعلين الذي ذكرتهم. وتقديرها: كأنك قلت: أكرم الآكل طعامه غلامه الرجل الذي ضرب
سوطا رجلا شتم رجلا أكرم رجلا أعطاه درهما رجلٌ قام في داره أخوك.
ولو
قلت: أعجب ضرب زيدٍ غلامه خالداً عمراً بكرٍ لم يجز، لقولك: بكر وحده.
والمسألة
- إذا حذفته منها -
صحيحة. وذلك لأنك إذا قلت: أعجب ضرب زيدٍ غلامه خالدا عمرا نصبت عمرا بأعجب ونصبت
خالدا فجعلته بدلا من الغلام، فإن جئت ببكر فجررته فإنما تجعله بدلاً من الهاء في
غلامه والهاء هي زيد، فقد أحلت حين جعلت زيدا بكرا، وفصلت بين الصلة والموصول.
ولو
قلت: ظننت بناء الدار الساكنها المعجبه القائم عنده الذاهب إليه أخواه معجبا بكرا
كان جيدا، إذا جعلت معجبا بكرا هو المفعول الثاني في ظننت، ولم تذكر الباني.
فإن
ذكرت الباني جعلته اسما قبل المفعول الثاني فرفعته، لأن قولك الساكنها صفة للدار وما
بعده داخل في صلته، والصلة والموصول اسم واحد ألا ترى أنك تقول: جاءني عبد الله،
ورأيت زيدا، فإنما تذكر بعد جاءني ورأيت اسما واحدا فاعلا أو مفعولا.
وتقول:
جاءني القائم إليه الشارب ماءه الساكن داره الضارب أخاه زيدٌ فالقائم إليه اسم
واحد وهذا كله في صلته.
وكذلك
لو قلت: جاءني الذي اللذان ضرباه القائمان إليك كانت الذي جاءك واحدا، وهذا الكلام
من صلته بمنزلة قولك: جاء الذي أبوه منطلق، وجاءني الذي أبوه غلامه زيدٌ إذا كان
الغلام للأب، فإنما الصلة موضحة عن الموصول وفي هذه المسائل ما يدلك على جميع ما
يرد عليك في هذا الباب إن شاء الله.
وتقول:
ضربت زيدا أخا عمرو، فإن شئت جعلت أخا عمرو صفة ؛ وإن شئت جعلته بدلا.
وتقول: ضربت أخاك زيدا، فلا يكون زيد إلا بدلا،
لأنه اسم علم. وإنما الصفات تحلية الشيء ؛ نحو الظريف، والطويل، وما أشبه ذلك مما
أخذ من الفعل أو نسب، نحو الفلاني، والتميمي، والبكري، وما اعتوره شيء من هذين
المعنيين.
والبدل
يجوز في كل اسم معرفةً كان أو نكرةً مظهراً كان أو مضمر إذا كان الأول في المعنى
أو كان بعضه.
فأما
بدل المعرفة من المعرفة فكقولك: مررت بأخيك عبد الله.
ونظير
بدل المعرفة من المعرفة نحو قول الله عز وجل: " اهدنا الصراط المستقيم صراط
الذين أنعمت عليهم
" .
وبدل
المعرفة من النكرة كقولك: مررت برجل زيد. كأنك نحيت الرجل ووضعت زيدا مكانه. فكأنك
قلت: مررت بزيد، لأن ذلك الرجل هو زيد في المعنى: ونظير هذا قول الله " وإنك
لتهدي إلى صراطٍ مستقيم صراط الله " .
وبدل
النكرة من المعرفة كقولك: مررت بزيد رجل صالح، وضعت الرجل في موضع زيد، لأنه هو في
المعنى. ونظير هذا قول الله عز وجل: " لنسفعنا بالناصية ناصيةٍ كاذبةٍ " .
وأما
بدل بعض الشيء منه للتبيين فنحو قولك: ضربت زيدا رأسه وجاءني قومك بعضهم أراد أن
يبين الموضع الذي وقع الضرب به منه، وأن يعلمك أن بعض القوم جاء لا كلهم. ومن ذلك
قول الله عز وجل " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " لأن
فرض الحج إنما وقع منهم على المستطيع.
وقد
يجوز أن يبدل الشيء من الشيء إذا اشتمل عليه معناه، لأنه يقصد قصد الثاني، نحو
قولك: سلب زيدٌ ثوبه، لأن معنى سلب: أخذ ثوبه، فابدل منه لدخوله في المعنى.
ولو
نصبت الثوب كان أجود إذا لم ترد البدل.
ومثل
ذلك قول الله عز وجل " يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه " ، لأن
المسألة وقعت عن القتال. ومثل ذلك قول الأعشى ينشد كما أصف لك:
لقد
كان في حولٍ ثواءٍ ثويته ... تقضي لباناتٍ ويسأم سائم
اراد: لقد كان في ثواء حول، فأوقع الفعل على الحول،
وجعل ثواء بدلا منه، كما أنه إذا قال: ضربت زيدا رأسه، إنما أراد: ضربت رأس زيد،
فأوقع الفعل وجعله بدلا. ويروى: تقضى لباناتٌ ويسأم.
وللبدل
موضع آخر وهو الذي يقال له: بدل الغلط. وذلك قولك. مررت برجل حمارٍ، أراد أن يقول: مررت بحمار، فإما
أن يكون غلط في قوله: مررت برجل، فتدارك، فوضع الذي جاء به وهو يزيده في موضعه، أو
يكون كأنه نسى، فذكر
.
فهذا
البدل لا يكون مثله في قرآن ولاشعر، ولكن إذا وقع مثله في الكلام غلطا أو نسيانا،
فهكذا إعرابه.
هذا
باب
ما
كان لفظه مقلوباً
فحق
ذلك أن يكون لفظه جاريا على ما قلب إليهفمن ذلك قسى، وإنما وزنها فُعول، وكان
ينبغي أن يكون ... قووس ؛ لأن الواحد قوس وأدنى العدد فيه أقواس والكثير قياس، كما
تقول: ثوب و أثواب و ثياب، وسوط وأسواط وسياط. و كذلك جميع هذا الباب الذي موضع
العين منه واو.
فأما
قووس فجار على غير ما تجري عليه ذوات الواو ؛ نحو: كعب وكعوب، وصقر وصقور، فكرهوا
واوين بينهما ضمة فقلبوا.
وكان
حق فَعْل من غبر المعتل أن يكون أدنى العدد فيه أَفْعُل " ؛ كقولك: كعب وأكعب،
وكلب أكلب، وصقر وأصقر. فهذه العلة قلب إلى أَفْعَال فقيل: أبيات، وأثواب .
إذ
كان ذلك قد يكون في غير المعتل من فرخ وأفراخ. وزند و أزناد، وجد وأجداد فإن احتاج
إليه شاعر رده إلى الأصل كما قال:
لكل
دهرٍ قد لبست أثوابا
فهذا
نظير فُعُول في الواو.
ومن
المقلوب قولهم أينق في جمع ناقة. وكان أصل هذه أنوق والعلة فيه كالعلة فيما وصفنا.
فلو
سميت بأنيق رجلا لم تصرفه إلا في نكرة ؛ لأنه أَفْعُل على مثال أقتل.
ومن
ذلك أَشْيَاءُ في قول الخليل: إنما هي عنده فَعْلاءُ. وكان أصلها شيئاء يا فتى
فكرهوا همزتين بينمها ألف فقلبوا ؛ لنحو ما ذكرت لك من خطايا كراهة ألفين بينهما
همزة، بل كان هذا أبعد، فقلبوا فصارت اللام التي هي همزة في أوله، فصار تقديره من
الفعل: لَفْعَاء ولذلك لم ينصرف، قال الله عز وجل: " لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم
" ولو كان أَفْعالا لا تصرف كما ينصرف أحياء وما أشبهه.
وكان
الأخفش يقول: أشياء أَفْعِلاءُ يافتى، جمع عليها فَعْل ؛ كما جُمِع سمح على
سُمَحاء، وكلاهما جمع لفعِيل ؛ كما تقول في نصيب: أَنْصباءُ: وفي صديق:
أَحصْدِقاءُ، وفي كريم: كُرَماءُ، وفي جليس: جلساء. فسمح وشيء على مثال فَعْل فخرج إلى مثال
فَعيل .
قال
المازني: فقلت له: كيف
تصغرهن ؟ فقال: أشياء. فسألته: لِمَ لَمْ ترده إلى الواحد ؟ إنه أَفْعِلاءُ فقد
وجب عليه فلم يأت بمقنع. وهذا ترك قوله ؛ لأنه إذا زعم أنهأفعلاء فقد وجب عليه أن
يصغر الواحد ثم يجمعه، فيقول في تصغير أشياء على مذهبه: شُيَيْئات فاعلم، تقدير:
فُعَيْلاتُ ولا يجب هذا على الخليل لأنه إذا زعم أنه فَعْلاءُ فقد زعم أنه اسم
واحد في معنى الجمع، بمنزلة قوم، ونفر، فهذا إنما يجب عليه تصغيره في نفسه. فقد
ثبت قول الخليل بحجة لازمة .
ومما
يؤكد ذلك السماع: قول الأصمعي - فيما حدث به علماؤنا - : أن أعرابياً سمع كلام خلف
الأحمر فقال: يا أحمر، إن عندك لأشاوى فقلب الياء واواً، وأخرجه مُخْرَج صحراء
وصحارى، فكل مقلوب فله لفظه .
هذا
باب
اللفظ
بالحروفقال سيبويه: خرج الخليل يوماً على أصحابه فقال: كيف تلفظون بالباء من ضربْ
والدال من قدْ وما أشبه ذلك من السواكن ؟ فقالوا: با، دال، فقال: إنَّما سمّيتم باسم الحرف، ولم تلفظوا به.
فرجعوا في ذلك إليه فقال: أرى - إذا أردت اللفظ به - : أن أزيد ألف الوصل فأقول اِبْ، اِدْ ؛ لأن العرب
إذا أرادت الابتداء بساكن زادت ألف الوصل فقالت: اِضربْ، اُقتلْ إذا لم يكن سبيل
إلى أن تبتدي بساكن
.
وقال:
كيف تلفظون بالباء من ضَربَ والضاد من ضُحَى ؟ فأجابوه كنحو جوابهم في الأول فقال:
أرى - إذا لفظ بالمتحرك - أن تزاد هاءٌ لبيان الحركة كما قالوا: ارمه " وما
أدراك ماهيه " فأقول: بَهْ، ضُهْ وكذلك كل متحرك. وبعد هذا ما لا يجوز في
القياس غيره
.
فإن
سميت بحرف من كلمة فإن في ذلك اختلافا .
فإن
سميت بالباء من ضَرَب فإن بعض النحويين كان يزيد ألف الوصل فيقول: هذا إبٌ فاعلم. وهذا
خطأٌ فاحش ؛ وذلك أن ألف الوصل لا تدخل على شيءٍ متحرك، ولا نصيب لها في الكلام ؛
إنما تدخل ليوصل بها إلى الساكن الذي بعدها ؛ لأنك لا تقدر أن تبتدئ بساكن، فإن
كان قبلها كلام سقطت
.
وقال
غيره: أرى أن أقول: ربٌ فاعلم فأرد موضع العين من ضربَ فقيل له: أرأيت ما تثبت
عينه ولامه، وفاؤه محذوفة من غير المصادر التي فاؤها واو ؛ نحو: عِدة، وزِنة ؟.
فاعتلّ
بما قد وجد من غيرها وذلك قولهم: ناس المحذوف موضع الفاء ولا نعلم غيره. ويدلك على ذلك الإتمام إذا قلت: أناس.
فإنما هو فُعال على وزن غراب مشتق من أنِس، وإنسان فِعْلان وهذا واضح جداً .
قال
أبو الحسن: ضبٌ كما ترى فيحذف موضع العين كما فعل في مذْ لأن المحذوف في منذ موضع
العين .
وكذلك
سهٌ إنما المحذوف التاء من أستاه قال الشاعر :
ادْعُ
أُحيحاً باسمه لا تنسَهْ ... إِنَّ أُحيحاً هي صِئْبَانُ السَّهْ
وقد
قال أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: " العين وكاء السه " والقول الأول لأبي
عثمان المازني، ثم رأى بعدٌ إذا سمى بالباء من ضربَ فليرد الكلام كله فيقول: ضرَبٌ
كما ترى، ولا يحذف ؛ لأنه إذا آثر أن يردّ ردّ على غير علة .
ولو
سميت رجلاً ذو لقلت: هذا ذوَّا فاعلم ؛ لأن أصله كان فَعَلاً. يدلك على ذلك:
ذواتا، وقولك: هما ذوَا مال .
هذا
باب
ما
يسمى به من الأفعال المحذوفة والموقوفةإذا سميت رجلا لِتَقُمْ أو لم تَقمْ أو إنْ
تقمْ أقمْ فالحكاية لأنه عامل ومعمول فيه إذا جئت بالعامل معه .
وإن
سميته أَقِم أو تَقُمْ وليس معهما لمْ أعربت فقلت: هذا أَقومَ فاعلم، وهذا تقوم
فاعلم، ورأيت تقوم فاعلم ؛ لأنه ليس فيه فاعل. ورددت الواو لأنها حذفت في الفعل
لالتقاء الساكنين فلما تحركت الميم رجعت .
وإن
سميته قُمْ أو بعْ قلت: هذا قومٌ على وزن فُعْل، وهذ بِيعٌ على وزن ديك يافتى لأن الأسماء
لا تنجزم. وإذا تحركت أواخرها ردّ ما حذف لالتقاء الساكنين. وإن سميته أَقِمْ قلت:
هذا أقيم قد جاء. لا تصرفه للزيادة التي في أوله .
وإن
سميته رَزيدا حكيته. فإن حذفت زيدا وسميته بالفِعْل وحده قلت: هذا رأى مثل قفا،
وعصا، ترد الهمزة وهي عين الفعل وترد الألف. لأن الأسماء لا تنجزم .
وهذه
جمل تدل على أبوابها إن شاء الله .
حدود
التصريف ومعرفة أقسامهوما يقع فيه، من البدل، والزوائد، والحذف، ولا بد من أن يصدر
بذكر شيء من الأبنية ؛ لتعرف الأوزان. وليعلم ما يبنى من الكلام، وما يمتنع من ذلك .
هذا
باب
ما
يكون عليه الكلم بمعانيهفأقل ما تكون عليه الكلمة حرف واحد. ولا يجوز لحرف أن
ينفصل بنفسه. لأنه مستحيل. وذلك أنه لا يمكنك أن تبتدئ إلا بمتحرك، ولا تقف إلا
على ساكن. فلو قال لك قائل: الفِظ بحرف، لقد كان سألك أن تحيل ؛ لأنك إذا ابتدأت به ابتدأْت متحركاً،
وإذا وقفت عليه وقفت ساكناً، فقد قال لك: اجعل الحرف ساكناً متحركاً في حال .
ولكن
سنذكر اللفظ بالحروف ساكنها ومتحركها في موضعه، ليوصل إلى المتكلم به إن شاء الله
فما كان على حرف فلا سبيل إلى التكلم به وحده.
فمما
جاء على حرف مما هو اسم التاء في قمت إذا عنى المتكلم نفسه، أو غيره من ذكر أو
أنثى، إلا أنها تقع له مضمومةً ذكراً كان أو أنثى، ولغيره إذا كان ذكراً مفتوحة،
وإن كانت أنثى مكسورة
.
والكاف
من نحو: ضربتك، ومررت بك، تنفتح للمذكر، وتنكسر للمؤنث .
والهاء
في ضربته، ومررت به، ولها أحكام نبينها إن شاء الله .
وذلك
أن أصل هذه الهاء أن تلحقها واو زائدة ؛ لأن الهاء خفية. فتوصل بها الواو إذا
وصلت، فإن وقفت لم تلحق الواو لئلا يكون الزائد كالأصلي. وذلك قولك: رأيتُهو يا فتى، ورأيتَهو يا فتى، فتلحق
بعد المضموم والمفتوح
.
فإن
كان قبلها كسرة جاز أن تتبعها واوا، أو ياء أيهما شئت .
أما
الواو فعلى الأصل الذي ذكرت لك، وأما الياء فلقرب الجوار، لأن الضمة مستثقلة بعد
الكسرة، والناس عامةً للكسرة، والياء بعدها أكثر استعمالاً .
فأما
أهل الحجاز خاصةً فعلى الأمر الأول فيها يقرأون " فخسفنا بِهُو وبدارهو
الأرضَ " لزموا الأصل. وهما في القياس على ما وصفت لك.
فإن
كانت هذه الهاء بعد واو، أو ياء ساكنتين، أو ألف فالذي يختار حذف حرف اللين بعدها:
تقول: عليه مال يا فتى بكسر الهاء من أجل الياء التي قبلها كما فعلت ذلك للكسرة.
ومن
لزم اللغة الحجازية قال: عليه مالٌ .
وتقول:
هذا أبوه فاعلم " فألقى موسى عصاه " .
وإنما
حذفت الياء، والواو، لأن الهاء خفية، والحرف الذي يلحقها ساكن، وقبلها حرف لين
ساكن فكره الجمع بين حرفي لين ساكنين لا يفصلهما إلا حرف خفي .
وإن
شئت ألحقت الياء. والواو على الأصل، لأن الهاء حرف متحرك في الحقيقة. وذلك قولك
على قول العامة: عليهى مال، وعلى قول أهل الحجاز: عليهو مال " فألقى عصاهو
فإذا هي " . وهذا أبوهو فاعلم .
فإن
كان قبل الهاء حرف ساكن من غير حروف المد واللين فأنت مخير: إن شئت أثبت، وإن شئت
حذفت .
أما
الإثبات فعلى ما وصفت لك، وأما الحذف، فلأن الذي قبل الهاء ساكن وبعدها ساكن وهي
خفية. فكرهوا أن يجمعوا بينهما ؛ كما كرهوا الجمع بين الساكنين. وذلك قولك: " منه آياتٌ محكماتٌ
" وإن شئت قلت " منهو اآيات " ، وعنهو أخذت. فهذا جملة هذا .
واعلم
أن الشاعر إذا احتاج إلى الوزن وقبل الهاء جرف متحرك، حذف الياء والواو اللتين.
بعد الهاء ؛ إذ لم يكونا من أصل الكلمة. فمن ذلك قوله :
فإنْ
يكُ غَثّاً، أو سَمينا فإنَّنِي ... سَأَجعَلُ عيْنَيْهي لنفسهِ مقْنَعَا
وقال
آخر :
أو
معبر الظهر ينبي عن وليته ... ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا
وقال
آخر :
وما
له من مجد تليد، وما لهو ... من الريح فضلٌ لا الجنوب ولا الصبا
وأشد
من هذا في الضرورة أن يحذف الحركة كما قال :
فظلت
لدى البيت العتيق أريغه ... ومطواي مشتاقان له أرقان
فأما
ما كان من هذه الحروف التي جاءت لمعان، فهي منفصلة بأنفسها مما بعدها وقبلها، إلا
أن الكلام بها منفردة محالٌ، كما وصفت لك. فإن منها: كاف التشبيه التي في قولك:
أنت كزيد، ومعناه: مثل زيد ، واللام التي تسمى لام الملك ؛ نحو هذا لعبد الله ولك.
تكون مكسورة مع الظاهر، ومفتوحة مع المضمر: لعلة قد ذكرت في موضعها .
وهي
التي في قولك: جئت لأكرمك ؛ لأن الفعل انتصب بإضمار أن، و أن والفعل مصدر. فقد صار
المعنى جئت لإكرامك
.
ومنها
الباء التي تكون للإلصاق، والاستعانة .
فأما
الإلصاق فقولك مررت بزيد، وألممت بك، وأما الاستعانة فقولك: كتبت بالقلم، وعمل
النجار بالقدوم
.
ومنها
واو القسم التي تكون بدلاً من الباء ؛ لأنك إذا قلت: بالله لأفعلن فمعناه: أحلف بالله. فإذا قلت: والله لأفعلن فذلك
معناه ؛ لأن مخرج الباء، والواو من الشفة .
ومن
ذلك الكاف التي تلحق آخر الكلام لا موضع لها، نحو كاف ذاك، ورويدك و " أرأيتك
هذا الذي كرمت علي
" .
وقولهم:
أبصرك زيدا .
وهذه
الحروف كثيرة إلا أنا نذكر منها شيئاً يدل على سائرها .
هذا
من باب
ما
جاء من الكلم على حرفينفمن ذلك مَنْ وهي لمن يعقل تكون في الخبر، والاستفهام،
والمجازاة .
وتكون
في الخبر معرفةً، ونكرةٌ. فإذا كانت معرفة لزمتها الصلة، كما تلزم الذي .
وإذا
كانت نكرة لزمها النعت لإبهامها .
فأما
كونها في الاستفهام فكقولك: مَنْ ضربك ؟ ومن أخوك ؟ وأما المجازة فقولك: من يأتني
آته .
وأما
في الخبر فرأيت من عندك
.
وأما
كونها نكرةً فقولك: مررت بمن صالح كما قال :
يا
رُبّ من يبغض أذوادنا ... رحن على بغضائه واغتدين
ألا
ترى أنها في جميع هذا واقعة على الآدميين .
ومنها
ما وهي سؤال عن ذات غير الآدميين، وعن صفات الآدميين .
وتقع
في جميع مواضع من، وإن كان معناها ما وصفت لك.
وذلك
قولك في الاستفهام: ما عندك ؟ فليس جواب هذا أن تقول: زيد، أو عمرو، وإنما جوابه
أن تخبر بما شئت من غير الآدميين، إلا أن تقول: رجل فتخرجه إلى باب الأجناس.
ويكون
سؤالاً عن جنس الآدميين إذا دخل في الأجناس، أو تجعل الصفة في موضع الموصوف كما
تقول: مررت بعاقل. ومررت بحليم، فإن ما على هذه الشريطة - تقع على الآدميين
لإبهامها. قال الله عز وجل " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " . ف
ما ههنا للآدميين، وكذلك تقول: رأيت ما عندك بمعنى الذي .
وتقول:
ما تصنع أصنع على المجازة. وقد قيل في قوله عز وجل، معناه: أو ملك أيمانهم، وكذا
قيل في قوله عز وجل: " والسماء وما بناها " أي وبنائها، وقالوا: والذي بناها .
وأما
وقوعها نكرةٌ فقوله:
رُبَّ
ما تكره النفوس من الأمر له فرجةٌ كحل العقال
واعلم
أنه لا يكون اسم على حرفين إلا وقد سقط منه حرف ثالث، يبين لك ذاك التصغير والجمع .
فالأسماء
على أصول ثلاثة بغير زيادة: على ثلاثة، وأربعة، وخمسة .
والأفعال
على أصلين: على ثلاثة، وأربعة، ونذكر هذا في موضعه .
ومما
جاء على حرفين من الحروف التي جاءت لمعنى والأسماء الداخلة على هذه الحروف قولهم
قَدْ .
وهي
تكون اسما إذا كانت في موضع حَسْب ؛ نحو قوله: كأَنْ قَدْ، ونحو قولك: قدك من هذا:
أي حسبك .
وتكون
حرفاً جاء لمعنى. فإذا كانت كذلك فلها موضعان من الكلام : أحدهما: أن تكون لقوم
يتوقعون الخبر ؛ نحو قولك: ها جاء زيد ؟ فيقول لك: قد جاء .
وتقول:
لما يأت فيقول لك: قد أتى .
وتكون
في موضع ربما كقوله
:
قد
أترك القرن مصفراً أنامله ... كأن أثوابه مجت بفرصاد
وقوله :
وقد
أقود أمام الخيل سلهبةً ... يهدي لها نسبٌ في الحي معلوم
ومنها
هَلْ وهي للاستفهام ؛ نحو قولك: هل جاء زيد ؟ وتكون بمنزلة قد في قوله عز وجل
" هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر " ؛ لأنها تخرج عن حد الاستفهام، تدخل
عليها حروف الاستفهام ؛ نحو قولك: أم هل فعلت ؟ وإن احتاج الشاعر إلى أن يلزمها
الألف فعَلَ كما قال
:
سائل
فوارس يربوعٍ بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم
ومنها
مِنْ وأصلها ابتداء الغاية ؛ نحو سرت من مكة إلى المدينة. وفي الكتاب: من فلان إلى
فلان فمعناه: أن ابتداءه من فلان، ومحله فلان .
وكونها
في التبعيض راجعٌ إلى هذا. وذاك أنك تقول: أخذت مال زيد، فإذا أردت البعض قلت: أخذت من ماله، فإنما رجعت بها إلى ابتداء
الغاية .
وقولك:
زيد أفضل من عمرو إنما جعلت غاية تفضيله عمرا. فإذا عرفت فضل عمرو علمت أنه فوقه .
وأما
قولهم. إنها تكون زائدة فلست أرى هذا كما قالوا. وذاك أن كل كلمة إذا وقعت وقع
معها معنى فإنما حدثت لذلك المعنى، وليست بزائدة. فذلك قولهم: ما جاءني من أحد،
وما رأيت من رجل. فذكروا أنها زائدة. وأن المعنى: ما رأيت رجلاً، وما جاءني أحد،
وليس كما قالوا وذلك ؛ لأنها إذا لم تدخل جاز أن يقع النفي بواحد دون سائر جنسه
تقول: ما جاءني رجل، وما جاءني عبد الله. إنما نفيت مجيء واحد ؛ وإذا قلت: ما
جاءني من رجل فقد نفيت الجنس كله، ألا ترى أنك لو قلت: ما جاءني من عبد الله لم
يجز، لأن عبد الله معرفة، فإنما موضعه موضع واحد .
ومنها
قَطْ ومعناها حسب وهي اسم وقولك: قطك في معنى قولك: حسبك .
ومن
هذه الحروف في معناها: ما استوعاه الوعاء ؛ نحو قولك: الناس في مكان كذا، وفلان في
الدار.
فأما
قولهم: فيه عيبان فمشتق من ذا، لأنه جعله كوعاء للعيبين. والكلام يكون له أصل ثم
يتسع فيه فيما شاكل أصله. فمن ذلك قولهم: زيد على الجبل. وتقول عليه دين، فإنما
أرادوا أن الدين قد ركبه وقد قهره.
وقد
يكون اللفظ واحدا ويدل على اسم، وفِعل ؛ نحو قولك: زيد على الجبل يا فتى، وزيد علا
الجبل. فيكون علا فِعْلاَ،
ويكون حرفا خافضا، والمعنى قريب .
ومن
كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق
اللفظين واختلاف المعنيين، فأما اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين فهو الباب، نحو قولك:
قام، وجلس، وذهب، وجاء، وجمل، وجبل .
وأما
اختلاف اللفظين والمعنى واحد ؛ فنحو جلس وقعد، وقولك: برٌ وحنطة، وذراع وساعد
اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين فقولك. ضربت مثلا، وضربت زيدا، وضربت في الأرض،
إذا أبعدت.
وكذلك
وجدت تكون من وجدان الظالة، وتكون في معنى علمت ؛ كقولك وجدت زيدا كريما، وفي معنى
الموجدة، نحو وجدت على زيد.
فهذا
عارض في الكتاب ثم نعود إلى الباب.
ومنها
لَمْ وهي نفي للفعل الماضي. ووقوعها على المستقبل من أجل أنها عاملة، وعملها
الجزم، ولا جزم إلا لمعرب. وذلك قولك: قد فعل، فتقول مكذبا: لم يفعلْ ؛ فإنما نفيت
أن يكون فَعَل فيما مضى.
والحروف
تدخل على الأفعال فتنقلها ؛ نحو قولك: ذهب ومضى فتخبر عما سلف، فإن اتصلت هذه
الأفعال بحروف الجزاء نقلتها إلى ما لم يقع، نحو: إن جئتني أكرمتك، وإن أكرمتني
أعطيتك فإنما معناه: إن تكرمني أعطك .
ومن
هذه الحروف لَنْ وإنما تقع على الأفعال نافيةً لقولك: سيفعل، لأنك إذا قلت: هو
يفعل جاز أن تخبر به عن فِعْل في الحال، وعما لم يقع، نحو هو يصلي، أي هو في حال
صلاة، وهو يصلي غدا. فإذا قلت: سيفعل، أو سوف يفعل فقد أخلصت الفعل لما لم يقع،
فإذا قلت: لن يفعل فهو نفي
لقوله: سيفعل ؛ كما أن قولك: ما يفعل نفي لقوله: هو يفعل.
ومنها
لا وموضعها من الكلام النفي. فإذا وقعت على فِعْل نفته مستقبلا. وذلك قولك: لا
يقوم زيد، وحق نفيها لما وقع موجبا بالقسم، كقولك: ليقومن زيد فتقول: لايقوم يا
فتى. كأنك قلت: والله ليقومن فقال المجيب: والله لا يقوم وإذا وقعت على اسم نفته
من موضعه ؛ كقولك: لارجل في الدار، ولا زيدٌ في الدار ولا عمروٌ، ويفرد لهذا الباب
يستقصى فيه إن شاء الله.
ولوقوعها
زائدةً في مثل قوله " لئلا يعلم أهل الكتاب أن لايقدرون على شيء " أي
ليعلم كما قال الراجز:
وما
ألوم البيض ألا تسخرا ... لما رأين الشمط القفندرا
ومن
الحروف ما يستجمع منه معانٍ: فمن ذلك مَنْ لها أربعة مواضع كما ذكرت لك.
ومن
ذلك ما لها خمسة مواضع: تكون جزاءً في قولك: ما تصنع أصنع.
وتكون
استفهاما لقولك: ما صنعت ؟
وتكون
بمنزلة الذي في قولك: أرأيت ما عندنا ؟: إلا أنها في هذه المواضع اسم، ووقوعها على
ذات غير الآدميين نحو قولك - إذا قال ماعندك ؟ فرس، أو حمار، أو مال، أو بر، وليس
جواب قوله: ما عندك ؟ زيد، ولا عمرو. وقد خبرتك بعمومها في قوله " إلا على
أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " وأما وقوعها لصفات الآدميين فكقولهم: ما زيد ؟
فيقول: شريف، أو وضيع.
ولها
موضعان تقع تقع فيهما وليست باسم، إنما هي فيهما حرك: فأحدهما: النفي، نحو قولك:
ما زيد في الدار، وما يقوم زيد.
والموضع
الآخر هي فيه زائدة مؤكدة لايخل طرحها بالمعنى، كقول الله عز وجل " فبمارحمة
" وكذلك " فبما نقضهم ميثاقهم " .
ومن
الحروف التي يستجمع لها معانٍ أن الخفيفة لها أربعة مواضع: فمن ذلك الموضع الذي
تنصب فيه الفعل، فمعناها: أنها والفعل في معنى المصدر. وذلك قولك: يسرني أن تذهب غداً ومع الفعل الماضي لما
فرط نحو أن تقوم يا فتى. معناه: يسرني قيامك، وأريد أن تذهب يا فتى. إنما هو: أريد
ذهابك. ولا يقع في الحال. إنما يقع مع الفعل المستقبل لما بعد، نحو يسرني أن ذهبت،
وأن كلمت زيدا، لأن معناه ما مضى.
وتكون
مخففة من الثقيلة، نحو قولك علمت أن زيدٌ خيرٌ من عمرو، ومعناه: علمت أن زيدا خيرٌ
من عمرو.
والفصل
بين أن خفيفةً. وبين أن المخففة من الثقيلة أن الخفيفة لا تقع ثابتةً، إنما تقع
مطلوبةً أو متوقعة ؛ نحو أرجو أن تذهب، وأخاف أن تقوم. فإذا وقعت مخففة من الثقيلة
وقعت ثابتةٌ على معنى الثقيلة ؛ نحو أعلم أن ستقوم، على معنى قولك: أنك ستقوم. ولا
يصلح: أرجو أنك ستقوم، لأنه لم يستقر عنده، لأن الثقيلة إنما تدخل على ابتداءٍ
مستقر.
فأما
ظننت فإن الثقيلة، والخفيفة يجوزان بعدها تقول: طننت أنك منطلق، تخبر أن هذا قد
استقر في ظنك ؛ كما استقر الأول في علمك.
ويجوز
للتشكك أن تقع على الخفيفة، لأنها ترجع إلى معنى أرجو: وأخاف. ومن ذلك قول الله عز
وجل " تظن بأن يفعل بها فاقرةٌ " :.
وتقع
أن في موضع أي الخفيفة للعبارة والتفسير كقوله عز وجل: " وانطلق الملأ منهم
أن امشوا واصبروا على آلهتكم " . معناه أي امشوا. ولا تقع إلا بعد كلام تام ؛
لأنه إنما يفسر بعد تمامه.
وتقع
زائدةً توكيدا كقولك: لما أن جاء ذهبت. والله أن لو فعلت لفعلت. فإن حذفت لم تخلل
بالمعنى. فهذه أربعة أوجه: وكذلك المكسورة تقع على أربعة أوجه: فمنهم الجزاء ؛ نحو
إن تأتني آتك.
ومنهم
أن تكون في معنى ما، نحو إن زيد في الدار: أي ما زيد في الدار.
وقال
الله عز وجل " إن الكافرون إلا في غرور " وقال " إن يقولون إلا
كذبا " .
وتكون
مخففة من الثقيلة. فإذا كانت كذلك لزمتها اللام في خبرها لئلا تلتبس بالنافية.
وذلك قولك: إن زيدٌ لمنطلقٌ.
وقال
الله عز وجل " إن كل نفسٍ لما عليها حافظٌ " .
فإن
نصبت بها لم تحتج إلى اللام ؛ نحو إن زيدا منطلق ؛ لأن النصب قد أبان. وجاز النصب بها إذا كانت مخففة من
الثقيلة، وكانت الثقيلة إنما نصبت لشبهها بالفعل، فلما حذف منها صار كفعل محذوف،
فعمل الفعل واحدٌ وإن حذف منك كقولك: لم يك زيد منطلقا وكقولك: ع كلاما.
وأما
الذين رفعوا بها فقالوا:
إنما
أشبهت الفعل باللفظ، لا في المعنى. فلما نقصت عن ذاك اللفظ الذي به أشبهت الفعل
رجع الكلام إلى أصله ؛ لأن موضع إن الابتداء ؛ ألا ترى أن قولك: إن زيدا لمنطلق
إنما هو زيد منطلق في المعنى. ولما بطل عملها عاد الكلام إلى الابتداء، فبالابتداء
رفعته لا بإن ؛ وما بعده خبره. وهذا القول الثاني هو المختار.
وليس
كذا كأن إذا خففت، لأنك إذا قلت: كأن تشبه. فإذا خففت فذلك المعنى تريد.
وقولك
لكن في منزلة إن في تخفيفها وتثقيلها في النصب و الرفع وما يختار فيهما ؛ لأنها
على الابتداء داخلة.
- وتكون
إن زائدة في قولك: ما إن زيد منطلق فيمتنع ما بها من النصب الذي كان في قولك: ما
زيد منطلقا .. كما يمتنع إن الثقيلة بها من النصب في قولك: إنما زيد أخوك.
فمن
ذلك قوله :
فما
إن طبنا جبنٌ ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
فقد
ذكرنا من الحروف والأسماء التي تقع على حرفين ما فيه دليل على تأويل ما كان مثله
مما لم نذكره إن شاء الله .
ونذكر
من الآيات التي على ثلاثة أحرف ما يدل على ما بعده .
من
ذلك عِنْد ومعناها الحضرة ؛ نحو قولك: زيد عندك. فإن قلت: عند فلان عِلْم، أو عنده
مال: أي له مال وإن لم يكن بحضرته، فإنما أصله هذا، وإن اتسع ؛ كما تقول: على زيد
ثوبٌ، فهذا صحيح. فإن قلت: عليه مالٌ، فتمثيل ؛ لأنه قد ركبه .
ومن
هذه الحروف لَدُنْ وهي اسم فمعناها عند. يدلك على أنه اسم دخول الآلات كقولك: من
لدنك ؛ كما تقول: من عندك .
ومنها
أيان وأصله الثلاثة وإن - زادت حروفه. ومعناه: متى، كقوله عز وجل " يسأل أيان
يوم القيامة
" .
فهذه
الحروف تفتح لك ما كان من هذه الآلات .
هذا
باب
الأبنية
ومعرفة حروف الزوائداعلم أن الأسماء التي لا زيادة فيها تكون على ثلاثة أجناس:
تكون على ثلاثة أحرف، وعلى أربعة، وعلى خمسة، ولا زيادة في شيءٍ من ذلك. ونحن
مفسروه بأقسامه وأوزانه، وذاكرون ما يلحقه من الزوائد بعد الفراغ من الأصول، وكم
مبلغ عدده من الزوائد ؟ فأما الأفعال فتكون على ضربين: تكون على ثلاثة أحرف، وعلى أربعة أحرف بلا زوائد،
ثم تلحقها الزوائد.
وسنخبر
عن ذلك، وعن امتناعها أن تكون خمسة ؛ كما كانت الأسماء، ونخبر عما وقع من الأسماء
والأفعال على حرفين ما الذاهب منه ؟ ولم ذهب ؟ إن شاء الله .
فأول
الأبنية ما كان - من الأسماء على ثلاثة أحرف، والحرف الأوسط منه. ساكن.
لا
يكون اسم غير محذوف على أقل من ذلك. وذلك أنه لابد لك من تحريك الأول ؛ لأنك لا
تبتدئ بساكن، ويتحرك الآخر، لأنه حرف الإعراب .
فأول
ذلك ما كان على فَعْلٍ، وهو يكون اسماً ونعتاً .
فالاسم
نحو: بكر، وكعب، والنعت قولك: ضخم، وجزل .
ويكون
على فِعْل فيهما. فالاسم: جِذْع، وعِجْل، والنعت نِقْض، ونضِوْ .
ويكون
على فُعْلٍ فيهما. فالاسم خرج، وقفل. والنعت مر، وحلو .
ويكون
على فَعَلٍ فيهما. فالاسم جمل، وجبل. والنعت بطل، وحسن .
ويكون
على فَعِلٍ فيهما. فالاسم فخذ، وكتف. والنعت فرح، وحذر .
ويكون
على فَعُلٍ فيهما. فالاسم: رجل، وعضد، والنعت حذر، وندس .
ويكون
على فُعُلٍ فيهما. فالاسم نحو: طنب، وعنق، والنعت جنب، وشلل .
ويكون
على فِعَلٍ فيهما. فالاسم ضلع، وعنب. والنعت، عدى، وقيم .
ويكون
على فِعِلٍ في الاسم. ولم يأت ثبتا إلا في حرفين: وهما إبل، وإطل .
ويكون
على فُعُلٍ اسماً، ونعتاً. فالاسم صرد، ونغر. والنعت حطم، ولبد، وكتع، وخضع قال :
قد
لفها الليل بسواقٍ حطم
وقال
الله عز وجل " أهلكت مالاً لبدا " .
ولا
يكون في الكلام فعل في اسم، ولا فِعْل .
ولا
يكون في الأسماء شيءٌ على فُعِل : فهذا جميع بناءات الثلاثة بغير زوائد .
ونذكر
الزوائد، والبدل، ثم نرجع إلى بناءات الأربعة إن شاء الله .
هذا
باب
معرفة
الزوائد ومواضيعهاوهي عشرة أحرف: الألف، والياء، والواو، والهمزة، والتاء، والنون،
والسين، والهاء، واللام، والميم .
فأما
الألف فإنها لا تكون أصلاً في اسم ولا فعل، إنما تكون زائدة، أو بدلاً. ولا تكون أبداً إلا ساكنة. ولا يكون ما
قبلها أبداً إلا منها: أي إلا مفتوحاً ؛ لأن الفتحة من الألف، والضمة من الواو،
والكسرة من الياء
.
والألف
لا تزاد أولاً ؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة، ولا يبتدأ بساكن، ولكن تزاد ثانيةً فما
فوق ذلك .
فأما
زيادتها ثانيةً فقولك: ضارب، وذاهب ؛ لأنهما من ضرب، وذهب .
وتزاد
ثالثةً في قولك: ذهاب، وجمال .
ورابعةً
في قولك: حبلى للتأنيث، والإلحاق، وغير ذلك في مثل عطشان، وسكران .
فهذا
موضع جُمَل. فإنما مذكر ما يدل على الموضع، ثم نرجع نستقصى في بابه إن شاء الله .
وتزاد
خامسةً في مثل حَبَنْطىً، وَزَعْفران .
وسادسةً
في مثل قبعثرىً
.
فأما
الياء فتزاد أولاً فيكون الحرف على يفْعَل، نحو يَرْمَع، ويَعْملة، وفي مثل قولك
يربوع، ويعسوب
.
وتزاد
ثانيةًفي مثل قولك: جَيْدَر، وَبَيْطَر .
وثالثةً
في مثل سَعِيد، وعِثْيَر
.
ورابعةٌ
مثل قنديل، ودهليز. وما بعد ذلك كالألف .
وتزاد
للنسب مضعفةً ؛ نحو قولك: تميمي، وقيسي .
وتزاد
للإضافة إلى نفسك ؛ نحو غلامي وصاحبي .
وتقع
في النصب ؛ نحو ضربني، والضاربي .
وتقع
دليلاً على النصب، والخفض في التثنية، والجمع ؛ محو مسلمَيْن ومسلِمين .
وأما
الواو فلا تزاد أولا كراهة أن تقع طرفا، فيلزمها البدل ولكن تزاد ثانية في مثل حوقل،
وكوثر.
وثالثةً
في مثل ضروب، وعجوز ورابعةً في مثل تَرْقُوَة وخامسةً في مثل قلنسوة ؛ كالألف
والياء .
وتزاد
دليلا على رفع الجمع في مثل قولك: مسلمون. ولها مواضع نذكرها في باب البدل إن شاء
الله.
وأما
الهمزة فموضع زيادتها أن تقع أولا ؛ نحو أحمر، وأحمد، وإصليت وإسكاف.
وكذلك
في جمع التكسير ؛ نحو أَفْعُل كأَكْلُب، وأفلس ؛ وأفعال كأعدال، وأجمال.
وفي
الفعل في قولك: أفعلت ؛ نحو أكرمت، وأحسنت. وفي مصدره في قولك: إكراما، وإحسانا.
فهذا موضعها.
وقد
تقع في غير هذا الموضع فلا تجعل زائدةً إلا بثبت. نحو قولك: شمأل، وشأمل يدلّك على
زيادتها قولك: شملت الريح فهي تشمل شمولا.
والميم
بمنزلة الهمزة ؛ إلاّ أنّها من زوائد الأسماء، وليست من زوائد الأفعال ولكن موضعها
كما ذكرت لك أوّلا.
فمن
ذلك مفعول، نحو: مَضْروب، ومَقتْول.
وإذا
جاوز الفعل ثلاثة أحرف لحقت اسم الفاعل والمفعول ؛ نحو: مُكرِم ومُكرَم، ومنطلق،
ومنطَلق به، ومستخرج، ومستخرَج منه.
وتلحق
في أوائل المصادر، والمواضع ؛ كقولك: أدخلته مُدْخَلا، وهذا مُدْخَلنا. وكذلك
مغزًى وملهًى. فهذا موضع زيادتها.
فإن
وقعت غير أول لم تزد إلا بثبت ؛ نحو قولهم: زُرْقُم، وفُسْحُم ؛ إنّما هو من
الأزرق، وفسحم منسوب إلى انفساح الصدر.
وكذلك
دلامص: الميم زائدة، لأنهم يقولون: دَليص، ودِلاص. فتقديرها: فُعَامِل.
وأمّا
النون فتلحق في أوائل الأفعال إذا خبّر لتكلم عنه وعن غيره ؛ كقولك: نحن نذهب.
أو
تلحق ثانيةً مثل ؛ مَنْجَنِيق، وَجُنْدُب.
وتلحق
ثالثةً في حبنطى ودلنظى.
ورابعةً
في رَعْشَن، وَضَيْفَن ؛ لأن رَعْشَن من الارتعاش، وضيفن إنما هو الجائى مع الضيف.
وتزاد
مع الألف في غضبان، وسكران.
ومع
الياءات، والواو، والألف، في التثنية، والجمع، في رجلَيْن، ومسلِمين، ومسلمون.
وكذلك الألف في رجلان.
وتزاد
علامةً للصرف في قولك: هذا زيدٌ، ورأيت زيداً.
وفي
الفعل، مفردة، ومضاعفةً، في قولك: اضربَنْ زيدا ؛ أو اضربَنَّ عمروا. ففي هذا دليل.
وأما
التاء فتزداد علامةً للتأنيث في قائمة، وقاعدة. وهذه التاء تبدل منها الهاء في
الوقف.
وتزاد
مع الألف في جمع المؤنث في مسلمات، وذاهبات.
وتزاد
وحدها في افتعل، ومفتعل ؛ نحو اقتدر، وافتقر.
ومع
السين في مستفعل ؛ نحو مستضرب، ومستخرج.
وتزاد
مع الواو في ملكوت، وعنكبوت. ومع الياء في عفريت.
وتزاد
في أوائل الأفعال يعنى بها المخاطب، مذكّرا كان أو مؤنثا، والأنثى الغائبة.
فأما
المخاطب فنحو: أنت تقوم، وتذهب، وأنتِ تقومين، وتذهبين.
والأنثى
الغائبة ؛ نحو: جاريتك تقوم، وتذهب.
وتقع
زائدةَ في تفعّل، وتفاعل. فأما تفعَّل فنحو تشجَّع وتقرّأ.
وأما
تفاعل، فنحو: تغافل، وتعاقل.
وأما
السين فلا تلحق زائدة إلاّ في موضع واحد، وهو استفعل، وما نصرف منه.
والهاء
تزاد لبيان الحركة، ولخفاء الألف.
فأما
بيان الحركة فنحو قولك: ارمه " وما أدراك ما هيه " و " فبهداهم
اقتده
" .
وأما
بعد الألف فقولك: يا صاحباه، ويا حسرتاه.
فأما
اللام فتزاد في ذلك، وأولئك، وفي عبدل تريد العبد.
هذا
باب
حروف
البدلوهي أحد عشر حرفاً. منها ثمانية من حروف الزوائد التي ذكرناها، وثلاثة من
غيرها وهذا البدل ليس ببدل الإدغام الذي تقلب فيه الحروف ما بعدها.
فمن
حروف البدل حروف المد واللين المصوتة. وهي الألف، والواو، والياء.
فالألف
تكون بدلاً من كل واحدة منهما ؛ كم وصفت لك.
وتكون
بدلاً من التنوين المفتوح ما قبله في الوقف ؛ نحو رأيت زيدا، ومن النون الخفيفة،
لأنها كالتنوين إذا انفتح ما قبلها ؛ تقول اضربن زيدا فإذا وقفت قلت: اضربا. وفي
قوله: " لنسفعن بالناصية " والوقف " لنسفعا " .
والواو
تكون بدلاً من الألف الزائدة في فاعِل، وفاعِلة، في التصغير والجمع ؛ كقولك:
ضُوَيرب، وضَوارب.
ومن
الهمزة إذا انضم ما قبلها، وكانت ساكنة ؛ نحو جؤنة ولؤم، ومن الهمزة المبدلة
لالتقاء الهمزتين في التصغير والجمع. وذلك قولك في آدم: أُوَيْدِم، وأَوادِم .
وتكون
بدلاً من الياء إذا انضم إلى ما قبلها وكانت ساكنة ؛ نحو قولك: مُوقِن، ومُوسِر ؛
لأنها من أيقنت، وأيسرت، فإن تحركت، أو زالت الضمة رجعت إلى أصلها ؛ تقول:
مَيَاقِن، ومَياسِر.
ولها
في باب فتوى، وطوبى ما نذكره في موضعه إن شاء الله.
والياء
تكون بدلا من الواو إذا انكسر ما قبلها وهي ساكنة. وذلك قولك: ميزان، وميعاد،
وميقات ؛ لأنه من وزنت، ووعدت، ومن الوقت. فإن زالت الكسرة، أو تحركت رجعت إلى
أصلها. وذلك قولك: مَوَازِين، ومَوَاعيد، ومواقيت.
وتبدل
من الواو إذا كانت رابعة فصاعدا ؛ نحو أغزيت، واستغزبت، وغازيت.
وتبدل
مكان أحد الحرفين إذا ضوعفا في مثل قولك: دينار، وقيراط. فإنما الأصل تثقيل النون
والراء ؛ ألا ترى أنهما إذا افترقا ظهرا، تقول: دنانير وقراريط.
وكذلك
تقول: أمللت، وأمليت، وتقضيت من القِضَّة، وتَسَرَّبْت. والأصل تسررت، وتقضضت.
وأما
الهمزة فإنها تبدل مكان كل ياءٍ، أو واو تقع طرفا بعد ألف زائدة، وذلك قولك:
سَقَّاءٌ، وغزَّاءٌ.
وتبدل
مكان إحدى الواوين إذا التقيا في أول كلمة، وذلك قولك في تصغير واصل: أويصل.
وكذلك
تصغير واعِد: أويعد.
فإن
انضمت الواو كنت في بدلها وتركه مخيرا. وذلك قولك في وجوه: أجوه. وإن شئت: وجوه، وكذلك ورقة، وأرقة، ومن ذلك قول
الله عز وجل " وإذا الرسل أقتت " إنما هو فعلت من الوقت.
والتاء
تبدل من الواو والياء في مفتعل وما تصرف منه ؛ نحو متعد، ومتزن، ومتبس من اليبس.
فهذا موضعها فيها.
وتبدل
من الواو خاصة في قولك: تراث، إنما هو من ورثت، وتجاه فعال من الوجه. وكذلك تخمة،
وتكأة فعلة.
وتيقور
فيعول من الوقار.
فهذا
موضع جُمَل وتوطئة لما بعده.
وأما
الهاء فتبدل من التاء الداخلة للتأنيث ؛ نحو نَخْلَة، وتمرة، إنما الأصل التاء
والهاء بدل منها في الوقف.
والميم
تبدل من النون إذا سكنت وكانت بعدها الباء، نحو قولك: عنبر، ومنبر. وشنباء فاعلم.
والنون
تكون بدلا من ألف التأنيث في قولك: غضبان، وعطشان، إنما النون، والألف في موضع
ألفى حمراء يافتى، ولذلك لم تقل، غضبانة، ولا سكرانة ؛ لأن حرف تأنيث لا يدخل على
حرف تأنيث. فكذلك لا تدخل على ما تكون بدلا منه.
ولهذه
العلة قيل في النسب إلى صنعاء، وبهراء: صنعاني، وبهراني. ونشرح هذا في باب ما
ينصرف وما لا ينصرف إن شاء الله.
فهذه
ثمانية أحرف من حروف الزوائد.
فأما
الثلاثة التي تبدل وليست من حروف الزوائد ف أحدها: الطاء وهي تبدل مكان التاء في
مُفتْعل، وما تصرف منه إذا كان قبلها حرف من حروف الإطباق.
وحروف
الإطباق الصاد، والضاد، والطاء والظاء. وذلك قولك: مُصْطبر، ومضطَّهد، ومظلم وهو
مفتعل من الظلم.
وأما
ما تصرفن منهن للإدغام ففي بابه نذكر.
ومنهن
الدال. وهي تبدل مكان التاء في مفتعل، وما تصرف منه إذا كان قبلها حرف مجهور من
مخرجها، ومما يدانيها من المخرج ؛ نحو الذال، والزاي، وذلك قولك في مُفْتِعل من
الزين: مزدان، ومن الذكر: مدكر.
والحرف
الثالث الجيم وهي تبدل إن شئت مكان الياء المشددة في الوقف للبيان، لأن الياء
خفية، وذلك قولك: تَميمِجّ في تيميى ؛ وعَلِجّ أي علىّ.
هذا
باب
معرفة
بنات الأربعة التي لا زيادة فيهافمنها ما يكون على فَعْلَل، فيكون اسما وصفة، فالاسم
نحو جعفر، ونهشل. والنعت، مثل سلجم، وسلهب.
ويكون
على فُعْلُل فيهما. فالاسم ؛ نحو البرثن، والترتم.
والصفة،
نحو قولك رجل قلقل، وناقة كحكح.
ويكون
على فِعْلِل فيهما، فالاسم البربرج والخمخم.
والنعت
اللطلط وهو قليل.
ويكون
على فِعْلَل فيهما. فالاسم درهم. والصفة هجرع.
ويكون
علىفِعَلُّ غير مضاعف في النعت خاصة. وذلك قولهم: سبطر وقمطر.
واعلم
أنه لا يكون اسم على أربعة أحرف كلها متحركة إلا وأصله في الكلام غير ذلك فيحذف.
وذلك قولهم: عُلَبِط ونحوه، وإنما أصله عُلابِط.
وكذلك
هُدَبِد إنما أصله هُدابِد، وذلك جميع بابه.
هذا
باب
معرفة
بنات الخمسة من غير زيادةوهي على أربعة أمثلة: منها فَعَلَّل، وهو يكون اسما ونعتا.
فالاسم
نحو: السفرجل. والصفة نحو شمردل.
ويكون
على فُعَلَّل فيهما.
فالاسم،
نحو الخزعبلة. والصفة ؛ نحو الخبعثن، والقذعملة.
ويكون
على فِعْلَلَّ غير مضاعف، فيكون اسما، ونعتا.
فالاسم
قرطعب. والنعت جردحل، وحنزقر.
ويكون
على فَعْلَلِل نعتا. وذلك قولهم: عجوز جحمرش، وكلب نخورش.
هذا
باب
معرفة
الأبنية وتقطيعها بالأفاعيل
وكيف
تعتبر بها في أصلها وزوائدهاونبدأ بالأسماء الصحيحة.
فإذا
قيل لك: ابن من ضرب مثل جعفر فقد قال لك: زد على هذه الحروف الثلاثة حرفا. فحق هذا أن تكرر اللام، فتقول: ضَرْيَبٌ
فاعلم، فيكون على وزن جعفر، وتكون قد وضعت الفاء والعين في موضعهما، وكررت اللام
حتى لحق بوزن فَعْلَل، ألا ترى أنك تقول إذا قيل لك: ابن من ضرب مثل قطع: ضَرَّبَ
فاعلم، لأنه إنما قال لك: كرر العين، فإنما زدت على العين عينا مثلها.
ولو
قال لك: ابن لي من ضرب مثل صمحمح لقلت: ضربرب، لأنه إنما قال لك: كرر العين
واللام، فأجبته على شرطه.
ولو
قال لك: ابن لي من ضرب مثل جدول لقلت: ضَرْوبٌ فاعلم ؛ لأنه لم يقل لك ألحقه
بجعفر، إنما اشترط عليك أن تلحقه بما فيه واو زائدة، فزدت له واوا بحذاء الراء.
وكذلك
لو قال لك: ابن لي من ضرب مثل كوثر لقلت: ضَوْرَبٌ فاعلم، فاحتذيت على المثال
المطلوب منك.
ولو
قال: ابن لي من ضرب مثل حيدر لقلت: ضيربٌ فاعلم.
ولو
قال: ابن لي من ضرب مثل سلقى لقلت: ضربي، وقلت لنفسك: ضربيت مثل قولك: سلقيت.
فهذا
يجرى في الزوائد، والأصول على ما وصفت لك.
وإنما
ذكرنا هذا الباب توطئةً لما بعده.
تفسير: يقال: سلقه: إذا ألقاه على قفاه. وإذا
ألقاه على وجهه قيل: بطحه. وإذا ألقاه على أحد جنبيه قيل: قتَّره، وقطَّره. وإذا
ألقاه على رأسه قيل نكته.
هذا
باب
معرفة
الأفعال أصولها وزوائدهافالفعل في الثلاثة يقع على ثلاثة أبنية إذا كان ماضيا:
يكون على فعَلَ، فيشترك فيه المتعدى وغير المتعدى.
وذلك
نحو: ضرب، وقتل فهذا متعدً، وجلس وقعد. لما لا يتعدى.
ويكون
على فَعِلَ فيهما. فما يتعدى فنحو: شرب، ولقم .
وأما
ما لا يتعدى فنحو: بطر، وخرق.
والفعل
الثالث لما لا يتعدى خاصةً، إنما هو للحال التي ينتقل إليها الفاعل وذلك ما كان
على فَعُلَ نحو: كرُم، وظرُف، وشرُف.
فأما
ما كان على فَعِلَ فاللازم في مستقبله يَفْعَل تقول: شرب يشرب، وعلم يعلم.
وما
كان على فَعُل فاللازم يَفْعُلُ ؛ نحو كرُم يكرُم، وظرُف يظرُفُ.
وأما
ما كان على فَعَلَ فإنه يجىء على يَفْعِل، و يَفْعُل ؛ نحو: يضرب، ويقتل.
وإن
عرض فيه حرف من حروف الحلق جاز أن يقع على فعَلَ يَفْعَل. وذاك إذا كان الحرف من
حروف الحلق عينا أو لاما.
فأما
العين فنحو: ذهب يذهب، وطحن يطحن. وأما موضع اللام فصنع يصنع وقرأ يقرأ.
وهذه
الأفعال التي على ثلاثة أحرف تختلف مصادرها لاختلافها في أنفسها ؛ لأن المصدر إنما
يجرى على فِعْله.
فإذا
خرجت الأفعال من الثلاثة لم يكن كل فِعْل منها إلا على طريقة واحدة، ولم تختلف
مصادرها.
وذاك
أن الفعل إذا خرج من الثلاثة إنما يخرج لزائد يلحقه، إلا أن يكون من بنات الأربعة،
فيكون في الأربعة أصلا ؛ كما كانت بناب الثلاثة.
فأما
بنات الثلاثة فإن الهمزة تلحقها أولا، فيكون الفعل على أَفْعَل ؛ نحو: أخرج، وأكرم.
ويكون
المستقبل، نحو: يخرج، ويكرم، وكان الأصل أن يكون وزنه يُؤَفْلِ، فحذفت الهمزة ؛
لأنه كان يلرمه إذا أخبر عن نفسه أن يجمع بين همزتين وذلك ممتنع.
فلما
كانت زائدة وكانت تلزم ما لا يقع في الكلام مثله حذفت. وأتبعت حروف المضارع الهمزة
؛ كما جرين في باب وعد مجرى الياء.
ويكون
المصدر على إفْعَال وذلك قولك: أكرم يُكْرِم إكراما، وأحسن يُحْسِن إحسانا.
ويكون
على فاعَلْت فيكون مستقبله على وزن مستقبل أَفْعَلت قبل أن يحذف. وذلك قولك: قاتل
يقاتل، وضارب يضارب.
ومعنى
فاعَل إذا كان داخلا على فعَلَ أن الفعل من اثنين، أو أكثر وذلك ؛ لأنك تقول:
ضريت، ثم تقول: ضاربت. فتخبر أنه قد كان إليك مثل ما كان منك وكذلك شاتمت.
فإن
لا يكن فيه فعَلَ فهو فِعْل من واحد: نحو عاقبت اللص، وطارقت نعلى.
والمصدر
يكون على مفاعَلة ؛ نحو: قاتلت مُقاتلة، وشاتمت مُشاتمة.
ويقع
اسم الفعل على فِعال، نحو القِتال، والضراب.
واعلم
أن الفعلين إذا اتفقا في المعنى جاز أن يحمل مصدر أحدهما على الآخر ؛ لأن الفعل
الذي ظهر في معنى فعله الذي ينصبه. وذلك نحو قولك: أنا أدعك تركاً شديداً، وقد
تطويت انطواءً، لأن تطويت في معنى انطويت. قال الله عز وجل: " وتبتل إليه تبتبلا " لأن تبتل وبتل
بمعنى واحد. وقال: " والله أنبتكم من الأرض نباتاً " ولو كان على أنبتكم
لكان إنباتا، قال امرؤ القيس:
ورضت
فدلت صعبةً أي إذلال
ولو
كان على ذلت لكان: أي ذل. لكن رضت في معنى أذللت.
ويكون
الفعل على فعَّل فيكون مستقبله على يُفَعِّل ؛ لأنه في وزن فاعل، وأَفْعَل. فلذلك
وجب أن يكون مستقبله كمستقبلهما.
والمصدر
على التفْعِيل: نحو: قطعت تقطيعا، وكسرت تكسيرا .
وهذه
الأفعال الفصل بين فاعلها ومفعولها كسرةٌ تلحق الفاعل قبل آخر حروفه، وفتحة ذلك من
الحرف من لفعول ؛ نحو قولك: مُكرِم ومُكرَم، ومُقاتِل، ومُقَاتَلٌ، ومُقطَّع
ومُقطِّع.
وما
كان من للصادر التي أوائلها الميم، أو أسماء المواضع التي على ذلك الحد، أو
الأزمنة فعلى وزن المفعول ؛ لأنها مفعولات.
فالمصدر
مفعول أحدثه الفاعل، والزمان والمكان مفعول فيهما، وذلك قولك أنزلته منزلاً. قال
الله عز وجل: " ليدخلنهم مدخلا يرضونه " و " باسم الله مجراها ومرساها " .
وتقول:
هذا مقاتلنا: أي موضع قتالنا، كما قال:
أقاتل
حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا غم الجبان من الكرب
وتقول:
سرحته مسرحا، أي تسريحا. قال:
ألم
تعلم مسرحي القوفي ... فلاعيا بهن، ولا اجتلابا
ويكون
الفعل على افْتعَلَ فيكون مستقبله على يَفْتِعلُ.
والمصدر
الافْتِعال، ويكون الفاعل مُفْتعِلا. على ما وصفت.
ويكون
على انْفعَلَ وهو في وزن افْتعَل. ويكون للمستقبل يَنْفَعِل على وزن يفْتعِل وهو
بناءٌ لا يتعدى الفاعل إلى المفعول.
ومصدره
الانْفعِال على وزن الافْتِعال.
وفاعله
مُنْفعِل. ولا يقع فيه مفعول إلا الظرفان: الزمان والمكان. تقول: هذا يوم منطلق
فيه .
ويَنْفعِل
يكون على ضربين: فأحدهما: أن يكون لما طلوع الفاعل، وهو أن يرومه الفاعل فيبلغَ
منه حاجته. وذلك قولك: كسرته فانكسر، وقطعته فانقطع.
ويكون
للفاعل بالزوائد فِعْلا على الحقيقة ؛ نحو قولك: انطلق عبد الله، وليس على فعَلْته.
وفي
هذا الوزن إلا أن الإدغام يدركه، لأنك تزيد على اللام مثلها، وذلك قولك: احمر،
واخضر.
وأصله
احمرر.
يتبين
ذلك لك إذا جعلت الفعل لنفسك، وقلت: احمررت، لأ التضعيف يظهر إذا سكن آخره فيصير
احمررت على وزن انفعلت وافتعلت، والفاعل منه محمر وأصله محمرر، وهو فِعْل لا يتعدى
الفاعل ؛ لأن أصل هذا الفعل إنما هو لما يحدث في الفاعل، نحو احمر، واعور.
فان
وقع ذلك للمكان أو الزمان قلت: مكان محمر فيه، ومعور فيه.
ويكون
المصدر على مثال افْعِلال، نحو: الاحمرار والاصفرار فلذلك على زن الاْفتِعَال
والانْفعَال.
ويكون
الفعل على مثال اسْتفْعَلْت، نحو استخرجت، واستكثرت.
ويكون
مستقبله على يَسْتفْعِل، نحجو: يستخرج، ويستكثر.
ويكون
المصدر اسْتِفْعَالا ؛ نحو: استخراجا، واستكثارا.
والفاعل
مستخرج، والمفعول مستخرج.
ويكون
على مثال افْعَنْللْت، وافْعَوْعَلْت. إلا أن افْعَنْلَلَت ملحقة فنحتاج إلى أن نعيد
ذكرها في باب الأربعة. وذلك قولك: اقْعَنْسَسَ، وفي افْعَوْعَل: اغدودن .
والمصدر
كمصدر اسْتفْعَلْت. تقول من افْعَنْللْت: افْعِنْلالا، ومن افْعَوْعَلْت افْعِيعَالا. تقلب
الواو ياءً ؛ لأنكسار ما قبلها، وسكونها.
ويكون
على افْعَوَّلْت ؛ نحو: اعلوطت، تقول: اعلوط الرجل، إذا ركب دابته فضم بيديه على
عنقها إذا خاف السقوط.
والمصدر
اعلواطا. تصح الواو ؛ لأنها مشددة، وكما صحت الواو في الفعل صحت في المصدر.
ويكون
على افْعَاللْت فيكون على هذا الوزن ؛ إلا أن الإدغام يدركه. والأصل أن يكون على
وزن استخرجت وما ذكرنا بعدها. وذلك قولك: احماررت، واشهاببت، واحمار الدبة واشهاب.
والمصدر
افْعِيلال على وزن استخراج، وذلك قولك: احمار احمِيرارا. وهذا الوزن أكثر ما يكون عليه
الاسم حروفا، ولا يوجد اسم على سبعة أحرف إلا في مصدر الثلاثة والأربعة المزيدة.
ويكون
الفعل على تَفعَّلَ فيكون على ضربين: على المطاوعة من فعَّل فلا يتعدى، نحو قولك:
قطعته فتقطع، وكسرته فتكسر، فهذا للمطاوعة.
ويكون
على الزيادة في فِعْل الفاعل ؛ نحو: تقحمت عليه وتقدمت إليه.
والأصل
إنما هو من قحمته فتقحم، وقدمته فتقدم.
والمصدر
التَفَعُّل، نحو: التقدم، والتقحم فإذا كان على زيادة غير فَعَّلَ كان مثل تكلم
ومثل ما يقول النحويون: إنه يخرج من هيئة إلى هيئة، نحو: تشجع، وتجمل، وتصنع.
ويكون
على تَفَاعَل كما كان تَفَعَّل ؛ لأن هذه التاء إنما لحقت فعل وفاعل في الأصل.
فيكون على ضربين.
أحدهما: المطاوعة. وذلك نحو: ناولته فتناول، وليس
كقولك: كسرته فانكسر، لأنك لم تخبر في قولك: انكسر بفعل منه على الحقيقة، وأنت إذا
قلت: قدمته فتقدم، وناولته فتناول تخبر أنه قد فَعَلَ على الحقيقة ما أردت منه.
فإنما هذا كقولك: أدخلته فدخل.
ويكون
ضرب آخر، وهو أن يظهر لك من نفسه ما ليس عنده وذلك ؛ نحو تعاقل، وتغابى، وتغافل
كما قال:
إذا
تخازرت وما بي من خزر
والمصدر
التَّفَاعُل على وزن التفعُّل.
ففي
ما ذكرنا دليل لى كل ما يرد عليك من هذه الأفعال إن شاء الله.
هذا
باب معرفة
ألفات
القطع وألفات الوصل
وهن
همزات في أوائل الأسماء، والأفعال، والحروففما كان من ذلك أصلياً فهمزته مقطوعة،
لأنها بمنزلة سائر الحروف، وكذا إذا ألحقت بغير ما استثنيه لك. وذلك نحو قولك في الهمزة الأصلية: أب،
وأخ، والزائدة: أحمر، وأصفر تقول: رأيت أباك، وأخاك، وأحمر، وأصفر.
وفي
الأفعال الهمزة الأصلية ؛ نحو همزة أكل وأخذ. والزائدة همزة أعطى، وأكرم. تقول: يا
زيد أحسن، وأكرم
.
فأما
الهمزة التي تسمى ألف الوصل فموضعها الفِعْل. وتلحق من الأسماء أسماءٌ بعينها
مختلة. والمصادر التي أفعالها فيها ألف الوصل.
وإنما
دخلت على هذه الألف لسكون ما بعدها. لأنك لا تقدر على أن تبتدىء بساكن، فإذا وصلت
إلى التكلم بما بعدها سقطت.
وإنما
تصل إلى ذلك بحركة تلقى عليه، أو يكون قبل الألف كلام فيتصل به ما بعدها. وتسقط الألف، لأنها لا أصل لها وإنما دخلت
توصلا إلى ما بعدها ؛ فإذا وصل إليه فلا معنى لها.
فآية
دخولها في الفِعل أن تجد الياء في يَفْعَل مفتوحة. فمان كان كذلك فلحقته الألف فهي
ألف الوصل وذلك قولك: يضرب، ويذهب، وينطلق، ويستخرج. وذلك قولك: يا زيد اضرب، ويا
زيد انطلق، ويا زيد استخرج.
فإن
انضمت الياء في يَفْعل لم تكن الألف إلا قطعا. وذلك نحو: أحسن، وأكرم، وأعطى، لأنك
تقول: يكرم، ويحسن، ويعطى. تكون الألف ثابتة ؛ كما تكون دال دحرج ؛ لأن حروف
المضارعة تضم فيها كما تنضم مع الأصول في مثل قولك: يدحرج ويرامى.
فكل
ما كان من الفِعْل ألفه مقطوعةٌ، فكذلك الألف في مصدره، تقول: يا زيد أكرم إكراما،
وأحسن إحسانا.
وإذا
كانت في الفعل موصولة فكذلك تكون مصدره. تقول: يا زيد استخرج استخراجا، وانطلق
انطلاقا.
وهذه
الألف الموصولة أصلها أن تبتديء مكسورةً. تقول: اعلم، انطلق.
فإن
كان الثالث من يَفْعل مضموما ابتدئت مضمومةً. وذلك لكراهيتهم الضم بعد الكسر ؛ حتى
إنه لا يوجد في الكلام إلا أن يلحق الضم إعرابا، نحو قولك: فخذٌ كما ترى.
فكرهوا
أن يلتقى حرف مكسور وحرفٌ مضموم لا حاجز بينهما إلا حرفٌ ساكن، وذلك قولك في ركض
يركض، وعدا يعدو، وقتل يقتل إذا استأنفت: اركض برجلك، اعد يافتى، اقتل.
وكذلك
للمرأة. تقول: اُقْتلُي، لأن العلة واحدة، تقولها لها: اغزي اعدي ؛ لأن الأصل كان
أن تثبت الواو قبل الياء، ولكن الواو كانت في يعدو ساكنة، والياء التي لحقت
للتأنيث ساكنة. فذهبت الواو لالتقاء الساكنين، والأصل أن تكون ثابتة، فاستؤنفت ألف
الوصل مضمومةً على أصل الحرف، لأن يعدوا بمنزلة يقتل.
وكذلك
تقول: استضعفت زيد. انطلق به، اقتدر عليه. وقد مضى تفسير هذا.
وأما
وقوع ألفات الوصل للأسماء فقولك: ابن، واسم، وامرؤ، كما ترى.
فأما
ابن فإنه حرف منقوص مسكن الأول فدخلت لسكونه، وإنما حدث فيه هذا السكون لخروجه عن
أصله، وموضع تفسيره فيما نذكره من بنات الحرفين.
وكذلك
اسم.
فإن
صغرتهما أو غيرهما مما فيه ألف الوصل من الأسماء - سقطت الألف، لأنه يتحرك ما
بعدها فيمكن الابتداء به. وذلك قولك: بنى، وسمى، تسقط الألف وترد ما ذهب منهما.
وأما
مرؤ فاعلم فإن الميم متى حركت سقطت الألف.
تقول
هذا مرءٌ فاعلم، وكما قال تعالى " يحول بين المرء وقلبه " ، وهذا
مريىٌّء فاعلم.
ومن
قال: امرؤ قال في مؤنثه: امرأة، ومن قال: مرءٌ قال في مؤنثه: مرأة.
واعلم
أنك إذا قلت امرؤ فاعلم ابتدأت الألف مكسورة، وإن كان الثالث مضموما، وليس بمنزلة
اركض، لأن الضمة في اركض لازمة، وليست في قولك امرؤ لازمة لأنك تقول في النصب رأيت
امرأ، وفي الجر مررت بامرىء فليست بلازمة.
وأما
قولنا: إذا تحرك الحرف الساكن، فبتحويل الحركة عليه سقطت ألف الوصل.
فمن
ذلك أن تقول: اسأل فإن خففت الهمزة فإنّ حكمها - إذا كان قبلها حرف ساكن - أن تحذف فتلقى على الساكن حركتها، فيصير
بحركتها متحرّكا. وهذا نأنى على تفسيره في باب الهمزة إن شاء الله. وذلك قولك: سل
؛ لأنك لما قلت: اسأل
- حذفت
الهمزة فصارت: اسل فسقطت ألف الوصل لتحرك السين. قال الله عزّ وجل " سل بني إسرائيل " .
ومن
ذلك ما كانت الياء والواو فيه عينا ؛ قال، وباع، لأنك تقول: يقول، ويبيع فتحول
حركة العين على الفاء.
فإذا
أمرت قلت: قل، وبع ؛ لأنهما متحركتان.
ولو
كانتا على الأصل لقلت: قول، وبيع على مثال قتل، وضرب. يقول، ويبيع على مثال يقتل،
ويضرب، ولقلت: أقول ؛ كما تقول: اقتل، وقلت: ابيع ؛ كما تقول: اضرب لسكون الحرف.
ومن
ذلك ما كانت فاؤه واوا ووقع مضارعه على يَفْعِل ؛ لأنك تحذف الواو التي هي فاءٌ،
فتستأنف العين متحركة، فتقول: عِدْ، وزِنْ ؛ لأنهما من وعد، ووزن، يعد، ويزن
ففاؤهما واو تذهب في يَفْعِل. وإنما الأمر من الفعل المستقبل، لأنك إنما تأمره بما
لم يقع. وكل ما جاءك من ذا فعلى هذا فقس إن شاء الله.
ومن
ألفات الوصل الألف التي تلحق مع اللام للتعريف وزعم الخليل أنها كلمة بمنزلة قد
تنفصل بنفسها. وأنها في الأسماء بمنزلة سوف في الأفعال. لأنك إذا قلت: جاءني رجل
فقد ذكرت منكورا، فإذا أدخلت لألف واللام صار معرفة معهودا.
وإذا
قلت: زيد يأكل فأنت مبهم على السامع، لا يدري أهو في حال أكل أم يوقع ذلك فيما
يستقبل ؟ فإذا قلت: سيأكل، أو سوف يأكل فقد أبنت أنه لما يستقبل.
ولو
احتاج شاعر إلى فصل الألف واللام لاستقام ذلك. وكان جائزا للضرورة، كما يجوز مثله
في سوف، وقلّما، وقد، ونحوها من الحروف التي تكون أصلا للأفعال كما قال حيث اضطر
الشاعر:
صددت
فأطولت الصدود وقلما ... وصالٌ على طول الصدود يدوم
وإنما
قلما للفعل. وعلى هذا قال الشاعر حيث اضطر:
دع
ذا وعجل ذا وألحقنا بذل ... بالشحم إنا قد مللناه بجل
ففصل
الألف واللام على أنّه قد ردهما في البيت الثاني.
وقد
شرحت لك أنّ هذه الألف إذا اتصلت بالاسم الذي فيه كلام قبله سقطت إذ كانت زائدة،
لسكون ما بعدها. تقول: أستخرجت من زيد مالا ؟ إذا كنت مستفهما ؛ لأن ألف الاستفهام
لما دخلت سقطت ألف الوصل، فمن ثمّ ظهرت ألف الاستفهام مفتوحة. قال الله عز وجل
" سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم " فذهبت ألف الوصل.
فإن
لحقت ألف الاستفهام ألف الوصل التي مع اللام لم تحذف ؛ لأنها مفتوحة، فلو حذفت لم
يكن بين الاستفهام والخبر فصل، ولكنها تجعل مدة. فتقول: آلرجل قال ذاك ؟ آلغلام
ضربك ؟ وكذا حكم كلّ ألف وصل تقع مفتوحةٌ. ولا نعرفها مفتوحة إلا التي مع اللام،
وألف ايم التي تقع في القسم ؛ فإنك إذا استفهمت عنها قلت: آيم الله لقد كان ذاك ؟
والعلة الفرق بين الخبر والاستخبار.
هذا
باب
تفسير
بنات الأربعة
من
الأسماء والأفعال بما يلحقها من الزوائدفالاسم من بنات الأربعة يكون على مثال فُعْلُول.
وذلك ؛ نحو قولك: عصفور، وزنبور فالواو وحدها زائدة.
ويكون
على مثال فِعْلِيل ؛ نحو دهليز، وقنديل.
ويكون
على مثال فِعْلال ؛ نحو سرداح، وحملاق.
ويكون
على مثال فُعالِل، نحو عذافر، وعلابط.
وتلحق
الأفعال الزوائد. فيكون على مثال تَفَعْلَلَ. وذلك ؛ نحو: تدحرج، وتسرهف وهذا مثال
لا يتعدّى ؛ لأنه في معنى الانفعال وذلك قولك: دحرجته فتدحرج، وسرهفته فتسرهف.
ويكون
بالزوائد على مثال افْعَلَل وذلك، نحو احرنجم، واخرنطم وألف هذا موصولة ؛ لأنك إذا
قلت: يحرنجم فتحت الياء.
وقد
مضى تفسير هذا. وفيما كتب لك دليل على المعرفة بموضع الزوائد.
هذا
بابما كان فاؤه واواً من الثلاثة
اعلم
أن هذه الواو إذا كان الفعل على يَفْعِل سقطت في المضارع. وذلك قولك: وعد يعد،
ووجد يجد، ووسم يسم.
وسقوطها
؛ لأنها وقعت موقعا تمتنع فيه الواوات.
وذلك
أنها بين ياء وكسرة وجعلت حروف المضارع الأخر توابع للياء ؛ لئلاّ يختلف الباب
ولأنه يلزم الحروف ما لزم حرفا منها ؛ إذ كان مجازها واحدا.
وقد
بينت لك أنه إذا اعتل الفعل اعتل المصدر إذا كان فيه مثل ما يكون في الفعل.
فإن
كان المصدر من هذا الفعل على مثال فَعْلٍ ثبتت واوه ؛ لأنه لا علة فيها. وذلك
قولك: وعدته وعدا، ووصلته وصلا.
وإن
بنيت المصدر على فِعْلَة لزمه حذف الواو ؛ وكان ذلك للكسرة في الواو، وأنه مصدر
فِعْل معتل محذوف.
وذلك
قولك: وعدته عدةً، ووزنته زنة.
وكان
الأصل وعدة، ووزنة، ولكنك ألقيت حركة الواو على العين ؛ لأن العين كانت ساكنة، ولا
يبتدأ بحرف ساكن.
والهاء
لازمة لهذا المصدر ؛ لأنها عوض مما حذف ؛ ألا ترى أنك تقول: أكرمته إكراما، وأحسنت
إحسانا. فإن اعتلّ المصدر لحقته الهاء عوضا لما ذهب منه. وذلك قولك: أردت إرادةً، وأقمت إقامةً. ولو صحّ
لقلت فيه: أقومت إقواما، ولم تحتج إلى الهاء. وكذلك عدة، وزنة.
ولو
بنيت اسما على فِعْلَة غير مصدر لم تحذف منه شيئاً ؛ نحو قولك: وجهة ؛ لأنه لا يقع
فيه فعَل يَفْعِل، وإن كان في معنى المصادر.
وإنما
اعتل المصدر للكسرة، واعتلال فعله. فإن انفرد به أحدهما لم يعتلل، ألا ترى أنك
تقول: وعدته وعدا.
ومثل
ذلك خوان، لم تنقلب واوه ياءً، لأنه ليس بمصدر.
وكذلك
الجوار لا يعتلّ، لأنه مصدر جاورت ؛ فيصحّ كما صح فعله.
وتقول: قمت قياما، فيعتل المصدر لاعتلال فعله،
والكسرة التي فيه. واو قلت: قلت قولا لصحّ المصدر ؛ لأنه لا علّة فيه، وهو بمنزلة
وعدا من وعدت.
فإن
كان الفعل على فِعَلَ كان مضارعه صحيحا إذا كان على يَفْعَل وذلك قولك: وجل يوجل،
ووحل يوحل، ووجع الرجل يوجع، لأن الواو لم تقع بين ياءٍ، وكسرة.
وثبات
الواو بعد الياء إذا لم تكن كسرة غير منكر كقولك: يوم، وما أشبهه. وقد استنكر ذلك
بعضهم. وله وجه من القياس. فقالوا: يبجل، وييحل. وليس ذلك بجيد ؛ لأن القلب إنما
يجب إذا سكن أول الحرفين، نحو: سيد، وميت. وأصلهما سيود، وميوت ؛ لأنه من ساد
يسود، ومات يموت. وكذلك ليّة. إنما هي لوية، لأنها من لويت.
وقال
قوم: نكسر أوائل المضارعة، لتنقلب الواو ياءً ؛ لأن الواو الساكنة إذا انكسر ما
قبلها انقلبت ياءً، كما ذكرت لك في ميزان، وميعاد، فقالوا: نقول: ييجل، وييحل.
ولو
كسروا الأحرف الثلاثة: الهمزة والتاء والنون، لكان قياسا على قولك بالكسر في باب
فَعِل كلّه إذا قلت: أنا إعلم، وأنت تعلم. ولكن لما كسروا الياء في ييجل علمنا أن
ذلك ؛ لتنقلب الواو ولولا ذلك لم يكسروا الياء وهذا قبيح لإدخالهم الكسر في الياء.
وقال
قوم - وهم أهل الحجاز - : نبدلها على ما قبلها فنقول: يا جل ويا حل. وهم الذين
يقولون: موتعد، وموتزن، ويا تعد ويا تزن.
وهذا
قبيح ؛ لأن الياء والواو إنما تبدلان إذا انفتح ما قبلهما، وكلّ واحدة منهما في
موضع حركة ؛ نحو: قال، وباع، وغزا، ورمى.
فأما
إذا سكنا وقبل كلّ واحدة منهما فتحةٌ فإنهما غير مغيرتين ؛ نحو قولك: قول، وبيع.
وكذا إن سكن ما قبلهما لم تغيرا ؛ كقولك: رمى، وغزو.
وإنما
القياس، والقول المختار يوجل، ويوحل. وهذه الأقاويل الثلاثة جائزة على بعد.
هذا
باب
ما
لحقته الزوائد من هذا الباباعلم أنك إذا قلت: افْتَعَل، ومُفتْعَل ما تصرف منه فإن
الواو من هذا الباب تقلب فيه تاءً. وذلك الاختيار، والقول الصحيح.
وإنما
فعلوا ذلك، لأن التاء من حروف الزوائد والبدل. وهي أقرب الزوائد من الفم إلى حروف
الشفة .
فإن
قلت: إن السين من حروف البدل فسنبين أن السين ليست من حروف البدل، وإنما تلزم
استفعل، وما تصرف منه. وقد مضى تفسير هذا.
وقد
كانت التاء تبدل من الواو في غير هذا الباب في مثل قولك: أتلج وإنما هو من ولج.
وكذلك
فلان تجاه فلان، وهو فُعال من الوجه، والتراث من ورثت. والتخمة من الوخامة. وهذا
أكثر من أن يحصى. فلما صرت إلى افتعل من الواو كرهوا ترك الواو على لفظها، لما
يلزمها من الانقلاب بالحركات قبلها. وكانت بعدها تاء لازمة، فقبلوها تاءً،
وأدغموها في التاء التي بعدها. وذلك قولك: اتعد، واتزن، ومتعد، ومتزن، ومتجل من
وجلت.
وكانت
الياء من قبل الزوائد مخالفةً للواو فيما فاؤه واوٌ وذلك قولك: يبس ويئس إذا قلت:
ييبس وييئس وكذلك ما كان فعَلَ منه مفتوحا، نحو يعر الجدى ييعر، وينع يينع، لم
تحذف الياء لوقوعها بين الياء والكسرة، لأنه ليس فيها ما في الواو. فلذلك ثبت، كما
ثبتت ضاد يضرب، وعين يَفْعَل .
فمن
قال في يبس، ويئس: ييبس، وييأس فهو على قياس من قال: يوجل.
وبعض
ما يقول: يا جل يقول: ياءس ويابس. وهذا ردىء جداً.
فإذا
صرت إلى باب يَفْتَعِل، ومُفْتَعِل صارت الياء في البدل كالواو تقول: متبس، ومتئس .
وإنما
صارت كذلك، لان الياء إذا انضم ما قبلها صارت واوا، لسكونها، فالتبست بالواو ولأن
الواو إذا انكسر ما قبلها صارت ياءً، ألا ترى أنك تقول: موسر، وموقن. فتقلب الياء
واوا، كما فعلت ذلك بالواو في ميزان. فقد خرجنا في مفْتَعل إلى باب واحد فأما من
يقول: يا جل فإنه يقول: ياتئس، وياتزن، وموتئس، وموتزن.
فإذا
أراد افتعل قال: ايتزن الرجل. ويقول: ايتبس إذا أرادوا افتعل من اليبس. ويقيس هذا
أجمع على ما وصفت لك وهو قول أهل الحجاز. ولأصل والقياس ما بدأنا به.
والضمة
مستثقلة في الواو، لأنها من مخرجها، وهما جميعا من أقل المخارج حروفا. ونبين هذا
في بابه إن شاء الله
.
فمتى
انضمت الواو من غير علة فهمزها جائز. وذلك قولك في وجوع: أجوه، وفي وعد: أعد.
ومن
ذلك قوله " وإذا الرسل أقتت " إنما هي فُعِّلت من الوقت، وكان أصلها
وقتت.
وأما
قولنا: إذا انضمت لغير علة، فإن العلة أن يحدث فيها حادث إعراب وذلك قولك: هذا
غزوٌ وعدو.
ويكون
لالتقاء الساكنين كقولك: اخشوا الرجل " لترون الجحيم " " ولا تنسوا
الفضل بينكم
" .
وإنما
وجب في الأول ما لم يجب في هذا، لأن الضمة هناك لازمة.
تقول:
وُعِدَ، فلا تزايلها الضمة ما كانت لما لم يسمّ فاعله.
وفي
قولك: وجوه لا يكون على غير هذه البنية. وكذلك كلّ ما كانت ضمّته عل هذه البنية.
فأما
من ضم للإعراب فإن ضمته لعلة، متى زالت تلك العلة زالت الضمة. تقول: هذا غزوٌ.
ورأيت غزواً، ومررت بغزو، فالضمة مفارقة.
وكذلك
ما ضم لالتقاء الساكنين ؛: إنما ضمته إذا وقع إلى جانب الواو ساكن، نحو اخشوا
الرجل. فإن وقع بعدها متحرّك زالت الضمة ؛ نحو قولك: اخشوا زيدا، واخشوا عبد الله.
فإن
انكسرت الواو أوّلا فهمزها جائز. ولا تهمزها مكسورةً غير أول، لعلةٍ نذكرها إن شاء
الله.
وذلك
في قولك وسادة: إسادة، وفي وشاح: إشاح.
وإن
التقت في أول الكلمة واوان ليست إحداهما للمدّ لم يكن بدّ من همز الأولى ؛ إذ كنت
مخيرا في همز الواو إذا انضمت.
وذلك
قولك في تصغير واصل: أَوَيْصَل. وكان أصلها: وُوَيْصِل ؛ لأن في واصل ؛ لأن في واصل
واوا، وألف فاعل تبدل في التصغير واوا. تقول في ضارب: ضويرب.
وجمع
التكسير بمنزلة التصغير. وذلك قولك في جمع ضاربة: ضوارب. فتقلب الألف واوا،
فاجتمعت في واصل واوان إذا صغرته، أو جمعت واصلة، تقول في جمعها: أواصل.
وكذلك
تصغير واقد.
ولو
قيل لك: ابن من وعد فَوْعَل لقلت: أوعد. وكان أصلها ووعد ؛ لأن واوا من الأصل،
وبعدها واو وفَوْعَل، فهمزت الأولى على ما وصفت لك.
وأما
قولنا: إلاّ أن تكون الثانية مدّة فإن المدة الألف، والياء المكسور ما قبلها،
والواو المضموم ما قبلها.
فإذا
التقت واو في أول الكلام إلى جانبها واو، والأولى مضمومة - فإن شئت همزة الأولى
لضمها، ولا يكون ذلك لازماً ؛ لأن الواو التي هي مدة ليست بلازمة. وذلك إذا أردت مثل قوول زيد، وهو فُوعِلَ
من قاولت ومن وعدت تقول: ووعد زيد. وإن شئت همزت الواو لضمها، وليست من أجل اجتماع
الواوين ؛ لو كان لذلك لم يجز إلا الهمز، ولكن المدة بدل من ألف واعد، وليست
بلازمة، إنما انقلبت واوا لما أردت بناء ما لم يسمّ فاعله. ومثل ذلك قول الله عز
وجل " ماووري عنهما من سوآتهما " ؛ واو كان غير القرآن لكان همز الواحد
جائزا.
وأما
الياء فلا يلحقها من الهمز ما يلحق الواو لخروجها من العلة وصحتها فيما تعتل فيه
الواو من باب وعدت.
هذا
باب
الواو
أو الياء منه في موضع العين من الفعلفإذا كانت واحدة منهما عينا وهي ثانية فحكمها
أن تنقلب ألفا في قولك: فعَلَ. وذلك نحو قولك: قال، وباع.
وإنما
انقلبت ؛ لأنها في موضع حركة، وقد انفتح ما قبلها. وقد تقدم قولنا في هذا.
فإذا
قلت: يَفْعل فما كان من بنات الواو فإنَّ يفعل منه يكون على يَفْعُل كما كان قتل
يقتل، ولا يقع على خلاف ذلك. لتظهر الواو. وذلك قولك: قال يقول، وجال يجول، وعاق
يعوق.
وكان
الأصل يعوق، ويجول مثل يقتل. ولكن لما سكنت العين في فَعَلَ سكنت في يفْعُل، لئلا
يختلف الفِعْلان. ألا ترى أنك تقول: دعي، فتقلب الواو ياءً لكسرة ما قبلها. فإذا قلت:
يدعى كانت ألفها منقلبة من ياءٍ. ويدلّك على ذلك قولك: هما يدعيان، فإنما انقلبت
في يدعيان إتباعا لدعي، فكذلك ما ذكرت لك. وتبين هذا موضعه بغير ما ذكرنا من الحجج
إن شاء الله.
وإذا
قلت: يَفْعل في فَعَلَ من الياء كان على يَفْعِل كما كان ضرب يضرب. ولم يبن على
غير ذلك لتسلم الياء. وذلك قولك: باع يبيع، وكال يكيل، فأسكنت الياء من الأصل من
قولك: يبيع، ويكيل.
فإذا
قلت: فعلت من الواو لزمك أن تلقى حركة العين على الفاء، كما فعلت ذلك في يَفْعُل،
وتسقط حركة الفاء، إلا أنك تفعل ذلك بعد أن تنقلها من فَعَلْت إلى فَعُلْت لتدلّ
الضمة على الواو ؛ لأنك لو أقررتها على حالها لاستوت ذوات الواو وذوات الياء. وذلك قولك: قلت، وجلت.
فإن
قال قائل: إنما قلت فَعُلْت في الأصل وليست منقلبة. قيل له: الدليل على أنها
فَعَلت قولك: الحق قلته، ولو كانت في الأصل فَعُلْت لم يتعد إلى مفعول. لأن فَعُلت
إنما هو فعل الفاعل في نفسه ؛ ألا ترى أنك لا تقول: كرمته، ولا شرفته، ولا في شيءٍ
من هذا الباب بالتعدي.
وإذا
قلت: فَعَلْت من الياء نقلتها إلى فَعِلْت لتدل الكسرة على الياء ؛ كما دلّت الضمة
على الواو. وذلك قولك: بعت، وكلت.
فإن
قال قائل: ما تنكر من أن تكون فَعِلت في الأصل ؟ قيل: لأن مضارعها يَفْعِل. تقول:
باع يبيع، وكال يكيل.
ولو
كانت فَعِلَ لكان مضارعها يَفْعَل ؛ نحو شرب يشرب، وعلم يعلم.
وقد
تدخل فَعِل على ذوات الياء والواو، وهما عينان، كما دخلن عليهما وهما لامان في
قولك: لقي، وشقى، وغبي، وذلك قولك: خفت، وهبت، إنما فَعِلت في الأصل، يدلك على ذلك
يخاف، ويهاب.
فإن
قال قائل: فلم لا نقلت خفت إلى فَعُلْت ؛ لأنها من الواو فتنقلها من فَعِل إلى
فَعُل ؟ قيل: إنما جاز في فَعَل التحويل ؛ لاختلاف مضارعه ؛ لأن ما كان على فَعَل
وقع مضارعه على يَفْعِل، ويَفْعُل و يَفْعَل إن كان فيه حرف من حروف الحلق ؛ نحو:
صنع يصنع، وذهب يذهب.
وما
كان من فَعِل فيَفْعَل لازم له. وقد ذكرت لك لزوم الفِعْلِ بعضه بعضا في اعتلاله
وصحّته ؛ أعني المضارع والماضي.
هذا
باب
اسم
الفاعل والمفعول من هذا الفعلفإن بنيت فاعلا من قلت، وبعت لزمك أن تهمز موضع العين
؛ لأنك تبنيه من فِعْل معتلٍّ، فاعتل اسم الفاعل لاعتلاله فِعْله، ولزم أن تكون
علته قلب كلّ واحد من الحرفين همزة، وذلك قولك: قائل، وبائع ؛ وذاك أنه كان قال:
وباع، فأدخلت ألف فاعِل قبل هذه المنقلبة ؛ فلما التقت ألفان - والألفان لا تكونان
إلاّ ساكنتين لزمك الحذف لالتقاء الساكنين، أو التحريك. فلو حذفت لالتبس الكلام،
وذهب البناء، وصار الاسم على لفظ الفعل، تقول فيهما: قالٌ: فحركت العين لأن أصلها
الحركة، والألف إذا حركت صارت همزة. وذلك قولك: قائل، وبائع.
فإن
قلت فما بالك تقول: هو عاور غدا وجملك صايدا غدا من الصيد ؟ قيل: صح الفاعل لصحة
فِعْله ؛ لأنك تقول عور، وصيد، وحول، وصيد البعير يصيد فتقول: ما باله يصح ولا
يكون كقال، وباع ؟ قيل: لأنه منقول مما لابد أن يجري على الأصل لسكون ما قبله. وما
بعده. وذلك قولك: اعورّ، واحولّ ؛ فإنما عور، وحول منقول من هذا ؛ ألا ترى أنك
تقول: اختار الرجل، وابتاع، ثم تقول: اعتونوا، وازدوجوا، فيصح ؛ لأنه منقول من
تعاونوا، وتزاوجوا ؛ لأن هذا لا يكون للواحد.
فإن
بنيت مفعولا من الياء أو الواو، قلت في ذوات الواو: كلام مقولٌ، وخاتم مصوغ.
وفي
ذوات الياء: ثوب مبيع، وطعام مكيل، وكان الأصل مكيول، ومقوول، ولكن لما كانت العين
ساكنة كسكونها في يقول، ولحقتها واو مفعول، حذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكنين.
ومبيع
لحقت الواو ياءً وهي ساكنة، فحذفت إحداهما ؛ لالتقاء الساكنين.
فأما
سيبويه، والخليل فإنهما يزعمان أن المحذوف واو مفعول ؛ لأنها زائدة. والتي قبلها
أصليّة، فكانت الزيادة أولى بالحذف. والدليل على هذا عندهما مبيع ؛ فلو كانت الواو
ثابتة والياء ذاهبة لقالوا: مبوع.
وأما
الأخفش فكان يقول: المحذوفة عين الفعل ؛ لأنه إذا التقى ساكنان حذف الأول، أو حرّك
لالتقاء الساكنين. فقيل للأخفش: فإن كان الأول المحذوف فقل في مبيع: مبوع ؛ لأن
الياء من مبيع ذهبت والباقية واو مفعول.
فقال:
قد علمنا أن الأصل كان مبيوع، ثم طرحنا حركة الياء على الباء التي قبلها ؛ كما
فعلنا في يبيع، وكانت الياء في مبيوع مضمومة، فانضمت الباء، وسكنت الباء، فأبدلنا
من الضمة كسرة لتثبت الياء، ثم حذفنا لالتقاء الساكنين، فصادفت الكسرة واو مفعول،
فقلبتها ؛ كما تقلب الكسرة واو ميزان، وميعاد. وقوله: " أبدلنا من الضمة كسرة
لتثبت الياء " إنما يريد كما فُعِل في بيض، لأن بيضا أصله فُعْل جميع فعلاً
جمع أَفْعَل الذي يكون نعتا ؛ كقولك: أحمر وحمر، وأصفر، وصفر فكذا القياس في أبيض
ولكن أبدلوا من الضمّة كسرة.
فقيل
للأخفش: قد تركت قولك، لأنه يزعم أنه يَفعَل ذلك في الجمع، ولا يفعله في الواحد،
لعله نذكرها في باب الجمع إن شاء الله، وكان يقول: لو صغت فُعْلا من البياض تريد به
واحدا لقلت: بوض.
فأما
سيبويه والخليل وغيرهما من النحويين البصريين فيقولون: معيشة يجوز أن تكون
مَفْعُة، ويجوز أن تكون مَفْعِلة ولكن تقلب ضمتها كسرة حتى تصح الباء، كما قالوا
في بيض.
وكذلك
قولهم في ديك، وقيل يجوز أن يكون فِعْلا. ويجوز أن يكون فُعْلا، لا يفرقون في ذلك
بين الواحد والجمع.
فإذا
اضطر شاعر جاز له أن يرد مبيعا وجميع بابه إلى الأصل، فيقول: مبيوع ؛ كما قال
علقمة بن عبدة:
حتى
تذكر بيضاتٍ وهيجه ... يوم الرذاذ عليه الدجن مغيوم
وأنشد
أبو عمرو بن العلاء:
وكأنها
تفاحةٌ مطيوبةٌ
وقال
آخر:
نبئت
قومك يزعمونك سيدا ... وإخال أنك سيدٌ مغيون
فأما
الواو فإن ذلك لا يجوز فيها، كراهيةٌ للضمة بين الواوين ؛ وذلك أنه كان يلزمه أن
يقول: مقوول، فلهذا لم يجز في الواو ما جاز في الياء.
هذا
قول البصريين أجمعين، ولست أراه ممتنعا عند الضرورة، إذ كان قد جاء في الكلام مثله،
ولكنه يعتل لاعتلال الفِعْل. والذي جاء في الكلام ليس على فِعْل، فإذا اضطر الشاعر
أجرى هذا على ذاك.
فمما
جاء قولهم: النوور، وقولهم: سرت سوورا ونحوه، قال أبو ذئيب:
وغير
ماء المرد فاها فلونه ... كلون النؤور وهي أدماء سارها
وقال
العجاج:
كأنّ
عينيه من الغوور
وهذا
أثقل من مَفْعول من الواو لأن فيه واوين وضمتين. وإنما ثم واوان بينهما ضمة.
هذا
باب
ما
لحقته الزوائد من هذه الأفعالاعلم أن أصل الفعل من الثلاثة فَعَلَ فمتى لحقته زائدة
فإنها تلحقه بعد اعتلاله، أو صحته .
فما
كان معتلاً وقبل يائه أو واوه حرف متحرك، فقصته قصة فَعَلَ في الانقلاب. وإن كان قبل كل واحد منهما ساكن طرحت حركة
حرف المعتل على الساكن الذي قبلها لئلا يلتقي ساكنان ؛ لأنك إذا سلبت المعتل حركته
سكن، وأبدلته ؛ لأن الزيادة إنما لحقته بعد أن ثبت فيه حكم البدل .
فمن
ذلك أن تلحقه الهمزة في أوله فتقول: أقام، وأصاب، وأجاد، ونحو ذلك. والأصل أقوم،
وأجود، كما أن أصل قال قول، وأصل باع بيع. فطرحت حركة الواو، والياء على موضع
الفاء من الفعل، وقلبت التي تطرح حركتها إلى الحرف الذي حركتها منه: إن كانت
مفتوحة قلبتها ألفاً، وإن كانت مضمومة قلبتها واواً، وإن كانت مكسورة قلبتها ياءً .
وذلك
قولك: أقام للفتحة
.
وتقول
في المضارع: يقيم ؛ لأن أصله يقوم. فهذا مثل يقول لأن أصله يقول على وزن يقتل.
الياء والواو في ذلك سواء .
فإن
بنيت منه مصدرا قلت: إقامة، وإرادة، وإبانة، وكان الأصل إقوامة، وإبيانة، ولكنك
فعلت بالمصدر ما فعلت بالفعل، فطرحت حركة الواو أو الياء على ما قبلها. فصارت
ألفاً ؛ لأنها كانت مفتوحة، وإلى جانبها ألف الإفعال. فحذفت إحدى الألفين لالتقاء
الساكنين .
فأما
سيبويه والخليل فيقولان: المحذوفة الزائدة. وأما الأخفش فيقول: المحذوفة عين
الفعل، على قياس ما قال في مبيع. كلا الفريقين جارٍ على أصله .
والهاء
لازمة لهذا المصدر عوضا من حذف ما حذف منه: لأن المصدر على أَفْعلت إِفْعالا ؛ نحو
قولك: أكرمت إكراما، وأحسنت إحسانا. فكان الأصل أقومت إقواما فلما لزمه الحذف دخلت
الهاء عوضا مما حذف ؛ إذن كلت الهاء لا تمتنع منها المصادر، إذا أردت المرة الواحدة.
ويكون فيها على غير هذا المعنى والعوض ؛ كقولهم: بطريق، وبطاريق، وزنديق وزناديق،
فإن حذفت الياء دخلت الهاء فقلت: بطارقة وزنادقة ؛ لأن الجمع مؤنث، فأدخلت الهاء ؛
لأنها تدخل فيما هو موضع لها ؛ ألا ترك تقول: صيقل وصياقلة، وحمار وأحمرة.
وكل
ما لزمه حذفٌ من هذا الباب بغير هذه الزائدة فحاله في العوض كحال ما لحقته الزيادة
التي ذكرناها.
وذلك
قولهم: استقام استقامة، واستطاع استطاعة ؛ لأنه كان في الأصل استطوع استطواعا ؛
كما تقول: استخرج استخراجا. فلما حذفت لالتقاء الساكنين عوّضت.
فأما
قولك: انقاد انقيادا، واختار اختيارا، فإنه على تمامه ؛ لأن الياء المنكسر ما
قبلها منفتحةٌ في هذه المصادر، فإنما هن بمنزلة الياء في النصب في أواخر الأسماء،
والأفعال إذا كان ما قبلها مكسورا ؛ نحو قولك: رأيت قاضيا يا فتى، ويريد أن يقضى
فاعلم، ولكنها تتقلب في الانقياد، ونحوه من الواو، فيكون هذا اعتلالها.
وذلك
أن قولك: قياد من انقياد مثل قيام الذي هو مصدر قمت، فانقلب على جهة واحدة.
وفي
هذه الجملة ما يدل على ما يرد عليك من هذا الباب إن شاء الله.
فإن
بنيت شيئا من هذه الأفعال بناء ما لم يسم فاعُله فإنك تجريها مجرى الثلاثة في
القلب، وتسلم صدرها ؛ لأنها في إلحاق الزوائد كالصحيح من الأفعال وذلك قولك فيما
كان من أَفْعَل: قد أقيم عبد الله. فتلقى حركة الواو على ما قبلها: لأنها كانت
قبل: أقوم عبد الله ؛ مثل أخرج، فحولت الحركة على القاف فانكسرت القاف وسكنت الواو
فانقلبت ياءً، لسكونها وكسرة ما قبلها. والأصل في هذا ما ذكرت لك في باب أَفعل.
فإن
قلت: قد اختير، وانقيد ضممت ألف الوصل ؛ لأن حق هذا الكلام أن يكون افتعل، وانفعل،
ولكنّك طرحت حركة العين على ما قبلها كما فعلت في قيل، وبيع، لأن تير من اختير، و
قيد من انقيد بمنزلة قيل، وبيع. وقد مضى القول في هذا.
وكذلك
اسُتْفُعْلِ ؛ نحو استطيع.
ومن
كان قوله: قد بوع، وقُول فعل ههنا كما فَعَلَ ثم.
ومن
رأى الإشمام أشمّ ههنا، فالمجرى واحد.
هذا
باب
الأسماء
المأخوذة من الأفعالاعلم أن كل اسم كان على مثال الفعل، وزيادته ليست من زوائد
الأفعال، فإنه منقلب حرف اللين كما كان ذلك في الأفعال، إذ كان على وزنها وكانت
زيادته في موضع زيادتها.
والنحويّون
البصريّون يرون هذا جاريا في كل ما كان على هذا الوزن الذي أصفه لك.
ولست
أراه كذلك، إلا أن تكون هذه الأسماء مصادر فتجري على أَفْعالها.
أو
تكون أسماءً لأزمنة الفعل، أو لأمكنته الدالة على الفِعْل.
فأما
ما صيغ منها اسما لغير ذلك فليس يلازمه الاعتدال ؛ لبعده من الفِعْل. وسنأتي على
شرح ذلك إن شاء الله.
تقول
في مَفْعَل - إذا أردت به مذهب الفعل من القول والبيع وما كان مثل واحد منهما - :
مقال ومباع، لأنه في وزن أقال، وأباع. فالميم في أوّله كالهمزة في أوّل الفعل، فلم
تخف التباسا، لأن الميم لا تكون من زوائد الأفعال.
فإن
بنيت منه شيئا على مُفْعَل قلت: مقال، ومراد ؛ كما كنت تقول: يقال، ويراد.
فإن
صغت اسما لا تريد به مكانا من الفعل، ولا زمانا للفعل، ولا مصدرا قلت في مَفْعَل
من القول: هذا مقول، ومن البيع: مبيع ؛ كما قالوا في الأسماء: مزيد. وقالوا: إن الفكاهة مقودةٌ إلى الأذى.
وعلى
هذا قالوا: مريم، ولو كان مصدرا لقلت: مراما، وهذا مرامك إذا أردت الموضع الذي
تروم فيه، وكذلك الزمان.
وعلى
هذا استخرت مستخارا في معنى الاستخارة وانقدت منقادا في معنى قولك: انقيادا.
واعلم
أن المصدر واسم المكان والزمان بزيادة الميم في أوائلها يكون لفظها لفظ المفعول
إذا جاوزت الثلاثة من الفِعْل. وذلك ؛ لأنها مفعولات. وذلك نحو قوله: " وقل ربي
أنزلني منزلا مباركا " " وباسم الله مجراها ومرساها " ،
وما أشبه ذلك.
فأما
الفاعل منها فيجرى على وزن يُفْعِل، إلا أن الميم في أول اسمه مضمومة، ليفصل بين
الاسم والفعل.
والمفعول
يجرى على مثال ؟ يُفْعَل ؛ إلا أن الميم في أوله مضمومة لأنه اسم ؛ والميم آية الأسماء
فيما كان من الأفعال المتزيدة، وذلك قولك للفاعل: مقيم، ومريد ؛ لأن فعله يقيم،
ويريد.
والمفعول
مقام، ومراد، على مثال يقام، ويراد.
فإن
كانت هذه الميم في اسم ولم يكن بها على مثال الفعل فالاسم تامٌ.
وذلك
قولك: رجل مقول، ومخيط، ومشوار، من الشارة والهيئة، ومسوك. فيتم ؛ لأنه إنما اعتل
الاسم لإجرائه على الفعل، فلما خرج عن ذلك كان على أصول الأسماء.
ولو
بنيت مثل جعفر من قلت وبعت لقلت: قولل وبيعع. فإن قال قائل: هذا مما تلزمه العلّة،
لأنه على مثال دحرج، قيل له: يمتنع هذا من العلة لشيئين: أحدهما: الإلحاق بدحرج ؛ لأن الملحق بالأصلي يقع
على مثاله.
والعلة
الأخرى: أن الياء والواو، لا تقع واحدة منهما أصلا في ذوات الأربعة، إلا فيما كان مضاعفا
؛ نحو الوحوحة، والوعوعة، وما كان مثله. فلهذا امتنعنا من العلة في هذا البناء
ونبين هذا في موضعه بعد مقدمته إن شاء الله.
فإن
كانت الياء والواو بعد حرف متحرك، لم تلق على ما قبلها حركة واحدة منهما، لأن قياس
المتحرك الذي قبلهما قياس قاف قال، وباء باع وذلك قولك. اختار الرجل، وانقاد
وأصلهما اختير وانقود ؛ لأن اختار انفعل من الخير، وانقاد انفعل من القود فصارت
أواخرها كقال، وباع. فما كان يلزم في ذاك فهو في هذا لازم فهذه جملة كافية فيما
يرد عليك من بابها إن شاء الله.
فإن
كانت زوائد الأسماء كزوائد الأفعال لم يكن في الأسماء إلا التصحيح ؛ لئلاّ يلتبسا
وذلك أنك لو بنيت أَفْعَل من القول والبيع اسما لقلت: أقول، وأبيع يا فتى، كما تقول:
زيد أقول الناس، وأبيعهم ؛ لئلاّ يلتبسا بمثل أخاف، وأراد، وما أشبهه.
وعلى
هذا تقول: أقولة وأبيعة، لئلاّ يلتبس بقولك: أبيع وما أشبهه.
وكذلك
أبيناء ؛ لأن ألف التأنيث لا يعتد بها فالكلام بغير الألف إنما هو افْعَل فهذا مما
لا اختلاف فيه بين النحويين.
فإن
كانت الزائدة لا تبلغ به مثال الأفعال، فإن الاسم عند سيبويه، والخليل، وغيرهما من
البصريين.
وكذلك
إذا كان بينه وبين مثال الأفعال فصل بحركة.
فيقولون: لو بنينا مثل تِفْعِل من القول لقلنا:
تقيل. وكان أصله تقول، ولكنا ألقينا حركة الواو على ما قبلها، فسكنت وقبلها كسرة
فانقلبت ياءً.
فلو
قلناه من البيع لقلنا: تبيع.
وكذلك
لو بنينا تُفْعُل منهما لقلنا: تقول وتبوعٌ ؛ كما يقولون فيما لحقته الميم، وليس
بمشتقّ من الفعل مصدرا ولا مكانا.
وقالوا:
فعل هذا: لأن زيادته من زيادة الأفعال، والحركة قد رفعت اللبس.
ولا
أراه كما قالوا ؛ لأنه ليس مبنيا على فِعْل فتلحقه علّته، ولا هو على مثاله.
هذا
باب
ما
كان على ثلاثة أحرف
مما
عينه واو أو ياءفما بنيته من ذلك على فَعَلٍ وجب في عينه الانقلاب. وذلك قولك:
دار، وباب، وساق، وما أشبهه.
وإنما
انقلبت ؛ لأنها متحركة وقبلها فتحة، فصارت في الأسماء بمنزلة قال، وباع، في
الأفعال.
فإن
قال قائل: لم لم تجر على أصلها ليكون بينها وبين الفعل فرق، كما فُعِل ذلك فيما
لحقته الزوائد ؟ قيل له: الفصل بينهما أن الأفعال فيما لحقته الزوائد تلقى حركة
عينه على ما قبله، وتسكن ؛ وهذه لم تلق حركة عينها على غيره، واحتيج إلى الفرق مع
الزوائد ؛ لأن ما لحقته زائدة من الأسماء تبلغ به زنة الأفعال لم ينصرف، فيلتبس
بالفعل ؛ لأنه لا يدخله خفض، ولا تنوين وما كان على ثلاثة فالتنوين، والخفض فصل
بينه وبين الفعل، فقد أمن اللبس.
وأصل
انقلاب الياء، والواو في فَعَل واحد اسما كان أو فِعْلا، لأن القالب لهما الفتحة
قبلهما، وأنهما في موضع حركة. فهذا بمنزلة قفاً، وغزا.
والأفعال
في أَفْعَل وما أشبهها تقلب، وتلقى الحركة على ما قبلها، ولا يكون ذلك في الأسماء
لأن أَفْعل وما أشبهه مما يسكن فاؤه إنما يبني على فَعَل، فيعتل بعلته والأسماء
مصوغة على غير تصرف، فإنما يلزمها صحة الياء والواو.
وإذا
سكنا فإن كان شيء من هذا على فَعْل صحت واوه وياءه، لسكونهما، وقد تقدّم القول في
هذا وذلك ؛ نحو: قَوْل، وبَيْع.
ونذكر
سائر الأمثلة التي على ثلاثة أحرف إن شاء الله.
وكذلك
ما بنى على مثال لا يكون عليه الفعل ؛ نحو فُعَل. فإنك تقول فيها من القول: قُوَل
ومن البيع: بُيَع، كما قلت: صُوَر، ونُوَم، ونحو ذلك. وما كان على فِعَل ؛ نحو
بيعَ، وحِوَل.
وكذلك
لو بنيت من واحد منهما مثل إِبِل لقلت من القول: قِوِل، ولم تقلب، لأّنّها متحرّكة
؛ ومن البيع، بِيِع.
فإن
بنيت منهما مثل فُعُل فإنّ الياء تسلم فيه، نحو قولك: رجل صَيُود، وقوم صُيُد،
ودجاجة بَيُوض، ودجاج بُيُض.
ومن
أسكن فقال في رُسُل: رُسْل لما نذكره بعد هذا الباب. قال في صُيُد: صِيدٌ، وفي
بُيُض: بيضٌ ؛ لأنه فُعْل فيلزم فيه ما يلزم في جمع أبيض.
ومن
بناه من الواو فإنه يختار الإسكان ؛ كما قال في رُسُل: رُسْل، وفي عَضُد: عَضْد ؛
كراهة الضمة في الواو على ما تقدم به قولنا، فيقول في فُعُل من القول: قُول ؛ كما تقول في جمع خِوان: خُوْن،
والأصل قُوُل، وخُوُن.
فإن
جئت به على الأصل فأردت أن تبدل من الواو همزة كان ذلك جائزا لانضمامها.
وقلما
يبلغ به الأصل، وهو جائز، ولكنه مجتنب، لثقله، ولأن الصحيح فيه يجوز فيه إسكان
المضموم والمكسور في مثل هذا الباب. فممّا جاء على الأصل قول العجّاج:
وفي
الأكفّ اللامعات سورّ
وقال
الآخر:
أغرّ
الثنايا أحمّ اللثا ... ت تمنحه سوك الإسحل
وأما
ما كان من هذا على فَعِلٍ أو فَعُلٍ فإنه يعتل، فتنقلب واوه وياؤه ألفا، كما اعتلّ
خافٌ، وطالٌ ؛ لأن المعتلّين في موضع حركة وقبل كل واحد منهما فتحة.
فأما
القَوَد والصَيَد والخَوَنَةُ، والحَرَكة، وما كان نحو ذلك من باب فُعِلٍ ؛ نحو
رجل حَوِل، وعَوِر، فإن هذا يفسّر في باب ما يبلغ به الأصل إن شاء الله.
وأما
العَوَرَ، والحَوَلَ، والصَّيَد مصدر الأصْيد فإنما صحت لصحة افعالها، ليكون بينها
وبين ما اعتلّ فعله فصل، وكما قلنا: إن هذه الأفعال من عوِر وحوِل إنّما هي منقولة من
اعْوَرّ واحْوَلّ، نقول إنّ مصادرها منقولةٌ من مصادره.
هذا
باب
ما
اعتلت عينه مما لامه همزةوذلك نحو قولك: جاء يجيء، وساء يسوء، وشاء يشاء.
فما
كان من هذا على فَعِلَ فهو بمنزلة خاف يخاف.
وما
كان منه على فَعَلَ يَفْعِل فه بمنزلة باع يبيع ؛ وذلك لأن الهمزة ليست من حروف
العلة فالواو والياء قبلها بمنزلتهما قبل سائر الحروف، ولكنا أفردنا هذا الباب
لنبيّن ما يلحق الهمزة من القلب في فاعِلٍ ونحوه، وما يدعى فيه من التقديم
والتأخير، ونبيّن اختلاف النحويين في ذلك إن شاء الله.
اعلم
أنك إذا بنيت من شيءٍ من هذه الأفعال اسما على فاعِل اعتلّ موضع العين منه، فهمز
على ما وصفت لك في قائل، وبائع. فإذا همزت العين التقت هي واللام التي هي همزةٌ
فلزم الهمزة التي هي لام القلب إلى الياء، لكسرة ما قبلها، لأنه لا يلتقي همزتان
في كلمة إلا لزم الآخرة منهم البدل والإخراج من باب الهمز. فنقول: جاء كما ترى،
وكان الأصل جائيٌ فقلب، لما ذكرت لك، وكذلك شاءٍ، وساءٍ.
فهذا
قول النحويين أجمعين إلا الخليل بن أحمد، فإنه كان يقول: قد رأيتهم يفرون إلى
القلب فيما كانت فيه همزة واحدة، استثقالا لها، فيقدمون لام الفعل، ويؤخرون الهلزة
التي هي عين فيما لا يهمز فيه غيرها، ليصير العين طرفا فيكون ياءً، وذلك قوله:
لاث
به الأشاء والعبرى
وقال:
فتعرفوني
أنني أنا ذاكمو ... شاكٍ سلاحي في الحوادث معلم
يريد
شائك أي ذو شوكة.
قال: فلما التقت همزتان كان القلب لازما،
فأقول: جائيٌ فاعلم، وشائيٌ يا فتى، فالهمزة التي تلي الألف إنما هي لام الفعل
التي لم تزل همزة، والمتأخرة إنما هي عين الفعل التي كانت تهمز للاعتلال إذا كانت
إلى جانب ألف، ويمضى على هذا القياس في كل ما كان مثل هذا في واحد أو جمع.
وكلا
القولين حسن جميل.
هذا
باب
الأسماء
الصحيحة والمعتلة على مثال فَعِلٍ
وفَعُلٍ،
وما كان منها في ثاني حروفه كسرة، وما كان من الأفعال كذلك .
اعلم
أنه يجوز إسكان الحرفين من المضموم، والمكسور في الموضعين اللذين حددتهما استثقالا
للكسرة والضمة.
وذلك
قولك في عَضُد: عضد، وفي حُمُر: حُمْر، وفي فَخِذ: فَخْذ.
والفعل
تقول في علم: عَلَمَ، وفي كرُم: كرْمَ .
ولا
يجوز في مثل ذهب أن تسكن، ولا في مثل جملٍ، لا يسكن ذلك اسما ولا فِعْلا، لخفة
الفتحة، وثقل الكسرة والضمة، ألا ترى أنك تقول: هذا زيد، ومررت بزيد، وتبدل في
النصب من التنوين ألفا تقول: زيدا، لأن الفتحة لا علاج فيها، ولذلك تقول: هذا قاضٍ
فاعلم، ومررت بقاضٍ يا فتى، ولا تحرك الياء المكسور ما قبلها بضمة ولا كسرة.
وتقول: رأيت قاضيا، وتفسير هذا في باب مصطفون بما يزيده إيضاحا .
هذا
باب
جمع
الأسماء المعتلة عيناتها
وما
يلحقها مما هو صحيح إذا زيدت فيه حروف اللينويجب التصدير في هذا الباب أن نبداً بذكر
الأسماء الصحيحة التي لا زوائد فيها وما يلحقها من الزوائد التي تسمى الملحقة،
والزوائد غير الملحقة، واجتماع الجمع، والتصغير.
اعلم
أن الأسماء إذا كانت على أربعة أحرف أصلية، أو فيها حرف مزيد، فإن جمعها على مثال
تصغيرها في الأصل، فإن خرج من ذلك شيءٌ فلعلة موجبة.
إذا
جمعت اسما على مثال جعفر، أو قمطر، أو جلجل، فإن تصغيره جعيفر، وقميطر وجليجل ؛ لأن
العدد أربعة، وتصغير الأربعة على مثال واحد، اختلفت حركته، أو اتفقت، زائدا كان أو
أصليا.
فالأصلية
ما قدمنا، والزوائد في قولك رغيف: رغيف وفي عجوز، عجيز، وفي مثل ذلك جدول جديل،
وإن شئت قلت: جديول، لأنها متحركة، وإن كانت زائدة كما قلت في أسود: أسيد. وأسيود.
والقلب أجود ، لأن واو جدول ملحقة، والملحق حكم الأصلي ؛ ألا ترى أنك تقول: جداول،
كما تقول: أساود.
وإن
كانت الأربعة مستوية في التصغير على اختلاف حركاتها، لأن التصغير مثال يخرج إليه،
كما أن الثلاثة على مثال واحد، وإن اختلفت حركاتها، ألا ترى أنك تقول في عمر: عمير،
وكذلك عمرو، وكذلك جمل، ومعى، وكل ما كان من الثلاثة.
وإن
كان الاسم على خمسة أحرف أصلية، أو فيها زائدة، فإن التصغير على ما كان في الأربعة.
تقول
في تصغير سفرجل: سفيرج، وتحذف اللام الأخيرة وإن كانت من الأصل، لأن التصغير تناهى
دونها.
وتقول
في تصغير قلنسوة: قليسية إن حذفت النون، وقلينسة إن حذفت الواو، لأن الزيادتين إذا
استوتا كنت في حذف إحداهما بالخيار أيها شئت.
فإن
كانت إحداهما للإلحاق أو لعلامة أقررتها وحذفت الأخرى، إلا أنه يجوز لك العوض في الجمع
والتصغير من كل ما حذفت، وذلك أنك إذا صغرت اسما على خمسة ورابعة أحد الحروف
الثلاثة المصوتة وهي الياء، والواو، والألف، فإن جمعه وتصغيره غير محذوف فيهما
شيء. وذلك قولك في مثل دينار دنانير إذا جمعت، ودنينير إذا صغرت، وفي قنديل
:قناديل وقنيديل، وفي سرحوب: سراحيب، وسريحيب، وفي برذون: براذين وبريذين، تقر الباء ياءً، وتقلب الواو
والألف إلى الباء، لأن كل واحدة منهما تقع ساكنة بعد كسرة.
والعوض
أن تقول في تصغير سفرجل: سفيريج إن شئت وفي الجمع: سفاريج. فتجعل هذا الياء عوضا
مما حذفت، ودليلا على أنك حذفت من الاسم شيئا، فهذا غير ممتنع فعلى هذا تقول في
قلنسوة فيمن حذف النون، قليسية وقلاسي، ومن حذف الواو قال: قلينيسة وقلانيس.
فأما
قولنا فيما كان على أربعة أحرف: إن تصغيره من باب جمعه، فإنما تأويل ذلك أنك إذا جمعت
زدت حرف اللين ثالثا، وكسرت ما بعده، فإن عوضت في التصغير عوضت في الجمع، وإن
تركته محذوفا في أحدهما فكذلك هو في الآخر، لأنك إذا صغرت ألحقت حرف اللين ثالثا،
وكسرت ما بعده.
والفصل
بين التصغير والجمع، أن أول التصغير مضموم، وأول الجمع مفتوح، وحرف لين الجمع ألف،
وحرف لين التصغير ياء.
فإن
قلت: فما بالك تقول في ضارب: ضويرب، وأنت لا تقول في جمعه: ضوارب ؟ قيل له: الأصل
أن يقال في جمعه: ضوارب، ولكنه اجتنب للبس بين المذكر والمؤنث لأنك تقول في جمع
ضاربه: ضوارب.
وما
كان من باب فاعلٍ فإنما هو اسم مبني من الفعل، أو على جهة النسب، فأما ما كان من
الفعل منه فهو الباب، نحو: ضارب، وقاتل، وشاتم.
وأما
ما كان على جهة النسب فنحو فارس، ودارع، ونابل: أي ذو فرس، وذو درع، وذو نبل، وليس
فيه فَعَل فهو فاعِل.
وما
كان للمرأة فعلى هذا، نحو ضربت، وشتمت، وقتلت.
فلما
كان جمع فاعلة فواعل اجتنبوا مثل ذلك في المذكر، وعدلوا به عن هذا الباب، لكثرة
أبنية المذكر في الجمع.
ولو
احتاج إليه شاعر لرده إلى الأصل فجمعه على فواعل.
ألا
تراهم قالوا في جمع فارس: فوارس، إذ كان مثل هذا مطرحا من المؤنث. وكذلك هالك في
الهوالك لما أردت الجنس كله. قال الفرزدق حيث احتاج إليه:
وإذا
الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصار
هذا
باب
جمع
ما كان على أربعة أحرف
وثالثه
واو، أو ياء، أو ألففما كان من ذلك أصلا، أو ملحقا بالأصلي، أو متحركا في الواحد،
فإنه يظهر في الجمع وذلك قولك - فيما كان أصلا وكان متحركا في الواحد - "
أساود إذا جمعت أسود، وأصايد إذا جمعت أصيد، وقد جعلت كل واحد منهما اسما.
وأما
ما كان متحركا في الواحد وهو زائد فقولك في جدول: جداول، وفي قسور: قساور، وفي
عثير: عثاير.
وأما
ما كان أصلا وهو ساكن في الواحد فقولك في مقال: مقاول، لأنه من القول، وفي مباع:
مبايع، لأنه من البيع.
وإن
جمعت يزيد اسم رجل قلت: يزايد، قال الفرزدق:
وإني
لقوامٌ مقاوم لم يكن ... جريرٌ ولا مولى جريرٍ يقومها
فإن
جمعت اسما على أربعة وثالثه حرف لين زائد ساكن، فإنك تهمز ذلك الحرف في الجمع وذلك
قولك في رسالة: رسائل، وفي عجوز: عجائز، وفي صحيفة: صحائف.
وإنما
فعلت ذلك، لأن هذه الأحرف لا أصل لها، فلما وقعت إلى جانب ألف ولم تكن متحركة، ولا
دخلتها الحركة في موضع أبدلت لما قبلها، ثم تحركت كما تحرك لالتقاء الساكنين،
فلزمتها الهمزة، كما لزمت قضاءً، لما سنبيّنه في موضعه إن شاء الله.
فأما
معيشة فلا يجوز همز يائها، لأنها في الأصل متحركة، فإنما ترد إلى ما كان لها، كما
ذكرت لك في صدر الباب.
فأما
قراءة من قرأ معائش فهمز فإنه غلط، وإنما هذه القراءة منسوبة إلى نافع بن أبي
نعيم، ولم يكن له علم بالعربية، وله في القرآن حروف وقد وقف عليها.
وكذلك
قول من قال في جمع مصيبة: مصائب إنما هو غلط، وإنما الجمع مصاوب، لأن مصيبة
مُفْعِلة، فعلى هذا يجري وما أشبهه.
هذا
باب
ما
كانت عينه إحدى هذه الأحرف اللينة
ولقيها
حرف لينوذلك نحو: سيّد و، وميّت، وهيّن ، وليّن، لأن هذا البناء إنما هو فَيْعِل
من ياءٍ أو واو.
فأما
ذوات الواو منه فهيّن، وميّت، وسيّد، لأنه من ساد يسود، ومات يموت، وأما ليّن فمن
الياء.
والحكم
فيهما واحد في بنائهما على باب فَيْعِل، لأنهما مشتركان في العلة، فخرجا إلى باب
بواحد خلافاً على الصحيح وذاك أنه لا يكون في الصحيح فَيْعِل، إنما نظير هذا
البناء من الصحيح فَيْعَل نحو رجل جَيْدَرٍ وزينب، وخيفق.
فهذا
البناء من المعتل نظيره ما ذكرت لك من الصحيح.
وقد
يكون للمعتل البناء الذي له نظير من الصحيح على غير لفظه، ويكون له البناء لا
يقابله فيه الصحيح.
فمما
كان من المعتل على خلاف لفظه في الصحيح سوى ما ذكرت لك قولهم في فاعِلٍ من الصحيح:
فَعَلَة، نحو كاتب وكتَبَة، وحافظ وحفَظَة، وعالم وعلَمَة.
ونظير
هذا من المعتل فُعَلَة مضموم الأول، وذلك قولك في قاضٍ: قضاة، ورامٍ ورماة وغازٍ
وغزاة، وشارٍ وشراة.
وما
كان للمعتل خاصةً دون الصحيح قولهم: كان كينونة، وصار صيرورة، فأصل هذا إنما هو
فَيْعَلولة، ولا يكون فَيْعَلُول إلا في ذوات الواو والياء. فإن قال قائل: إنما
وزنه فَعْلُول، لأن اللفظ على ذلك، قيل له: الدليل على أنه ليس بٍفَعْلُولٍ وأنه
على ما ذكرنا أنه ليس في الكلام فَعْلُولٌ بفتح الفاء، وأنه لو كان على ما وصفتم
لكان اللفظ كَوْنُونَة، لأنه من الواو، ولكنت تقول في قيدود، قودود بالواو، لأنه
من القود ولكنه لما كان يجوز لك أن تقول في ميّت: مَيْت، وفي هيّن: هَيْن، وكذلك
جميع بابه، استثقالا للتضعيف في حروف العلّة جعلت الحذف فيما كثر عدده غالباً،
فقلت: قيدود، وكينونة، وكان الأصل كينونة ؛ كما أن أصل سيد سيود، لأنه فيعِل من
ساد يسود، فلزم فيه من الإدغام والقلب ما لزم في سيد ؛ لأن صدور هذه الأسماء كسيد،
وإن كانت مفتوحة.
فإذا
جمعت سيّدا، أو ميّتا، أو ما كان مثلهما، فإن النحويين يرون همز المعتل الذي يقع
بعد الألف وذلك قولك:
سيائد،
وميائت، فإن قال قائل: ما بالهم همزوا، وإنما هي عين، وقد تقدم شرطهم في باب معيشة
أنه لا يهمز موضع العين، وإنما يهمز ما كان من هذا زائدا ؟ فإن قولهم في هذا إنما
هو لالتقاء هذه الحروف المعتلة، وقرب آخرها من الطرف، ولأنهم جعلوا هذه الألف بين
واوين أو ياءين وواو، فالتقت ثلاثة حرف كلها لينة، فكأنها على لفظة واحدة وقربت من
الطرف، وهو موضع لا يثبت فيه واو ولا ياء بعد ألف، وإنما تقلب كل واحدة منهما همزة،
ففعلوا هذا لما قبلها، ولقربها من الطرف، ألا ترى أن الواحدة منهما إذا كانت طرفا
أبدلت وذلك: قولك غزّاء، وسقّاء، وإنما هما من غزوت، وسقيت، فكانتا ياءً، أو واوا.
وكذلك
جميع هذا الباب.
وقالوا:
إن وقع بينها وبين الطرف حرف صحيح لم تهمز وذلك قولهم في طاووس: طواويس، وفي
بيّاع: يباييع. ولا تكون إلا ذلك، لبعدهما من الطرف، كما لا يكون في باب قضاء
وسقاءٍ إلا الهمز.
فهذا
قول جميع النحويين فيما تباعد من الطرف.
وأما
مذ ذكرنا من باب جمع سيد، وميت فإن أبا الحسن الأخفش كان لايهمز من هذا الباب إلا
ما كانت الألف فيه بين واوين، نحو قولك في أوّل - وزنه أفعل ففاؤه من لفظ عينه - :
أوائل.
وكذلك
يقول في فَوْعَل من قلت، وجلت: قَوائل، وجوَائِل. فيجعل علته في همز الواو، لقربها من الطرف نظيرا لما ذكرناه
أنه إذا التقت الواوان أولا همزت الأولى منهما. فكان يجعل هَمْزَ الأخرى من هذا الباب
واجباً. وإن كانت الألف قد حالت لاجتماع الواوين والقرب من الطرف ولا يرى مثل ذلك
إذا اجتمعت ياءان. أو ياء، وواو، ويقول: لأنه لو التقت الياءان، أو الياء والواو لم يلزمني
همز.
والنحويون
أجمعون غيره لا يختلفون في إجراء الياء، والواو، والياءين مجرى الواوين في هذا
الباب، كما صدّرنا به في أوّل الباب.
وعلّتهم
في ذلك ما وصفنا من التقاء المتشابهة وذلك. لأنهم يجيزون في النسب إلى راية،
وغاية: رائيٌّ وغائيٌّ، فيهمزون لاجتماع الياءات إن شاءوا، ولهذا باب نذكره فيه
فلذلك ذكرنا أحد وجوهه ليستقصى في موضعه إن شاء الله.
وإنما
أخّرنا تفسير هذا، ليقع بابا على حياله مستقصى. والقول البيّن الواضح قول النحويين
لاقول أبي الحسن الأخفش، ألا ترى أنه يلزمك من همز الياء إذا وقعت طرفا ما يلزمك
من همز الواو إذا وقعت طرفاً بعد الألف، وأن الياء والواو تظهران إذا وقع الإعراب
على غيرهما، نحو سقاية، وشقاوة.
وليس
هذا من باب ما يقع من همز الواو إذا لقيها واو أول الكلمة ولا مما يناسبه.
والدليل
على ذلك أنهما جميعا إذا تباعدتا من الطرف لم يكن همز. وهذا يدل على أنه من أجل
الأواخر، لا من أجل الأوائل.
ولو
بنيت مثل فَيْعال من كلت فقلت: كيّال لقلت في الجمع: كياييل، فلم تهمز، كما تقول:
طواويس.
هذا
باب
الجمع
على وزن فعل وفعال مما اعتلت عينهاعلم أن ما كان من هذا من ذوات الواو فإن الأجود
فيه أن تصح الواو وتظهر، وذلك قولك على قول من قال في جمع شاهد: شهّد في صائم: صُوّم، وقائل قُوّل. وكذلك
جميع هذا الباب.
وقد
يجوز أن تقلب الواو ياءً وليس بالوجه، ولكن تشبيها بما اعتلت لامه. وذلك أنك تقول
في جمع عاتٍ: عتىّ لا يصلح غيره إذا كان جمعا.
فلما
كان هذا الباب يقرب من الطرف جاز تشبيهه بهذا الذي هو طرف فتقول في صائم: صُيّم، وقائل قُيّل. والوجه ما ذكرت لك
أولا، وإن هذا تشبيه ومجاز.
فإن
بنيته على فُعّال ظهرت الواو، ولم يجز إلاّ ذلك، لتباعدها من الطرف، وذلك قولك:
صائم وصوّام، وقائل وقوّال.
وهذا
كنحو ما ذكرت لك في الجمع الذي قبله في صحته إذا تباعد من الطرف.
فأما
ما كان من الياء فجارٍ في البابين جميعا - فُعّل - وفُعّال - على الأصل.
تقول:
قوم بُيّعٌ، وبُيّاعٌ، يكون إلا ذلك.
وكذلك
إن بنيت واحدا من الواو على فُعّل لم يجز القلب، لأن الوجه فيما اعتلت لامه فكانت
واوا الثبات في الواحد، نحو قولك: عتا يعتو عتوّا. قال الله عز وجل " وعتوا
عتوّاً كبيراً " .
فالواحد
إذا كان الواو فيه عينا لازم لموضعه، وذلك قولك: رجل قُوّل، كما تقول: رجل حُوّل
قُلّب، لا يكون إلا ذلك.
هذا
باب
ما
كان من الجمع على فعلهاعلم أن كل ما كان من هذا الجمع من بنات الياء، والواو
اللتين هما عينان فإن الياء منه تجرى على أصلها، والواو إن ظهرت في واحدة ظهرت في
الجمع.
فأما
ما ظهرت فيه فقولك: عَوْد وعِوَدَة، وثَوْر وثِوَرَة.
وأما
ما قبلت فيه في الواحد فقولك: دِيمه ودِيَم، وقامة وقِيمَ فأما قولهم: ثِيَرَة فله علة أخّرناها، لنذكرها في
موضعها إن شاء الله.
هذا
باب
جمع
ما كان على فعل من ذوات الياء
والوا
اللتين هما عينانفأدنى العدد فيه أَفْعال إذ كان يكون ذلك في غير المعتل، نحو: فرخ
وأفراخ، وزَنْد وأَزْناد.
فأما
ما كان من الواو فنحو قولك: صَوت وأَصوات، وحَوض وأَحواض، ثوب وأَثواب وما كان من
الياء فشَيْخ وأَشياخ، وبيت وأَبيات، وقَيْد وأَقياد.
فإذا
جاوزت الثلاثة إلى العشرة فقد خرجت من أدنى العدد.
فما
كان من الواو فبابه فِعال. وذلك قولك: ثوب وثياب، وحوض وحياض، وسط وسياط، تنقلب
ابلواو فيه ياءً، لكسرة ما قبلها، ولأنها كانت في الواحد ساكنة.
فإن
كانت في الواحد متحركة ظهرت في الجمع، نحو قولك: طويل وطِوال، وما كان مثله.
أما
ما كان من الياء فإنك تقول فيه إذا جاوزت أدنى العدد فُعُول لأن فُعول، وفِعال
يعتوران فعْل من الصحيح، وذلك قولك: كَعْب وكُعوب، وفلس وفلوس، ويكونان معا في
الشيء الواحد، نحو كِعاب وكعوب، وفِراخ وفُروخ.
فلما
استبدّت الواو بفِعال كراهية الضمتين مع الواو خصت الياء بفُعول لئلا يلتبسا وذلك
قولك: شيخ وشيوخ، وبيت وبيوت، وقَيْد وقُيود.
فإن
قال قائل: فلم لم يفصل بينهما في العدد الأقل ؟ فإن الجواب في ذلك أنهما تظهران في
أَفْعَال، فتعلم الواو من الياء، وذلك قولك: أبيات، وأحواض. فكل واحد منهما بين من
صاحبه، كما كان في بيت، وحوض.
وإن
احتاج شاعر فجمع ما كان من باب فَعْلٍ، ونحوه على أَفْعُلٍ جاز ذلك، لأن باب فَعْل
كان في الصحة لأَفْعُل، نحو: كَلْب وأَكْلُب، وكَعْب وأَكْعُب، وكذلك ما كان نظيرا
لهذا إذا اضطر ؛ كما قال:
لكل
عيشٍ قد لبست أثوبا
ومثل
ذلك عين وأعين، وأعيان جيد على ما وصفت لك ؛ قال:
ولكنني
أغدو عليّ مفاضةٌ ... دلاصٌ كأعيان الجراد المنظّم
ومثل
أعين، وأثوب قوله:
أنعت
أعياراً رعين الخنزرا ... أنعتهنّ آيراً وكمرا
ومثل
أعيان قوله:
يا
أضبعًا أكلت آيار أحمرةٍ ... ففي البطون وقد راحت قراقير
هذا
باب
ما
يصح من ذوات الياء والواو
لسكون
ما قبله وما بعدهوذلك نحو: وقال، وبايع، لأن قبل الياء والواو ألفا، فلو قلبتها
لصرت إلى علة بعد علة. فلا يجوز أن تغير حرف اللين بطرح حركته على ما قبله، إذا
كان الذي قبله من حروف اللين .
ومن
ذلك ما كان على فُعَّل، وفُعَّال، وفَعّال، وأَفْعَال. وذلك قولك: رجل قُوّل، وقوم
قُوّال، ورجل قَوَّال، وبَيَّاع. وكذلك أقياد. وأحوال. وكل ما سكن ما قبله من هذا المنهاج
ولم نذكره فهذا قياسه
.
وأما
قولهم: أَهْوِناء، وأَبْنياء، وأَخْوِنة، وأَعْينة جمع عيان: وهي حديدة تكون في
الفدان فإنما صححن لأن أولهن زيادة الفعل، فصُحّحن، ليفصل بين الإسم والفعل .
وقد
مضى تفسير هذا
.
ومن
هذا الباب ساير، وتساير القوم، وتقاولوا، وتبايعوا .
كل
يجري مجرى واحداً، وكل ما لم نذكره فهذا مجراه إذا كان على هذا .
هذا
باب
ما
اعتل منه موضع اللاماعلم أن كل ما كان من هذا على فَعَلَ فكان من الواو فإن مجرى
بابه يَفْعُل، لا يجوز إلا ذلك، لتسلم الواو ؛ كما ذكرت لك في باب ما اعتلت عينه.
وذلك قولك: غزا يَغْزُو، وعدا يَعْدُو، ولها يلهو .
فإن
كان من الياء على يَفْعِل ؛ لأن تسلم الياء ؛ كما ذكرت لك في باب العين. وذلك نحو: رمى يرمي، وقضى يقضي، ومشى يمشي
وتعتل اللام فتسكن في موضع الرفع منهما، كما تقول: هذا قاضٍ فاعلم ؛ لأن الضمة
والكسرة مستثقلتان في الحروف المعتلة .
فأما
في النصب فتحرك الياء، لما قد تقدمنا بذكره في الفتحة. وذلك كقولك: أريد أن ترميَ يا فتى، وأن تغزوَ
فاعلم كما تقول: رأيت قاضياً، وغازياً .
فإن
لحق شيئاً من هذه الأفعال الجزم فآية جزمها حذف الحرف الساكن ؛ لأن الجزم حذف فإذا
كان آخر الفعل متحركاً حذفت الحركة، وإذا كان ساكناً حذف الحرف الساكن. تقول: لم
يغزُ، ولم يرمِ، كما تفعل بالألف إذا قلت: لم يخشَ .
واعلم
أن فَعِلَ يدخل عليهما وهما لامان ؛ كما دخل عليهما وهما عينان وذلك قولك: شقِيَ
الرجل، وغَبِيَ من الشقوة، والغباوة، وخشِيَ يا فتى من الخشية .
فإذا
قلت: يَفْعل لزمه يَخْشَى، ويَرْضَى. فإن أردت نصبه تركته مسكّناً ؛ لامتناع الألف
من الحركة ؛ كما تقول: رأيت المثنى فلا يحرك .
وإن
أردت الجزم حذفتها ؛ كما وصفت لك من حكم هذا الفعل .
هذا
باب
ما
لحقته الزوائد من هذه الأفعالاعلم أن الزوائد تلحقها كما تلحق الصحيح فتقول: أعطى
الرجل ومعناه: ناول. والأصل عطا يعطو، إذا تناول ؛ كما تقول: غزا الرجل، وأغزيته، وجرى الفرس، وأجريته .
ويكون
على اسْتَفْعَلَ، وفاعَل، وافْعَوْعَل، وجميع أبنية الفعل، إلا أنك إذا زدت في
الفعل فصارت ألفه رابعة استوى البابان: لخروج بنات الواو إلى الياء ؛ لأنك إذا قلت: يَفْعل فيما فيه الزيادة من هذا الباب
انكسر ما قبل الواو، فانقلبت ياءً ؛ كما تنقلب واو ميزان ؛ لسكونها، وكسرة ما
قبلها، وذلك قولك: يُغْزى، ويُعْدِي، ويَسْتَغْزى ونحو ذلك .
فعلى
هذا يجرى أغزيت، واستغزيت ؛ كما أنك تقول: دُعِيَ، وغُزِيَ فتقلب الواو ياءً .
وتقول
في المضارع: هما يُدْعَيان، ويُغْزَيان ؛ لأن الفعل إذا لزم في أحد وجهيه شيء
اتبعه الآخر لئلا يختلف، إذ كان كل واحد منهما يبنى على صاحبه .
فإن
قال قائل: ما بال تَرَجَّى، وتَغَازَى يرجعان إلى الياء وليس واحد منهما يلحقه في
المضارع كسرة. لأنك تقول: ترجّى يَتَرَجَّى، وتَغَازَى يَتَغَازى، فلم قلت:
تَعَازينا، وترجّينا ؟.
قيل:
لأن التاء إنما زادت بعد أن انقلبت الواو ياء .
ألا
ترى أنك تقول: رجّى يُترجّى، وغَازَى يُغَازى، ثم لحقت التاء .
والدليل
على ذلك أن غازى لا يكون من واحد، ويتغازى على ذلك لا يجوز أن تقول: تغازى زيد حتى
تقول: وعمرو، وما أشبهه
.
هذا
باب
بناء
الأسماء على هذه الأفعال
المزيد
فيها وغير المزيد فيها ؛ وذكر مصادرها، وأزمنتها، ومواضعهااعلم أن كل اسم بنيته من
فِعْل من هذه الأفعال التي هي فَعَلَ فبناء الاسم فاعل ؛ كما يجري في غيرها. فتقول
من غزوت: هذا غازٍ فاعلم ومن رميت: هذا رامٍ يا فتى ومن خشيت: هذا خاشٍ فاعلم .
واعتلاله
كاعتلال فِعله إذا قلت: هو يغزو، ويرمي فأسكنتهما في موضع الرفع، وقلت: لم يغزُ،
ولم يرمِ فحذفتهما في موضع الجزم. والعلة في فَاعِل أنك تسكن الياء في موضع الرفع
والخفض، فتقول: هذا غازٍ، ومررت بغازٍ، وكذلك حكم كل ياءٍ انكسر ما قبلها وهي
مخفَّفة .
فأما
في موضع النصب فتقول: رأيت قاضياً، وغازياً لخفة الفتحة ؛ كما كانت تقول في الفعل:
لن يغزو، ولن يرميَ يا فتى، فتحرك أواخر الأفعال بالفتح، لما قد تقدم تفسيره .
وكلما
زاد من هذه الأفعال شيءٌ فقياسه قياس غيره من الفعل الصحيح، إلا أنك تسكن آخره في
الرفع والخفض، كما كان اعتلال فعله، وتفتحه في النصب على ما وصفت لك. وذلك قولك -
إذا بنيت من هذا الفعل شيئاً على أَفْعَل - : أعطى وأغزى، وهن يعطي، ويغزي، ولن
يعطي، ولن يغزي
.
وكذلك
استعطى، وهو يَسْتَعْطِي، ولن يستعطي، ورأيت مستعطياً. فعلى هذا مجرى جميع هذه
الأفعال .
هذا
باب
من
بنى من هذه الأفعال اسماً
على
فَعِيل، أو فَعُول، أو فِعال، أو فَعْلَل، وما أشبه ذلك اعلم أنك إذا قلت من رميت:
رمياً فاعلم على مثال جعفر فأردت جمعه فإنك تقول: رمايٍ فاعلم. تلتقي في آخره ياءان يُذهب إحداهما
التنوين ؛ لالتقاء الساكنين ؛ كما أنك إذا قلت: قاضٍ فاعلم حذفت الياء لالتقاء
الساكنين ؛ لأن الياء ساكنة، ويلحقها التنوين وهو ساكن ؛ فتذهب لالتقاء الساكنين .
وتقول:
بعيرٌ معيٍ وإبل معايٍ ؛ لأنك إنما جئت بعد الألف بحرف أصلي. فإذا قلت من هذا
شيئاً أصله الحركة لم يلزمك في الجمع همزه .
وقد
مضى تفسير هذا في باب الياء والواو اللتين هما عينان .
وأما
قولهم: إبل مَعَايَا فليس هذا لازماً، ولكنه يجوز ذلك. كل ما كان آخره ياءً قبلها
كسرةٌ: أن تبدلها ألفاً بأن تفتح ما قبلها، وذلك قولهم: مِدْرى ومَدارَى، وعذراءُ
وعَذَارَى .
وكذلك
كل ما كان مثله. والأصل مدارٍ وعذارٍ، ولكنه جاز ذلك على ما وصفنا، لأن الفتحة
والألف، أخف من الكسرة والياء، ولم تخف التباسا، لأنه لا يكون شيءٌ من الجمع أصل
بنائه فتح ما قبل آخره، ولذلك لم يجز في مثل رامٍ فاعلم أن تحمله على الفتح وتثبت
مكان يائه ألفاً ؛ لأنه كان يلتبس براميَ، وغازَى، فهذا جائز هناك، ممتنعٌ في كل موضع
دخله التباس
.
فإن
بنيته بناء فَعِيلة، أو فَعِيل الذي يكون مؤنثاً، أو ما كان جمعه كجمعها لزمك
الهمز، والتغيير، من أجل الزيادة: كما ذكرت لك في باب صحائف، وسفائن .
وكذلك
فِعالة، وفُعالة، وفَعُول، وكل مؤنث على أربعة أحرف ثالث حروفه حرف لين وما جمعته
على جمعه .
وذلك
قولك إذا جمعت مثل رمية أو رماية: رمايا، وقضية قضايا وكان الأصل: هذا قضائي
فاعلم، ورمائي فاعلم ؛ كقولك: صحائف، فكرهوا الهمزة، والياء، والكسرة، فألزموه بدل
الألف، ولم يجز إلا ذلك ؛ لأنه قد كان يجوز فيما ليست فيه هذه العلة، فلما لزمت
العلة كان البدل لازماً، فلما أبدلت وقعت الهمزة بين ألفين، فأبدلوا منها ياءً،
لأن مخرج الهمزة يقرب من مخرج الألف، فكان كالتقاء ثلاث ألفات، فلذلك قالوا:
مطايا، وركايا
.
ولو
اضطر شاعر لرده إلى أصله ؛ كرد جميع الأشياء إلى أصولها للضرورة. وسنبين ذلك بعد
فراغنا من الباب إن شاء الله .
وتقول
في فُعْلُول من رميت، وغزوت: رميي، وغزويّ، وفي الجمع: رماييّ، وغزاويّ. لا تهمز في التباعد من الطرف خاصة فإن قلت
فَعِيلة مما لامه مهموزة، أو ما يلحقه في الجمع ما يلحق فَعِيلة ؛ نحو: فُعالة،
وفِعالة وفَعُولة اعتل اعتلال ما وصفت لك. وذلك قولك: خطيئة، فإن جمعتها قلت:
خطايا .
وكان
أصلها أن تلتقي همزتان فتقول: خَطَائِيء فاعلم، فأبملت إحدى الهمزتين ياء، لئلا
تلتقي همزتان. فلما اجتمعت همزة وياء، خرجت إلى باب مطية وما أشبهها.
واعلم
أن كل ما ظهرت الواو في واحدة فإنها تظهر في جمعه .
ليس
إن التي تظهر في الجمع تلك الواو، ولكنك تبدل من همزته واوا ؛ لتدل على ظهور الواو
في الواحد، إذ كان قد يجوز أن تبدل الهمزة واوا في الباب الذي قبله، وإن كان
الاختيار الياء. وذلك في قولك في داوة: أداوى، وهراوة: هراوى .
وقد
قال قوم في جمع شهية. شهاوى. فهذا عندهم على قياس من قال في مطية: مطاوى. وليس
القول عندي ما قالوا، ولكنه جمع شهوى. وهو مذهب أكثر النحويين .
وكان
الخليل يرى في هذا الجمع الذي تلتقي فيه علتان من باب مطايا، وأداوى، الذي تجتمع
فيه همزة، وحرف علة القلب ؛ كما كان يرى في باب جاء ذلك لازماً، إذ كان يكون في
غيره اختيارا. وكذلك هذا الباب، إذ كنت تقول في شوائع: شواعٍ على القلب أن يكون
هذا لازماً فيما اجتمعت فيه ياء، وهمزة .
قال
الشاعر :
وكان
أولاها كعاب مقامرٍ ... ضربت على شُزُنٍ فهن شواعي
فكان
يقول في جمع خطيئة: خطائي، فاعلم ؛ لأنها الهمزة التي كانت في الواحدة .
وإذا
كانت الهمزة في الواحد لم يلزمها في الجمع تغيير ؛ لأن الجمع لم يجلبها، ألا ترى
أنك لو جمعت جائية لم تقل: إلا جواءٍ فاعلم. لأنك إنما ودت الهمزة التي كانت في
الواحدة وكذلك لو بنيت فَعْلَل من جاء يا فتى لقلت: جَيْأَى، وتقديرها جيعىً.
فإن
جمعت قلت: جياءٍ فاعلم ؛ لأن الهمزة لم تعرض في جمع، إنما كانت في الواحد كالفاء
من جعفر، فقلت في الجمع كما قلت: جعافِر .
فهذا
أصل هذا الباب: إن التغيير إنما يلزم الجمع إذا كان الهمزة مجتلباً فيه، ولم يثن
في واحده .
وكان
الخليل يجيز خطايا، وما أشبهه على قولهم في مدرى: مدارى، وفي صحراءٍ: صحارى لا على الأصل، ولكنه يراه المخفة
أكثر. ألا ترى أنه إذ أثبت الألف أبدل من الهمزة ياءً، كما يفعل ؛ لئلا تقع همزة
بين ألفين لشبه الهمزة بالألف .
واعلم
أن الشاعر إذا اضطر رد هذا الباب إلى أصله وإن كان يرى القول لأول، لأنه يجوز له
للضرورة أن يقول: ردد في موضع رد، لأنه الأصل كما قال :
الحمد
لله العلي الأجللِ
وكما
قال :
أني
أجود لأقوامٍ وإن ضننوا
ويجوز
له صرف ما لا ينصرف ؛ لأن الأصل في الأشياء أن تنصرف. فإذا اضطر إلى الباء المكسور
ما قبلها أن يعربها في الرفع والخفض فعل ذلك ؛ لأنه الأصل ؛ كما قال ابن الرقياتى :
لا
بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطلب
لأن
غواني فواعل، فجعل آخرها كآخر ضوارب .
وقال
الآخر :
قد
عجبت مني ومن يعيليا ... لما رأتني خلفا مقلوليا
لأنه
لما بلغ بتصغير يعلى الأصل صار عنده بمنزلة يعلم لو سميت به رجلاً ؛ لأنه إذا تم
لم ينصرف. فإنما انصرف باب جوارٍ في الرفع والخفض، لأنه أنقض من باب ضوارب في هذين
الموضعين .
وكذلك
قاضٍ فاعلم. لو سميت به امرأة لانصرف في الرفع والخفض ؛ لأن التنوين يدخل عوضاً
مما حذف منه
.
فأما
في النصب فلا يجرى ؛ لأنه يتم فيصير بمنزلة غيره مما لا علة فيه .
فإن
احتاج الشاعر إلى مثل جوارٍ فحقه - إذا حرك آخره في الرفع والخفض - ألا يجريه،
ولكنه يقول: مررت بجواري كما قال الفرزدق :
فلو
كان عبد الله مولى هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا
فإنما
أجراه للضرورة مجرى ما لا علة فيه .
فإن
احتاج إلى صرف ما لا ينصرف صرفه مع هذه الحركة، فيصير بمنزلة غيره مما لا علة فيه
؛ كما قال :
فلتأنينك
قصائدٌ وليركبن ... جيشٌ إليك قوادم الأكوار
ألا
ترى أنه في قوله: مولى مواليا قد جعله بمنزلة الصحيح ؛ كما قال جرير :
فيوماً
يجارين الهوى غير ماضيٍ ... ويوماً ترى منهن غُولٌ تغوَّلُ
وقال
الكميت :
خريع
دوادي في ملعبٍ ... تأزَّر طولاً وتلقى الإزارا
ويكفيك
من هذا كله ما ذكرت لك: من أن الشاعر إذا اضطر رد الأشياء إلى أصولها. فأما قوله :
سماء
الإله فوق سبع سمائيا
فإنه
رد هذا إلى الأصل من ثلاثة أوجه : أحدهما: أنه جمع سماءً على فعائل، والذي يعرف من
جمعها سماوات
.
والثاني: أنه إذا جمع سماءً على فعائل فحقه أن
يقول: سمايا، لأن الهمز يعرض في الجمع بدلاً من الألف الزائدة في فَعال وترجع
الواو التي هي همزة، في سماءٍ، لأن سماءً إنما هو فَعال من سموت. فتصير الواو ياءً
لكسرة ما قبلها، كما صارت واو غزوت ياءً في غازٍ، فتلقى همزة، وياء، فيلزم التغيير
كما ذكرت لك، فردها للضرورة إلى سمائيا ثم فتح آخرها وكان حق الياء المنكسر ما قبلها
أن تسكن، فإذا لحقها التنوين حذفت لالتقاء الساكنين، فحرك آخرها بالفتح، كما يفعل
بالصحيح الذي لا ينصرف
.
فهذه
ثلاثة أوجه: جمعها على فعائل، وتركها ياءً، ومنعها الصرف .
وأما
ما كان من هذا الباب كأول في بابه فِعلَّته في الهمز كعلة أول، إلا أن الهمز يلزم
ذوات الياء، والواو، والتغيير .
تقول
في فَعَّل من حييت: حيا. وكذلك فَعْلَل: اللفظان سواء .
فأما
فعَّل فإنك ثقلت العين - وهي ياء - ؛ كما ثقلت عين قطَّع، فانفتح ما قبل الياء
التي هي لام وهي في موضع حركة، فانقلبت ألفا .
ولا
يكون اسم على مثال فَعَّل إلا أن تصوغه معرفةً، فتنقله من فعَّل. فأما قولهم بقَّم
فإنه اسم أعجمي. فلو سميت به رجلاً لم تصرفه في المعرفة ؛ لأنه وقع من كلام العرب
على مثال لا تكون عليه الأسماء، فلم يكن بأمثل حالاً من عربي لو بنيته على هذا
المثال .
فأما
قولهم: خضَّم - للعنبر بن عمرو بن تميم - فإنما هو فعل منمقول، وهو غير منصرف في
الاسم .
وهذا
شيء ليس من هذا الباب، ولكن لما ذكر وصفنا حاله. ثم نعود من القول إلى الباب. وأما
فَعْلَلٌ من حييت فإن العين ساكنة، واللامان متحركان، فأدغمت العين في اللام
الأولى، وأبدلت الثانية ألفا .
فإن
جمعت فعْلَل فتقدير جمعه: فعَالل ؛ كما قلت في قردذ: قرادذ .
وإن
جمعت فَعَّل فتقدير جمعه فَعاعِل ؛ كما تقول في سلَّم: سلالم وأيهما جمعت يلزمه
الهمز. ليس من أجل أن فيه زائداً، ولكن لالتقاء حرفين معتلين، الألف بينهما كما
ذكرت لك في أوائل
.
فتقول
فيهما: حيايا. وكان الأصل حيائي، فلزم ما لزم مطية في قولك: مطايا. وكذلك لو قلت:
فعاعل من جئت لقلت: جيايا .
وكان
الأصل جيائي. فكنت تبدل الثانية ياءً، كما فعلت في قولك: هذا جاءٍ فاعلم، ثم تذهب
إلى باب مطايا
.
فإن
قلت: فَعالِل، وفَعاعِل من شويت ولويت، قلت: شوايا، ولوايا فتظهر الواو ؛ لأن
العين واو ؛ كما أظهرت الباء في حييت، وجيت - فإن قلت: مَفْعَل من شويت أو حييت،
قلت: مَشْوىً، ومَحْياً
.
فإن
جمعت قلت: مشاوٍ، ومحايٍ. فلم تهمز، لأنه لم يعرض ما يهمز من أجله، وإنما وقع حرفا
العلة الأصليان بعد الألف .
فإن
بنيت منه شيئاً على مفاعيل، أو فعاليل أو ما أشبه ذلك لم يصلح الهمز أيضاً. وذلك
قولك: مشاوي وملاوي ؛ لبعد حرف العلة من الطرف وقد تقدم تفسير هذا في باب طواويس.
فإن
كان مكان الواو ياء ففيه ثلاثة أقاويل: تقول في فعاليل، أو مفاعيل من حييت: حياوي.
أبدلت من الياء واواً ؛ كراهية اجتماع الياءات ؛ كما قلت في النسب إلى رحى: رحوي .
ويجوز
أن تبدل من إحدى الياءات همزة، فتقول: حيائي فاعلم. وهو الذي يختاره سيبويه. وليست
الهمزة بمنزلة ما كنت تهمز قبل، فيلزمك التغيير من أجلها، لأنكم فيه مخير، وإنما هي
بدل من الياء، وهي بمنزلة الياء لو ثبتت .
ومن
أجرى الأشياء على أصولها فقال في النسب إلى رحى: رحييّ، وإلى أمية: أمييّ، ترك
الياء هنا على حالها، فقال: حياييّ .
وبهذه
المنزلة. والنسب إلى راية، وآية، وما كان مثلهما .
يجوز
إقرار الياء مع ياء النسب الثقيلة، فتقول: راييّ، وآييّ. وتبدل الهمزة إن شئت.
وتقلبها واوً. وهي أجود الأقاويل عندي. وسيبويه يختار الهمزة .
فأما
ما كان من الياء مثل شويت إذا قلت: فعاعيل فلا يجوز إلا شواويّ فاعلم .
وذاك
؛ لأن الواو من أصل الكلمة، وقد كان يفر إليها من الياء التي هي أصل، فلما كانت
ثابتة لم يجز أن يتعدى إلى غيرها .
وهذا
الباب يرجع بعد ذكرنا شيئاً من الهمز وأحكامه، وشيئاً من التصغير والنسب، مما يجري
وما يمتنع من ذا إن شاء الله.
هذا
الباب
ذوات
الياء التي عيناتها ولاماتها ياءاتوذلك نحو قولك: عييت بالأمر، وحييت.
فما
كان من هذا الباب فإن موضع العين منه صحيح ؛ لأن اللام معتلة، فلا تجمع على الحرف
علتان، فيلزمه حذف بعد حذف، واعتلال .
فالعين
من هذا الفعل يجري مجرى سائر الحروف. تقول: حييت، ويحيا ؛ كما تقول: خشيت ويخشى.
وكذلك
إن كان موضع العين واو، وموضع اللام ياء، فحكمه حكم ما تقدم، وذلك نحو: شويت، ولويت، يشوى، ويلوى، كما تقول:
رميت، ويرمى ولا تقلب الواو في شوى ألفا ؛ كما قلبتها في قال، ولكن يكون شويت
بمنزلة رميت، وحييت، بمنزلة خشيت .
وتقول:
هذا رجل شاو، ورجل لاوٍ وحاوىٍ بغير همزة ؛ لأن العين لاعلة فيها. ولا يلزم الخليل
قلب هذا، لأنه بمنزلة غير المعتل.
وتقول
في المفعول: مكان محيى فيه، ومشوي فيه ؛ كما تقول: مرمى فيه، ومقضى فيه. تجربة على
هذا.
هذا
الباب
ما
كانت عينه ولامه واويناعلم أنه ليس من كلامهم أن تلتقي واوان إحداهما طرف من غير
علة. فإن التقت عين ولام كلاهما جاز ثباتها إن كانت العين ساكنة ؛ لأنك ترفع لسانك
عنهما رفعةً واحدة للإدغام. وذلك قولف قٌوة، وحوة، وصوة، وبكن قو، والحو، ونحو ذلك.
فإن
بنيت من شيءٍ من هذا فعلا لم يجز أن تبنيه على (فَعَلَ ). فتلتقي فيه واوان، لأنك
لو أردت مثل غزوت أغزو لقلت: قووت أقوو، فجمعت بين واوين في آخر الكلمة، وهذا مطرح من الكلام ؛ لما
يلزم من الثقل والإعتلال.
فإنما
يقع الفِعْل منه على فَعِلتُ ؛ لتنقلب الواو الثانية ياءً في الماضي، وألفاً في
المستقبل. وذلك قولك: قوي يقوى، وحوي يحوى. فإذا قلت كذلك صرفت الواو الثانية
المنقلبة ياءً تصريف ما الياء من أصله، ما دمت في هذا الموضع .
فإن
قال قائل: ما بال الواوين لم تثبتا ثبات الياءين في حييت، ونحوه ؟. فلأن الواو
مخالفة للياء في مواضعها ؛ ألا تراها تهمز مضمومةً إذا التقت الواوان أولاً، ولا
يكون ذلك في الياء
.
فإن
أخرجت الواو التي تلاقيها واو من هذا المثال حتى يقعا منفصلتين ثبتتا للحائل
بيتهما وذلك قولك - إن أردت مثل احمار - احواوى الفرس، واحواوت الشاة: فترجع
الواوان إلى أصولهما ؛ لأنه لا مانع من ذلك .
وإنما
ندل في هذا الموضع على الأصل ؛ لأنه موضع جمل، ونأتي على تفسيره في موضع التفسير
والمسائل إن شاء الله
.
اعلم
أنه لا يكون فعل، ولا اسم موضع فائه واو، ولامه واو. لا يكون في الأفعال مثل وعوت
وأما الياء فقد جاء منها لخفتها. وذلك قولك: يديت إليه يداً. وهو مع ذلك قليل ؛
لأن باب سلس، وقلق أقل من باب رد. فلذلك كثر في الياء مثل حييت، وعييت، وقل فيما
وصفت لك .
هذا
باب
ما
جاء على أن فعله على مثال حييت
وإن
لم يستعمللأنه لو كان فِعْلا للزمته علة بعد علة. فرفض ذلك من الفعل ؛ لما يعتوره
من العلل. وذلك نحو: غاية، وراية، وثاية .
فكان
حق هذا أن يعتل منه موضع اللام، وتصحح العين، كما ذكرت لك في باب حييت، فيكون
فَعَلة منه على مثال حياة، ولكنه إنما بنى اسماً، فلم يجر على مثل الفعل. هذا قول
الخليل.
وزعم
سيبويه عمرو بن عثمان أن غير الخليل ولم يسمهم كان يقول: هي فَعْلَة في الأصل وكان
حقها أن تكون أية. ولكن لما التقت ياءان قلبوا إحداهما ألفاً كراهية التضعيف. وجاز
ذلك ؛ لأنه اسم غير جارٍ على فِعْل .
وقول
الخليل أحب إلينا
.
ومما
رفض منه الفعل لما يلحقه من الاعتلال أول. وهو أَفْعَل. يدلك على ذلك قولهم: هو
أول منه، كقولك: هو أفضل منه، وأفضل الناس، وأن مؤنثه الأولى ؛ كما تقول: الكبرى والصغرى.
ولكن كانت فاؤه من موضع عينه، ومثل هذا لا يكون في الفعل .
ومما
لا يكون منه فِعْل يوم وآءة ؛ لما يلزم من الاعتلال واعلم أن اللام إذا كانت من
حروف اللين، والعين من حروف اللين فإن العين تصحح، ولا تعتل، وتعل اللام، فتكون العين
بمنزلة غير هذه الحروف ؛ لئلا تجتمع على الحرف علتان وقد مضى تفسير هذا في باب
حيت. وإنما ذكرناها هاهنا لمجيء هذه الأسماء على ما لا يكون فعلاً، ولا اسماً
مأخوذاً من فِعْل
.
فلو
بنيت من حييت فَعَلَة أو من قويت لقلت: قواة .. وحياة ؛ كما تقول من رميت: رماة.
فتكون الياء أو الواو التي هي عين بمنزلة غير المعتل .
فأما
قولهم: شاءٌ كما ترى فإن فيه اختلافاً : يقول قوم: الهمزة منقلبة من ياءٍ، وأنها
كانت في الأصل شاي كما ترى، فأعلت العين وهي واو من قولهم: سويٌ وقلبت الياء همزة
؛ لانها طرف وهي أبعد ألف. فكان هذا بمنزلة سقاءٍ وغزاءٍ. فيقال لهم: هلا إذا أعلت
العين صححت اللام، ليكون كباب غاية، وآية ؟ ألا ترى أنهم لما أعلوا العين صححوا
اللام ؛ لئلا تجتمع علتان ؛ فقالوا: آي، وراي جمع راية، قال العجاج :
وخطرت
أيدي الكماة، وخطر ... رايٌ إذا أورده الطعن صدر
ونظير
ذلك قولهم في جمع قائم: قيام، وفي جمع ثوب: ثياب، فلما جمعوا روي قالوا: رواءٌ فاعلم، فأظهروا الواو التي هي عين
لما اعتلت الياء، وهي في موضع اللام .
ولا
اختلاف في أنه لا يجتمع على الحرف علتان .
وزعم
أهل هذه المقالة في شاءٍ يا فتى أنه واحد في معنى الجمع ولو كان جمع شاة وعلى
لفظها لم يكن إلا شياه، لأن الذاهب من شاة الهاء، وهي في موضع اللام يدلك على ذلك
قولهم: شويهة في التصغير
.
وزعم
أن الهمزة منقلبة من حرف لين لقولهم: شويٌ في معنى الشاء وقساد قولهم ما شرحت لك .
وأما
غير هؤلاء فزعم أن شاءً جمع شاة على اللفظ ؛ لأن شاة كانت في الأصل شاهة، على قولك
شويهة، والظاهر هاء التأنيث، فكرهوا أن يكون لفظ الجمع كلفظ الواحد، في الوقف،
فأبدلوا من الهاء همزة فقالوا: شاءً فاعلم، لقرب المخرجين ؛ كما قالوا: أرقت،
وهرقت، وإياك، وهياك، وكما قالوا: ماء فاعلم، وإنما أصله الهاء، وتصغيره مويه
فاعلم وجمعه أمواه، ومياه .
وذهب
هؤلاء إلى أن شوي مخفف الهمزة كما تقول في النبي، والبرية، ويفسر هذا في باب الهمز
مستقصى إن شاء الله.
وهذا
القول الثاني هو القياس
.
باب
الهمزاعلم
أن الهمزة حرف يتباعد مخرجه عن مخارج الحروف، ولا يشركه في مخرجه شيءٌ، ولا يدانيه
إلا الهاء والألف. ولهما علتان نشرحهما إن شاء الله .
أما
الألف فقد تقدم قولنا في أنها لا تكون أصلاً، وأنها لا تكون إلا بدلاً أو زائدة.
وإنما هي هواء في الحلق يسميها النحويون الحرف الهاوي .
والهاء
خفية تقارب مخرج الألف، والهمزة تحتهما جميعاً. أعني الهمزة المحققة فلتباعدها من
الحروف، وثقل مخرجها، وأنها نبرة في الصدر، جاز فيها التخفيف، ولم يجز أن تجتمع
همزتان في كلمة سوى ما نذكره فيالتقاء العينين اللتين بنية الأولى منهما السكون،
ولا يجوز تحريكها في موضع البتة .
فإذا
كانت الهمزة مفتوحة وقبلها فتحة وأردت تحقيقها قلت: قرأ الرجال، وسأل عبد الله.
كذا حق كل همزة إذا لم ترد التخفيف .
فإن
أردت التخفيف نحوت بها نحو الألف، لأنها مفتوحة، والفتحة من مخرج الألف. فقلت: قرأ
يا فتى .
والمخففة
بوزنها محققةً، إلا أنك خففت النبرة ؛ لأنك نحوت بها نحو الألف، ألا ترى أن قوله:
أان
رأت رجلاً دعشى أضر به
في
وزنها لو حققت فقلت: أأن. وتحقيقها إذا التقتا ردئ جداً، ولكني ذكرته ؛ لأمثل لك .
فإن
كانت قبلها فتحةٌ وهي مضمومة نحوت لها نحو الواو، لأن الضمة من الواو في محل
الفتحة من الألف. وذلك قولك: لؤم الرجل إذا حققت، فإذا خففت قلت: لوم الرجل الوزن
واحد على ما ذكرت لك.
فإن
كانت مكسورةٌ وما قبلها مفتوحٌ نحوت نحو الياء، وذلك يئس الرجل. والمخففة - حيث
وقعت - بوزنها محققة، إلا أن النبر بها أقل، لأنك تزيحها عن مخرج الهمزة المحققة.
فإن
كانت مضمومة وقبلها فتح أو كسر، فهي على ما وصفنا ينحى بها نحو الواو.
وكذلك
المكسورة ينحى بها نحو الياء، مع كل حركة تقع قبلها.
فأما
المفتوحة فإنه إن كانت قبلها كسرة جعلت ياءً خالصة، لنه لا يجوز أن ينحى بها نحو
الألف، وما قبلها مكسور، أو مضموم، لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا. وذلك
قولك في جمع مئرة من مأرت بين القوم: أي أرشت بينهم: مئر. فإن خففت الهمزة قلت: مير، تخلصها ياءً. ولا يكون
تخفيفها إلا على ما وصفت لك للعلة التي ذكرنا.
وإن
كان ما قبلها مضموما وهي مفتوحة جعلت واوا خالصة والعلة فيها العلة في المكسور ما
قبلها إذا انفتحت. وذلك قولك في جمع جؤنة: جؤن مهموز.
فإن
خففت الهمزة أخلصتها واو، فقلت: جون.
واعلم
أن الهمزة إذا كانت ساكنة فإنه تقلب - إذا أردت تخفيفها - على مقدار حركة. ما قبلها
وذلك قولك في رأس، وجؤنة وذئب، - إذا أردت التخفيف - : راس، وجونة، وذيب، لأنه لا
يمنكنك أن تنحو بها نحو حروف اللين، وأنت تخرجها من مخرج الهمزة إلا بحركة منها،
فإذا كانت ساكنة فإنما تقلبها على ما قبلها. فتخلصها ياءً، أو واوا، أو ألفا.
وكان
الأخفش يقول: إذا انضمت الهمزة وقبلها كسرة قلبتها ياءً، لأنه ليس في الكلام واو
قبلها كسرة، فكان يقول في يستهزئون - إذا خففت الهمزة - : يستهزيون.
وليس
على هذا القول أحد من النحويين. وذلك: لأنهم لم يجعلوها واوا خالصة ،إنما هي همزة
مخففة، فيقولون: يستهزيون، وقد تقدم قولنا في هذا.
واعلم
أنه ليس من كلامهم أن تلتقى همزتان فتحققا جميعاً، إذا كانوا يحققون الواحدة. فهذا
قول جميع النحويين إلا عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، فإنه كان يرى الجمع بين الهمزتين،
وسأذكر احتجاجه وما يلزم على قوله بعد ذكرنا قول العامة.
النحويون
إذا اجتمعت همزتان في كلمتين كل واحدة منهما في كلمة تخفف إحداهما فإن كانتا في
كلمة واحدة أبدوأ الثانية منهما، وأخرجوها من باب الهمزة.
أما
ما كان في كلمة، فنحو قولهم: آدم، جعلوا اثانية ألفا خالصة، للفتحة قبلها.
وقالوا
في جمعه: أوادم، كما قالوا في جمع خالد: خوالد، فلم يرجعوا بها إلى الهمز. وقالوا في فاعِل من جئت، ونحوه: جاءٍ كما
ترى، فقلبوا الهمزة ياءً، لأنها في موضع اللام من الفعل، وموضع العين تلزمه الهمزة
لاعتلاله ؛ كما قلت في فاعِل من يقول: قائل. فلما التقت الهمزتان في كلمة قلبوا
الثانية منهما على ما وصفنا.
فإذا
كانتا في كلمتين فإن أبا عمرو بن العلاء كان يرى تخفف الأولى منهما وعلى ذلك قرأ
في قوله عز وجل " فقد جاء أشراطها " إلا أن يبتدأ بها ضرروة كامتناع
الساكن.
وكان
يحقق الأولى إذا قرا " ألد وأنا عجوزٌ " ويخفف الثانية، ولا يلزمها
البدل، لأن ألف الاستفهام منفصلة، وكان الخليل يرى تخفيف الثانية على كل حال،
ويقول: لأن البدل لا يلزم إلا الثانية، وذلك لأن الأولى يلفظ بها، ولا مانع لها، والثانية
تمتنع من التحقيق من أجل الأولى التي قد ثبتت في اللفظ.
وقول
الخليل أقيس، وأكثر النحويين عليه.
فأما
ابن أبي إسحق فكان يرى أن يحقق في الهمزتين، كما يراه في الواحدة، ويرى تخفيفها
على ذلك، ويقول: هما بمنزلة غيرهما من الحروف، فأنا أجريهما على الأصل، وأخفف إن
شئت استخفافا، وإلا فإن حكمهما حكم الدالين، وما أشبههما. وكان يقول في جمع خطيئة - إذا جاء به على الأصل -
: هذه خطائىء ويختار في الجمع التخفيف، وأن يقول: خطايا، ولكنه لا يرى التحقيق
فاسدا.
واعلم
أن الهمزة المتحركة إذا كان قبلها حرف ساكن فأردت تخفيفها، فإن ذلك يلزم فيه أن
تحذفها، وتلقى حركتها على الساكن الذي قبلها، فيصير الساكن متحركا بحركة الهمزة.
وإنما
وجب ذلك ؛ لأنك إذا خففت الهمزة جعلتها بين بين، قد ضارعت بها الساكن، وإن كانت
متحركة.
ووجه
مضارعتها أنك لا تبتدئها بين بين ؛ كما لا تبتدىء ساكنا. وذلك قولك: من ابوك،
فتحرك النون، وتحذف الهمزة، ومن اخوانك.
وتقرأ
هذه الآية إذا أردت التخفيف " الله الذي يخرج الخب في السماوات " وقوله
" سل بني إسرائيل
" .
إنما
كانت اسأل فلما خففت الهمزة طرحت حركتها على السين، وأسقطتها، فتحركت السين، فسقطت
ألف الوصل. ومن قال: هذه مرأة كما ترى فأراد التخفيف قال: مرة فهذا حكمها بعد كل
حرف من غير حروف اللين.
فأما
إذا كانت بعد ألف، أو واو، أو ياءٍ فإن فيها أحكاما: إذا كانت الياء، و الواو
مفتوحا ما قبلهما فهما كسائر الحروف. تقول في جيأل: جيل.
وكذلك
إذا كانت واحدة منهما اسما، أو دخلت لغير المد واللين.
وتقول
في فَوْعَل من سألت: سوأل فإن أردت التخفيف قلت: سول كما قلت في الياء.
وكذلك
ما كنت فيه واحدة منهما اسما، وإن كان قبل الواو ضمة. أو قبل الياء كسرة. تقول في اتبعوا أمره: اتبعو مره، وفي
اتبعى أمره: اتبعى مره، وفي اتبعوا إبلكم: اتبعى بلكم.
لا
تبالى أمفتوحةً كانت الهمزة، أم مضمومة، أم مكسورة.
فإن
كانت الياء قبلها كسرة وهي ساكنة زائدة لم تدخل إلاّ لمدّ، أو كانت واو قبلها ضمة
على هذه الصفة لم يجز أن تطرح عليها حركة، لأنه ليس مما يجوز تحريكه وذلك نحو:
خطيئة، ومقروءة، فإن تخفيف الهمزة أن تقلبها كالحرف الذي قبلها، فتقول في خطيئة:
خطيّة، وفي مقروءة: مقروّة.
وإنما
فعلت ذلك ؛ لأنك لو ألقيت حركة الهمزة على هذه الياء وهذه الواو لحرّكت شيئا لا
يجوز أن يتحرك أبدا ؛ لأنها للمد، فهو بمنزلة الألف، إلا أن الإدغام فيه جائز، لأنه
مما يدغم، كما تقول: عدو، ودلى، ومغزو، ومرمى. وأما الألف فإن الإدغام فيها محال
وهي تحتمل أن تكون الهمزة بعدها ببن بين، كما.
احتملت
الساكن المدغم في قولك: دابة، وشابة ؛ لأن المدة قد صارت خلفا من الحركة، فساغ ذلك
للقائل. ولولا المد لكان جمع الساكنين ممتنعا في اللفظ.
فتقول
- إذا أردت اتبعا أمره فخفّفت - : اتبعا امره فتجعلها بين بين. وكذلك مضى إبراهيم،
وجزى أمه، لأن الألف لا تكون إلا ساكنة، فلو طرحت عليها الحركة لخرجت من صورتها،
وصارت حرفا آخر.
وتقول
في نبيء - إذا خففت الهمزة - نبي كما ترى. هكذا يجري فيما لم تكن حروف ليّنة
أصلية، أو كالأصلية.
وهم
في نبيء على ثلاثة أضرب: أما من خفف فقال نبي وجعلها كخطية فإنه يقول: نباء،
فيردها إلى أصلها ؛ لأنها قد خرجت عن فعيل، كما قال:
يا
خاتم النبآء إنك مرسلٌ ... بالحق كل هدى السبيل هداكا
ومن
قال: نبي فجعلها بدلا لازما، كقولك: عيد وأعياد، وكقولك: أحد في وحد فيقول أنبياء،
كما يقول: تقي وأتقياء، وشقي وأشقياء، وغني وأغنياء.
وكذلك
جمع فَعِيل الذي على هذا الوزن.
وكذلك
يقول من أخذه من قولك: نبا ينبو، أي مرتفع بالله، فهذا من حروف العلة، فحقّه على
ما وصفت لك.
وإن
خففت الهمزة من قولك: هو يجيئك، ويسوءك قلت: يجيك، ويسوك، تحرك الياء والواو بحركة
الهمزة، لأنهما أصلا في الحروف. فهذا يدلك على ما يرد عليك من هذا الباب.
واعلم
أنه من أبى قول ابن أبي إسحق في الجمع بين الهمزتين فإنه إذا أراد تحقيقهما أدخل
بينهما ألفا زائدة، ليفصل بينهما، كالألف الداخلة بين نون جماعة النساء، والنون
الثقيلة إذا قلت: اضربنان زيدا.
فتقول:
" آئذا كنا ترابا " وتقول: " آأنت قلت للناس " ومثل ذلك قول
ذي الرمة:
فياظبية
الوعساء بين جلاجلٍ ... وبين النّقا آأنت أم أم سالم
وإنما
نذكر هاهنا من الهمزة ما يدخل في التصربف.
اعلم
أن الهمزة التي للاستفهام إذا دخلت على ألف وصل سقطت ألف الوصل ؛ لأنه لا أصل لها،
وإنما أتي بها لسكون ما بعدها، فإذا كان قبلها كلام وصل به إلى الحرف الساكن سقطت
الألف وقد تقدم القول في هذا، إلا الألف التي مع اللام فإنك تبدل منها مدة مع ألف
الاستفهام، لأنها مفتوحة، فأرادوا ألا يلتبس الاستفهام بالخبر. وذلك قولك - إذا
استفهمت - : آبن زيد أنت ؟، " آتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار " .
وألف
ايم التي للقسم، و ايمن بمنزلة ألف اللام: لأنها مفتوحة وهي ألف وصل. فالعلة واحدة.
وكل
ما كان بعد هذا فما ذكرناه دال عليه.
فإذا
التقت الهمزتان بما يوجبه البناء نحو بنائك من جئت مثل فَعْلَل قلبت الثانية ألفا،
لانفتاح ما قبلها، كما وصفت لك في الهمزتين إذا التقتا: من أنه واجب أن تقلب
الثانية منهما إلى الحرف الذي منه الحركة، وأنهما لا تلتقيان في كلمة واحدة فيقرا
جميعا، فتقول: جيأى على وزن جيعىً.
فإن
قال قائل: فما بالك تجمع بين الهمزتين في كلمة واحدة إذا كانتا عينين في مثل فعّل
وفَعّال. وذلك قولك: رجل سئال وقد سئل فلان. ولا تفعل مثل ذلك في مثل جعفر، وقمطر
؟.
فالجواب
في هذا قد قدمنا بعضه، ونرده هاهنا ونتمه.
إنما
التقت الهمزتان إذا كانت عينين فيما وصفنا. لأن العين إذا ضوعفت فمحال أن تكون
الثانية إلا على لفظ الأولى، وبهذا علم أنهما عينان. ولولا ذلك لقيل: عين، ولام، ومع هذا أن العين الأولى لا
تكون في هذا البناء إلا ساكنة، وإنما ترفع لسانك عنهما رفعةً واحدة للإدغام.
فإن
قال: فأنت إذا قلت:
قمطر
فاللام الأولى ساكنة، فهلاّ وجب فيها وفي التي بعدها ما وجب في العينين ؟ قيل: من
قبل أن اللام لا تلزمه أن تكون اللام التي بعدها على لفظها، وإن جاز أن تقع .
ولكن
العين هذا فيها لازم، ألا ترى أن قمطرا مختلفة اللامين بمنزلة جعفر، ونحوه .
فإذا
قلت من قرأت مثل قمطر قلت: قِرَأْيٌ فاعلم، تصحح الياء، لأنه لا تلتقي همزتان .
فإن
قيل: فلم قلبتها ياءً وليست قبلها كسرة ؟.
فإنما
ذلك، لأنك إذا قلبتها إلى حروف اللين كانت كما جرى أصله من حروف اللين. فالياء، والواو إذا كانت واحدة منهما
رابعةً فصاعدا. أصليةً كانت أو زائدة، فإنما هي بمنزلة ما أصله ياء ؛ ألا ترى أن
أغزيت، وغازيت على لفظ. راميت، وأحييت .
وقد
تقدم قولنا في هذا. ونعيد مسائل الهمز مع غيرها مما ذكرنا أصوله في موضع المسائل
والتصريف إن شاء الله
.
واعلم
أن قوماً من النحويين يرون بدل الهمزة من غير علة جائزاً، فيجيزون قريت، واجتريت
في معنى قرأت، واجترأت
.
وهذا
القول لا وجه له عند أحد ممن تصح معرفته، ولا رسم له عند العرب .
ويجيز
هؤلاء حذف الهمزة لغير علة إلا الاستثقال .
وهذا
القول في الفساد كالقول الذي قبله .
وهم
يقولون في جمع بريء الذي هو براء على كريم وكرماء، وبراء على كريم وكرام. فهؤلاء الذين وصفنا يقولون براء فاعلم،
فيحذفون الهمزة من برآء، ويقولون: الهمزة حرف مستثقل، فنحذفه ؛ لأن فيما أبقينا
دليلا على ما ألقينا.
ويشبهون
هذا بفاعِل إذا قلت: رجل شاكٌ السلاح.
وليس
ذا في ذاك من شيءٍ، لأنه من قال: شاكٌ السلاح فإنما أدخل ألف فاعِل، وبعدها الألف
التي في الفعل المنقلبة وهي عين، فتحذف ألف فاعِل، لالتقاء الساكنين.
وقد
قال لهم بعض النحويين: كيف تقولون في مضارع قريت. ؟ فقالوا: أقرا - فقد تركوا
قولهم من حيث لم يشعروا ؛ لأن من قلب الهمزة فأخلصها ياءً لزمه أن يقول: يقري، كما
تقول: رميت أرمى ؛ لأن فعَل يَفْعَل إنما يكون في حروف الحلق.
ولو
جاز أن تقلب الهمزة إلى حروف اللين لغير علة لجاز أن تقلب الحروف المتقاربة
المخارج في غير الإدغام ؛ لأنها تنقلب في الإدغام ؛ كما تنقلب الهمزة لعلة. فإن
فُعِل هذا لغير علة فليفعَلْ ذلك.
ولكن
إذا اضطر الشاعر جاز أن يقلب الهمزة عند الوقف على حركة ما قبلها، فيخلصها على
الحرف الذي منه حركة ما قبلها ؛ كما يجوز في الهمزة الساكنة من التخفيف إن شئت.
فمن ذلك قول عبد الرحمن بن حسان:
وكنت
أذل من وتدٍ بقاعٍ ... يشجج رأسه بالفهر واجى
إنما
هو من وجأت.
وقال
الفرزدق:
راحت
بمسلمة البغال عشيةً ... فارعى فزارة لاهناك المرتع
وقال
حسان بن ثابت:
سالت
هذيل رسول الله فاحشةً ... ضلت هذيلٌ بما قالت ولم تصب
فهذا
إنما جاز للاضطرار ؛ كما يجوز صرف مالا ينصرف، وحذف مالا يحذف مثله في الكلام.
وقد
يقال في معنى سألت: سلت أسال مثل خفت أخاف، وهما يتساولان. كما يختلف اللفظان
والمعنى الواحد، نحو قولك: نهض، ووثب. فإنما هذا على ذلك لا على القلب. ولو كان
على القلب كان في غير سألت موجودا ؛ كما كان فيها. فهذا حق هذا.
هذا
باب
ما
كان على فعلى مما موضع العين منه ياءأما ما كان من ذلك اسما فإن ياءه تقلب واوا ؛
لضمة ما قبلها. وذلك نحو قولك: الطوبى، والكوسى. أخرجوه بالزيادة من باب بيض ونحوه.
فإن
كانت نعتا أبدلت من الضمة كسرة ؛ لتثبت الياء ؛ كما فعلت في بيض، ليفصلوا بين
الاسم والصفة، وذلك قولهم: قسمةٌ ضيزى، ومشية حيكى. يقال: هو يحيك في مشيته، إذا
جاء يتبختر. ويقال: حاك الثوب، والشعر يحوكه.
فإن
قال قائل: فما أنكرت أن يكون هذا فِعْلَى ؟ قيل له: الدليل على أنه فُعْلَى مغير
موضع الفاء أن فِعْلى لا تكون نعتا، وإنما تكون اسما ؛ نحو معزى، ودفلى، وفُعْلَى
يكون نعتا كقولك: امرأة حبلى، ونحوه.
فإن
قال قائل: من أين زعمت أن الطوبى، والكوسى اسمان ؟ فمن قبل أن هذا البناء لا يكمل
نعتا إلا بقولك: من كذا.
تقول:
هذا أفضل من زيد، وهذه أفضل من زيد، فيكون أفعل للمؤنث والمذكر، والاثنين والجمع،
على لفظ واحد.
فإذا
قلت الفضل والفضلى، ثنّيت وجمعت ؛ كما فصلت بين المؤنث والمذكر ولهذا باب يفرد
مستقصى فيه مسائله.
فلما
ذكرت لك جرت مجرى الأسماء.
فإن
كان هذا الباب من الواو، جرى على أصله اسما وصفةً.
فأما
الاسم فنحو قولك: القولى، والسودى تأنيث قولك: هذا أسود منه، وأقول منه ؛ لأن هذا
إذا ردّ إلى الألف واللام خرج إلى باب الأكبر والكبرى.
وإن
كان نعتا لم يلزم أن يكسر ما قبل واوه، إنما لزم الكسر في فُعْل مما كان من الياء،
ألا ترى أنك تقول في جمع أسود: سود، خلافا لأبيض وبيض. فكذلك تسلم الواو من هذا
اسما، وصفة.
هذا
باب
ما
كان على فعلى وفعلى من ذوات الواو
والياء
اللتين هما لامانأما ما كان على فَعْلَى من ذوات الياء فإن ياءه تقلب واوا إذا كان
اسما، وتترك ياءً على هيئتها إذا كان نعتا.
فأما
الاسم فالفتوى، والتقوى، والرعوى.
وأما
النعت فنحو قولك: صديا، وريا، وطيا.
ولو
كانت ريا اسما لكانت روّى. وذلك، لأنك كنت تقلب اللام واوا، والعين واوا، لأنها من
رويت. فتلقى الواوان فيصير بمنزلة قوّل.
وأما
ما كان من الواو فإنك لا تغيره اسما ولا صفة.
تقول
في الاسم: دعوى، وعدوى.
والصفة
مثل شهوى. وإنما فعلت ذلك لأن الصفة تجرى هاهنا على أصلها ؛ كما جرت الصفة من
الياء على أصلها.
وأما
الاسم فلا تقلب من الواو ؛ لأن هذا باب قد غلبت الواو على بابه، فإذا أصيبت الواو
لم تغير، لأن الياء تنقلب إلى الواو.
وأما
ما كان من هذا الباب على فُعْلَى فإن واوه تنقلب ياءً إذا كان اسما ؛ كقولك:
الدنيا، والقصيا.
والنعت
يجرى على أصله، ياءً كان أو واوا ؛ كما وصفت لك فيما مضى من النعوت.
وذوات
الياء لا تتغير هاهنا ؛ كما أن ذوات الواو لا تتغير في فَعَْى. فعلى هذا يجري
التصريف في هذه الأبواب.
وأما
قولهم: القصوى فهذا مما نذكره مع قولهم: الخونة، والحوكة.
و:
قد علمت ذاك بنات ألببه وحيوة، وضيون. وغير ذلك مما يبلغ له الأصل إن شاء الله.
هذا
باب
المسائل
في التصريف مما اعتل منه موضع العينتقول: إذا بنيت فُوِعِلَ من سرت: سوير.
فإن
قال قائل: هلا ادغمت الواو في الياء ؛ كما قلت في لية وأصلها لوية ؛ لأنها من لويت
يده، ولأن حكم الواو والياء إذا التقتا والأولى منهما ساكنة، أن تنقلب الواو إلى
الياء، وتدغم إحداهما في الأخرى، فأما ما كان من هذا ياؤه بعد واوه فنحو: لويته،
وشويته ليّة، وشيا إنما كانا لوية، وشويا ؛ لأن العين واو، وكذلك مرميّ فاعلم إنما
هو مرموي ؛ لأن اللام ياء وقبلها واو مفعول.
وأما
ما كانت الياء منه قبل الواو: فنحو سيد، وميت ؛ لأنه في الأصل سيود، وميوت.
فإذا
قال: فلم لم يكن في سوير مثل هذا ؟ فالجواب في ذلك أن واو سوير مدة، وما كان من
هذه الحروف مد فالإدغام فيه محال، لأنه يخرج من المد ؛ كما أن إدغام الألف محال.
والدليل على أن هذه الواو مدة أنها منقلبة من ألف، ألا ترى أنها كانت ساير، فلما
بنيت الفعل بناء ما لم يسم فاعله قلت: سوير فالواو غير لازمة.
ولو
قلت مثل هذا من القول لقلت: قوول، فلم تدغم. والعلة في هذا، العلة فيما قبله ؛
لأنها بدل من ألف قاول.
ونذكر
قلب الواو في الإدغام إلى الياء وإن كانت الياء قبلها، ثم نعود إلى المسائل إن شاء
الله .
قد
قلنا: إذا التقيت الياء والواو وإحداهما ساكنة، وجب الإدغام، وقلبت الواو إلى
الياء فيقال: فهلا قلبت الياء إلى واو إذا كانت الواو بعدها ؛ كما أنك إذا التقى
حرفان من غير المعتل فإنما تدغم الأول في الثاني، وتقلب الأول إلى لفظ الثاني ؛
نحو قولك في وتد: ود، وفي يفتعل من الظلم: يطلم، فتدغم الظاء إلى الطاء. وكذلك ذهب
طلحة تريد: ذهبت طلحة، تقلب التاء طاءً .
ومثل
ذلك أخت، تريد: أخذت، فتدغم الذال في التاء. وأنفت تريد: أنفذت ؟ قيل: الجواب في هذا: أنه إذا التقى الحرفان ولم
يكن في الآخر منهما علة مانعة تمنع من إدغام الأول فيه أدغم فيه .
وإن
كان الأول أشد تمكناً من الذي بعده، وتقاربا تقارب ما يجب إدغامه، لم يصلح إلا قلب
الثاني إلى الأول
.
فمن
ذلك حروف الصفير وهي السين، والصاد، والزاي. فإنها لا تدغم فيما جاورها من الطاء،
والتاء، والدال
.
ومجاورتهن
إياها أنهن من طرف اللسان، وأصول الثنايا العلى، وحروف الصفير من طرف اللسان،
وأطراف الثنايا، ولهن انسلال عند التقاء الثنايا، لما فيهن من الصفير، وتجاورهن
الظاء، والذال، والثاء من طرف اللسان، وأطراف الثنايا. إلا أن هذه الحروف يلصق اللسان لها بأطراف
الثنايا، وهي حروف النفث وإذا تفقدت ذلك وجدته .
ومعنى
النفث: النفخ الخفي
.
فالصاد
وأختاها لتمكنهن لا يدغمن في شيءٍ من هؤلاء الستة، وتدغم الستة فيهن. ونذكر هذا في
موضعه إن شاء الله
.
فإذا
التقى حرفان أحدهما من هذه الستة، والآخر من حروف الصفير فأردت الإدغام أدغمته على
لفظ الحرف من حروف الصفير .
تقول
من مُفْتَعِل من صيرت - إذا أردت الإدغام - : مصير، وفي مستمع: مسمع، وفي مزدان،
ومزدجر ؛ مزان، ومزجر
.
فكذلك
الياء، والواو. ويجب إدغامها على لفظ الياء، لأن الياء من موضع أكثر الحروف
وأمكنها والواو مخرجها من الشفة، ولا يشركها في مخرجها إلا الباء، والميم فأما
الميم فتخالفها ؛ لمخالطتها الخياشيم بما فيها من الغنة ؛ ولذلك تسمعها كالنون .
والباء
لازمةٌ لموضعها، مخالفة للواو ؛ لأن الواو تهوي من الشفة للفم ؛ لما فيها من اللين
حتى تتصل بأختيها: الألف، والياء .
ولغلبة
الياء عليها مواضع نذكرها في باب الإدغام ؛ لأنه يوضح لك ما قلنا مبيناً .
وليست
الواو كالفاء ؛ لأن الفاء لا تخلص للشفة، إنما مخرجها من الشفة السفلى، وأطراف
الثنايا العليا
.
فلذلك
وجب ما وصفنا من الإدغام
.
ولا
يجب الإدغام إذا كانت إحداهما حرف مد .
وآية
ذلك أن تكون منقلبة من غيرها ؛ كما وصفت لك في واو سوير ؛ لأنها منقلبة من ألف
ساير .
وأما
واو مغزو ومرمي، فليست واحدة منهما منقلبة من شيءٍ، إنما هي واو مَفْعُول غير
منفصلة من الحروف. ولو كانت منفصلةً لم تدغم وقبلها ضمة ؛ إلا ترى أنك تقول: ظلموا
واقداً فلا تدغم ؛ كما لا تدغم إذا قلت: ظلماً. وكذلك أغزي ياسراً لا يلزمك
الإدغام، لكسرة ما قبل الياء، وضمة ما قبل الواو .
ولو
كات قبل كل واحدة منهما فتحة لم يجز إلا الإدغام في المثلين، ولم يمكنك إلا ذلك .
تقول:
رموا واقداً، وأخشى ياسراً .
فإن
قلت: فما بالك من أخشى واقداً، ورموا ياسراً لا تدغم، والأول منهما ساكن وقد تقدم
الشرط في الواو والياء ؟ فإنما قلنا في المتصلين .
فأما
المنفصلان فليس ذلك حكمهما، لأنك في المنفصلين - إذا تقاربت الحروف - مخير.
وأما
في هذا الموضع فلا يجوز الإدغام ؛ لأن الواو علامة الجمع والياء علامة التأنيث،
فلو أدغمت واحدة منهما على خلاف لذهب المعنى، وهذا يحكم لك في باب الإدغام إن شاء
الله. ورجع بنا القول إلى ما يتبع باب سوير.
قد
تقدمنا في القول أن الواو الزائدة والياء، ، إذا كانا مدتين لم تدغما، كما أن
الألف لم تدغم، فإذا كانتا مدتين صارتا كالألف.
وإنما
استحال الإدغام في الألف ؛ لأنها لو كانت إلى جانبها ألف لا يجوز أن تدغم فيها،
لأن الألف لا تكون إلا ساكنة ولا يلتقى ساكنان.
وبعد
فإن لفظها وهي أصلية لا تكون إلا مداً، وابلمد لا يكون مدغما، واو رمت ذلك في
الألف لتقلتها عن لفظها.
فتقول:
قد قوول زيد، وبويع لا غير ذلك.
وكذلك
رؤيا إذ خففت الهمزة وأخلصتها واوا، لأن الهزة الساكنة إذا خففت انقلبت على حركة
ما قبلها.
ولم
يجز في هذا القول أن تدغمها، لأنها مدة، ولأن أصلها غير الواو، فهي منقلبة كواو
سوير.
وأما
من قال: ريا ورية فعلى غير هذا المذهب، ونذكره في بابه إن شاء الله.
فهذا
حكم الزوائد.
ولو
قلت: افْعَوْعَلَ من القول لقلت: اقوول، ومن البيع: ابيع وكان أصلها: ابيويع،
فأدغمت الواو في الياء التي يعدها .
فإن
بنيت الفعل من هذا بناء ما لم يسم فاعله قلت: ابيويع، واقووول، ولا يجوز الإدغام،
لأن الواو الوسطى مدة.
فأما
عدو، وولى، فالإدغام لازم، لأن الواو والياء لم تنقلبا من شيءٍ.
وتقول
في مثل احمار من الحوة: احواوت، واحووى الرجل، وإنما أصل احمار احمارر، فأدركه
الإدغام. ويظهر ذلك إذا سكنت الراء الأخيرة تقول: احماررت، ولم يحمارر زيد.
فعلى
هذا تقول: احواويت، واحواوى زيد.
فإذا
قلت: يحواوى لم تدغم، لأن الياء ساكنة، والواو متحركة.
وإنما
يجب الإدغام في هذا سكن الأول.
فإن
بنيت الفعل بناء ما لم يسم فاعله قلت: احووى في هذا المكان، فلا تدغم، لأن الواو
الوسطى منقلبة عن ألف افعالّ.
فإن
قلت: فما بالك تقول في المصدر على مثل احميرار: احوياء ؟ وأصلها احويواء، فتدغم
هلا تركت الياء مدة ؟ فمن قيل أن المصدر اسم، فبناؤه على حالة واحدة، والفعل ليس
كذلك لتصرفه.
فالملحقة
في هذا الباب، والزائدة لغير الإلحاق سوتاء في قول النحويين.
وكان
الخليل يقول: لو بنيت أَفْعَلْت من اليوم في قول من قال: أجودت، وأطيبت لقلت: أيمت
وكان الأصل: أيومت، ولكن انقلبت الواو للياء التي قبلها ؛ كما فعلت في سيد.
فإن
بنيت الفعل بناء ما لم يسم فاعله، أو تكلمت بمضارعه قلت في قول الخليل: أووم ؛ لأن
الياء منقلبة من واو، فلما بناها هذا البناء جعلها مدة، وإن كانت أصلية، لأنها
منقلبة ؛ كما انقلبت واو سوير من ألف ساير، فقد صارت نظيرتها في الانقلاب.
وتقول
في موئس فيمن خفف الهمزة:
مويس،
فتجعلها بين بين، وفي ميأل وهو مِفْعَل من وألت: ميال، فلا تجعلها كالواو في خطيئة
إذا قال: خطية إذا خفف الهمزة.
والنحويون
أجمعون على خلافه، لإدخاله الأصول على منهاج الزوائد فيقولون: ايم، لأنها أصلية، فالإدغام
لازم لها ؛ لأن المد ليس بأصل في الأصول.
ويقول
في مِفْعَل من وألت: مول إذا خففوا الهمز، والأصل ميئل، فطرحوا حركة الهمزة على
الياء فلما تحركت رجعت إلى أصلها، لأنها من واو وألت، كما رجعت واو ميزان إلى أصلها
في قولك: موازين.
ويقول
النحويون في موئس إذا خففوا الهمزة: ميس، لأنهم طرحوا حركتها على الواو، فسقطت
الهمزة، ورجعت الواو إلى الياء لما تحركت، لأنه من يئست. فهذا قول النحويون وهو
الصواب والقياس.
ولو
بنيت من القول فَعَّل أو من البيع لقلت: قول، وبيع، فإن بنيته بناء ما لم بسم فاعله:
قلت: قول، وبيع، لأنها ليست منقلبة، إنما رددت العين مثقلة كما كانت.
وتقول
في افْعَلْ من أويت إذا أمرت: ايو يا رجل، وللاثنين: ايويا، وللجمع: ايووا،
وللنساء :ايوين ؛ كما تقول من عويت.
فالياء
مبدلة من الهمزة، ولا يلزمك الادغام، لأن الألف ألف وصل، فليس البدل لازما للياء،
لأن أصها الهمز.
ولكنك
لو قلت مثل إوزة من أويت لقلت: إياة، فاعلم.
وكان
أصلها إئواة، فلما التقت الهمزتان أبدلت الثانية ياء ؛ لكسرة ما قبلها ؛ كما ذكرت
لك في جاءٍ ونحوه، فصارت ياء خالصة وبعدها واو، فقلبتها لها ؛ لأن الياء ساكنة،
ولم تجعلها مدا، لأنه اسم، وقد تقدم قولنا في هذا في باب عدو، وولى، ونحوه.
ولو
قلت من وأيت مثل عصفور لقلت: وؤيىّ، لأنك إذا قلت: وأيت، فالواو في موضع الفاء،
والهمزة في موضع العين فلما قلت: فعلول احتجت إلى تكرير اللام للبناء، والواو الزائدة
تقع بين اللامين ؛ كما تقع في مثال فُعْلول فقلت: وؤيىّ.
والأصل
وؤيوى، فقلبت الواو ياء ؛ للياء التي بعدها، وضممت الواو الأولى لمثال فُعْلول.
وإنما لزمك الإدغام لأنه اسم، ولولا ذلك لكانت واو فُعْلول كواو سوير، ولكن
الأسماء لا تتصرف. وقد مضى القول في هذا.
ألا
ترى أن قولك: مرمي إنما هو مَفْعْول من رميت، فكان حقّه أن يكون مرموى فأدغمت.
فكذلك آخر فُعْلُول.
ولو
قلت مثل مَفْعُول من حييت لقلت: هذا مكان محيى فيه.
وكان
الأصل: محيوى، وكذلك مشويّ، وكان - الأصل مشووى ؛ لأن العين واو بعدها واو مفعول،
وبعد واو مفعول الياء التي هي لام الفعل.
ولو
قلت مثل فَعالِيل من رميت لقلت: رمايي فاعلم. لم تغير ؛ لتباعد الألف من الطرف،
فأدغمت الياء الزائدة في الياء التي هي لام.
فأما
مثل طويل، وقويم، وما أشبه ذلك فلا يلزمك الإدغام ؛ لتحرك الحرف الأول من المعتلين.
ونبين هذا بأكثر من هذا التبيين في باب مسائل التصريف إن شاء الله.
هذا
باب
تصرف
الفعل إذا اجتمعت فيه حروف العلةإذا بنيت الماضي من حييت فقلت: حيي يا فتى فأنت
فيه مخير: إن شئت أدغمت، وإن شئت بينت.
تقول:
قد حيّ في هذا الموضع، وقد حيي فيه.
أما
الإدغام فيجب للزوم الفتحة آخر فَعَلَ، وأنه قد صار بالحركة بمنزلة غير المعتل ؛
نحو: ردّ، وكرّ.
وأما
ترك الإدغام ؛ فلأنها الياء التي تعتل في يحيى، ويحيى، فلا تلزمها حركة ؛ ألا ترى
أنك تقول: هو يحيى زيدا، ولم يحى، فتجعل محذوفة، كما تحذف الحركة. وكذلك يحيا ونحوه ؛ وقد فسرت لك من اتصال
الفعل الماضي بالمضارع، وإجرائه عليه في باب أغزيت ونحوه ما يغنى عن إعادته.
ومن
قال: حي يا فتى قال للجميع: حيّوا مثل: ردّ، وردّوا، لأنه قد صار بمنزلة الصحيح.
ومن
قال: حيى فبين قال: حيوا للجماعة. وذلك ؛ لأن الياء إذا انكسر ما قبلها لم تدخلها
الضمة، كما لا تقول: هو يقضي، يا فتى، ولا هو قاضيٌ.
وكان
أصلها حييوا على وزن علموا، فسكّنت والواو بعدها ساكنة، فحذفت لالتقاء الساكنين.
فمثل
الإدغام قراءة بعض الناس " ويحيا من حي عن بينة " وهو أكثر وترك
الإدغام: " من حيى عن بينة " وقد قريء - بهما جميعا.
وكذلك
قيل في الإدغام:
عيوا
بأمرهمو كما ... عيّت ببيضتها الحمامه
وقال
في ترك الإدغام:
وكنا
حسبناهم فوارس كهمسٍ ... حيوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا
فإذا
قلت: هو يَفْعَل لم يجز الإدغام البتّة. وذلك قولك: لن يعيى زيد، ولن يحيى أحد ؛
لأن الحركة ليست بلازمة، وإنما تدخل للنصب. وإنما يلزم الإدغام بلزوم الحركة.
وكذلك
قول الله عز وجل " أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيى الموتى " ؛ لا يجوز
الإدغام كما ذكرت لك.
فإذا
قلت: قد فُعِلَ من حييت على قول من بيّن قلت: قد حيي في هذا المكان. ومن أدغم قال:
قد حيّ في هذا المكان.
وإن
شاء قال: قد حيّ، فأبدل من الضمة كسسرة ؛ للياء التي بعدها.
وكذلك
كلّ ما كان من هذا، اسما كان أو فِعْلا. تقول: قرنٌ ألوى وقرون لي، وإن شئت قلت:
ليٌّ ؛ والأصل الضم. وإنما دخل الكسر من أجل الياء ؛ لأن جمع - أَفْعَل فُعْل، إذا كان أَفْعل نعتا ؛ نحو
أحمر وحمر، ولكن الكسر في هذا أكثر لخفته.
وكذلك
ما كان على فعُول مما اعتلت لامه، وتقول: ثديّ، وعصي، وإن شئت قلت: ثدي وعصي،
والكسر أكثر ؛ لما ذكرت لك والضم الأصل ؛ لأن البناء فُعُول.
فأما
المفتوحة فلا تبدل كسرة لخفة الفتحة ؛ نحو: ولي، وعدي. وكذلك " لبا بألسنتهم " .
فإذا
ثنيت أُفْعُوْعِلَ من حييت لقلت في قول من لم يدغم: قد احيوييا في هذا، وفي قول من
أدغم: أحيويا فيه.
فإن
قلت: فكيف اجتمعت الواو وهي ساكنة، والياء بعدها ساكنة للإدغام ؟ فقد تقدم قولنا
في أن حرف المد يقع بعده الساكن المدغم ؛ لأن المدة عوض من الحركة، وأنك تعتمد على
الحرفين المدغم أحدهما في الآخر اعتمادةً واحدة ؛ نحو قولك: دابة، وشاب ؛ وتمود الثوب، وهذا بريد ود، ونحو ذلك.
ونحن
ذاكرو ما تلتقى لامه، وعينه - على لفظ واحد بجميع علله من الصحيح، ثم نرجع إلى
المعتل إن شاء الله.
إذا
قلت: فَعِل أوفعَل مما عينه ولامه سواء فكان الحرفان متحركين ؛ فإنه يلزمك أن تسكن
المتحرك الأول، فتدغمه في الذي بعده ؛ لأنها لفظ واحد، فلا يقع في الكلام التباين.
وذلك قولك: رد، وفر، وعض، وردوا، وفروا .
فإن
سكن الثاني ظهر التضعيف. وإنما يظهر لأن الذي بعده ساكن، فإن أسكنته جمعت بين
ساكنين.
لذلك
تقول: رددت، وفررت، وتقول: لم يرددن ولم يفررن ؛ لأن ما قبل نون جماعة النساء لا
يكون إلا ساكنا ؛ لما قد تقدم ذكره. وكذلك ما قبل التاء إذا عني بها المتكلم نفسه،
أو مخاطبه.
وتقول:
ردا لا غير ؛ لأن الثانية تتحرك.
فإذا
أمرت الواحد فقلت: افْعَلْ من هذه المضاعفة فأنت مخير إن شئت قلت: اردد ؛ كما
تقول: أقتل. وتقول: إعضض ؛ كما تقول: إذهب. وتقول: إفرر ؛ كما تقول: إضرب. وهذا أجود الأقاويل.
وقد
يجوز أن تقول: فرّ، رد، غض. فإذا قلت ذلك فإنما طرحت حركة العين على الفاء، فلما
تحركت الفاء سقطت ألف الوصل، وقد التقى في الوقف ساكنان، فإذا وصلت فكان الحرف من
باب يَفْعُل فأنت في تحريكه مخير: يجوز فيه الوجوه الثلاثة: تقول: غض يا فتى، وغض،
وغض.
أما
الكسر فعلى أنه أصل في التقاء الساكنين.
وأما
الضم فللإتباع. وأما الفتح فلأنه أخف الحركات ؛ لأنك إنما تحرك الآخر لالتقاء
الساكنين.
فإن
كان من باب مسّ جاز فيه الفتح من وجهين: لخفته، والإتباع. وجاز الكسر لما ذكرت لك.
وإن
كان من باب فرّ جاز فيه الكسر من وجهين: للإتباع، ولأنه أصل التقاء الساكنين. وجاز
الفتح لخفته.
وإنما
جاز في هذا ما لم يجز فيما قبله مما تحرك منه الأول، لأن هذا أصله الحركة، وإنما
سكن للجزم، وليس السكون لازما له ؛ لأنك لو ثنيته أو جمعته أو أنثته، للزمته
الحركة ؛ نحو: ردا، وردوا، وردى.
وكذلك
إن أدخلت فيه النون - الخفيفة، أو الثقيلة.
وما
كان قبل التاء، والنون التي لجماعة المؤنث لم يكن إلا ساكنا لا تصل إليه الحركة،
فلما كان كذلك كان تحريكه تحريك اعتلال، ولك يكن كما قد تقدّمنا في ذكره.
فان
لقيه ساكن بعده اختير فيه الكسر.
ولا
أراه إذا حرك للذي بعده في التقدير يجوز فيه إلا الكسر.
فان
قدر تحريكه لما قبله جازت فيه الوجوه كلها، على ما تقدّمنا بذكره. وذلك قولك: ردّ
الرجل، وغض الطرف. وإن شئت قدّرته لما قبله فقلت في المضموم بالأوجه الثلاثة، كما
كان من قبل أن يدخل الساكن الذي بعده. وقلت في المفتوح بالفتح والكسر.
وكذلك
المكسور. وهذا البيت ينشد على الأوجه الثلاثة لما ذكرنا وهو:
فغض
الطرف إنك من نميرٍ ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
وكذلك
الذي بعده وهو:
ذمّ
المنازل بعد منزلة اللّوى ... والعيش بعد أولئك الأيام
فعَلى
ما ذكرت لك مجرى هذا الباب. وقد تقدم قولنا في ذوات الياء و الواو المضاعفة، ثم
ذكرنا ذا. ونعود إلى استقصاء ما فيها إن شاء الله.
اعلم
أنه لا يقع في الأفعال ما تكون عينه ياء ولامه واوا، ولكن تكون عينه واوا، ولامه
ياء، وذلك نحو: شويت، ولويت، وطويت. ويلحق به ما كانت عينه ولامه واوين، لأنه يبنى
على فَعِلت، فيصير لامه بمنزلة ما أصله الياء، نحو: حويت، وقويت.
فأما
قولهم: حيوان في الاسم فقد قيل فيه قولان: قال الخليل: الواو منقلبة من ياءٍ، لأنه
اسم، فخروجه عن الفعل كخروج آية، وبابها .
وقال
غيره: اشتاق هذا من الواو لو كان فعلا، ولكنه لا يصلح لما تقدمنا بذكره.
ونظيره
في هذا الباب على هذا القول جبيت الخراج جباية، وجباوة، وليس من جباوة فِعْل.
ومثل
ذلك فاظ الميت فيظاً وفوظا، وليس من فوظ فِعْل.
ولذلك
ظهر على الأصل ليدل على أصله.
وقد
تقدم قولنا في أنه لا تظهر واوان مجتمعين إذا كانت إحداهما طرفا، ولا يقع في
الكلام ما موضع فائه واو، ولامه واو، نحو وعوت. ونحن ذاكرو ما يتصل به إن شاء الله.
إذا
بنيت من الغزو فَعَلَلْت قلت: غزويت. ولم يجز إلا ذلك ؛ لأنها في المضارع يغزوي
على ما ذكرنا من الباب.
ولو
لم يكن ذلك لوجب ألا تجتمع واوان ؛ ألا ترى أنهم يذهبون بفَعَلْت من الواو إلى
فِعِلت في نحو قويت وحويت ؛ لئلّ يجتمع واوان.
فإذا
كانت إحداهما غير طرف، أو كان ما قبلها ساكنا فهي ثابتة، نحو قولك: خيل حو، وبطن
قوّ، وقد قلنا في هذا ولكن رددناه لما بعده.
إذا
بنيت افْعَلْوعَل من قلت فإن النحويين يقولون: اقووّل فتجتمع ثلاث واوات، ولم تكن
واحدة منهن طرفا ينتقل عليها الإعراب، إلا أبا الحسن الأخفس، فإنه كان يقول في هذا
المثال: اقويّل: يقلب آخرهن ياء، ويدغم فيها التي قبلها وعلته في ذلك اجتماع
الواوات. ويقول: إنما تجرى الأبنية على الأصول، وليس في الأصول ما هو هكذا.
فإن
قلت مَفْعُول من غزوت فهو مغزوّ. هذا المجتمع عليه، تصح الواو التي هي حرف الإعراب
؛ لسكون ما قبلها.
وقد
يجوز مغزي. وذلك ؛ لأنك قلبت الطرف: كما فعلت في الجمع، وليس بوجه، لأن الذي يقلب
إنما يذهب إلى أن الساكن الذي قبلها غير حاجز.
ولا
تكون الواو في الأسماء طرفا وما قبلها متحرك، فلم يعتد بما بينهما ؛ ألا ترى أنك
إذا جمعت دلو قلت: هذه أدلٍ، وإنما هي أَفْعُل، وتقول في قلنسوة والجمع: قلنسٍ
وحقّه قلنسوّ، ولكنك قلبت الواو لما كانت طرفا وكان ما قبلها متحرّكا. على ذلك قال
الراجز:
لا
مهل حتى تلحقي بعنس ... أهل الرياط البيض والقلنسي
وقال
الآخر:
حتى
تفضي عرقي الدلى
جمع
عرقوة. وكان حقّه عرقوٌ.
فهكذا
حكم كل واو طرف إذا تحرك ما قبلها فكان مضموماً أو مكسوراً.
وإن
كان مفتوحاً انقلبت ألفاً ؛ كما ذكرت في غزا، وكذلك رمى ؛ لأن حكم الواو في هذا
الموضع كحكم الياء.
لو
رخمت كروانا فيمن قال: يا حار لقلت: يا كرا، أقبل.
وكان
الأصل - يا كرو، لكن تحرك ما قبلها وهي في موضع حركة فانقلبت ألفاً.
ولم
يكن ذلك في كروان ؛ لأن الألف بعدها، فلو قلبتها ألفاً لجمعت بين ساكنين ؛ كما كان
يلزمك في غزوا لم تردها إلى الواو.
فالذين
قالوا: مغزيٌ إنما شبّهوه بهذا وعلى ذلك قالوا: أرض مسنيّة، وإنما الوجه مسنوّة.
فإن
كان هذا البناء جمعاً فالقلب لا غير.
تقول
في جمع عات: عتيّ، وفي غاز غزيّ. وإن كسرت أوله على ما ذكرت لك قبل فقلت: غزيّ ؛ كما تقول: عصيّ، فالكسر أكثر
لخفّته. والأصل الضم ؛ لأنه فُعُول.
وقولي
في هذا الجمع أوجب ؛ لأن باب الانقلاب إنما أصله الجمع، فلذلك أجرينا سائر الجمع
عليه.
وقد
قلنا في صيّم ما يستغنى عن إعادته.
واعلم
أن اللام إذا كانت ياء أو واوا، وقبلها ألف زائدة وهي طرف أنها تنقلب همزة. للفتحة
والألف اللتين قبلها. وذلك قولك: هذا سقاء يا فتى، وغزّاء فاعلم.
فإذا
لم يكن منتهى الكلمة لم تنقلب. وذلك قولك: شقاوة، وعباية.
فأما
من قال: عظاءة، وعباءة، فإنما بناه أولا على التذكير، ثم أدخل التأنيث بعد أن فرغ
من البناء فأنّثه على تذكيره.
فعلى
هذا تقول: صلاءة، وامرأة سقّاءة، وحذّاءة.
ولو
بنيتها على التأنيث على غير مذكر لقلت: سقّاية، وحذاوة فاعلم، كما تقول: شقاوة،
ونهاية.
وكذلك
ما كانت آخره واو وليس بمنتهى الكلمة نحو قولك في مثل فُعُلَة من غزوت إن بنيته
على التذكير قلت: غزية ؛ كما كنت تقول في المذكر: هذا غزٍ فاعلم.
وإن
بنيته على التأنيث الذي هو من غير تذكير قلت: غزوة، كما قلت: ترقوة، وقلنسوة ؛ لأن
الإعراب على الهاء، ولم يثبت له مذكّر يقع تأنيثه عليه.
ألا
ترى أنك لو سمّيت رجلا يغزو لقلت: هذا يغزٍ ؛ كما ترى ؛ كما قلت، في الفِعْل: هو
يدلو دلوه، وأنا أدلو ؛ لأنّ هذا المثال للفعْل.
وتقول
في جمع دلو: هذه أدلٍ فاعلم، تقلب الواو ياء لما ذكرت لك ؛ لأن الأسماء لا يكون
آخر اسم منها واوا متحركا ما قبلها، ويقع ذلك في حشو الاسم في مثل: عنفوان، وأقحوان، وغير ذلك حيث وقع
ثانياً، أو ثالثاً، أو رابعاً بعد ألاّ يكون طرفاً.
ولو
قلت فُعْلُلَة من رميت على التأنيث لقلت: رميوة: تقلب الياء واوا ؛ لانضمام ما
قبلها.
ولو
بنيتها على التذكير لقلت: رميية، لأنها تنقلب مذكرة فأعللتها على ذلك: وقد تقدم
قولنا في أن الحرف إذا كان على أربعة أحرف وآخره ياء أو واو، استوى اللفظان على
الياء ؛ لأن الواو تنقلب رابعة فصاعدا إلى الياء لما ذكرنا من العلة، وأعدنا ذلك
لقولهم: مذروان، وفلان ينفض مذرويه، وإنما حق هذا الياء، لأن الألف رابعةٌ، ولكنه
جاء بالواو ؛ لأنه لا يفرد له واحد. فهو بمنزلة ما بنى على التأنيث مما لا مذكّر
له.
وعلى
هذا لم يجز في النهاية ما جاز في عظاية من قولك: عظاءة ؛ لأنك تقول في جميع هذا:
العظاء. فهذا يحكم لك ما يرد عليك من هذا الباب إن شاء الله.
أبواب
الإدغام
هذا
باب
مخارج
الحروف وقسمة أعدادهافي مهموسها، ومجهورها، وشديدها، ورخوها، وما كان منها مطبقاً،
وما كان من حروف القلقلة، وما كان من حروف المدّ. واللين، وغير ذلك.
اعلم
أن الحروف العربية خمسة وثلاثون حرفاً، منها ثمانية وعشرون لها صور.
والحروف
السبعة جارية على الألسن، مستدلّ عليها في الخط بالعلامات. فأما في المشافهة
فموجودة.
فمنها
للحلق ثلاثة مخارج: فمن أقصى الحلق مخرج الهمزة. وهي أبعد الحروف. ويليها في البعد
مخرج الهاء. والألف هاوية هناك. والمخرج الثاني من الحلق مخرج الحاء والعين.
والمخرج
الثالث الذي هو أدنى حروف الحلق إلى الفم مما يلي الحلق مخرج الخاء، والغين.
ثم
أوّل مخرج الفم مما يلي الحلق مخرج القاف.
ويتلو
ذلك - مخرج الكاف وبعدها مخرج الشين. ويليها مخرج الجيم.
ويعارضها
الضاد ومخرجها من الشدق. فبعض الناس تجري له في الأيمن، وبعضهم تجري له في الأيسر.
وتخرج
اللام من حرف اللسان، معارضا لأصول الثنايا، والرباعيات. وهو الحرف المنحرف
المشارك لأكثر الحروف. ونفسّره في موضعه بمعانيه إن شاء الله.
وأقرب
المخارج منه مخرج النون المتحركة. ولذلك لا يدغم فيها غير اللام.
فأما
النون الساكنة فمخرجها من الخياشيم ؛ نحو نون منْك، وعنْك وتعتبر ذلك بأنك لو
أمسكت بأنفك عند لفظك بها لوجدتها مختلّة.
فأما
النون المتحركة فأقرب الحروف منها اللام ؛ كما أن أقرب الحروف من الياء الجيم.
فمحل اللام والنون والراء، متقارب بعضه من بعض، وليس في التداني كما أذكر لك.
فإذا
ارتفعت عن مخرج النون نحو اللام فالراء بينهما ؛ على أنها إلى النون أقرب. واللام
تتصل بها بالانحراف الذي فيها.
ثم
من طرف اللسان وأصول الثنايا مصعدا إلى الحنك مخرج الطاء، والتاء، والدال.
ومن
طرف اللسان وملتقى حروف الثنايا حروف الصفير. وهي حروف تنسلّ انسلالا وهي السين،
والصاد، والزاي.
ومن
طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا مخرج الظاء، والثاء، والذال.
ومن
الشفة السفلى، وأطراف الثنايا العليا مخرج الفاء.
ومن
الشفة مخرج الواو، والباء، والميم ؛ إلا أن الواو تهوى في الفم حتى تتصل بمخرج
الطاء والضاد، وتتفشّى حتى تتصل بمخرج اللام. فهذه الاتصالات تقرّب بعض الحروف من
بعض، وإن تراخت مخارجها.
والميم
ترجع إلى الخياشيم بما فيها من الغنّة. فلذلك تسمعها كالنون ؛ لأن النون المتحركة
مشربة غنّة، و الغنّة من الخياشيم.
والنون
الخفيفة خالصة من الخياشيم. وإنما سمّيتا باسم واحد ؛ لاشتباه الصوتين. وإلا
فإنهما ليسا من مخرج ؛ لما ذكرت ذلك.
- ومن
الحروف حروف تجري على النفس، وهي التي تسمّى الرخوة.
ومنها
حروف تمنع النفس، وهي التي تسمى الشديدة.
ومنها
حروف إذا ردّدتها في اللسان جرى معها الصوت، وهي المهموسة.
ومنها
حروف إذا ردّدتها ارتدع الصوت فيها، وهي المجهورة.
ومنها
حروف تسمع في الوقف عندها نبرة بعدها ؛ وهي حروف القلقلة ؛ وذلك لأنها ضغطت
مواضعها.
ومنها
المطبقة، والمنفتحة. ونحن ذاكرو جميع ذلك بأوصافه إن شاء الله.
وأما
الحروف الستة التي كملت هذه خمسة وثلاثين حرفا بعد ذكرنا: الهمزة بين بين، فالألف
الممالة، وألف التفخم والحرف المعترض بين الشين والجيم، والحرف المعترض بين الزاي،
والصاد، والنون، الخفيفة، فهي خمسة وثلاثون حرفا.
ونفسر
هذه التي ليست لها صور مع استقصائنا القول في غيرها إن شاء الله.
فأما
الحروف المهموسة فنبدأ بذكرها، وهي عشرة أحرف: الهاء، والحاء، والكاف، والصاد،
والفاء، والسين، والشين، والتاء، والثاء، وتعلم أنها مهموسة بأنك تردد الحرف في
اللسان بنفسه، أو بحرف اللين الذي معه، فلا يمنع النفس، ولو رمت ذلك في المجهورة
لوجدته ممتعنا.
فأما
الرخوة فهي التي يجري النفس فيها ما غير ترديد.
والشديدة
على خلافها. وذاك أنك إذا لفظت بها لم يتّسع مخرج النفس معها.
فالرخوة
كالسين، والشين، والزاي، والصاد، والضاد، وكل ما وجدت فيه ما ذكرت لك والشديدة ؛
نحو الهمزة، والقاف، والكاف، والتاء، ونذكر هذا في موضعه مستقصى إن شاء الله.
وهذه
الحروف التي تعترض بين الرخوة، والشديدة هي شديدة في الأصل وإنما يجري فيها النفس
؛ لاستعانتها بصوت ما جاورها من الرخوة ؛ كالعين التي يستعين المتكلّم عند اللفظة
بها بصوت الحاء، والتي يجري فيها الصوت ؛ لانحرافها واتصالها بما قد تقدمنا في
ذكره من الحروف، وكالنون التي يستعين بصوت الخياشيم ؛ لما فيها من الغنة، وكحروف
المد واللين التي يجري فيها الصوت للينها.
فهذه
كلها رسمها الشدة. فهذا ما ذكرت لك من الاستعانة.
ومنها
الراء. وهي شديدة، ولكنها حرف ترجيع. فإنما يجري فيها الصوت ؛ لما فيها من التكرير.
واعلم
أن من الحروف حروفا محصورة في مواضعها فتسمع عند الوقف على الحرف منها نبرة تتبعه
وهي حروف القلقلة. وإذا تفقّدت ذلك وجدته.
فمنها
القاف، والكاف، إلا أنها دون القاف ؛ لأن حصر القاف أشدّ، وإنما تظهر هذه النبرة
في الوقف، فإن وصلت لم يكن، لأنك أخرجت اللسان عنها إلى صوت آخر، فحلت بينه وبين
الاستقرار. وهذه المقلقلة بعضها أشدّ حصرا من بعض، كما ذكرت لك في القاف والكاف.
وإنما
قدّمنا هذه المقدّمات في مواضع الأصول لنجريها في مسائل الإدغام على - ما تقدّم
منّا فيه غير رادين له. ثم نذكر الإدغام على وجهه إن شاء الله.
هذا
باب
إدغام
المثلينونذكر أولا معنى الإدغام، ومن أين وجب ؟.
اعلم
أن الحرفين إذا كان لفظهما واحد فسكن الأول منهما فهو مدغم في الثاني.
وتأويل
قولنا مدغم أنه لا حركة تفصل بينهما، فإنما تعتمد لهما باللسان اعتمادة واحدة، لأن
المخرج واحد، ولا فصل. وذلك قولك: قطّع، وكسّر. وكذلك محمد، ومعبّد، ولم يذهب بكر،
ولم يقم معك. فهذا معنى الإدغام.
فإذا
التقى حرفان سواء في كلمة واحدة، الثاني منهما متحرك ولم يكن الحرف ملحقا. وقد جاوز
الثلاثة أو كان منها على غير فَعَل، أو ما ليس على مثال من أمثلة الفعل وجب
الإدغام، متحرّكا كان الأول أو ساكنا، لأن الساكن على ما وصفت لك والمتحرّك إذا
كان الحرف الذي بعده متحرّكا أسكن ؛ ليرفع اللسان عنهما رفعة واحدة ؛ إذ كان ذلك
أخفّ، وكان غير ناقض معنى، ولا ملتبس بلفظ. هذا موضع جمل. وسنذكر تفصيلها إن شاء
الله.
هذا
باب إدغام المثلين في الفعل وما اشتق منه وما يمتنع عن ذلك اعلم أن الألفين لا
يصلح ففيها الإدغام، لأن الألف لا تكون إلا ساكنة، ولا يلتقي ساكنان، وقد قلنا في
الألف أولا ما يغنى عن إعادته.
وكذلك
الهمزتان لا يجوز فيهما الإدغام في غير باب فَعّل وفَعّال، لما ذكرت لك.
فإن
التقتا وهما لامان، أوعين ولام مما لم نستثنه لم يجز فيهما الإدغام، لأنه لا يجوز
أن يحققا جميعا. فإذا لم يجز اجتماعهما، لأن الثانية في قول الخليل وغيره في
الكلمة الأولى مبدلة والأولى في المنفصلين خاصةً في قول أبي عمرو مخففة، فلم يلق
الحرف ما يشبهه.
فأما
من قال بقول ابن أبي إسحاق تحقيق الهمزتين فغ، ه يدغم، لأنهما بمنزلة غيرهما من
الحروف.
فأمما
ما يلتقى فيه حرفان الأول منهما ساكن من غير ما ذكرنا فالإدغام فيه واجب، لا يقدر
إلا على ذلك، نحو قولك: قوة، وردة، وقر فاعلم.
وأما
ما التقتا فيه والأولى متحركة والثانية كذلك مما هو فِعْل نحو قفولك: رد يافتى،
وفر فتقديره: فَعَل، وأصله ردد، وفرر، ولكنك أدغمت ؛ لثقل الحرفين إذا فصلت بينهما،
لأن اللسان يزايل الحرف إلى موضع الحركة، ثم يعود إليه.
ومثل
ذلك مس، وشم، وعض، وتقديرها: فَعِلَ. يبين ذلك قولك: عضضت، وشممت، أشم، وأعض، كما
تقول في فَعَلَ رددت، وفررت، أردّ، وأفرّ.
وكذلك
فَعُلَ: نحو: لبّ الرجل من اللبّ، ولم يأت من فَعُل غيره، لثقل الضمة مع التضعيف.
وذلك قولك: لببت لبابة فأنت لبيب، كما قالوا: سفه سفاهة وهو سفيه.
وأكثرهم
يقول: لببت تلب وأنت لبيب، على وزن مرض يمرض وهو مريض، استثقالا للضمة كما وصفت لك.
فهذا
لا اختلاف فيه انه مدغم.
فإن
كان من هذا شيءٌ من الأسماء فكان على مثال الفِعْل فحكمه حكم الفعل، إلا ما
استثنيته لك
.
تقول
في فَعِلٍ: رجل طبّ، ورجل برّ، ، لأنه من بررت، وطببت، فإنما تقديره: فرقت فأنا
فرق.
فاعتلال
هذا كاعتلال قولك: هذا رجل خافٌ، ومالٌ إذا أردت فَعِل. وكذلك لو بنيت منه شيئا
على فَعُل.
فأما
الذي استثنيته فإنه ما كان من هذا على فَعَلٍ فإنه صحيح.
وذلك
نحو ذلك: جَلَل، وشَرَر، وضَرَر، وكل ما كان مثله، وإنما صحّحوا هذه الأسماء ؛
لخفة الفتحة، لأنها كانت تصح فيما لا يصح فَعَلْت منه .، نحو: القَوَد، والصَيَد، والخوَنة، والحَوَكة.
فلما
كانت فيما لا يكون فَعَلْت منه إلاّ صحيحا لزم أن يصحح.
هذا
قول الخليل، وسيبويه، وكل نحوي بصري علمناه.
فأما
قولهم في الصدر: قصّ، وقصص فليس قص مدغما من قولك: قصص ولكنهما لغتان تعتوران
الاسم كثيرا. فيكون على فَعْل، وفَعَلٍ وذلك قولهم: شعْر، وشعَر، ونهْرٍ ونهَر،
وصخْر وصخَر.
وحدثني
أبو عثمان المازني عن الأصمعي قال: رأيت أعربيّاً بالموضع الذي ذكره زهيرٌ في قوله:
ثم
استمرّوا، وقالوا إنّ مشربكم ... ماء مشرقىّ سلمى فيد أوركك
فقلت: أين ركك ؟ قال هذا: رك فاعلم. هذا بمنزلة
ما وصفنا. فإن لم يكن شيءٌ من هذا على مثال الفِعْل من الثلاثة فالإظهار ليس غير
وذلك قولك فيما كان على مثال فُعَل: شُرَر، ودُرَر، وقُذَذ، كما قلت في الواو:
سُوُر.
وما
كان منه على فِعَلٍ فكذلك تقول: قِدَد، وشِدَد، وسِرَر، كما كنت تقول في الثاء
والواو: ثِورة، وبِيَع، وقِيمَ، وعِودَة.
وكذلك
فُعُلٌ فيه حضضٌ وسررٌ، كما كنتت تقول صيدٌ.
و:
سوك
الإسحل
ولو
بنيت - منه شيئا على مثال فِعِل مثل إبل لصححته، وكنت تقول: ردد فاعلم، لأنه إنما
يعتل من هذا ما كان فعلا، أو على مثاله.
هذه
ذوات الثلاثة. فإن زدت على الثلاثة شيئا فالتقى فيه حرفان على اللفظ لا تريد بهما
الإلحاق لم يكن إلا مدغما، اسما كان أو فعلا.
وذلك
قولك فيما كان فعلا إذا كان على أَفْعَل من المضعف: أَمَدّ، وأَعَدّ، وأَجَدّ في
أمره.
وكذلك
إن كان اسما ؛ نحو رجل ألد، ورجل أغر، وهذا أبرّ من هذا، وكان الأصل أبرر فأسكنت
موضع العين، وألقيت حركته على ما قبله، لأن الذي قبله كان ساكنا، فلما أسكنته
حوّلت حركته، لئلا يلتقي ساكنان، كما فعلت في الفعل المضاعف، وذوات الواو والياء
في قولك: أقام، وأراد، وقد مضى تفسير هذا.
وما
كان منه على فَاعَلَ فكذلك ؛ نحو قولك: عاد عبد الله زيدا، وساره، وماد يافتى ؛ ألا
ترى أنك إذا عنيت به نفسك ظهر التضعيف والوزن، فقلت: عاددت زيدا، وماددته ؛ كما
كنت تقول فيما كان على أفْعَل: أعددت - ؛ وأصممت زيدا، وأجررته رسنه.
فأما
ما كان من هذا على فَعّلَ فإنه لا تغيير فيه. وذلك قولك: ردد عبد الله زيدا، وبدد
معيزه، وذاك لأنهم لو ألقوا الحركة على ما قبلها، لم يخرجهم ذلك من إدغام واحد
وتضعيف آخر، فلما كانت العلة واحدة امتنع تحريك العين التي لا تقع في الكلام قط
إلا ساكنة.
وإن
أردت بناء انْفَعَلَ أدغمت، وكذلك افْتَعَلَ ؛ نحو قولك: اقندّ، وارتدّ، وما كان
مثلهما.
وكل
ما كان من هذه الأفعال فأسماؤها مدغمة مثلها ؛ نحو قولك: منقدّ، ومرتدّ.
وكذلك
رادٌّ، ومادٌّ، وموادّ، ومغارّ.
فإن
قال قائل: فهلاّ ألقوا على الألف حركة ما بعدها إذا سكّنوه ؟ قيل: ؛ لأن الألف
مدّة، فما فيها عِوض من الحركة على ما تقدم به قولنا من احتمالها، واحتمال ما كان
مثلها الساكن المدغم ؛ لما فيها من المدة، وفيما بعدها من الاعتماد. ولو ألقيت
عليها حركة لزمك أن تهمز، لأن الألف متى تحركت صارت همزة.
وتقول
فيما كان من هذا على اسْتفْعَل: استَردّ، واستعدّ، ومستعدّ ؛ وفيما ذكرنا من هذه
الأفعال دليل موضّح لما لم نذكره .
وما
كان من الأربعة فصاعدا على غير مثال الفعل فمدغم، إلاّ أن يكون ملحقاً. وذلك نحو:
مُدُقّ.
ف
أما مثل مَعَدّ فليس بمسكن من شيءٍ، وإنما هو فَعَل في الأصل، ويدلك على أن الميم
أصل قولهم: تمعددوا.
وفي
وزن معدّ هَبَيّ، وهَيَبّة، والشَرّبّة.
ولو
كان فَعْلَل لم يجز فيه الإدغام، لأنه ملحق بجعفر وما أشبهه.
ولذلك
لم يدغم قَرْدَد، ومَهْدَد، ونحوهما .
فَفَعَلّ
من فَعْلَل بمنزلة جُبُنّ ومن قعدد، إنما جُبُنّ فُعُلّ، ولو كان فُعْلُلا لم
يدغم، لأنه ملحق بجُلْجُلٍ.
وكذلك
طِمِرّ، إنما هو فِعِلّ في الأصل، لأنه لو كان فِعْلِل لم يدغم، نحو قولك:
رِمْدِد، لأنه ملحق بِخِمْخِم.
وكذلك
الأفعال ما كان منها ملحقا لم يدغم، نحو قولك: جَلْبَبَ يُجَلْبب، لأنه ملحق
بدحرج. وكذلك اقْعَنْسَسَ، لأنه ملحق - بقولك: احْرَنْجَمَ.
فالملحق
يبلغ به الذي هو ملحق به.
وما
كان على غير ذلك فقد أوضحته لك في الثلاثة، وما فوقها في العدة.
هذا
باب الإدغام في المثلين في الانفصال إعلم أنه إذا التقى حرفان من كلمتين وقبل
الأول منهما حرف متحرك، فإن الإدغام وتركه جائزان.
فإن
أردت الإدغام أسكنت الأول، وإنما تفعل ذلك استخفاف، لترفع لسانك رفعةً واحدة. كلما
كثرت الحركات في الكلمتين ازداد الإدغام حسنا. وذلك قولك: جعلك وإن شئت قلت: جعل
لك. وإنما كان ترك الإدغام جائزا في المنفصلين، ولم يجز فيما سواهما مما ذكرت لك،
لأن الكلمة الثانية لا تلزم الأولى.
وإنما
وجب في المتّصلين للزوم الحرفين، وكذلك تقول: قَدِ محمد، وقدِم محمد و "
أرأيت الذي يكذّبّا لدّين " هذا على ما وصفت لك.
هذا
باب
الإدغام
في المقاربة وما يجوز منه
وما
يمتنعونبدأ بحروف الحلق. أما الهمزة، والألف فقد قلنا فيهما.
وأما
الهاء فتدغم في الحاء، نحو قولك: اجْبَحّميدا تريد: اجبه حميدا ؛ لأنهما متقاربتان
وليس بينهما إلا أن الحاء من وسط الحلق، والهاء من أوله، وهما مهموستان رخوتان.
ولا
تدغم الحاء في الهاء ؛ لأن الحاء اقرب إلى اللسان، ولأن حروف الحلق ليست بأصل
للإدغام، لبعدها من مخرج الحروف وقلتها، ولكن إن شئت قلبت الهاء حاء إذا كانت بعد
الحاء وأدغمت، ليكون الإدغام فيما قرب من الفم. وذلك قولك: أَصْلِحّيْثَما تريد:
أصلح هيثما، ف أما أن تدعها من غير أن تقبلها فلا.
وكذلك
العين لا تدغم في الهاء، ولا تدغم الهاء فيها.
فأما
ترك إدغامها في الهاء، فلقرب العين من الفم.
وأما
ترك إدغام الهاء فيها ؛ فلمخالفتها إياها في الهمس والرخاوة.
وقد
تقدم قولنا في ذلك.
فإن
قلبت العين حاء لقرب العين من الحاء جاز الإدغام. وذلك قولك: محّم تريد: معهم وهي
كثيرة في كلام بني تميم.
وكذلك
العين والحاء إذا أدغمت واحدة منهما في الأخرى فقلبت العين حاء جاز. تقول:
أَصْلِحّا مِرا تريد: أَصْلِحْ عامرا.
وكذلك:
ادْفَحّاتِما. تريد: ادفع حاتما. أدغمت العين في الحاء، وهذا حسن.
فأما
قلب العين إلى الحاء إذا كانت بعدها فهو جائز، وليس في حسن هذا، لأن حق الإدغام أن
يدغم الأول في الثاني، ويحول على لفظه.
والمخرج
الثالث من الحلق مخرج الغين والخاء. وإدغام كل واحدة منهما في أختها جيد، وإدغام
العين والحاء فيهما يجوز في قول بعض الناس. ولم يذكر ذلك سيبويه، ولكنه مستقيم في
اللغة، معروفٌ جائز في القياس، لأن الغين والخاء أدنى حروف الحلق إلى الفم.
فإذا
كانت الهاء تدغم في الحاء، والهاء من المخرج الأول من الحلق، والحاء من الثاني،
وليس حروف الحلق بأصل للإدغام، فالمخرج الثالث أحرى أن يدغم فيما كان معه في
الحلق، وهو متصل بحروف الفم، كما تدغم الباء في الفاء، والباء من الشفة محضة،
والفاء من الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا.
تقول:
اذهفّى ذلك. تريد: اذهب في ذلك، واضر فّرَجا تريد: اضرب فَرَجا، لقرب الفاء من
حروف الفم.
فكذلك
تقول: امْدَغّالِبا. تريد: امدَح غَالبا، وامدَخّلَفا. تريد: امدح خلَفا.
وكذلك
العين نحو اسْمَخّلَفا. تريد: اسمع خَلَفا، واسْمَغّالِبا، تريد: اسمَع غَالباً.
وسيبويه
يأبى هذا التراخى بينهما، وأن الغين والخاء أقرب إلى الفم في المخرج منهما إليه.
وأما
ما لا اختلاف فيه فإنك تدغم الغين في الخاء، لاشتراكهما في الرخاوة، وأنه ليس
بينهما إلا الهمس والجهر، فتقول في قولك: اصبغ خلفا: اصبخّلفا، وهو أحسن من البيان .
وكذلك
ادمَخّالدا تريد: ادْمغْ خالدا، والبيان جائز حسن.
وتدغم
الخاء في الغين فنقول: اسلَغّنَمَك. تريد: اسلخ غنمك. والبيان أحسن، لأن الغين
مهجورة، والتقاء المهموسين أخفّ من التقاء المجهورين، وكلّ جائز حسن.
ويحتج
سيبويه بأنه قد يجوز لك أن تخفى النون معهما، كما تفعل بها مع حروف الفم. وذلك قولك: مُنْغُل، ومُنْخُل، لأنهما إن
قربتا من الفم فأصلهما الحلق.
ثم
نذكر حروف الفم. وهي حيز على حدة.
تدغم
القاف في الكاف. والقاف أدنى حروف الفم إلى الحلق، والكاف تليها. وذلك قولك:
الحكّلدة، تريد: الحق كلدة، فتدغم لقرب المخرجين. والإدغام أحسن، لأن الكاف أدنى
إلى سائر حروف الفم من القاف، وهي مهموسة، والبيان حسن.
وتدغم
الكاف فيها. والبيان أحسن، لأن القاف أدنى إلى حروف الحلق. وهو قولك انْهَقّطنا،
تريد: انهك قطنا. والإدغام حسن.
ثم
نذكر الشين، وأختيها: الجيم والياء.
اعلم
أن الياء لا تدغم في الجيم ولا في الشين، لأنها حرف لين، وحروف اللين تمتنع من
الإدغام لعلل. منها.
أن
الألف التي هي أمكن حروف اللين لا تدغم في شيءٍ، ولا يدغم فيها شيء: لأنها لا تكون
إلا ساكنة، وفي الياء والواو الشبه بها، فيجب أن تمتنعا كامتناعها.
وبعد
هذا، فإن حروف المد واللين لا يلائمها في القوافي غيرها، ألا ترى أنك تقول: عمرو،
وبكر وما أشبه ذلك في القوافي، فتعادل الحروف بعضها بعضا.
ولو
وقعت واو أو ياء بحذاء حرف من هذه الحروف نحو: جَوْر أو خَيْر، مع بكر ونصر لم يجز.
وكذلك
تكون القافية على سعيد، وقعود، ولو وقع مكان الياء والواو غيرهما لم يصلح.
فهذه
علل لازمة.
ومنها
أن في الياء والواو مدًّاوليناً، فلو أدغمت الياء في الشين أو الجيم، أو أدغمت
الواو في الباء والميم، لذهب ما كان فيهما من المد واللين.
وهي
حروف بائنة من جميع الحروف، لأنها لا يمد صوت إلا بها، والإعراب منها، وتحذف لا
لتقاء الساكنين في المواضع التي تحرك فيها غيرها، نحو قولك: هذا الغلام، وأنت تغزو
القوم، وترمى الغلام. ولو كان غيرها من السواكن لحرّك لالتقاء الساكنين، نحو اضرب
الغلام، وقل الحق.
ولا
تدغم الشين ولا الجيم فيها، لئلا يدخل في حروف المد ما ليس يمد، فالياء بائنة
منهما للمد واللين الذي فيها، فهي منهما بمنزلة حرف بعيد المخرج من مخرجهما، وإن
كانت من ذلك الموضع، كما أنها والواو بمنزلة ما تدانت مخارجه وإن كانت بعيدة
المخرج منها. وذلك لما يجمعهما من المد، واللين، والكثرة في الكلام، لأنه ليس كلمة
تخلو منهما، ومن الألف، أو من بعضهن، وبعضهنّ حركاتهنّ.
فحروف
المد حيّزٌ على حدة، الا ترى أنك تذكرهنّ في مواضع الحركات فيدللن من الإعراب - على ما تدل عليه الحركات، نحو: مسلمين،
ومسلمون، ورجلين، ورجلان.
وكذلك،
أخوك، وأخاك، وأخيك.
ويبدل
بعضهنّ من بعض، وليس هكذا شيءٌ من الحروف.
تقول:
ميزان، وميعاد فتقلب الواو ياء، وتقول: موسر، وموقن، فتقلب الياء واوا.
ورمى
وغزا، إنما هي واو غزوت وياء رميت وكذلك ما أشبه هذا.
والجيم
تدغم في الشين لقرب المخرجين وذلك قولك: أخرِشّبثا، تريد: اخرج شبثا. والإدغام
حسن، والبيان حسن.
ولا
تدغم الشين في الجيم البتة، لأن الشين من حروف التفشي، فلها استطالة من مخرجها،
حتى تتصل بمخرج الطاء، والإدغام لا يبخس الحروف ولا ينقصها.
افرش
جبلة، تظهر وتخفى ولا تدغم، والإخفاء في وزن المتحرك، ألا أنه خفض صوت.
وإنما
يحكمها المشافهة، نحو قولك: أراك متعقّفا، إنما هو كالاختلاس: فهذه حالة الشين مع
الجيم. ولها أخوات نصل ذكرها بها، يدغم فيهنّ ما جاورهنّ، ولا يدغمن في شيء من تلك
الحروف، منها الضاد، والميم، والفاء، والراء.
تدغم
الطاء وأختاها في الضاد، ولا تدغم الضاد في شيءٍ منها، لانحرافها.
والباء
والنون تدغمان في الميم، ولا تدغم الميم في واحدة منهما.
وتدغم
الباء في الفاء، ولا تدغم الفاء فيها.
وتدغم
اللام، والنون في الراء، ولا تدغم الراء في واحدة منهما، لأن فيها تكرارا.
فيذهب
ذلك التكرير.
ألا
ترى أنك تقول في الوقف: هذا عمرو، فينبو اللسان نبوةً ثم يعود إلى موضعه وإذا
تفطنت لذلك وجدته بينا، وإذا صرنا إلى موضع هذه الحروف ذكرنا العلة في ذلك إن شاء
الله.
ثم
نذكر الحرف المنحرف، وهو أكثر في الكلام من غيره، وله اتصال بأكثر الحروف وهو
اللام.
ومخرجه
من حرف اللسان متصلا بما يحاذيه منت الضحاك والثنايا والرباعيات.
وهو
يدغم إذا كان للمعرفة في ثلاثة عشر حرفا، لايجوز في اللام معهن إلا الإدغام. فمنها
أحد عشر حرفا تجاور اللام، وحرفان يتصلان بها.
وإنما
كان ذلك لازما في لام المعرفة ؛ لعلّتين: إحداهما كثرة لام المعرفة، وأنه لا يعرى
منكور منها إذا أردت تعريفه، والأخرى: أن هذه اللام لازم لها السكون، فليست بمنزلة
ما يتحرك في بعض المواضع.
فإن
كانت اللام غير لام المعرفة جاز إدغامها في جميع ذلك، وكان في بعض أحسن منه في
بعض. ونحن ذاكروها مستقصاة إن شاء الله.
فهذ
الحروف منها أحد عشر حرفا مجاورة لللام وهي: الراء، والنون، والطاء، وأختاها:
الدال، والتاء، والظاء، وأختاها: الذال، والثاء، والزاي، وأختاها: الصاد، والسين.
والحرفان
اللذان يبعدان من مخرجها ويتصلان بها في التفشّي الذي فيهما: الشين، والضاد.
فأما
الشين فتخرج من وسط اللسان من مخرج الميم، والياء، ثم تتفشى حتى تتصل بمخرج الللام.
فلام
المعرفة مدغمة في هذه الحروف لا يجوز إلا ذلك، لكثرتها ولزومها، نحو: التمر، والرسول، والطرفاء، والنمر. فكل
هذه الحروف في هذا سواء.
فإن
كان الام لغير المعرفة جاز الإدغام والإظهار، والإدغام في بعض أحسن منه في بعض.
إذا
قلت: هل رأيت زيدا وجعل راشدا، جاز أن تسكّن فتقول: جعرّاشد، كما تسكن في المثلين.
والإدغام ههنا أحسن إذا كان الأول ساكنا.
فإن
كان منتحركا اعتدل البيان والادغام.
فإن
قلت: هل طرقك ؟، أو هل دفعك ؟ أو هل تم لك ؟ فالإدغام حسن، والبان حسن.
وهو
عندى أحسن، لتنراخي المخرجين.
وقرأ
أبو عمرو " بتؤثرون " فأدغم وقرأ " هثّوّب الكفّار " .
والإدغام
في الضاد، والشين أبعد، لما ذكرت لك من تراخي مخارجهما، وهو جائز.
وهو
في النون قبيح، نحو: هنّرى، هنّحن، إذا أردت: هل نرى، وهل نحن. وذلك لأن النمون
تدغم: في خمسة أحرف ليس منهن شيء يدغم فيها، واللام أحد تلك الحروف.
فاستوحشوا
من إدغامها فيها، إذ كانت النون لا يدغم فيها غيرها. وهو جائز على قبحه وإنما جاز،
لقرب المخرجين.
فإن
كانت الحروف غير هذه فتباعدت من مخرجها لم يجز الإدغام، نحو قولك: الكرم. القوم.
العين. الهادى.
وكذلك
حروف الشفة، وما اتصل بها، نحو: الفرج، والمثل، والبأس، والوعد، فهذا سبيل اللام.
وأما
النون فإن لها مخرجين كما وصفت لك: مخرج الساكنة من الخياشيم محضا. لا يشركها في
ذلك الموضع شيء بكماله.
ولكن
النون المتحركة ومخرجها مما يلي مخرج الراء واللام.
والميم
مخرجها من الشفة تتناولان الخياشيم بما فيها من الغنة.
وللنونات
أحكام نذكرها، ثم نعود إلى سائر الحروف.
اعلم
أن النون إذا وليها حرف من حروف الفم فإن مخرجها معه من الخياشيم لا يصلح غير ذلك.
وذلك
لأنهم كرهوا أن يجاوروا بها مالا يمكن أن يدغم معه إذا وجدوا عن ذلك مندوحة. وكان
العلم بها أنها نون كالعلم بها وهي من الفم. وذلك قولك: من قال، ومن جاء ؟ ولا
تقول: من قال، ومن جاء ؟ فتبين، وكذلك من سليمان ؟ " ويلٌ يومئذٍ للمكذبين " ولا تقول: من
سليمان ؟ ولا " ويلٌ يومئذٍ للمكذبين " فتبين.
فإن
كان معها حرف من حروف الحلق أمن عليها القلب، فكان مخرجها من الفم لا من الخياشيم
لتباعد ما بينهما، وذلك قولك: من هو ؟ فتظهر مع الهاء وكذلك من حاتم ؟، ولا تقول:
من حاتم ؟ فتخفى، وكذلك من عليّ ؟ وأجود القراءتين " ألا يعلم من خلق "
فتبين.
وإنما
قلت: أجود القراءتين، لأن قوما يجيزون إخفاءها مع الخاء والغين خاصة ؛ لأنهما أقرب
حروف الحلق إلى الفم فيقولون: منخل، ومنغل. وهذا عندي لا يجوز.
ولا
يكون أبدا مع حروف الحلق إلا الأظهار.
فأما
حجة سيبويه في أنها تخرج مع حروف الفم إلى الخياشيم فإنما ذلك عنده لأنها إن أدغمت
مع ما تخفى معه لم يستنكر ذلك، ولا يصلح الإدغام لتباعد المخارج. فلما وجدوا عن ذلك مندوحة صاروا إليها.
وأنأ
أرى تقويةٍ لهذا القول أن امتناعهم من تبيينها مع حروف تتفرق في الفم، ويتباعد
بعضها من بعض فكرهوا أن يبينوها في حيز ما يدغم في نظيره.
ألا
ترى أنها تدغم في الميم في قولك: ممثلك ؟.
وتقلب
مع الباء ميما إذا كانت ساكنة، وذلك عمبرٌ، وشمباء، وممبر، فهي في كل هذا ميم في
اللفظ.
وتدغم
في اللام والراء، نحو: من رأيت ؟ ومن لك ؟ فهذا مخرج آخر.
وتدغم
في الواو، نحو من ولّى إذا قلت: مولى. فهذا مخرج الميم والباء.
وتدغم
في الياء، نحو: من يريد ؟ ومن يقوم ؟
فلما
كانت تدغم في حروف بأعيانها من جميع المخارج استنكر إظهارها مع ما جاور هذه الحروف
وسنذكر بعقب هذا من أين جاز إدغامها في هذ الحروف على تباعد بعضها من بعض إن شاء
الله ؟ أما إدغامها في اللام والراء، فلأن مخرجها بينهما. تقول: أشهد أن محمدا
رسول الله، وأحسرّأيك تريد: أحسن رأيك، ومحمد لك.
وإدغامها
فيهما على وجهين بغنة، وبغير غنة. وإظهار الغنة أحسن ؛ لئلا تبطل. وإن شئت أذهبت
الغنة، كما تخلص ما تدغمه في لفظ الحجرف الذي يدغم فيه.
وأما
إدغامها في الميم وإن خرجت من الشفة فهي تجاورها، لما في الميم من الغنة، وتشاركها
في الخياشيم، والنون تسمع كالميم، وكذلك الميم كالنون ، وتقعان في القوافي
المكفأة، فتكون إحدى القافيتين نونا، والأخرى ميما، فلا يكون عيبا، كما قال:
بني
إنّ البرّ شيء هيّنٌ ... المنطق اللين والطعيم
وقال
آخر:
ما
تنقم الحرب العوان مني ... بازل عملين حديث سنّ
لمثل
هذا ولدتني أمي
وقال
الآخر:
يطعنها
بخنجرٍ من لحم ... بين الذّنابى في مكانٍ سخن
ولا
يصلح مثل هذا إلا في حروف متقاربة المخارج: لأن القوافي نسق واحد، فالمتقارب يلحق
ما كان من لفظه و وذلك قوله.
إذا
ركبت فاجعلاني وسطا ... إني كبيرٌ لا أطيق العندا
ولا
تدغم الميم فيها، لأن الميم تنفرد بالشفة، وإنما تشرب غنة من الخياشيم، فالميم
داخلة عليها، وهي بائنة من الميم.
والراء
لا تدغم فيها ولا شيء مما تدغم فيه يدغم فيها إلا اللام وذلك قبيح وقد ذكرته لك
وأما قلبها ميما مع الباء، فلأن الكلام لا يقع في شيءٍ منه ميم ساكنة قبل الباء،
فأمنوا الالبتاس وقلبوها ميما، لشبهها الميم في الغنة ؛ ليكون العمل من وجه واحد
في تقريب الحرف إلى الباء.
وأما
إدغامها في الواو فلعلل غير واحدة: منها مضارعة النون للياء والواو، لأنها تزاد في
موضع زيادتهما، فتزاد ثانية، وثالثةً ورابعة.
فأما
زيادتها ثانيةً فنحو: عنسل، وعنبس، لأنه من العسول، والعبوس، وجندب، وعنظب وجميع
ما كان على هذا الوزن، وهذا موضع زيادة حروف اللين، نحو: كوثر، وبيطر، وتابل،
وضارب، وما أشبه ذلك وتزاد ثالثة في حبنطًى، وجَحَنفَل، وهو موضع زيادة الألف في
قائل، وحبارى، والواو في جدول، وعجوز، والياء في عِثَير، وقضيب.
وكذلك
تزاد النون رابعة في رَعشَن، وضَيفَن، بحذاء الواو والياء والألف في مثل قولك:
سلقيت، وحبلى، وترقوة وعرقوة، وذها اكثر من أن يحصى.
وتكون
النون علامة إعراب في مثل قولك يفعلان.
والتنوين
الذي يدخل الأسماء، والنون الثقيلة والخفيفة في الأفعال، وتبدل من الألف، وتبدل الألف
منها، تقول: رأيت زيدا يا فتى فإذا وقفت قلت: رأيت زيدا.
وأما
بدلها من الألف فقولك في بهراء: بهراني، وفي صنعاء: صنعاني.
وكذلك
فَعْلان الي له فَعْلى إنما نونه بدل من الألف التي هي آخر حمراء، وقد مضى تفسير
هذا في الكتاب.
فهي
تصرف معها في الزيادات والعلامات. وقد أدغمت فيما جاورها في المخرج، فأشبهنها -
لفظاً ومعنى.
وكذلك
الياء في باب الزيادات والشبه.
ومع
ذلك فإن النون تدغم في الراء، والياء على طريق الراء، وإن يعد مخرجها منها.
وكذلك
اللام على طريقها، ألا ترى أن الألثغ بالراء يجعلها ياءً. وكذلك الألثغ باللام،
لأن هذه الحروف بعضها يقع على سنن بعض، وبعضٌ ينحرف عن ذلك السنن، فأدغمت في الياء
لذلك.
فإذا
كانت في كلمة واحدة مع ياءٍ، أو واو، أو ميم ظهرت، لئلا يلتبس بالمضاعف من غيره ؛
نحو: كنية، وزنماء، قنواء.
وزعم
سيبويه أن النون إنما أدغمت في الواو، لأن الواو من موضع تعتل فيه النون، لأن
الواو والميم من الشفة، ولذلك تقلب النون الساكنة مع الباء ميما، لتعتل مع الباء
كما اعتلت مع ما هو من مخرجها، ولم تدغمهما فيها، لأنها لا تجانسها، ولأن الياء لا
يدغم فيها ما هو من مخرجها، لتصرف الميم والواو، وذلك قولك: العنبر والشنباء
يافتى، وممن أنت ؟ وأمن الالتباس، لأنه ليس في الكلام ميم ساكنة قبل باءٍ.
وأدغم
النون في الياء لأن الياء والواو عنده بمنزلة ما تقاربت مخارجه.
ألا
ترى أنهما إذا التقتا والأولى ساكنة لزم الإدغام: نحو: سيد، وأيام، ولويت يده ليا،
وشويته شيا. وهذا يبين بعد فراغنا من أمر النون إن شاء الله.
النون
تدغم في خمس أحرف: الراء، واللام، والياء والواو، والميم. وتقلب مع الباء كما وصفت
لك.
وزعم
سيبويه أنها مع ما تدغم فيه مخرجها من الفم، لا من الخياشيم، لأنها لو كانت تدغم
في حروف الفم وهي من الخياشيم مع تباعد ما بينهما لجاز أن يدغم الأبعد في الأبعد.
وهذا
نقض الباب، والخروج من المعقول.
والقول
عندي كما قال في جميع هذه الحروف إلا حروف الشفة، فإن النون لو كانت من مخرج الراء
واللام، لبعدت من الميم، ولكن مخرجها مع الميم من الخياشيم، لان الميم تخرج من
الشفة، وتصير إلى الخياشيم للغنة التي فيها، فدغم فيها الميم لتلك المجاورة. فهذه
قصة النون .
واعلم
أن الياء و الواو بمنزلة ما تدانت مخارجه. وذلك لانها مشتركتان في المد و اللين،
وأنهما يخرجان جميعا منهما إذا تحركتا، وكان قبل كل واحد منهما فتحة.
والواو
تخرج من الشفة، ثم تهوى في الفم حتى تنقطع عند مخرج الألف.
والياء
تخرج من وسط اللسان من مخرج الشين والجيم حتى تنقطع عند مخرج الالف، فهما
متجاورتان .
فإذا
التقتا في كلمة و الأولى منهما ساكنة أدغمت إحداهما في الأخرى.
فما
كانت الأولى واوا، والثانية ياءً هو نحو قولك: لويت يده لية، وشويته شياً. وأصله
لوية، وشويا.
وإن
كانت الثانية واوا قلبتها ياءً ثم أدغمت الياء فيها، لأن الواو تقلب إلى الياء،
ولا تقلب الياء إليها، لأن الواو من الشفة، وليست من مجمع الحروف. وإنما الإدغام نقل الأثقل إلى الأخف،
والياء من موضع الحروف. وذلك قولك: أيام في جمع يوم، وإنما الأصل أيوام ، ومثله سيد،
وميت، وأصلهما سيود، وميوت.
وكذلك
قيام، وقيوم، وإنما هو فَيْعَال، وفَيْعُول.
واعلم
أن مثل سيد، وميت يجوز فيه التخفيف فتقول: سيد، وميت، لانه اجتمع تثقيل الياء والكسرة،
فحذفوا لذلك، وقالوا: ميت، وهين، ولين. وقد فسرنا حال فَيْعَلُول من هذا فيما
تقدم، نحو: كينونة، وقيدود. وذكرنا ما يكون بدلا من الألف أو غيرها، فلا يجوز
إدغامه، نحو: سوير، وقوول.
وزعم
الخليل أن يوم كأنه من يمت، وكذا يجب أن يكون لو كان فِعْلا، لان ذوات الواو إذا
كانت فَعَلْت فهي منقولة إلى فَعُلْت، مثل القول والحول، ولكن اجتمع فيها حرفا
علة، وكان يجب أن يقعا في يفْعَل ضمة مع ياء وواو، وتكون الضمة في الياء. وهذا كله
مطرح من الكلام. فلذلك لم يكن منها فِعْل، كما لم يكن في ويل، وويح، وويس، وويب
ومعناها المصادر، لما يجتمع فيها من العلة.
ولا
يكون فِعْل في مثل آءة، لأنها حروف كلها معتلة، لأن الألف من حروف العلة. وكذلك
الهمزتان ومثل ذلك أول، لأن الفاء والعين واوان، ومعناه أفْعَل، ألا ترى أنك تقول:
هو أول منه، والأول، والأولى .
قهذه
أشياء لها مواقع من الفعل. وكان يجب في أَفْعَل أن يكون أصله الفِعْل كقولك: هو
أفضل من زيد، إنما معناه يحسن فوق حسن زيد. فكذلك كان يجب في أول، لولا ما ذكرت لك .
وقال
الخليل: لو قلت أَفْعَلْت من اليوم على قول من قال: أجودت، وأطييت لقلت: أيمت،
وهذا لا اختلاف فيه، لأنه كان أيومت، فلزمك الإدغام، لسكون الياء كما قلت: أيام. وقد مضى تفسيرها .
وكان
يقول - وهو الذي يخالفه فيه كثير من النحويين - : لو قلت: أَفْعِلَ من اليوم لقلت: أووم،
فقبلت الياء واوا، لانضمام ما قبلها، كما تقول: أوقن من أيقنت، ولا تدغم، لأن
الأولى حرف لين، لأنها منقلبة كا نقلاب واو سوير، وإن كانت أصلية. ألا ترى إلى
قولك: أوقن، وبوطر من البيطرة، لأنا لما قلبنا ذلك جرى مجرى الزائد .
وكان
يرى الملحق والأصلي إذا كان منقلبا كجروف اللين، لا يفصل بين بعض ذلك وبعض .
والنحويون
أجمعون على خلافه يقولون في أُفْعِلَ من اليوم: أيم، لأن العين تلزم الفاء كلزوم
العينين إحداهما في الأخرى في قول، وبيع، ويصرفون هذا على هذا .
فأما
ظلموا واقدا، فلا يلزم الخليل ؛ لأن الواو قبلها ضمة، وهي بمنزلة الألف في ظلما ؛
لأنها تحل من الجمع محل الألف من التثنية فيضارع سوير من ساير.
فإن
قال قائل: فأنت تطرح عليها حركة الهمزة إذا خففت، فتقول: ظلموا أخاك. فإن كان حرف
لين فلا ينبغي أن تحوّل عليها الحركة ؛ كما لا تحوّلها في النبيء، وخطيئة، وبريئة.
قيل:
هذا لا يلزم ؛ لأنها حرف لين في اللفظ، ودخلت لمعنى، فليست كما لا تدخل إلا للمد ؛
نحو ياءٍ فَعِيل، وواو فَعُول.
ألا
ترى أن هذه إذا كانت قبلها فتحة حرّكت لالتقاء الساكنين ؛ نحو: اخشوا الرجل و
" لتبلون في أموالكم " .
وكذلك
الياء في قولك: اخشى الرجل. فهذا هكذا.
ولو
قال رجل: هو يغزوباه للزمه مثل هذا و الواو لام الفعل.
وتقول:
زيد يغزومه. فتضم الواو ؛ لأن الضمة في الحقيقة للهمزة.
وكذلك
هو يغزو خوانه. فتكسر لهذه العلة، وهي لام الفعل ولفظها لفظ اللين ؛ لسكونها
وانضمام ما قبلها.
وكذلك
ياء يقضى. فإن دخل عليها ما ينصب نصبتهما جميعا. وأنت تقول: هو يقضى ياسر ويغزو
واقد، فلا تدغم ؛ لما ذكرناه من لفظ اللين.
فإن
كانت قبل كل واحدة منهما فتحة لم يكن إلا الإدغام ؛ نحو: اخشوا واقدا، واخشى ياسرا
؛ لأن لفظ اللين قد ذهب.
وفي
هذا دليل على جميع هذا الباب.
هذا
باب
ما
تقلب فيه السين صاداً
وتركها
على لفظها أجودوذاك لأنها الأصل، وإنما تقلب للتقريب مما بعدها، فإذا لقيها حرف من
الحروف المستعلية قلبت معه ليكون تناولهما من وجه واحد.
والحروف
المستعلية. الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والخاء، والغين، والقاف.
وإنما
قيل: مستعلية ؛ لأنها حروف استعلت إلى الحنك الأعلى. وهي الحروف التي تمنع الإمالة.
ألا
ترى أنك تقول: عابد، وحابر، وسالم ولا تقول: قاسم، ولا صاعد، ولا خازم وهذا مبين
في باب الإمالة.
فإذا
كانت السين مع حرف من هذه الحروف في كلمة جاز قلبها صادا، وكلما قرب منها كان أوجب .
ويجوز
القلب على التراخي بينهما. وكلما تراخى فترك القلب أجود. وذلك قولك: سطر، وصطر،
وسقر وصقر، وسلخت، وصلخت، ومساليخ ومصاليخ.
فإن
كان حرف من هذه الحروف قبل السين لم يجز قلبها ؛ نحو: قست، وقسوت، وطست فاعلم ؛
لأنهم إنما قلبوها وهذه الحروف بعدها، لئلا يكونوا في انحدار ثم يرتفعوا.
وإذا
كانت قبلها فإنما ينحدر إليها انحدارا. ووجب ذلك في السين ؛ لأنها والصاد من مخرج،
وهما مهموستان جميعاً، وكلاهما من حروف الصفير.
ولم
تكن الزاي ههنا ؛ لأنها ليست بمستعلية.
ولا
تبدل الصاد من الزاي مع هذه الحروف ؛ لأن الزاي مجهورة، والصاد مهموسة فهي مخالفة
لها.
ولم
يكن ذلك في الظاء مع الثاء والذال، ولا في الطاء مع التاء والدال ؛ لأن لحروف
الصفير في السمع والتصريف ما ليس لهنّ. وقد تقدم قولنا في هذه الحروف.
هذا
باب
الأسماء
التي وقعت على حرفيناعلم أن الأسماء أصولها تكون على ثلاثة أحرف بغير زيادة، وعلى
أربعة، وتكون على خمسة. فما نقص من الأسماء عن الأفعال فمعلوم نقصه، ومذكورة علّته
إن شاء الله.
فما
كان من الأسماء على حرفين فنحو: يد، ودم، وإست، وابن، واسم، وأخ، وأب ومالم نذكر فحكمه
حكم هذا. وهذه الأسماء المحذوف منها لا يكون ما حذف إلا حرف لين، أو حرفا خفيا
كحرف اللين ؛ نحو الهاء، والنون. أو يكون مضاعفا فيستثقل فيه التضعيف فيحذف.
فما
لم يكن على هذا الشرط الذي ذكرناه لم يحذف منه شيءٌ ؛ لأنه لا سبيل إلى حذفه.
فما
ذهب منه الياء والوا فنحو: ابن، واسم، وأخ، وأب، وهنٍ في بعض الأقاويل.
يدلك
على ما ذهب من أب، وأخ التثنية، والجمع، والتصغير. تقول: أخوان، وأبوان، وأخوك،
وأبوك.
وتقول:
آباءٌ، وآخاءٌ يا فتى. وكذلك أبيّ، وأخيّ، وبنيّ، وسميّ.
أما
أب، وأخ فلم يسكنوا أوائلها ؛ لئلا تدخل ألف الوصل وهي همزة على الهمزة التي في
أوائلها فيصير إلى اعتلال ثانٍ.
وأما
ابن واسم واست، فبنيت على سكون أوائلها، فدخلها ألف الوصل لسكون ما بعدها.
وألف
الوصل ليست بأصل في الأسماء، وإنما حقّها الأفعال ؛ لتصرف الأفعال، وأنها تقع
مسكّنة الأوائل في مواضع إسكان ضرورة لا محالة. وهذه تذكر عند ذكرنا الأفعال إن
شاء الله.
فأما
الأسماء فلا يلحقها ذلك، إلا أن تكون منقوصة، فتكون قد زالت عن أصل بنائها، فدخلها
لذلك ما يدخل الأفعال ؛ لأنها قد أشبهتها في النقص والانتقال.
فإن
قلت: امرؤ لم ينقص منه شيءٌ. فما بال ألف الوصل لحقنه ؟
فإنما
ذاك ؛ لتغيره في اتباع ما قبل آخره من أجل الهمزة التي يجوز تخفيفها.
والدليل
على ذلك انتقاله من حال إلى حال ألا نرى أنك تقول: هذا امرؤ فاعلم، وهذا مرءٌ
فاعلم، كما قال عزّ وجل " يحول بين المرء وقلبه " .
وتقول
في مؤنثه: امرأة، ومرأة. فإنما لحقت ألف الوصل هذا الاسم ؛ لهذا الانتقال والتغير
اللذين ذكرتهما لك.
فجميع
ما جاءت فيه ألف الوصل من الأسماء: ابن، واسم، واست وامرؤ، ومؤنث ذلك على قياسه ؛
نحو: ابنة، وامرأة. وكذلك، اثنان واثنتان، وأيمن في القسم ؛ لأنه اسم يقع بدلا من
الفعل في القسم.
تقول:
ايم الله، وايمن الله، فألفه موصولة كما قال: " وقال فريقٌ ليمن الله ما ندري
" وتحذف النون فتقول: ليم الله ما كان ذلك، فيلحقه من التغيير مع لزومه موضعا
واحدا ما يلحق امرأ.
فلا
تكون ألف الوصل إلا فيما ذكرت لك من الأسماء ؛ إلا الألف التي مع اللام للتعريف ؛
فإنها داخلة على حرف لا يكون إلا ساكناً.
فأما
المصادر التي أَفعالُها موصولة الألفات فهي كأفعالها، نحو: انطلاق، واستخراج،
واقتدار.
فإن
كانت أفعالها مقطوعة الألفات فهي كذلك ؛ نحو: إكرام، وإحسان. فهذا معنى ألفات
الوصل.
وذكرنا
ما ذهب منه الباء والواو.
فابن،
واسم من ذلك ؛ لقولك: بنيّ، وسميّ، وأبناء، وأسماء ؛ كما قلنا في الأب، والأخ.
فأما
الذاهب من الأب، والأخ فقد بان لك أنهما واوان. وقلنا كذلك في ابن.
فإن
قال قائل: فما الدليل عليه وليس براجعٍ في تثنية ولا جمع مادلّ على أحدهما دون
الآخر ؟.
قلنا:
نستدل بالنظائر.
أما
ابن فإنك تقول في مؤنثه: ابنة، وتقول: بنت من حيث قلت: أخت، ومن حيث قلت: هنت. ولم نر هذه التاء تلحق مؤنثا إلا
ومذكره محذوف الواو.
يدلك
على ذلك أخوان، ومن ردّ في هنٍ قال: هنوات.
فأما
الاسم فقد اختلف فيه: فقال بعضهم: هو فِعْل: وقال بعضهم: هو فُعْل وأسماء تكون
جمعا لهذا وهذا. تقول في جذع: أجذاع ؛ كما تقول في قُفْل: أَقفال.
ولا
يدرك صيغة الأسماء إلا بالسمع. فأكثرهم أنشد:
باسم
الذي في كل سورةٍ سمه
فضم
وجاء به على فُعْل. وأنشد بعضهم: سمه وهو أقلّ، وأنشد أبو زيد الوجهين جميعا،
وأنشد:
فدع
عنك ذكر اللهو واعمد لمدحةٍ ... لخير معدٍّ كلها حيثما انتمى
لأعظمها
قدراً، وأكرمها أبا ... وأحسنها وجها وأعلنها سما
فأما
ابن فتقديره: فَعَل. وذلك أنك تقول في جمعه: أبناءٌ ؛ كما تقول جمل وأجمال، وجبل
وأجبال.
فإن
قال قائل: فلعلّه فِعْل أو فُعْل، فإن جمعهما على أَفْعال، قيل له: الدليل على ذلك
أنك تقول: بنون في الجمع فتحرّك بالفتح.
فإن
قال قائل: فما أنكرت أن يكون على فَعْلِ ساكن العين ؟ قيل: لأن الباب في جمع فَعْل
أَفْعُل ؛ نحو: كلب وأكلب، وكعب وأكعب. فلو كان فعلا لم يجمع إلا على بابه ليدل
عليه، وإنما يخرج الشيء إلى غير بابه إذا أمنت اللبس في مثل أزناد، وبابه.
فهذا
لو كان فَعْلا لم يجز فيه أَفْعال مثل أزناد ؛ لأن أزنادا لا لبس فيه، وهذا يلتبس،
فكان يلزم الباب.
فأما
دم فهو فَعَل. يدلك على ذلك أنك تقول: دمي يدمى فهو دمٍ. فهذا مثل فرق فرقا وهو
فرق، ومحذر حذرا فهو حذر. فدم إنما هو مصدر ؛ مثل البطر، والحذر.
ومما
يدلك على أنه فَعَل أن الشاعر لما اضطر فأخرجه على أصله وردّ ما ذهب منه جاء به
متحرّكا، فقال:
فلو
أنا على حجرٍ ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين
فإن
قال قائل: فإنك تجمعه على فِعال ؛ كما تقول: كلب وكلاب، وفِعْل وفِعال، فالجواب في
ذلك أن فِعالا جمع لفَعَل المتحرك العين ؛ كما يكون لفَعْل الساكن العين ؛ نحو
قولك جمل وجمال وجبل وجبال. فهذا غير خارج من ذلك.
وأمّا
يد فتقديرها فَعْل ساكن العين ؛ لأنك تقول: أيد في الجمع وهذا جمع فَعْل.
ولو
جاء شيءٌ منه لا يعلم ما أصله من هذه المنقوصات، لكان الحكم فيه أن يكون فعْلا
ساكن العين ؛ لأن الحركة زيادة، والزيادة لا تثبت.
فأما
است ففعَل متحرّكة العين. يدلّك على ذلك أستاه. فإن قال قائل: فلعلها فِعْل أو
فُعْل فإن الدليل على ماقلنا سهٌ فاعلم، فترد الهاء التي هي لام، وتحذف العين،
وبفتح السين. كما قال الراجز:
ادع
أحيحاً باسمه لا تنسه ... إنّ أحيحاً هي صئبان السه
وفي
الحديث العين وكاء السه. معناه: أن الإنسان إذا كان متنبها علم ما يخرج منه من
الريح.
فأما
حر المرأة فتقديره: فِعْل، وقولهم: أَفْعَال في جمعه، بمنزلة جذع و أجذاع، ودليله
بيّن ؛ لأن أوله مكسور.
واعلم
أنه ما كان على حرفين ولا يدري ما أصله الذي حذف منه ؟، فإن حكمه في التصغير
والجمع أن تثبت فيه الياء ؛ لأن أكثر ما يحذف من هذا الياء و الواو، والياء أغلب
على الواو عليها، فإنما القياس على الأكثر.
فلو
سمّينا رجلا بإن التي للجزاء ثم صغّرناها لقلنا: أني.
وكذلك
أَنْ التي تنصب الأفعال.
فإن
سمينا إن المخففة قلنا: أنين فاعلم.
لأنا
قد علمنا أن أصلها نون أخرى حذفت منها.
وكذلك
لو سمّينا برب المخففة من ربّ لقلنا: ربيب ؛ لأنا قد علمنا ما حذف منه.
وكذلك
بخ المخففة من بخ ترد فيها الخاء المحذوفة ؛ لأن - الأصل التثقيل ؛ كما قال:
في
حسبٍ بخً وعزً أقعسا
واو
سمّينا رجلا ذو لقلنا: هذا ذوا قد جاء ؛ لأنه لا يكون اسم على حرفين أحدهما حرف
لين ؛ لأن التنوين يذهبه فيبقى على حرف، فإنما رددت ما ذهب، وأصله فعَل، يدلك على
ذلك " ذواتا أفنان " و " ذواتى أكلٍ خمطٍ " .
وإنما
قلت: هذا ذو مال فجئت به على حرفين ؛ لأن الإضافة لازمة له، ومانعة من التنوين.
كما
تقول: هذا فو زيد، ورأيت فا زيد، فإذا أفردت قلت: هذا فمٌ فاعلم ؛ لأن الإسم قد
يكون على حرفين إذا لم يكن أحدهما حرف لين كما تقدم، من نحو: زيد، ودم، وما أشبه
ذلك.
فإذا
سميت رجلا ب هو فإن الصواب أن تقول: هذا هوٌ كما ترى فتثقل.
وإن
سميته ب في من قولك: في الدار زيد، زدت عى الياء ياءً وقلت: هذا في فاعلم.
وإن
سميته لا زدت على الألف ألفاً ثم همزت، لأنك تحرك ثانية، والألف إذا حكت كانت
همزة. فتقول: هذا ولاءٌ فاعلم. وإنما كان القياس أن تزيد على كل حرف من حروف اللين
ما هو مثله، لأن هذه حروف لا دليل على ثوالثها، ولم تكن اسما فيعلم ما سقط منها.
وهو
وهي اسمان مضمران. فمجرهما نجرى الحروف في جميع محالهما وإن دلا على الظاهر بما
تقدم من ذكره، فإنما جمعت ما ظهر في كل واحد منهما متبعا لمثله، حتى يتم اسما ولم
تجعل الشاهد غائبا.
وكذلك
قالت العرب في لو جيث جعلته. قال الشاعر:
ليت
شعري واين مئى ليت ... إن لستا وإن لوا عناء
فزاد
على الواو واوا، لتحلق الأسماء، وقال الآخر:
ألام
على لو ولو كنت عالما ... بأعقاب لو لم تفتنى أوائله
وقال
الآخر:
حاولت
لواً فقلت لها : ... إن لوا داك أعيانا
وإن
سميت رجلا كي قلت: هذا كي فاعلم.
وكذلك
كل ما كان على حرفين ثانية ياءٌ أو واوا، أو ألف ؛ ألا ترى أم حروف التهجي موضوعة
على الوقف ؛ نحو، با. تا. ثا. وكذلك رأوها، إنما هي موقوفات غير منونات، لأنهن
علامات، فهن على الوقف.
ألا
ترى أنك تقول: ولو. زاي. صاد، فتسكن أواخرها، لأنك تريد الوقف، ولولا الوقف لم
يجمع بين سساكنين ؛ كما تقول في الوقف: هذا زيد، وهذا عمرو.
فإذا
جعلتهن أسماءً قلت: باءٌ، وتاءٌ فزدت على لك حرف مثله على ما وصفت لك. قال الرجل
من الأعراب يذم النحويين إذ سمع خصومتهم فيه:
إذا
اجتمعوا على ألفٍ، وباءٍ ... وتاءٍ. هاج بينهم قتال
فأعربها
على ما ذكرت لك حين جعلها اسما.
وحكاها
أبو نجم إذ جدعلها في مواضعها فقال:
أقبلت
من عند زي ... ادٍ كالخرف ... تخط رجلاي بخ ... طً مختلف
تكتبان
في الطريق لام الف
فإن
كانت اسما فالإعراب كما قال:
كما
بينت كافٌ تلوح وميمها
فأعرب
وأضاف، وكما قال:
كأن
أخا اليهود يجد خطا ... بكاف في منازلها ولام
وفواتح
السور كذلك على الوقف ؛ لأنها حروف نهج، نحو الم، المر، حم ، طس. ولولا أنها على
الوقف لم يجتمع ساكنان.
فإذا
جعلت شيئا منها اسما أعربت، كما قال الكميت:
وجدنا
لكم في آل حاميم آيةً ... تأولها منا تقي ومعرب
فحرك،
ولم يضرب للعجة. وقال:
أو
كتبا بين من حاميما ... قد علمت أبناء إبراهيما
قال:
يذكرني
حاميم والرمح شاجرٌ ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم
ف
أما قراءة الحسن صاد والقرآن فإنه لم يجعلها حرفا ولكنه فِعْل، إنما أراد: صاد بالقرآن عملك. وهذا تفسير الحسن، أي
عارض بقالقرآن عملك، من قولك: صاديت الرجل: أي عارضته: ومنه " فأنت له تصدى " أي تعارض.
وأما
قولك: هذا فوزيد - ثم
تبدل فتقول: فم فهذا بمنلزة تثقيلك لو ثقلت، لأنه إذا كان على حرفين ليس أحدهما
حرف لين كان على مثالٍ تكون الأسماء المنقوصة عليه، وإنما أصله فوه فاعلم، وجمعه
أفواه، كقولك: ثوب وأثواب، وحوض وأحواض. على ذلك: ما تفوهت بكلمة.
فإذا
كان في الإضافة لم تحتج إلى تغييره، لأنك تأمن عليه التوين، فتقول: رأيت فازيد،
ومررت بفي زيد، وهذا فوزيد، كما تقول: هذا ذو مال، ورأيت ذا مال ؛ لأن أصل هذه الأسماء
الإضافة، فإن أفردتها أخرجتها إلى باب الأسماء.
وما
ذكرت لك غيرها من نحو او وفي إنما تلحق بجمله الأسماء المفردة، ثم تضاف إذا حدث
ذلك فيها، كما يضاف رجل، وغلام، وما أشبهه. فهذا باب الأسماء، تقول: هذا في زيدٍ،
ولو عبد الله.
فإن
قال قائل: أجعل ذلك غير مثقل إذا سميت به مؤنثا، لأمنى عليه التنوين.
قيل: لمؤنث قد يكون نكرة فتنون، كقولك: هذه هند
أخرى، وتنون زيدا إذا سميت به امرأة في قول جماعة من النحويين، فيستوى المؤنث
والمذكر إذا لكم تكن فيها هاء التأنيث، فلا يكون فيه التنوين، نحو رجل سميته بقدم،
أودعد أوهند.
فليس
هذا الاعتراض بشيءٍ. وليس من كلامهم أن يكون الاسم على هيئة فإذا سمى به غير من هو
له خرج إلى هيئة أخرى، فكذلك المفرد لا ينتقل إذا أضفته.
فأما
فو زيد، وذو مال، فإنما غيرا من الأصل الذي هو لهما، لأنهما ألزوما الإضافة فكان
حرف إعرابهما متنقلا على غير ما عليه جملة الأسماءٍ، إنما يكون ذلك في أسماءٍ
بعينها معتلة ؛ نحو قولك: أخوك، وأخاك، وأبوك، وفوزيد، وحموك، وهنوك في بعض
اللغات، لأنها في الإفراد أب، وأخ، وهنٌ، وحمٌ، فهذه أسماءٌ كان أصلها الإضافة،
لأن رواجعها فيه خاصةً.
فأما
فوك فإنما حذفوا لامه لموضع الإضافة، ثم أبدلوا منها في الإفراد الميم لقرب
المخرجين، فقالوا: فم كما ترى، لا يكون في الإفراد غيره، وقد لحن كثير من الناس العجاج
في قوله:
خالط
من سلمى خياشيم وفا
وليس
عندي بلاحن، لأنه حيث اضطر أتى به في قافية لا يلحقه معها التنوين في مذهبه. ومن
كان يرى نتنوين القوافي فيقول:
أقلى
اللوم عاذل والعتابن
لم
ينون هذا، لأن ترك التنوين هو الأكثر الأغلب، لما في هذا الاسم من الاعتلال.
واعلم
أن ما جاء من الأسماء على حرفين قليل، لأن الثلاثة أقل الأصول، فيكرهون الحذف منها
إلا فيما آخره حرف خفي أو حرف لين، فإنهم يستثقلون في ذلك الحركات.
فأما
مثل: قل، وبع فإنما حذفت لالتقاء الساكنين ما هو في نيتك، وحذفت من عد، وزن
الواوات التي ذهبت، لأنها وقعت في يعد ويزن. ويعود جميع ذلك في تصرف الفعل إذا
قلت: وعد، ووزن، وقال، وباع، ويقول، ويبيع.
وكذلك
إذا قلت: فه لزيد، وعه كلاما، وشه ثوبا.
إنما
لحقها ذلك لذهاب الواو من أولها التي تذهب في عد، وذهاب الياء من آخرها التي تذهب
في ارم، ولا يلزم ذلك في تصرف الفعل إذا قلت: وعيت، ووليت، ووشيت.
فأما
ما جاء على حرفين مما فيه هاء التأنيث فهو أكثر من ذا، نحو: سنة، وشية، وعدة، وثبة، وقلة، ورية، وذاك ؛ لأن
الهاء لما اتصلت به قوى فارع ما كان على ثلاثة، وكان بالهاء أثبت من ابن، واست،
واثنين ؛ لأن ألف الوصل يحذفها الوصل، ويحذفها وتحرك ما بعدها، وذلك في التصغير
كبنى وتخفيف الهمز كقولك في اسأل: سل، وفي التشديد وهو قولك: اردد، ثم تقول: رد إن
شئت. فأما ردا أو ردوا
فحذفها لازم للزوم الإدغام.
وهاء
التأنيث إنما تذهب في الترخيم، وفي النسب، لأنه عوض منها. وقد يرد في النسب بعض ما
يذهب منه الهاء لعلة تلحق. وإنما قصدنا أن نخبر أم ما فيه الهاء من ذوات الحرفين أكثر
مما لا هاء فيه.
وهذا
شيءٌ اتصل بالتصريف والإدغام لما يقع في مثله، وهو ما أذكره لك.
أعلم
أن الحرفين المثلين إذا كانا ملتقيين في كلمة، وكلاهما متحرك، وقبل المتحرك الأول
ساكن، طرحت حركة المتحرك الأول على ذلك الساكن، وأغمت كنحو ما ذكرت لك. اقتتلوا.
فإذا
التقيا وهما سواء أو متقاربان، والأول منهما أول الكلمة أدخلت ألف الوصل وأدغمت
وذلك: اطير زيد إنما كانت تطير، فأسكنت التاء، فلم يجز أن تبتدىء بساكن، فأدخلت
ألف الوصل، ثم أدغمت التاء في الطاء.
وكذلك
اترس زيد إذا أردته تترس.
فدخول
الألف هاهنا كسقوطها من اقتتتلوا إذا قلت: قتلوا، فالتحريك يسقطها، كما أن الإسكان
يجلبها.
ومن
ذلك قوله " وإذا قتلتم نفساً فادارأتم فيها " وإنما كان تدارأتم فيها، فأدغمت
التاء في الدال، فاحتجت إلى ألف الوصل لاستحالة الابتداء بساكن، ومثله "
قالوا اطيرنا بك وبمن ومعك " .
فإن
قلت: تتكلمون، وتدعون، لم يجز الإدغام وإدخال ألف الوصل، لأن ألف الوصل لا تدخل
على الفعل المضارع، لأن الأفعال إذا كانت على ما يَفْعَل وما أشبهه فهي مضارعه
للأسماء، نحو فاعِل وما أشبهه، فكما لا تكون ألف الوصل في اسم الفاعل كذلك لا تكون
فيما ضارعه. إنما تكون في الأفعال الماضية، نحو: انطلق، واقتدر واحمررت، واستخرج،
واغدودن، واحرنجم. أو في الأمر: اضرب، اقتل، استخرج ؛ لأنها تضارع أسماء الفاعلين
فتمتنع، فهذا موضعها من الكلام، فقد شرحت لك أمرها في الأفعال وتصرفها، وأمر
وقوعها في الأسماء والعلة في ذلك إذ كان بابها الأفعال.
فإذا
قلت في المنفصلين: هذا اسم موسى لم يجز أن تطرح حركة الميم على االسين، وتحذف ألف
الوصل، كما فعلت في الأفعال، لأن المنفصل بائن مما قبله، وإنما الإدغام على مقدار
لزومه. ولكنك تخفى إن شئت، وإن شئت حققت، والمخفى بزنة المحقق، إلا أنك تختلس
اختلاسا كقولك: أراك متعففاً. فتختلس ولا يجوز الإدغام، لأن الذي قبل الفاء الوسطى ساكن.
وأما
الملحقات من الأسماء فلا إدغام فيها، لأنها تنقص عن مقادير ما ألحقت به. وذلك قولك: قردد، ومهدد وما أشبهه، لأنه
ملحق بجعفر، وذكلك الجمع، نحو قولك: قرادد، ومهادد، ليكون مثل جحعفر.
فإن
لم يكن ملحقا لزم الإدغام، نحو قولك: رجل ألد، وأصم ؛ لأن أَفْعَلَ ليس بملحق
بفعلل.
ألا
ترى أن مصادرهما مختلفة إذا كان فِعْلين تقول: درحج دحرجة، وأكرم إكراما.
وكذلك
فَعَّلَ ليس بملحق بدحرج، لن مصدره التفعيل.
ولكن
مثل جدول ملحقٌ بجعفر وكذلك كوثر.
وإن
كنا فعلين فهما ملحقان بدحرج. تقول: حوقل يحوقل حوقلة، وبيطر بيطرة وسهوك سهوكة،
وذكلك سلقى يسلقى سلقاة.
وفيما
ذكرته لك ما يدال على ما يرد عليك منه إن شاء الله.
هذا
باب
ما
شبه من المضاعف بالمعتل
محذوف
في موضع حذفهوذلك قولك في أحسست: أحست، وفي مسست: مست، وتطرح حركته على ما قبله،
وتحذفها، تشبيها بقولك: أردت، وأقمت، وكلت، وبعت، كمنا استويا في باب رد وقام في
الإسكان.
واستويا
في التصحيح في باب فُعَل وفِعَل تقول ك صو ركما تقول: درر، ويبيع كما تقول: قدد.
وإنما
تفعل هذا في الموضع الذي لا تصل إليه في الحركة يوجه من الوجوه، وذلك في فِعلْت
وفَعِلْن.
فأما
لم أحس وقولك: احسس، وامسس ومس وحس فلا تحذف ؛ لأن هذا تدخله الحركة إذا ثنيت، أو
جمعت أو أثنيت ؛ نحو: أحسوا، وأحسا، وأحسى. وكذلك مسى ومسا.
وإنما
جاز في ذلك الموضع لزوم السكون، وليس ذلك بجيد ولا حسن، وإنما هو تشبيه. قال
الشاعر:
خلا
أن العتاق من المطايا ... أحسن به فهن إليه شوس
ومن
قال: مست ففتح الميم فإنما شببها بلست، لأن أصلها كان لاس يلبس، وقد فسرنا امتناعها
من ذاك ؛ لما يلزمها في المضارع وغيره من تصرف الفعل.
فهذا
الذي فتح الميم حذف لما ذكرت لك، وترك الميم على أصلها للتغيير.
واعلم
ان التضعيف مستثقل وأن رفع اللسان عنه مرة واحدة ثم العودة إليه فليس كرفع اللسان
عنه وعن الحرف الذي مخرجه ولا فصل بينهما فلذللك وجب وقوم من العرب إذا وقع
التضعيف أبدلوا والياء من الثاني لئلا يلتقى حرفان من جنس واحد، لأن الكسرة بعض
الياء، وأن الياء تغلب على الواو رابعةٌ فما فوقها حتى تصيرها ياءً، ولا يكون إلا
ذلك. وقد مضى هذا.
وذلك
قولهم في تقضضت:
تقضينت،
وفي أملت: أمليت. وذكلك تسريت في تسررت والدليل على أن هذا إنما أبدل لاستثقال
التضعيف قولك: دينار، وقيراط، والأصل دنارٌ وقراط. فأبدلت الياء للكسرة، فلما فرقت
بين المضاعفين رجع الصل فقلت دنانير، وقراريط، وقريريط.
واعلم
أن الشعراء إذا اضطروا إلى إسكان حرف مما هو متحرك فلم يصلوا إلى ذلك أبدلوا منه
الياء إذا كانت قبله كسرة، لأن الياء إذا كانت كذلك لم تحرك، فيسلم الإعراب، ويصح
الوزن، وذلك وقوله:
لها
أشارير من لحمٍ تتممره ... من الثعالى ووخزٌ من أرانيها
لم
يجز أن يذكر الباء في الثعالب، ويحركها فينكسر الشعر، فأبدل الياء لما ذكرت لك.
ومثله:
ومنهل
ليس له حوازق ... ولضفادى جمه نقانق
هذا
باب
ما
يحذف استخفافاً
لأن
اللبس فيه مأمونوذلك أن للأشياء أصولا، ثم يحذف منها ما يخرجها عن أصولها.
فمن
هذا المحذوف ما يبلغ الشيء أصله.
ومنه
ما يحذف لأن ما يبقى دال عليه وإن يكن ذلك أصله.
فأما
ما يبلغ به أصله فإن كناية المجرور في الكلام ككناية المنصوب، وذلك لأن الأصل
الرفع. وهو الذي لا يتم الكلام إلا به ؛ كالابتداء والخبر، والفعل والفاعل.
وأما
المنصوب والمخفوض لما خرجا إليه عن هذا المرفوع.
فلذلك
اشتركا في التثنية والجمع، نحو: مسلمَين، ومسلمِين، ومسلمات.
ولذلك
كان ما لا ينصرف إذا كان مخفوضا فتح، وحمل على ما هو نظير الخفض، نحو: مررت
بعثمان، وأحمر يافتى.
وذلك
قولك في الكناية: ضربتك، ومررت بك، وضربته، ومررت به وضربتهم، وعليهم واحد.
وتقول:
هذا غلامي، وهذا الضاربي فيستويان، فإذا قلت: ضربني، زدت نونا على المخفوض، ليسلم
الفعل، لأن الفعل لا يدخله جر ولا كسر.
فإنما
زدت هذه النون ليسلم، لأن هذه الياء تكسر ما وقعت عليه. فإن قلت: قد قلت: الضاربي والياء منصوبة، فإنما ذلك، لأن
الضارب اسم فلم يكره الكسر فيه.
والدليل
على أن الياء منصوبة قولك: الضارب زيدا .
فإن
قلت: فقد يدخل الفعل الكسرة في قولك: اضرب الرجل، فإنما ذلك لالتقاء الساكنين وليس
بلازم، وإنما كسروا ليعلموا أنه عارضٌ في الفعل، إذا لم يكن من إعرابه.
ونظير
زيادة هذه النون في المنصوب قولهم في المجرور: منى، وعنى، وقدني.
زادوا
النون، ليسلم ما قبلها على سكونه، كما سلم الفعل على فتحه، فقد زيدت في المجرور
كما زيدت في المنصوب.
ولو
كان آخر الاسم متصرفا بالحركة لم تزد، نحو قولك :هذا هنى، ودمى.
فالذي
ذكرنا مما يحذف قولك: إنني، وكأنني، ولعلني، أن هذه الحروف مشبهة للفعل مفتوحة
الأواخر، فزدت فيها النون، كنما زدتها في الفعل لتسلم حركاتها.
ويجوز
فيهن الحذف فتقول: إني، وكأني، ولكني.
وإنما
جاز، لأن النون في إن و كأن ثقيلة، وهي مع ذلك مشبهة بالفعل وليست بأفعال، فحذفت
كراهية التضعيف، وإن أثبت فلما وصفته.
فن
قال قائل، فأنت تقول: لعلى، وليس في لعل نون، فإنما ذلك لأن لعل مضعفة: وهي أقرب الحروف من النون، وتعاقبها،
وتدغم كل واحدة منهما في صاحبتها، وقد مضى القول في هذا.
فأما
ليتني فلا يجوز حذف النون منها إلا ان يضطر شاعر فيحذفها، لأن الضرروة ترد الأشياء
إلى أصولها، والأصل الياء وحدها، وليست ليت بفعل إنما هي مشبهة. فمن ذلك قوله:
تمنى
مزيدٌ زيدا فلاقى ... أخا ثقة ذا اختلف العوالي
كمنية
جابرٍ إذ قال ليتني ... أصادفه ويهلك جل مالي
فهذا
من المحذوف الذي يلغ به الأصل.
ومما
حذف استخفافاً لأم ما ظهر دليل عليه قولهم في كل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، مثل
بنى الحارث، وبني الهجيم وبني العنبر: هو بلعنبر، وبلجهم، فيحذفون النون لقربها من
اللام لأنهم يكرهون التضعيف. فإن كان مثل بني النجار والنمر، والتيم لم يحذفوا،
لئلا يجمعوا عليه علتين: الإدغام، والحذف.
ويقولون:
علماء بنو فلان، يريدون: على الماء فيحذفون لام على، كما قال:
وما
سبق القيسي كن ضعفٌ حيلةٍ ... ولكن طفنت علماء قلفة خالد
واعلم
أن كل مدغم فيما بعده إذا كانا من كلمتين فإظهار الأول جائز، لأنه غير لازم
للثاني، إلا أنه في بعض أحسن منه في بعض على قدر تداني المخارج وبعدها .
فإذا
لقيت التاء دالا أو طاء، كان الإدغام أحسن، لأن مخرج الثلاثة واحد، وإنما يفصل
بينها أعراض فيها. وذلك قولك: ذهبطلحة، الإدغام أحسن. وكذلك هد مدارٌ زيدٍ ومثل ذلك: لم يعد تميم، ولم
يعد طاهر.
فان
قلت: انقط داود كان الإدغام بأن تطبق موضع الطاء أحسن لأن في الطاء إطباقا فيكرهون
ذهابه. تقول: انقطا ود.
ولو
قلت: انقداود كان حسنا. ولكن الاختيار ما ذكرت لك. وإن لم تدغم فجائز .
والظاء،
والثاء، والذال هذا أمر بعضهن مع بعض في تبقية الإطباق وحذفه، وحسن الإدغام وجواز
التبيين.
وفيما
ذكرت لك من قرب المخارج وبعدها كفاية.
فأما
قراءة أبي عمرو " هثوب الكفار ما كانوا يفعلون " فإن التبيين أحسن مما قرأ،
لأن الثاء لا تقرب من اللام كقرب التاء وأختيها. وكذلك التاء في قراءته "
بتؤثرون الحياة الدنيا
" .
وليست
هذه اللام كلام المعرفة لازمة لكل اسم تريد تعريفه. فليس يجوز فيها مع هذه الحروف
التي ذكرت لك وهي ثلاثة عشر حرفا إلا إلادغام. وقد ذكرناها بتفسيرها.
وإنما
يلزم الإدغام على قدر لزوم الحرف، ألا ترى أنها إذا كانت في كلمة واحدة لم يجز
الإظهار: إلا أن يضطر الشاعر
فيرد الشيء إلى أصله، نحو: رد، وفر، ودابة، وشابة، لأن الباء الأولى تلزم الثانية.
فأما
قولهم: أنما تكلمانني، وتكلماني، وقوله: " أفغير الله تأمروني " وفي
القرآن: " لم تؤذونني وقد تعلمون " فلان الثانية منفصلة من الأولى،
لأنها اسم المفعول. تقول: أنما تظلمان زيدا، وأنتم تظلمون عمرا.
وأما
دابة فهي فاعِلة، وكذلك رد فَعَلَ. فهما لازمة إحداهما للأخرى لا تنفصل منها. فإذا
اضطر شاعر جاز ردد، وضنن كما قال :
تشكو
الوجى من أظلٍ وأظلل
وقال:
مهلا
أعادل قد جربت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإن ضننوا
وقال:
الحمد
الله العلي الأجلل
واعلم
أن ألف الوصل التي تكون مع اللام للتعريف تخالف سائر ألفات الوصل، وإن كانت في
الوصل مثلهن.
وذالك
أنها مفتوحة ؛ لأنها لم تلحق اسما ولا فعلا ؛ نحو اضرب، واقتل، وابن، واسم، وإنما
لحقت حرفا، فلذلك فتحت وخولف بلفظها لمخالفة ما وقعت عليه الأسماء والأفعال.
فإذا
كانت في درج الكلام سقطت كسقوط سائر ألفات الوصل. وذلك قولك: لقيت القوم فتسقط،
وتقول: والقوم ذاهبون، وكذلك جميع ما صرفت فيه، إلا أن تلحقها ألف الاستفهام
فتجعلها مدة، ولا تحذفها، فيلتبس الخبر بالاستفهام ؛ لأنها مفتوحة، فلو حذفتها
لاستوى اللفظان. وذلك قولك في الاستفهام: آلرجل لقيك ؟ وقوله: " آلله خيرٌ أم
ما يشركون
" .
وكذلك
ألف أيم ؛ لأنها لزمت اسما لا يستعمل إلا في القسم، فهو مضارع لألف اللام: تقول: آيم الله لقد كان ذاك، آيمن الله
لقد كان ذاك. ولذلك قالوا: يا ألله اغفر لنا، لما كنت في اسم لا تفارقه وثبتت في
الاستفهام فعلوا بها ذلك.
وكذلك:
أفألله لتفعلن، لما وصفت لك.
فإذا
كنت مستأنفة وتحركت اللام بعدها بحركة الهمزة فإن النحويين يختلفون فيها.
فيقول
قوم: ألحمر جاءني فيثبتونها وإن تحركت اللام، ولا يجعلونها مثل قولك: " سل بني
إسرائيل " ؛ لأنها كانت اسأل، فلما تحركت السين سقطت ألف الوصل.
فهؤلاء
يحتجون بثباتها في الاستفهام، وأن ما بعدها ساكن الأصل، لا يكون إلا على ذلك
وهؤلاء لايدغمون ما قبل اللام في اللام مما قرب جواره منها ؛ لأن حكم اللام عندهم
حكم السكون. فلذلك ثبتت ألف الوصل.
ومنهم
من يقول: لحمر جاءني، فيحذف الألف لتحرك اللام. وعلى هذا قرأ أبو عمرو " وأنه
أهلك عاد لولى
" .
وكان
الأخفش يجيز: اسل زيدا ؛ لأن السين عنده ساكنة لأن الحركة للهمزة. وهذا غلط شديد ؛
لأن السين متصرفة كسائر الحروف ؛ وألف الوصل لا أصل لها، فمتى وجد السبيل إلى
إسقاطها سقطت، واللام مبنية على السكون لا موضع لها غيره. فأمرها مختلف. ولذلك لحقتها ألف الوصل مفتوحة
مخالفةً لسائر الألفات.
تم
الإدغام قال أبو العباس: كنا قدمنا في أول كتابنا وبعد ذلك أشياء جرى ذكرها لما
يشاكلها في مواضعها، ولم يكن موضع تفسيرها، فوعدنا أن نفسرها إذا قضينا القول فيما
قصدنا له عند ذكرها.
فمن
ذلك لام الخفض التي يسميها النحوييون لام الملك فقلنا: هي مكسورة مع الأسماء
الظاهرة، ومفتوحة مع الأسماء المضمرة ؛ لعلة نذكرها. وهذا أوان ذكرها.
أصلها
عندنا الفتح كما يقع مع المضمر ؛ نحو قولك: المال لك، والمال لنا، والدراهم لكم،
ولهم. وكذلك كل مضمر.
فإذا
قلت: المال لزيد كسرتها ؛ لئلا تلتبس بلام الابتداء، ولم تكن الحركة فيها إعرابا
فيسلمها على ما خيلت
.
وموضع
الالتباس أنك لو قلت: إن زيدا لهذا، وإن عمرا لذاك، وأنت تريد لام الملك، لم يدر
السامع أيهما أردت: إن زيدا في ملك ذاك، أو إن زيدا ذاك ؟ فإذا كسرت فقلت: إن زيدا
لذاك، علم أنه في ملكه، وإذا قلت: إن زيدا لذاك، علم أن زيدا ذاك.
وكذلك
الأسماء المعربة إذا وقفت علها فقلت: إن هذا لزيد لم يدر أهو زيد أم هو له ؟ فإن
قال قائل: فلم لا يكون ذلك في الباء ؟ قيل لأن الباء لا يشركها مثلها فتخاف لبسا ؛
فبنيتها أبدا الكسر مع الظاهر والمضمر. تقول مررت بزيد، وبك، وبه، وبهم.
كما
أن بنية الكاف الفتح إذا قلت: لست كي ؟ فإنما ذاك ؛ لأن ياء الإضافة تحول كل حركة
إلى كسرة. تقول: هذا غلامي، وضربت غلامي، والمال لي.
فأما
أمنك الالتباس في اللام مع المضمر ؛ فإنما ذاك لأن ضمير الرفع لا يلتبس بضمير
الجر. تقول: إن هذا لك، وإن هذا لأنت، وإن هؤلاء لنحن. فلاختلاف اللفظين أمن
الالتباس.
قال:
وكنا ذكرنا في صدر هذا الكتاب أمر الأفعال، والأسماء، ووعدنا أن نخبر لم كانت
الأسماء على ثلاثة أنحاءٍ لا زيادة فيها: على ثلاثة أحرف، وأربعة، وخمسة ؟ وكانت الأفعال
على ضربين: على ثلاثة، وأربعة. ولم يكن في الأفعال شيء على خمسة أحرف كلها أصلى.
فهذا وقت تفسيره وموضعه.
للنحويين
في هذا أقاويل يقارب بعضها بعضا.
يقولون:
الأسماء أمكن من الأفعال ؛ فلذلك كان لها على الأفعال فضيلة تمكنها، وأن الأفعال
تبع لها .
فقلنا
في تفسير قول هؤلاء: الدليل على صحة ما قالوا أن الأسماء الثلاثية تكون على ضروب
من الأبنية تلحقها أبنية الأفعال ؛ لأن أبنية الأفعال إنما: هي فَعَل، وفَعِل،
وفَعُل ومضارعاتها: يَفْعُلْ، ويَفْعِل، ويَفْعَل.
والأسماء
تكون على فَعَل ؛ نحو: جمل وجبل، وعلى فَعِل ؛ نحو: فخذ وكتف، وعلى فَعُل ؛ نحو:
رجل وعضد.
وتكون
الأسماء مفردة بفِعَل ؛ نحو: ضلع وعوض، وبفُعُل نحو: خضض، وعنق.
وتكون
سواكن الأوساط ؛ نحو: فهد، وكلب، ونحو: جذع، وعدل، ونحو: برد، وخرج.
ويكون
في المتحركة، نحو: إبل، وإطلٍ.
فإذا
صرت إلى الأربعة لم تكن الأفعال بغير زائدة إلا على فَعْلَلَ ؛ نحو: دحرج، وسرهف،
وهملج. فهذا نظيره في الأسماء جعفر، وصندل، وفرقد.
وتكون
في الأسماء على فِعْلَل ؛ نحو: درهم، وهجرع.
وفُعْلُل
نحو: حبرج وترتم، وفِعْلِل نحو: زبرج، وزئبر.
فلذلك
كان في الأسماء مثل سفرجل، وجحمرش، وجردحل، وقذعمل.
فزادت
هذه الأبنية كما زادت ما ذكرت لك. وإنما ذكرت لك رسما وبقيت أشياء ؛ لأنى إنما
أردت بما بينت الإيضاح لهذا الأصل الذي ذكرته.
وقال
قوم: الأفعال تلزمها الزوائد، وتتصرف بها، فيلزمها حروف المضارعة وغير ذلك من
الزوائد ؛ كما لحق الأربعة التاء في تدحرج، وألف الوصل والنون، في احرنجم، ونحوه،
وتضعيف اللام في قولك: اقشعر، واطمأن، فكرهو أن يبلغوا بها الخمسة، فتلزمها
الزوائد فتخرج عن المقدار، وتصير إلى ما يستثقل. والأسماء لا يكره ذلك فيها ؛ لأن
الزوائد غير لازمة لها، وإن كانت قد تدخل في بعضها وليس في بمنزلة اللازم للمعاني.
ألا
ترى أن قولك: اقتدر، واستخرج، وقاتل، واغدودن، واعلوط قد خرجت هذه الأفعال إلى
معانٍ بالزوائد، لولا هذه الزوائد لم تعلم.
إذا
قلت: استخرج فمعناه: أنه طلب أن يخرج إليه.
وإذا
قلت: فاعَلَ وجب أن يكون الفعل من اثنين.
وإذا
قلت: فَعّلَ فقد كثرت الفعل.
والأسماء
لا يكون فيها شيء من هذا إلا التي تبنى على أفعالها ؛ نحو: مستخرج، ومنطلق، فإنها
بعد راجعة إلى الأفعال.
وقال
قوم: لما كانت الأسماء هي التي يخبر عنها، وإنما الأفعال آلة لها، جعلت لها على
الأفعال فضيلة تبين بها حال تمكنها.
وكل
الأقاويل حسن جميل. وهذا الأخير قول المازني .
باب
مصطفينقال
أبو العباس: وهذا أيضا مما لم يفسر.
إذا
كان الاسم مقصورا فإنما تأويل قصره أن يكون آخره ألفا، والألف لا تدخلها الحركات،
و لا تكون أصلا، وإنما هي منقلبة من ياءٍ أو واو، أو تكون زائدة .
فأما
المنقلبة ؛ فنحو ألف قفا، وإنما هي واو قفوت، وحصى إنما هي منقلبة عن ياءٍ .
تقول
إذا جمعت: حصيات ؛ كما أنها في الفعل كذلك.
تقول:
رميت وغزوت، وتقول لغيرك: رمى، وغزا.
والزائدة
مثل ألف حبلى، لأنه من الحبل، وذكلك معزى، وحبنطى من قولك: معز، وحبط بطنه.
فهذه
الألف لا يدخلها إعراب، ولكمنها تنون إذا كان الاسم منصرفا، ويترك تنوينها إذا كان
مما لا ينصرف.
فإذا
ثنيت اسما هي فيه والاسم على ثلاثة أحرف، أبدلت منها كما كان أصلها، فتظهر الواو
الياء، لأنها في موضع حركة، والألف لا تتحرك.
تقول
في ثنية قفا: قفوان، وفي تثنية رحى: رحيان ؛ كما كنت قائلا في الفعل: غزوا إذا ثنيت
؛ لأنه من غزوت، ورميا ؛ لأنه من رميت.
وإذا
كانت الألف رابعة فصاعدا رجعت إلى الياء على كل حال. تقول: غزوت ثم تقول :أغزيت،
واستغريت .
وكذلك
الاسم، تقول في تثنية ملهى، ومستغزى: ملهيان، مستغريان .
فأما
الياءات فلا يحتاج إلى تفسيرها ؛ لأن الواو إليها تصير، فيصير اللفظ بهما واحدا.
فإذا
أردت الجمع على جهة التثنية - وذلك لا يكون إلا لما يعقل - تقول: مسلمان.
ومسلمون،
وصالحان - ، وصالحون
.
فعلى
هذا تقول: في جمع مصطفى مصطفون. وكان الأصل على ما أعطيتك مصطفيون، وقبل أن تنقلب:
مصطفوون، ولكنها لما صارت ألفا، لم يجز أن ترد إلى ضمة ولا إلى كسرة لعلتين.
إحداهما:
استثقال الضمة والكسرة في الموضع الذي تنقلب الواو والياء فيه ألفين للفتحة قبلهما.
والثانية:
أنه لا نظير له فيخرج عن حد الأسماء و الأفعال.
فإن
كان في موضع فتح ثبت ؛ لأن الفتحة أخف، ولأن له نظيرا في الأسماء والأفعال.
فأما
في الأفعال فإنك تقول للواحد: غزا، وللإثنين: غزوا ؛ لثا بلتبس الواحد بالإثنين.
وكذلك رمى، ورميا.
وأما
في الأسماء فقولك: النزوان، والغثيان ؛ لأنك لو حذفت لا لتبس بفعال من غير المعتل.
وقولنا:
الفتحة أخف. قد بان لك أمرها.
تقول:
هذا زيد، ومررت بزيد، فلا تعوض عن التنوين ؛ لأن قبله كسرة أو ضمة.
وتقول:
رأيت زيدا، فتبدل منه ألفا من أجل الفتحة.
وتقول:
رأيت قاضيا، وتسكن الياء في الخفض والرفع، في الوقف والوصل، ثم تذهب، لالتقاء
الساكنين، وهو التنوين الذي يلحقها وهن ساكنة.
وتقول
في فخذ - إن شئت - فخذ ؛ وفي علم: علم .
وكذلك
في عضد، ورجل: عضد ورجل. ولا يجوز الإسكان في جمل وما كان مثله.
فعلى
هذا تقول: هما مصطفيان، وهما الأشقيان، وأعجبني قفواهما، ورأيت قفويهما والمصطفيين.
فإذا
كان الجمع لحقت الواو هذه الألف التي كانت في معزى، ومصطفى والواو ساكنة.
وكذلك
هذه الألف فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فبقيت واو الجمع، أو ياء الجمع، ، وما
قبل كل واحد مفتوح ؛ لأنه كان مفتوحا قبل الألف فحذفت الألف وبقى الشيء على حاله
هذا
باب
المضمر
المتصلاعلم أن كل موضع تقدر فيه على المضمر متصلا فالمنفصل لا يقع فيه: تقول: قمت،
ولا يصلح: قام أنا. وكذلك ضربتك، لا يصلح: ضربت إياك.
وكذلك،
ظننتك قائما، ورأيتني، ولا يصلح: رأيت إياى.
فإن
كان موضع لا يقع فيه المتصل وقع فيه المنفصل. هذا جملة هذا.
تقول: أنت قمت، فتظهر أنت ؛ لأن التاء التي تكون
في فعلت لا تقع ها هنا. وتقول: ما جاءك إلا أنا. وما جاءني إلا أنت، وما ضربت إلا إياك ضربت ؛ لأن الكاف
التي في ضريتك لا تقع ها هنا ح لا تقول كضربت، وكذلك جميع هذا .
واعلم
أن ضمير المرفوع التاء. يقول المتكلم إذا عنى نفسه ذكرا كان أو أثنى: قمت، وذهبت.
وإن
عنى غيره كانت التاء على حالها إلا أنها مفتوحة للذكر، ومكسورة للمؤنث. تقول: فعلت يا رجل، وفعلت يا امرأة. فإن
ثنى المتكلم نفسه، أو جمعها بأن يكون معه واحد أو أكثر قال: فلعنا، ولم يجز فعل
نحن ؛ لما ذكرت لك.
وإن
ثنى المخاطب قال: فعلتما، ذكرين كنا أو أثنتين. وقد تقدم تفسير هذا. ولا يجوز:
فَعَلَ أنتما.
فإن
جمع فكان المخاطبون ذكورا قال: فعلتم، ولا يقول: فعل أنتم وإذا كن إناثا قال:
فعلتن، ولا يجوز فعل أنتن.
فإن
خبر عن ذكر كانت علامته في النية، ودلّ عليها ما تقدم من ذكره فقال: زيد قام، وزيد
ذهب.
فإن
ثنى ألحق الألف فقال: أخواك قاما.
وإن
جمع ألحق واوا مكان الألف وقال: إخوتك قاموا، فإذا كان للغائب مؤنثا فكذلك. تقول
في الواحد: هند قامت. التاء علامة التأنيث والضمير في النية، كما كان في المذكر
وإن ثنى ألحق الألف.
بك
للمخاطب وتكسر الكاف للمؤنث.
وتقول
في الغائب: رأيته، ومررت به. ورأيتها، ومررت بها للمؤنث، ورأيتهما، ومررت بهما
للمذكر والمؤنث، ورأيتهم، ومررت بهم للمذكر، ورأيتهن، ومررت بهن للمؤنث، ورأيتكن،
ومررت بكن للمخاطبات، وللمذكر رأيتكم، ومررت بكم.
وكذلك
تقول: هذا الضاربي، الياء في موضع نصب. وهذا الماربي، الياء في موضع خفض.
فأما
قولك: ضربني، وأكرمني فإنما الاسم الياء، وهذه النون زائدة. زادوها عمادا للفعل،
لأن الأفعال لا يدخلها كسر ولا جر. وهذه الياء تكسر ما قبلها.
تقول: هذا غلامي، ورأيت غلامي، فتكسر الميم التي
موضعها مرفوع ومنصوب، فزيدت هذه النون، لتسلم فتحة الفعل في الماضي، وإعرابه في
إعرابه.
وذلك
ضربني، ويضربني، كما تفعل في الخفض إذا أردت سلامة ما قبل الباء.
تقول:
مني وعني، الأن مِنْ، و عنْ لا تحرك نونهما، لأنهما حروف مبنية، وكذلك قطنى، وقدني
وما كان كمثل ذلك.
وإنما
زيدت النون، لأنها تزاد في الأواخر، كالتنوين الذي يلحق الأسماء، والنون الخفية
والثقيلة التي تلحق الأفعال، والنون التي تزاد مع الألف في فعلان، والنون حرف أغن
مضارع حروف المد والين
.
هذا
باب
الإضمار
الذي يلحق الواحد الغائب
وتفسير
أصله، وأين يجوز أن يبدل من الواو التي تلحقها الياء والعلة في ذلك ؟
فالأصل
في هذا الضمير أن تتبع هاءه واو. فالاسم الهاء وحدها، والواو تلحقها لخفاء الهاء.
فإذا وقفت وقفت بالهاء وحدها، لئلا يكون الزاز بمنزلة الحروف الأصلية. وذلك قولك:
رأيته، وأعطيته إذا وقفت.
فإذا
وصلت قلت: أعطيتهو يا رجل، وجاءني غلامهو فاعلم، ورأيت غلامهو يا فتى، ومررت
بغلامهو، ومررت بهو، و " فخسفنا بهو وبدارهو الأرض " ، وعليهو مال، وهذه
عصاهو يافتى، وهذا أخوهو فاعلم.
هذا
الأصل في هذا كله
.
فإن
كان قبل هذه الهاء ياءٌ أو كسرة، كان الأحسن أن تبدل من ضمتها كسرة، لاستثقالهم
الضمة بعد الياء، والكسرة، ومن الواو ياء.
وإن
جئت بها على الأصل كما بدأنا به فعربي جيد .
فأما
ما كانت قبلها كسرة فنحو: مررت بهى يا فتى، ونزلت في دارهى يا هذا، ونحو ذلك ،
وأما ما كان بالياء فإنما يصلح إذا كانت الياء ساكنة، نحو نزلت عليهى يا فتى،
وذهبت إليهى يا رجل.
وإن
شئت حذفت التي بعد الهاء، لسكونها وسكون الياء، لأن الهاء التي بينهما حاجز ليس
بحصين. فتقول: نزلت عليه يا فتى، وذهبت إليه فاعلم.
وكذلك
تفعل بما كان مثله نحو قوله عز وجل " فألقى موسى عصاه " ، لأن هذا يشبه
بالتقاء الساكنين، لخفاء الهاء.
فإن
كانت الياء متحركة لم يكن ذلك، لأن الحركة حاجزة بينهما. تقول: رأيت قاضيهو يا
فتى، وكلمت غازيهو فاعلم.
فإن
كانت هذه الهاء لمؤنث لزمتها الألف والفتحة، للفصل بين المؤنث والمذكر، وجرى ذلك
في الوقف مجراه في الوصل، لخفة الفتحة والألف، كما أنك تقول: رأيت زيدا في النصب،
وتقف في الرفع والخفض بغير واو ولا ياءٍ، ذولك قولك: رأيتها، وضربتها، وهذا غازيها، ورأيت قاضيها.
هذا
باب
ما
يختار فيه حذف الواو والياء من هذه الهاءاتاعلم أنه إذا كان قبل هاء المذكر ياءٌ ساكنة،
أو واو ساكنة، أو ألف كان الذي يختار حذف الواو والياء بعدها.
وذلك
؛ لأن قبلها حرف لين، وهي خفية، وبعدها حرف لين، فكرهوا اجتماع حرفين ساكنين
كلاهما حرف لين ليس بينهما إلا حرف خفى، مخرجه مخرج الألف وهي إحدى هذه الثلاث.
وذلك
قوله " فألقى موسى عصاه " " وعليه ما حمل " وفيه بصائر ورأيت
قفاه يافتى.
وإن
أتممت فعربى حسن، وهو الأصل، وهو الاختيار، لما ذكرت لك. فإن كا قبل الهاء حرف
ساكن ليس من هذه الحروف، فإن سيبويه والخليل يختاران الإتمام.
والحذف
عندى أحسن. وذلك قوله " منه آياتٌ محكماتٌ " ، ومن لدنه يا فتى، في إلا ....
وسيبويه،
والخليل يختازان إتمام الواو، لما ذكرت لك، فالإتمام عندهما أجود، لأنها قد خرجت
من حروف اللين تقول رأيت ... يا فتى.
واعلم
أن الشعراء يضطرون فيحذفون هذه الياء والواو، ويبقون الحركة، لأنها ليست بأصل كما
يحذفون سائر الزوائد. فمن ذلك قول الشاعر:
فإن
يك غثاً أو سمينا فإنني ... سأجعل عينيهي لنفسه مقنعا
وقال
الآخر:
وما
له من مجدٍ قديم ولا له ... من الريح حظٌ لا الجنوب، ولا الصبا
وقال:
له
زجلٌ كأنه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير
وهذا
كثير في الشعر جدا.
وقد
اضطر الشاعر أشد من هذه الضرورة، فحذف الحركة مع الحرف، وكان ذلك جائزا؛ لأنها
زيادة. وهو قوله:
فظلت
لدى البيت العتيق أريغه ... ومطواى مشتاقان له أرقان
هذا
باب
إضمار
جمع المذكراعلم أن حد الإضمار أن يكون كافا، وميما، وواوا إذا كان المخاطبون
مذكرين.
فتقول:
ضربتكمو ياقوم، ورأيتكمو المنطلقين.
وإنما
كانت الواو لهذا لازمة، لأن التثنية رأيتكما، وإذا لزمت التثنية الألف لزمت الجمع
الواو كقولك: مسلمان، ومسلمون.
ولكنك
تحذف إن شئت هذه الواو استخفافا - فتقول: رأيتكهم، زضربتكم.
وإنما
كان ذلك، لأن التثنية تلزمها الألف، فلا يكون ها هنا التباس.
فإن
قال قائل: فلم لم تحذف الألف من الاثنين، وتبقى الواو في الجمع ؟ قيل: لما تقدم
ذكره من خفة الفتحة والألف.
ألا
ترى أنك تقول في المؤنث: مررت بها، فلا تقف إلا بالألف، وفي وقف المذكر: مررت به، ورأيته، بغير ياء ولا واو، كما
وصفت لك في قولك: مررت بزيد، ورأيت زيدا.
فإن
قال قائل: فما بالكم إذا قلتكم: رأيتكم حذفتم الواو، ولم تثبتوا الحركة ؟ قيل: لأن
الضمة في الاستثقال مع هذا كالواو، وإنما بقيت الحركة في الواحد في قوله: "
منه آياتٌ محكماتٌ " و " عليه ما حمل " ، لأن ما قبل الهاء ساكن
فلم يجوز إسكانها، فيلتقى ساكنان.
وإن
خبرت عن جماعة مخاطبين أنهم فعلوا فحقه أن يقال: فعلتمو، وذهبتمو، كما يقال
للاثنين: فعلتما.
وأما
الكاف في ضربتكم فإنما جاءت، لأنها ضمير المتصوب والمخفوض ثم لحقها زيادة للجمع.
ألا
ترى أنك تقول ضربتك، وضربتكتما، وضربتكمو.
وتقول:
إذا كانوا فاعلين، ضربت، ضربتما، وضربتموه.
وتقول
ضربتم بغير واو ولما أخبرتك في أول باب، فهذا ذاك بعينه.
فإن
كان المذكرون غيابا وضعت الهاء مكان الكاف إذا كانوا منصوبين، أو مخفوضين.
تقول:
رأيتهمو يا فتى، ومررت بهمو فاعلم.
ويجوز
الحذف، ويكون حسنا يختاره أكثر الناس، كما كان في المخاطبين، إلا أنه يجوز الهاء
أن تكسر إذا كان قبلها كسرة، أو ياء.
فتقول:
مررت بهمى، وتزلت عليهمى.
ومن
حذف قال: مررت بهم، ونزلت عليهم.
وإنما
جاز هذا في الهاء، لخفائها كما ذكرت لك في الواحد، ومنهم من يكسر الهاء لخفائها ويدع
ما بعدها مضموما لأنه ليس من الحروف الخفية. فيقول: مررت بهمو، والإتباع أحسن وهو
أن يقول: مررت بهمى، ونزلت عليهمى.
وناس
من بكر بن وائل يجرون الكاف مجرى الهاء، إذا كانت مهموسة مثلها وكانت علامة إضمار
كالهاء.
وذلك
غلط منهم فاحش، لأنها لم تشببها في الخفاء الذي من أجله جاز ذلك في الهاء.
وإنما
ينبغي أن يجرى الحرف مجرى غيره إذا أشبههه في علته، فيقولون: مررت بكم، وينشدون
هذا البيت:
وإن
قال مولاهم على جل حادثٍ ... من الدهر ردوا فضل أحلامكم ردوا
وهذا
خطأ عند أهل النظر مردود.
واعلم
أن المذكر الواحد لا تظهر له علامة في الفعل. وذلك قولك: زيد قام، وإنما ضميره في
النية.
وإنما
كان للمخاطب علامة الجهة حرف المخاطبة.
فإن
ثنيت الغائب ألحقته ألفا فقلت: فَعَلا، وإن جمعته ألحقت واوا فقلت: فَعَلُوا، لأن الألف إذا لحقت في التثنية
لحقت الواو في الجمع.
فأما
يفعلون وما كان مثله فإنا أخرنا ذكره حتى نذكره في إعراب الأفعال.
واعلم
أن المؤنث يجرى فيما ذكرنا مجرى المذكر، إلا أن علامة المؤنث المخاطب أن يلحقه
الكسرة، لأن الكسرة مما تؤنث.
وجمع
المؤنث بالنون مكان الميم.
فكل
موضع لآ تكون علامة المذكر فيه واوا في الأصل فالنون للمؤنث قفيه مضاعفة. ليكون
الحرفان بإزاء الحرفين.
وكل
موضع علامة المذكر فيه الواو وحدها فنون المؤنث فيه مفردة.
وتقول
فيما كان لمؤنث: ضربتن وقلتن وقلت للمذكرين: ضربتمو وقلتمو، في المفعول: ضربتكن
كما تقول: ضربتكمو، وأكرمتكمو.
والموضع
الذي تكون فيه مفردة ضربن كما تقول للمذكرين: ضربوا، وأكرموا فلا تلحق إلا واوا
واحدة.
فإن
قلت: فما بال الواو ساكنة، ونون جمع المؤنث متحركة ؟ قيل: نون التأنيث أصلها
السكون، ولكنها حركمت لا لتقاء الساكنين، لأن ما قبلها لا يكون إلا ساكنا.
فإن
قيل: فلم فتحت ؟ فالجواب في ذلك أنه نون جمع فحملت على نظيرها.
ومن
قال: قمتم، وضربتم لم يحذف إحدى النونين، لأنها إنما تحذف ها هنا استثقالا للضمة،
والواو، ولولا ذلك لكان الأصل إثابتها، وإنما هي في المؤنث نون مدغمة، فإذا أدغمت
الحرف في الحرف رفعت لسانك رفعةً واحدة .
/الجزء
الثاني
بسم
الله الرحمن الرحيم
هذا
باب
إعراب
الأفعال المضارعة
وكيف
صار الإعراب فيها دون سائر الأفعال؟
اعلم
أن الأفعال إنما دخلها الإعراب لمضارعتها الأسماء، ولولا ذلك لم يجب أن يعرب منها
شيء.
و
ذلك أن الأسماء هي المعربة. وما كان غير الأسماء فمآله لها، وهي الأفعال، و الحروف.
و
إنما ضارع الأسماء من الأفعال ما دخلت عليه زائدةٌ من الزوائد الأربع التي توجب
الفعل غير ماض، ولكنه يصلح لوقتين: لما أنت فيه، ولما لم يقع.
و
الزوائد: الألف. وهي علامة المتكلم، وحقها أن يقال: همزة.
و
الياء: وهي علامة الغائب.
و
التاء: وهي علامة المخاطب، وعلامة الأنثى الغائبة.
و
النون، وهي للمتكلم إذا كان معه غيره. وذلك قولك: أفعل أنا، وتفعل أنت أو هي،
ونفعل نحن، ويفعل هو.
و
إنما قيل لها مضارعة؛ لأنها تقع مواقع الأسماء في المعنى. تقول: زيد يقوم، وزيد
قائم، فيكون المعنى فيهما واحداً؛ كما قال عز وجل: " و إن ربك ليحكم بينهم
" أي لحاكمٌ.
و
تقول: زيد يأكل، فيصلح أن يكون في حال أكل، وأن يأكل فيما يستقبل؛ كما تقول: زيد
آكلٌ. أي في حال أكل، وزيد آكلٌ غداً. وتلحقها الزوائد لمعنى؛ كما تلحق الأسماء الألف
واللام للتعريف؛ وذلك قولك: سيفعل، وسوف يفعل، وتلحقها اللام في إن زيداً ليفعل في معنى لفاعل.
فالأفعال
ثلاثة أصناف: منها هذا المضارع الذي ذكرناه، وفعل وما كان في معناه لما مضى،
وقولك: افعل في الأمر. وهذان الصنفان لا يقعان في معاني الأسماء، ولا تلحقهما
الزوائد كما تلحق الأسماء.
فأما
ما كان من ذلك على فعل قلت حروفه أو كثرت إذا أحاط به معنى فعل، نحو: ضرب، وعلم،
وكرم، وحمد، ودحرج، وانطلق، وقتدر، وكلم، واستخرج، واغدودن، واعلوط، وقاتل،
وتقاتل، وكل ما كان في هذا المعنى، وكذلك إن بنيته بناء ما لم يسم فاعله، نحو:
ضرب، ودحرج، واستخرج فهذا كله مبني على الفتح.
و
كان حق كل مبنيٍ أن يسكن آخره، فحرك آخر هذا لمضارعته المعربة، وذلك أنه ينعت به
كما ينعت بها.
تقول:
جاءني رجل ضربنا، كما تقول: هذا رجل يضربنا، وضاربنا.
و
تقع موقع المضارعة في الجزاء في قولك: إن فعلت فعلت، فالمعنى: إن تفعل أفعل. فلم
يسكنوها كما لم يسكنوا من الأسماء ما ضارع المتمكن، ولا ما جعل من المتمكن في موضع
بمنزلة غير المتمكن.
فالمضارع
من الأسماء: من عل يا فتى لم يسكنوا اللام، لأنه في النكرة من عل يا فتى.
و
المتمكن الذي جعل في موضع بمنزلة غير المتمكن قولهم: ابدأ بهذا أول ويا حكم.
و
أما الأفعال التي تقع للأمر فلا تضارع المتمكن؛ لأنها لا تقع موقع المضارع، ولا
ينعت بها؛ فلذلك سكن آخرها.
فإن
قال قائل: هي معربة مجزومة؛ لأن معناها الأمر؛ ألا ترى أن قولك: اضرب بمنزلة قولك:
ليضرب زيدٌ في الأمر فقوله ذلك يبطل من وجوه: منها قولك: صه، ومه، وقدك في موضع
الأمر، وكذلك حذار، ونزال، ونحوهما، فقد يقع الشيء في معنى الشيء وليس من جنسه.
و
من الدليل على فساد قوله أن هذه الأفعال المضارعة في الإعراب كالأسماء المتمكنة.
والأسماء إذا دخلت عليها العوامل لم تغير أبنيتها، إنما تحدث فيها الإعراب. وكذلك
هذه الأفعال تلحقها العوامل فتحدث لها الإعراب بالزوائد التي لحقتها، وهي التاء،
والهمزة، والنون، والياء اللواتي في يفعل، وتفعل، ونفعل، وأفعل.
فإذا
قلت افعل في الأمر لم تلحقها عاملاً؛ ولم تقررها على لفظها؛ ألا ترى أن الجوازم
إذا لحقتها لم تغير اللفظ نحو قولك: لم يضرب زيد وإن تذهب أذهب، وكذلك ليذهب زيد،
ولا يذهب عبد الله، فإنما يلحقها العامل وحروف المضارعة فيها.
و
أنت إذا قلت: اذهب فليس فيها عامل، ولا فيها شيءٌ من حروف المضارعة.
فإن
قال قائل: الإضمار يعمل فبها. قيل: هذا فاسد من وجهين: أحدهما: أن الفعل لا يعمل
فيه الإضمار إلا أن يعوض من العامل.
و
الثاني: أنه لو كان ينجزم بجازم مضمر لكان حرف المضارعة فيه الذي به يجب الإعراب،
لأن المضمر كالظاهر.
ألا
ترى أنك لو أردت إضمار لم وكان هذا مما يجوز من قولك: لم يضرب، فحذفت لم، لبقيت
يضرب على لفظها ومعها لم.
فإن
قال قائل: فلم بناه على مقدار المضارعة؛ نحو: اضرب، وانطلق فقد كسرت كما تقول:
يضرب وينطلق. وكذلك اقتل كما تقول: يقتل؟ قيل: إنما لحقت هذه البنية؛ لأنه لما لم
يقع، وكذلك صورة ما لم يقع. فهذا احتجاج مغن، وفيه ما هو أكثر من هذا.
هذا
باب
تجريد
إعراب الأفعالاعلم أن هذه الأفعال المضارعة ترتفع بوقوعها مواقع الأسماء، مرفوعةً
كانت الأسماء أو منصوبةً أو مخفوضةً. فوقوعها مواقع الأسماء هو الذي يرفعها. ولا تنتصب
إذا كانت الأسماء في موضع نصب، ولا تنخفض على كل حال، وإن كانت الأسماء في موضع
خفض.
فلها
الرفع؛ لأن ما يعمل في الاسم لا يعمل في الفعل. فهي مرفوعة لما ذكرت لك حتى يدخل
عليها ما ينصبها، أو يجزمها. وتلك عوامل لها خاصة ولا تدخل على الأسماء، كما لا
تدخل عوامل الأسماء عليها. فكلٌّ على حياله.
فأما
ما كان منها في موضع رفع فقولك: يقوم زيد. يقوم في موضع المبتدأ، وكذلك: زيد يقوم
يقوم في موضع الخبر. وإن زيداً يقوم. يقوم في موضع خبر إن.
و
ما كان منها في موضع المنصوب، فنحو: كان زيد يقوم يا فتى، وظننت زيداً يقوم.
و
ما كان في موضع المجرور فنحو: مررت برجل يقوم، ومررت برجل يقوم أبوه.
فإذا
أدخلت على هذه الأفعال السين أو سوف فقد منعتها بها من كل عامل. وسيأتيك هذا
مبيناً في هذا الباب إن شاء الله.
هذا
باب
الحروف
التي تنصب الأفعالفمن هذه الحروف أن، وهي والفعل بمنزلة مصدره، إلا أنه مصدر لا
يقع في الحال. إنما يكون لما يقع إن وقعت على مضارع، ولما مضى إن وقعت على ماضٍ.
فأما
وقوعها على المضارع؛ فنحو: يسرني أن تقوم. المعنى: يسرني قيامك؛ لأن القيام لم يقع. والماضي: يسرني
أن قمت. فأن هي أمكن الحروف في نصب الأفعال. وكان الخليل يقول: لا ينتصب فعلٌ
البتة إلا بأن مضمرةً أو مظهرةً. وليس القول كما قال لما نذكره إن شاء الله.
و
من هذه الحروف لن وهي نفي قولك: سيفعل. تقول: لن يقوم زيد، ولن يذهب عبد الله.
و
لا تتصل بالقسم كما لم يتصل به سيفعل.
و
من هذه الحروف كي، تقول: جئت كي تكرمني، وكي يسرك زيد.
و
منها إذن، تقول: إذن يضربك زيد. فهذه تعمل في الأفعال عمل عوامل الأسماء في
الأسماء إذا قلت: ضربت زيداً، وأشتم عمراً.
و
اعلم أن هاهنا حروفاً تنتصب بعدها الأفعال وليست الناصبة، وإنما أن بعدها مضمرةٌ.
فالفعل منتصب بأن وهذه الحروف عوضٌ منها، ودالةٌ عليها.
فمن
هذه الحروف الفاء، والواو، وأو، وحتى، واللام المكسورة.
فأما
اللام فلها موضعان: أحدهما نفي، والآخر إيجاب. وذلك قوله: جئتك لأكرمك وقوله عز
وجل: " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " . فهذا موضع الإيجاب.
و
موضع النفي: ما كان زيد ليقوم. وكذلك قوله تبارك وتعالى: " ما كان الله ليذر
المؤمنين " " و ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " .
ف
أن بعد هذه اللام مضمرةٌ، وذلك لأن اللام من عوامل الأسماء، وعوامل الأسماء لا
تعمل في الأفعال. ف أن بعدها مضمرةٌ، فإذا أضمرت أن نصبت بها الفعل ودخلت عليها
اللام؛ لأن أن والفعل اسمٌ واحدٌ، كما أنها والفعل مصدرٌ. فالمعنى: جئت لأن أكرمك،
أي: جئت لإكرامك. كقولك: جئت لزيد.
فإن
قلت: ما كنت لأضربك فمعناه: ما كنت لهذا الفعل.
و
أما الفاء. وأو ففيهما معان تفسر على حيالها بعد فراغنا من هذا الباب إن شاء الله.
وكذا حتى، وإذن.
و
كان الخليل يقول: إن أن بعد إذن مضمرةٌ.
و
كذلك لن وإنما هي لا أن ولكنك حذفت الألف من لا. والهمزة من أن وجعلتها حرفاً
واحداً.
و
ليس القول عندي كما قال؛ وذلك أنك تقول: زيداً لن أضرب؛ كما تقول: زيداً سأضرب.
فلو كان هذا كما قال الخليل لفسد هذا الكلام؛ لأن زيداً كان ينتصب بما في صلة أن.
ولكن لن حرف بمنزلة أن.
و
أما كي ففيها قولان: أما من أدخل اللام فقال: لكي تقوم يا فتى فهي عنده والفعل
مصدر؛ كما كان ذلك في أن.
و
أما من لم يدخل عليها اللام فقال: كيمه كما تقول: لمه ف أن عنده بعدها مضمرة؛
لأنها من عوامل الأسماء كاللام.
هذا
باب
إذناعلم
أن إذن في عوامل الأفعال كظننت في عوامل الأسماء، لأنها تعمل وتلغى كظننت؛ ألا ترى
أنك تقول: ظننت زيداً قائماً؛ وزيدٌ ظننت قائمٌ. إذا أردت زيدٌ قائم في ظني، وكذلك
إذن إذا اعتمد الكلام عليها نصب بها. وإن كانت بين كلامين أحدهما في الآخر عاملٌ
ألغيت ولا يجوز أن تعمل في هذا الموضع، كما تعمل ظننت إذا قلت: زيداً ظننت قائماً؛
لأن عوامل الأفعال لا يجوز فيها التقديم والتأخير؛ لأنها لا تصرف.
فأما
الموضع الذي تكون فيه مبتدأة وذلك قولك إذا قال لك قائل: أنا أكرمك قلت: إذن
أجزيك. وكذلك إن قال: انطلق زيد قلت: إذن ينطلق عمرو، ومثله قول الضبي:
اردد
حمارك لا تنتزع سويته ... إذن يرد وقيد العير مكروب
و
الموضع الذي لا تكون فيه عاملةً البتة قولك: إن تأتني إذن آتك؛ لأنها داخلة بين
عامل ومعمول فيه.
و
كذلك أنا إذن أكرمك.
و
كذلك إن كانت في القسم بين المقسم به والمقسم عليه؛ نحو قولك: والله إذن لا أكرمك.
لأن الكلام معتمدٌ على القسم. فإن قدمتها كان الكلام معتمداً عليها. فكان القسم
لغواً؛ نحو: إذن والله أضربك؛ لأنك تريد: إذن أضربك والله.
فالذي
تلغيه لا يكون مقدماً؛ إنما يكون في أضعاف الكلام؛ ألا ترى أنك لا تقول: ظننت زيد
منطلق؛ لأنك إذا قدمت الظن فإنما تبني كلامك على الشك.
و
إنما جاز أن تفصل بالقسم بين إذن وما عملت فيه من بين سائر حروف الأفعال لتصرفها،
وأنها تستعمل وتلغى، وتدخل للابتداء، ولذلك شبهت بظننت من عوامل الأسماء.
و
اعلم أنها إذا وقعت بعد واو أو فاءٍ، صلح الإعمال فيها والإلغاء، لما أذكره لك
وذلك قولك: إن تأتني آتك وإذن أكرمك. إن شئت رفعت،و إن شئت نصبت. وإن شئت جزمت.
أما
الجزم فعلى العطف على آتك وإلغاء إذن. والنصب على إعمال إذن. والرفع على قولك:
وأنا أكرمك، ثم أدخلت إذن بين الابتداء والفعل فلم تعمل شيئاً.
و
هذه الآية في مصحف ابن مسعود " و إذن لا يلبثوا خلفك " الفعل فيها منصوب
بإذن والتقدير والله أعلم الاتصال بإذن، وإن رفع فعلى أن الثاني محمول على الأول
كما قال الله عز وجل: " فإذا لا يؤتون الناس نقيراً " أي فهم إذن كذلك.
فالفاء
والواو يصلح بعدهما هذا الإضمار على ما وصفت لك من التقدير، وأن تنقطع إذن بعدهما
مما قبلهما. ثم يدخلان للعطف
بعد أن عملت إذن. ونظير ذلك قولك: إن تعطني أشكرك وإذن أدعو الله لك. كأنه قال:
إذن أدعو الله لك ثم عطف هذه الجملة على ما قبلها؛ لأن الذي قبلها كلامٌ مستغنٍ.
و
قد يجوز أن تقول: إذن أكرمك إذا أخبرت أنك في حال إكرام، لأنها إذا كانت للحال
خرجت من حروف النصب؛ لأن حروف النصب إنما معناهن ما لم يقع. فهذه حال إذن إلى أن
نفرد باباً لمسائلها إن شاء الله.
هذا
باب
الفاء
وما ينتصب بعدهاوما يكون معطوفاً بها على ما قبله
اعلم
أن الفاء عاطفةٌ في الفعل؛ كما تعطف في الأسماء. تقول: أنت تأتيني فتكرمني، وأنا
أزورك فأحسن إليك؛ كما تقول: أنا آتيك ثم أكرمك، وأنا أزورك وأحسن إليك. هذا إذا
كان الثاني داخلاً فيما يدخل فيه الأول. كما تكون الأسماء في قولك: رأيت زيداً
فعمراً، وأتيت الكوفة فالبصرة. فإن خالف الأول الثاني لم يجز أن يحمل عليه فحمل
الأول على معناه فانتصب الثاني بإضمار أن، وذلك قولك: ما تأتيني فتكرمني، وما أزورك
فتحدثني.
إن
أراد: ما أزورك، وما تحدثني كان الرفع لا غير؛ لأن الثاني معطوف على الأول.
و
إن أراد: ما أزورك فكيف تحدثني؟ وما أزورك إلا لم تحدثني، على معنى: كلما زرتك لم
تحدثني كان النصب؛ لأن الثاني على خلاف الأول. وتمثيل نصبه أن يكون المعنى: ما
تكون مني زيارة فيكون حديثٌ منك. فلما ذهبت بالأول إلى الاسم أضمرت أن إذا كنت قد
عطفت اسماً على اسم، لأن أن وما عملت فيه اسم، فالمعنى: لم تكن زيارة فإكرام،
وكذلك كل ما كان غير واجب. وهو الأمر، والنهي، والاستفهام.
فالأمر:
ائتني فأكرمك، وزرني فأعطيك، كما قال الشاعر:
يا
ناق سيري عنقاً فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا
و
النهي مثل لا تأتني فأكرمك، كقوله عز وجل: " لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم
بعذاب " وكقوله عز وجل: " و لا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي " .
و
الاستفهام: أتأتيني فأعطيك؟ لأنه استفهم عن الإتيان، ولم يستفهم عن الإعطاء.
و
إنما يكون إضمار أن إذا خالف الأول الثاني. أو قلت: لا تقم فتضرب زيداً لجزمت إذا
أردت: لا تقم، ولا تضرب زيداً. فإذا أردت: لا تقم فتضرب زيداً، أي فإنك إن قمت
ضربته لم يكن إلا النصب؛ لأنك لم ترد ب تضرب النهي. فصار المعنى: لا يكن منك قيام
فيكون منك ضربٌ لزيد.
و
ذلك أتأتيني فأكرمك؟ المعنى: أيكون هذا منك؟ فإنه متى كان منك كان مني إكرام.
هذا
باب
مسائل
هذا البابو ما يكون فيه معطوفاً أو مبتدأً مرفوعاً
وما
لا يجوز فيه إلا النصب إلا أن يضطر شاعرتقول: ما تأتيني فتحدثني. فالنصب يشتمل على
معنيين يجمعهما أن الثاني مخالف للأول.
فأحد
المعنيين: ما تأتيني إلا لم تحدثني: أي قد يكون منك إتيان ولكن لست تحدثني.
و
المعنى الثاني: لا يكون منك إتيان ولا حديث فاعتباره ما تأتيني محدثاً، وكلما
أتيتني لم تحدثني.
و
الوجه الآخر: ما تأتيني فكيف تحدثني، أي لو أتيتني لحدثتني.
و
أما الرفع فعلى وجهين: أحدهما: ما تأتيني، وما تحدثني، والآخر شريك لأول داخل معه
في النفي.
و
الوجه الثاني أن تقول:ما تأتيني فتحدثني أي ما تأتيني وأنت تحدثني وتكرمني.
و
كذلك ما تعطيني فأشكرك، أي: ما تعطيني وأنا أشكرك على حال. ومثل ذلك في الجزم ألم
أعطك فتشكرني؟ جزم تشكرني بلم ودخلا معاً في الاستفهام. والرفع على قولك: فأنت
تشكرني.
و
لو قلت: ما أنت بصاحبي فأكرمك لكان النصب على قولك: فكيف أكرمك؟ ولم يجز الرفع على
الشركة، لأن الأول اسم فلا يشرك الفعل معه. ولكن لو حملته على فأنا أكرمك على حال
ثم تعطف جملة على جملة لجاز. وعلى هذا قوله:
فما
أنت من قيس فتنبح دونها ... و لا من تميم في الرؤوس الأعاظم
و
لو رفع على أنت تنبح على حال جاز.
و
أما قول الله عز وجل: " لا يقضى عليهم فيموتوا " فهو على قولك: لا
تأتيني، فأعطيك، أي لو تأتيني لأعطيتك. وهو الذي ذكرناه في أحد الوجهين من قولك: ما تأتيني فتحدثني إذا أردت: لو تأتيني
لحدثتني.
و
تقول: كأنك ل تأتنا فتحدثنا إذا أردت الوجه في قولك: محدثاً وهو الذي ذكرناه في ما
تأتيني فتحدثني، أي: كلما أتيتني ل تحدثني، فهو ما تأتيني محدثاً. أي قد يكون منك إتيان
ولا تحديث، كما قال:
كأنك
لم تذبح لأهلك نعجة ... فيصبح ملقىً بالفناء إهابها
و
أما قوله عز وجل: " فإنما يقول له كن فيكون " . النصب هاهنا محال؛ لأنه
لم يجعل فيكون جواباً. هذا خلاف المعنى؛ لأنه ليس هاهنا شرط.إنما المعنى: فإنه يقول له: كن فيكون، وكن حكاية.
و
أما قوله عز وجل: " أن نقول له كن فيكون " فالنصب والرفع.
فأما
النصب فعلى أن تقول: فيكون يا فتى، والرفع على هو يقول فيكون.
و
أما قول الشاعر:
و
ما أنا للشيء الذي ليس نافعي ... و يغضب منه صاحبي بقؤول
فإن
الرفع الوجه؛ لأن يغضب في صلة الذي؛ لأن معناه الذي يغضب منه صاحبي.
وكان
سيبويه يقدم النصب ويثنى بالرفع. وليس القول عند كما قال،لأن المعنى الذي يصح عليه
الكلام إنما يكون بأن يقع يغضب في الصلة كما ذكرت لك.
ومن
أجاز النصب فإنما يجعل يغضب معطوفاً على الشيء، وذلك جائز، ولكنه بعيد. وإنما جاز
لأن الشيء منعوت، فكان تقديره: وما أنا للشيء الذي هذه حاله، ولأن يغضب صاحبي وهو
كلامٌ محمول على معناه؛ لأنه ليس يقول الغضب إنما يقول ما يوجب الغضب. ومثل هذا
يجوز.
تقول:
إنما جاء به طعام زيد، والمعنى إنما جئت من أجله. وكذلك قولك: إنما شفاء زيد
السيف، وإنما تحيته الشتم، أي هذا الذي قد أقامه مقام التحية ومقام الشفاء؛كما قال:
و
خيل قد دلفت لها بخيل ... تحية بينهم ضربٌ وجيع
فهذا
كلام مفهوم وتحقيق لفظه ما ذكرته لك.
و
أما قول الله عز وجل: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرةً
" فهذا هو الوجه؛ لأنه ليس بجواب؛ لأن المعنى في قوله: " ألم تر " إنما هو: انتبه
وانظر. أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا.
و
ليس كقولك: ألم تأت زيداً فيكرمك؛ لأن الإكرام يقع بالإتيان. وليس اخضرار الأرض
واقعاً من أجل رؤيتك.
=2.==========================================
=====================================================================
ج2.
كتاب : المقتضب المبرد
و
كذلك قوله عز وجل: " و ما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر
فيتعلمون " لأنه لم يجعل سبب تعليمهم قوله لا تكفر؛ كما تقول: لا تأتني
فأضربك؛ لأنه يقول: إنك إن أتيتني ضربتك. وقوله: فلا تكفر حكاية عنهم، وقوله:
فيتعلمون ليس متصلاً به. ولو كان كذلك كان لا تكفر فتتعلم يا فتى، ولكن هو محمول
على قوله: " يعلمون الناس السحر " فيتعلمون منهم. لا يصح المعنى إلا على
هذا أو على القطع أي: منهم يتعلمون.
و
أما قول النابغة:
فلا
زال قبرٌ بين بصرى وجاسم ... عليه من الوسمي سحٌّ ووابل
فينبت
حوذانا وعوفا منورا ... سأتبعه من خير ما قال قائل
فإن
الرفع الوجه، لأنه ليس بجواب. إنما هو فذاك ينبت حوذانا.و لو جعله جواباً لقوله:
فلا زال كان وجهاً جيداً.
و
تقول: لا تمددها فتشققها على العطف، فإن أردت الجواب قلت: فتشقها على ما فسرت لك.
وتقول:
أين بيتك فأزورك؟ فإن أردت أن تجعله جواباً نصبت، وإن أردت أن تجعل الزيارة واقعة
على حال قلت: أين بيتك فأنا أزورك على حال.
و
تقول في الجزاء: من يأتني فيكرمني أعطه، لا يكون إلا ذلك؛ لأن الكلام معطوف على ما
قبله.
فإن
قلت: من يأتني آته فأكرمه كان الجزم الوجه، والرفع جائز على القطع على قولك: فأنا
أكرمه.
و
يجوز النصب وإن كان قبيحاً؛ لأن الأول ليس بواجب إلا بوقوع غيره.
و
قد قرئ هذا الحرف على ثلاثة أضرب " يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء "
بالجزم والرفع والنصب.
و
ينشد هذا البيت رفعاً ونصباً؛ لأن الجزم يكسر الشعر وإن كان الوجه، وهو قوله:
و
من يغترب عن قومه لا يزل يرى ... مصارع مظلوم مجرّاً ومسحبا
و
تدفن منه الصالحات وإن يسىء ... يكن ما أساء النار في رأس كبكبا
و
الواو والفاء في هذا سواء.
فأما
قوله:
فقلت
له: قرب ولا تجهدنه ... فيذرك من أخرى القطاة فتزلق
فإنما
هو على العطف فدخل كله في النفي. أراد: ولا يدنك، ولا تزلقن.
و
تقول: إلا تأتني فتكرمني أقعد عنك.
فالجزم
الوجه في فتكرمني، والنصب يجوز من أجل النفي؛ لأن معناه إلا تأتني مكرماً؛ كما
قال: ما تأتيني فتحدثني. أي ما تأتني محدثاً. وعلى هذا ينشد هذا البيت:
و
من لا يقدم رجله مطمئنةٌ ... فيثبتها في مستوى الأرض يزلق
و
اعلم أن الشاعر إذا اضطر جاز له أن ينصب في الواجب والنصب على إضمار أن. يذهب بالأول إلى الاسم على المعنى فيقول:
أنت تأتيني فتكرمني. تريد: أنت يكون منك إتيان فإكرام فهذا لا يجوز في الكلام، وإنما
يجوز في الشعر للضرورة؛ كما يجوز صرف ما لا ينصرف، وتضعيف ما لا يضعف في الكلام.
قال:
سأترك
منزلي لبني تميم ... و ألحق بالعراق فأستريحا
و
قال الشاعر:
لنا
هضبةٌ لا ينزل الذل وسطها ... و يأوي إليها المستجير فيعصما
هذا
إنشاد بعضهم، وهو في الرداءة على ما ذكرت لك. وأكثرهم ينشد: ليعصما وهو الوجه
الجيد.
هذا
باب
الواواعلم
أن الواو في الخبر بمنزلة الفاء، وكذلك كل موضع يعطف فيه ما بعدها على ما قبلها
فيدخل فيما دخل فيه. وذلك قولك: أنت تأتيني وتكرمني، وأنا أزورك، وأعطيك، ولم آتك
وأكرمك، وهل يذهب زيد، ويجيء عمرو؟ إذا استفهمت عنهما جميعاً، وكذلك: أين يذهب
عمرو، وينطلق عبد الله؟ ولا تضربن زيداً، وتشتم عمراً؛ لأن النهي عنهما جميعاً.
فإن
جعلت الثاني جواباً فليس له في جميع الكلام إلا معنى واحد،و هو الجمع بين الشيئين.
وذلك قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن. أي لا يكون منك جمع بين هذين.
فإن
نهاه عن كل واحد منهما على حال: قال لا تأكل السمك وتشرب اللبن؛ لأنه أراد: لا
تأكل السمك على حال ولا تشرب اللبن على حال.
فتمثيله
في الوجه الأول لا يكن منك أكلٌ للسمك، وأن تشرب اللبن.
و
على هذا القول لا يسعني شيءٌ ويعجز عنك لا معنى للرفع في يعجز، لأنه ليس يخبر أن
الأشياء كلها لا تسعه، وأن الأشياء كلها لا تعجز عنه؛ كما قال:
لا
تنه عن خلق وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
أي
لا يجتمع أن تنهي وتأتي مثله. ولو جزم كان المعنى فاسداً.
و
لو قلت بالفاء: لا يسعني شيء فيعجز عنك كان جيداً؛ لأن معناه: لا يسعني شيء إلا لم
يعجز عنك، ولا يسعني عاجزاً عنك هذا تمثيل هذا؛ كما قلت لك في ما تأتيني فتحدثني
أي إلا لم تحدثني، وما تأتيني محدثاً.
فمعنى
الواو الجمع بين الشيئين. ونصبها على إضمار أن؛ كما كان في الفاء. وتنصب في كل موضع
تنصب فيه الفاء؛ ألا ترى أن قولك: زرني وأزورك، إنما هو لتكن منك زيارة، وزيارة
مني.
و
لو أراد الأمر في الثاني لقال: زرني ولأزرك. حتى يكون الأمر جارياً عليهما.
و
النحويون ينشدون هذا البيت على ضربين، وهو قول الشاعر:
لقد
كان في حول ثواءٍ ثويته ... تقضى لباناتٌ ويسأم سائم
فيرفع
يسأم لأنه عطفه على فعل وهو تقضى فلا يكون إلا رفعاً.
و
من قال: تقضى لبانات قال: ويسأم سائم؛ لأن تقضى اسمٌ، فلم يجز أن تعطف عليه فعلاً.
فأضمر أن ليجري المصدر على المصدر، فصار: تقضى لبانات وأن يسأم سائم: أي وسآمة
سائم. وعلى هذا ينشد هذا البيت:
للبس
عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف
أي:
وأن تقر عيني.
فأما
قوله:
ألم
أك جاركم ويكون بيني ... و بينكم المودة والإخاء
فإنه
أراد: ألم يجتمع كون هذا منكم، وكون هذا مني؟! و لو أراد الإفراد فيهما لم يكن إلا
مجزوماً. كأنه قال: ألم يكن بيني وبينكم.
و
الآية تقرأ على وجهين " و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين
" على ما ذكرت لك.
هذا
باب
أوو
هي تكون للعطف فتجري ما بعدها على ما قبلها؛ كما كان ذلك في الاسم إذا قلت: ضربت
زيداً أو عمراً.
و
يكون مضمراً بعدها أن إذا كان المعنى: إلا أن يكون، وحتى يكون، وذلك قولك: أنت تضرب زيداً، أو تكرم عمراً على العطف.
وقال الله عز وجل: " ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون
" أي يكون هذا، أو يكون هذا.
فأما
الموضع الذي تنصب فيه بإضمار أن فقولك: لألزمنك أو تقضيني؛ أي؛ إلا أن تقضيني،
وحتى تقضيني.
و
في مصحف أبي " تقاتلونهم أو يسلموا " على معنى إلا أن يسلموا، وحتى
يسلموا.
و
قال امرؤ القيس:
فقلت
له: لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
أي:
إلا أن نموت.
و
قال زيادٌ الأعجم:
و
كنت إذا غمزت قناة قومٍ ... كسرت كعوبها أو تستقيما
و
يقال: أتجلس أو تقوم يا فتى؟ كالمعنى: أيكون منك واحدٌ من الأمرين.
و
تقول: هل تكلمنا أو تنبسط إلينا. لا معنى للنصب هاهنا. قال الله عز وجل: " هل
يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون " .
فجملة
هذا: أن كل موضع تصلح فيه حتى، وإلا أن فالنصب فيه جائزٌ جيد إذا أردت هذا المعنى،
والعطف على ما قبله مستعملٌ في كل موضع.
هذا
باب
أناعلم
أن أن والفعل بمنزلة المصدر. وهي تقع على الأفعال المضارعة فتنصبها، وهي صلاتها.
ولا تقع مع الفعل حالاً؛ لأنها لما لم يقع في الحال، ولكن لما يستقبل.
فإن
وقعت على الماضي؛ نحو: سرني أن قمت، وساءني أن خرجت كان جيداً. قال الله عز وجل:
" و امرأة مؤمنةً أن وهبت نفسها للنبي " :أي لأن كان هذا فيما مضى.
فهذا
كله لا يلحق الحال؛ لأن الحال لما أنت فيه.
و
اعلم أن هذه لا تلحق بعد كل فعل، إنما تلحق إذا كانت لما لم يقع بعد ما يكون
توقعاً لا يقيناً؛ لأن اليقين ثابت. وذلك قولك: أرجو أن تقوم يا فتى، وأخاف أن
تذهب يا فتى. كما قال: عز وجل: " نخشى أن تصيبنا دائرةٌ " .
و
لو قلت: أعلم أن تقوم يا فتى لم يجز؛ لأن هذا شيء ثابت في علمك،فهذا من مواضع أن
الثقيلة؛ نحو: أعلم أنك تقوم يا فتى.
و
تقول: أظن أنك ستقوم؛ لأنه شيءٌ قد استقر في ظنك؛ كما استقر الآخر في علمك، كما
قال الله تبارك اسمه: " الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم " .
فإن
قيل: إن يظنون هاهنا يوقنون. فهكذا هو، ولكنها في الثبات في الظن وفي إعمالها على
الوجه الآخر. إلا أنها إذا أرد بها العلم لم تكن إلا مثقلة. فإن أريد بها الشك جاز الأمران جميعاً. والتثقيل
في الشك أكثر استعمالاً؛ لثباته في الظن كثبات الأخرى في العلم.
فأما
الوجه الذي يجوز فيه الخفيفة فإنه متوقع غير ثابت المعرفة. قال الله عز وجل:
" تظن أن يفعل بها فاقرةٌ " .
و
أما " إن ظنا أن يقيما حدود الله " وقولهم: معناه: أيقنا فإنما هو شيء متوقع،
الأغلب فيه ذا، إلا أنه علم ثابت؛ ألا تراه قال: " فظنوا أنهم مواقعوها
" لما كان أيقنوا.
و
اعلم أن لا إذا دخلت على أن جاز أن تريد ب أن الثقيلة، وأن تريد الخفيفة.
فإن
أردت الثقيلة رفعت ما بعدها؛ لأنه لا يحذف منها التثقيل إلا مع الإضمار. وهذا لك في باب إن وأن. وإنما تقع الخفيفة
والثقيلة على ما قبلها من الأفعال ولا يجوز الإضمار إلا أن تأتي بعوض.
و
العوض: لا، أو السين، أو سوف، أو نحو ذلك مما يلحق الأفعال.
فأما
لا وحدها فإنه يجوز أن تريد ب أن التي قبلها الخفيفة، وتنصب ما بعدها؛ لأن لا لا
تفصل بين العامل والمعمول به، تقول: مررت برجل لا قائم ولا قاعد؛ كما تقول: مررت
برجل قائم، وقاعد. وذلك قولك: أخاف ألا تذهب يا فتى، وأظن ألا تقوم يا فتى؛ كما
قال: " إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " .
و
في ظننت وبابها تكون الخفيفة والثقيلة كما وصفت لك. قال الله عز وجل: " و حسبوا
أن لا تكون فتنةٌ " وأن لا يكون فالرفع على: أنها لا تكون فتنة. وكذلك " أفلا يرون أن لا يرجع إليهم
قولاً " : أي أنه لا يرجع إليهم قولاً. لا يرون في معنى يعلمون، فهو واقع ثابت.
فأما
السين وسوف، فلا يكون قبلهما إلا المثقلة. تقول: علمت أن سيقومون، وظننت أن
سيذهبون، وأن سوف تقومون؛ كما قال: " علم أن سيكون منكم مرضى " . ولا
يجوز أن تلغى من العمل والعمل كما وصفت لك.
و
لا يجوز ذلك في السين وسوف؛ لأنهما لا يلحقان على معنى لا، فإنما الكلام بعد لا
على قدر الفصل. قال: " لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرن " . ف يعلم
منصوبةٌ، ولا يكون إلا ذلك؛ لأن لا زائدة. وإنما هو لأن يعلم. وقوله: " أن لا
يقدرون " إنما هو: أنهم لا يقدرون. وهي في بعض المصاحف " أنهم لا يقدرون " .
هذا
باب الفعل بعد أن وانقطاع الآخر من الأول اعلم أنك إذا أردت بالثاني ما أردت
بالأول من الإجراء على الحرف لم يكن إلا منسوقاً عليه. تقول: أريد أن تقوم فتضرب
زيداً، وأريد أن تأتيني وتكرمني، وأريد أن تجلس ثم تتحدث يا فتى.
فإذا
كان الثاني خارجاً عن معنى الأول كان مقطوعاً مستأنفاً، وذلك قولك: أريد أن تأتيني
فتقعد عني؟ وأريد أن تكرم زيداً فتهينه؟! فالمعنى: أنه لم يرد الإهانة. إنما أراد الإكرام.
فكأنه في التمثيل: أريد أن تكرم زيداً فإذا أنت تهينه، وأريد أن تأتيني فإذا أنت
تقعد عني، كما قال:
و
الشعر لا يضبطه من يظلمه
إذا
ارتقى فيه لا يعلمه
زلت
به إلى الحضيض قدمه
يريد
أن يعربه فيعجمه
أي:
فإذا هو يعجمه. أي: فإذا هو هذه حاله. فعلى هذا يجري في هذا الباب.
و
لو قال قائل: أريد أن تأتيني وأنت تكرمني، أي: أريد أن تأتيني وهذه حالك لجاز.
و
تقول: أريد أن تتكلم بخير أو تسكت يا فتى. فالنصب على وجهين: أحدهما: أريد ذا أو
ذا.
و
الوجه الآخر: أن يكون حتى تسكت، كما تقول: لأجلسن معك أو تنصرف يا فتى. على قولك:
حتى تنصرف.
فأما
قوله عز وجل: " وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل
رسولاً " فإن النحويين يزعمون أن الكلام ليس محمولاً على أن يكلمه الله، ولو
كان يرسل محمولاً على ذلك لبطل المعنى؛ لأنه كان يكون ما كان لبشر أن يكلمه الله
أو يرسل، أي ما كان لبشر أن يرسل الله إليه رسولاً. فهذا لا يكون. ولكن المعنى والله أعلم ما كان لبشر
أن يكلمه الله إلا وحياً، أي: إلا أن يوحي، أو يرسل، فهو محمول على قوله وحياً،
أي: إلا وحياً، أو إرسالاً.
و
أهل المدينة يقرؤون أو يرسل رسولاً يريدون: أو هو يرسل رسولاً، أي فهذا كلامه
إياهم على ما يؤديه الوحي والرسول.
و
أما قوله " لنبين لكم ونقر في الأرحام " . على ما قبله، وتمثيله: ونحن
نقر في الأرحام ما نشاء.
و
أما قوله " و لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة " فيقرأ رفعاً ونصباً.
فأما
النصب فعلى قوله " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول
للناس " أي ما كان له أن يقول للناس ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة.
و
من قرأ يأمركم فإنما أراد: ولا يأمركم الله، وقطعه من الأول.
فالمعنيان
جميعاً جيدان يرجعان إلى شيءٍ واحد إذا حصلا.
و
لو قال قائل: أريد أن تأتيني ثم تحسن إلي، لكان معناه: أريد إتيانك ثم قد استقر
عندي أنك تحسن إلي. أي فهذا عندك معلوم عندي. والتقدير في العربية: أريد أن تأتيني ثم أنت تحسن إلي.
و
تقول: أمرته أن يقوم يا فتى. فالمعنى: أمرته بأن يقوم، إلا أنك حذفت حرف الخفض.
وحذفه مع أن جيد.
و
إذا كان المصدر على وجهه جاز الحذف، ولم يكن كحسنه مع أن؛ لأنها وصلتها اسمٌ. فقد
صار الحرف والفعل والفاعل اسماً. وإن اتصل به شيءٌ صار معه في الصلة. فإذا طال
الكلام احتمل الحذف.
فأما
المصدر غير أن فنحو: أمرتك الخير يا فتى؛ كما قال الشاعر:
أمرتك
الخير فافعل ما أمرت به
... فقد
تركتك ذا مال واذا نشب
فهذا
يصلح على المجاز. وأما أن فالأحسن فيها الحذف؛ كما قال الله عز وجل: " و قضى
ربك أن ألا تعبدوا إلا إياه " ومعنى قضى هاهنا: أمر.
و
أما قوله: " و أمرت لأن أكون " فإنما حمل الفعل على المصدر، فالمعنى
والله أعلم : أوقع إلي هذا الأمر لذا.
و
هذه اللام تدخل على المفعول فلا تغير معناه؛ لأنها لام إضافة، والفعل معها يجري
مجرى مصدره كما يجري المصدر مجراه في الرفع والنصب لما بعده؛ لأن المصدر اسم
الفعل. قال الله عز وجل: " إن كنتم للرؤيا تعبرون " .
و
قال بعض المفسرين في قوله: " قل عسى أن يكون ردف لكم " معناه: ردفكم.
و
تقول: لزيدٍ ضربت، ولعمرو أكرمت إذا قدمت المفعول؛ لتشغل اللام ما وقعت عليه.فإن
أخرته فالأحسن ألا تدخلها،إلا أن يكون المعنى ما قال المفسرون فيكون حسناً، وحذفه
أحسن؛ لأن جميع القرآن عليه.
هذا
باب
حتىاعلم
أن الفعل ينصب بعدها بإضمار أن؛ وذلك لأن حتى من عوامل الأسماء الخافضة لها. تقول: ضربت القوم حتى زيد، ودخلت البلاد
حتى الكوفة، وأكلت السمكة حتى رأسها؛ أي لم أبق منها شيئاً. فعملها الخفض. وتدخل
الثاني فيما دخل فيه الأول من المعنى؛ لأن معناها إذا خفضت كمعناها إذا نسق بها؛
فلذلك خالفت إلى. قال الله عز وجل: " سلامٌ هي حتى مطلع الفجر " .
فإذا
وقعت عوامل الأسماء على الأفعال، لم يستقم وصلها بها إلا على إضمار أن؛ لأن أن
والفعل اسم مصدر، فتكون واقعة على الأسماء. وذلك قولك: أنا أسير حتى تمنعني، وأنا أقف
حتى تطلع الشمس. فإذا نصبت بها على ما وصفت لك كان ذلك على أحد معنيين على كي،
وعلى إلى أن؛ لأن حتى بمنزلة إلى.
فأما
التي بمعنى إلى أن فقولك: أنا أسير حتى تطلع الشمس، وأنا أنام حتى يسمع الأذان.
و
أما الوجه الذي تكون فيه بمنزلة كي فقولك: أطع الله حتى يدخلك الجنة وأنا أكلم
زيداً حتى يأمر لي بشيءٍ.
فكل
ما اعتوره واحد من هذين المعنيين، فالنصب له لازمٌ على ما ذكرت لك.
و
اعلم أن حتى يرتفع الفعل بعدها. وهي حتى التي تقع في الاسم ناسقةً. نحو: ضربت القوم حتى زيداً ضربته ومررت بالقوم
حتى زيدٍ مررت به، وجاءني القوم حتى زيدٌ جاءني. وقد مضى تفسير هذا في باب الأسماء.
فالتي
تنسق ثم تنسق هاهنا؛ كما كان ذلك في الواو والفاء وثم، وجميع حروف العطف.
فالرفع
يقع بعدها على وجهين يرجعان إلى وجه واحد وإن اختلف موضعاهما: و ذلك قولك: سرت حتى أدخلها، أي: كان مني سيرٌ فدخول.
فأنت تخبر أنك في حال دخول اتصل به سيرك؛ كما قال الشاعر:
فإن
المندى رحلةٌ فركوب
فليس
في معنى هذا كي، ولا إلى أن، إنما خبرت بأن هذا كذا وقع منك.
و
الوجه الآخر: أن يكون السبب متقدماً غير متصل بما تخبر عنه، ثم يكون مؤدياً إلى
هذا، كقولك: مرض حتى لا يرجونه، أي: هو الآن كذاك، فهو منقطع من الأول، ووجوده
إنما هو في الحال كما ذكرت لك فيما قبله.
فذلك
قولي: يرجعان إلى شيءٍ واحد. ومثل ذلك مرض حتى يمر به الطائر فيرحمه. أي هو الآن
كذلك.
فمثل
النصب قوله:
سريت
بهم حتى تكل مطيهم ... و حتى الجياد ما يقدن بأرسان
أي:
إلى أن. ومثل الرفع تمام البيت، وهو: حتى الجياد.
و
نظير الرفع في الأسماء قوله:
فيا
عجباً حتى كليبٌ تسبني ... كأن أباها نهشلٌ أو مجاشع
أي:
وحتى كليب هذه حالها؛ كما أن نظير النصب: ضربت القوم حتى زيد في الأسماء لأن
المعنى: ضربت القوم حتى انتهيت إلى هذا الموضع.
هذا
بابمسائل حتى في البابين: النصب، والرفع
تقول:
سرت حتى أدخلها، وتطلع الشمس. إذا أردت معنى إلى أن أدخلها.
فإن
أردت وجه الرفع لم يجز في قولك: حتى تطلع الشمس، لأن طلوع الشمس لم يؤده فعلك.
والصواب أن تقول إذا أردت الرفع: سرت حتى أدخلها، وحتى تطلع الشمس؛ لأن الدخول كان
بعملك، وطلوع الشمس لا يكون بعملك. فالمعنى: سرت حتى أنا في حال دخول، وكان ذلك
السير إلى أن تطلع الشمس.
و
تقول: سرت حتى تطلع الشمس وحتى أدخلها، وإن شئت أدخلها.
و
لو قلت: ما سرت حتى أدخلها لم يجز؛ لأنك لم تخبر بشيءٍ يكون معه الدخول.
فإن
قلت: أقول: ما سرت حتى أدخلها: أي ما سرت وأنا الساعة أدخلها. قيل: ليس هذا معنى
حتى. إنما معناها أن يتصل ما بعدها بما قبلها؛ كما تقول: أكلت السمكة حتى رأسها.
فالرأس قد دخل في الأكل؛ لأن معناها عاملةً ومعناها عاطفةً واحدٌ وإن اختلف
اللفظان.
و
أما قوله عز وجل: " و زلزلوا حتى يقول الرسول " فإنها تقرأ بالنصب
والرفع.
فالرفع
على قوله فإذا الرسول في حال قوله.
و
النصب على معنى إلى أن يقول الرسول.
و
لو قلت: كان سيري حتى أدخلها لم يجز إلا النصب، لأن حتى في موضع خبر. كأنك قلت:
كان سيري إلى هذا الفعل.
و
لو قلت: كان سيري سيراً متعباً حتى أدخلها جاز الرفع والنصب، لأن الخبر قولك:
سيراً متعباً.
و
كذلك كان سيري أمس حتى أدخلها. إن جعلت الخبر حتى وما بعدها لم يكن إلا النصب، وإن
جعلت الخبر في قولك: أمس، كان النصب والرفع على ما وصفت لك.
هذا
باب
الحروف
التي تجزم الأفعالو هي لم ولما، ولا في النهي، واللام في الأمر، وحروف المجازاة
وما اتصل بها على معناها. وذلك قولك: لم يقم عبد الله، ولم يذهب أخوك، ولا تذهب يا
زيد، ولما يقم عبد الله، وليقم زيد.
و
الدعاء يجري مجرى الأمر والنهي. وإنما سمي هذا أمراً ونهياً، وقيل للآخر طلبٌ
للمعنى، فأما اللفظ الواحد. وذلك قولك في الطلب: اللهم اغفر لي، ولا يقطع الله يد زيد.
وليغفر لخالد. فإنما تقول: سألت الله. ولا تقل: أمرت الله. وكذلك لو قلت للخليفة:
انظر في أمري، أنصفني لقلت: سألته، ولم تقل: أمرته.
فأما
قولك: اضرب واقتل فمبنيٌّ غير مجزوم لما قد تقدم من شرحنا له، ومن أنه ليس فيه حرف
من حروف المضارعة التي يجب بها الإعراب.
فاللام
في الأمر للغائب ولكل من كان غير مخاطب، نحو قول القائل: قم ولأقم معك. فاللام
جازمة لفعل المتكلم.
و
لو كانت للمخاطب لكان جيداً على الأصل، وإن كان في ذلك أكثر،لاستغنائهم بقولهم:
افعل عن لتفعل. وروي أن رسول الله قرأ: " فبذلك فلتفرحوا " بالتاء.
هذا
باب
المجازاة
وحروفهاو هي تدخل للشرط. ومعنى الشرط: وقوع الشيء لوقوع غيره.
فمن
عواملها من الظروف: أين، ومتى، وأنى، وحيثما.
و
من الأسماء: من، وما، وأي، ومهما.
و
من الحروف التي جاءت لمعنى: إن، وإذما.
و
إنما اشتركت فيها الحروف والظروف والأسماء لاشتمال هذا المعنى على جميعها.
فحرفها
في الأصل إن وهذه كلها دواخل عليها لاجتماعها.
و
كل بابٍ فأصله شيءٌ واحدٌ، ثم تدخل عليه دواخل؛ لاجتماعها في المعنى. وسنذكر إن كيف صارت أحق بالجزاء؟ كما أن
الألف أحق بالاستفهام، وإلا أحق بالاستثناء، والواو أحق بالعطف مفسراً إن شاء الله
في هذا الباب الذي نحن فيه.
فأما
إن فقولك: إن تأتني آتك، وجب الإتيان الثاني بالأول، وإن تكرمني أكرمك، وإن تطع
الله يغفر لك، كقوله عز وجل: " إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " "
وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم " " و إن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم " .
و
المجازاة ب إذما قولك: إذما تأتني آتك؛ كما قال الشاعر:
إذ
ما أنيت على الرسول فقل له ... حقاً عليك إذا اطمأن المجلس
و
لا يكون الجزاء في إذ ولا في حيث بغير ما؛ لأنهما ظرفان يضافان إلى الأفعال. وإذا
زدت على كل واحد منهما ما منعتا الإضافة فعملتا. وهذا في آخر الباب يشرح بأكثر من
هذا الشرح إن شاء الله.
و
أما المجازاة ب من فقوله عز وجل: " و من يتق الله يجعل له مخرجاً "
وقوله: " فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً " .
و
ب ما قوله: " ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها " .
و
ب أين قوله عز وجل: " أينما تكونوا يدرككم الموت " . وقال الشاعر:
أين
تضرب بنا العداة تجدنا ... نصرف العيس نحوها للتلاقي
و
ب أنى قوله:
فأصبحت
أنى تأتها تلتبس بها ... كلا مركبيها تحت رجليك شاجر
و
من حروف المجازاة مهما. وإنما أخرنا ذكرها؛ لأن الخليل زعم أنها ما مكررة، وأبدلت
من الألف الهاء. وما الثانية زائدة على ما الأولى؛ كما تقول: أين وأينما، ومتى
ومتى ما، وإن وإما، وكذلك حروف المجازاة إلا ما كان من حيثما وإذما. فإن ما فيهما
لازمة. لا يكونان للمجازاة إلا بها، كما تقع رب على الأفعال إلا ب ما في قوله:
" ربما يود الذين كفروا " ، ولو حذفت منها ما لم تقع إلا على الأسماء
النكرات، نحو: رب رجل يا فتى.
و
المجازاة ب أي قوله: " أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " .
و
ب متى قول طرفة:
متى
تأتني أصبحك كأساً رويةً ... و إن كنت عنها غانياً فاغن وازدد
و
هذه الحروف كلها هذا مجازها.
فأصل
الجزاء أن تكون أفعاله مضارعةً؛ لأنه يعربها. ولا يعرب إلا المضارع. فإذا قلت: إن
تأتني آتك. ف تأتني مجزومة بإن، وآتك مجزومة بإن وتأتني ونظير ذلك من الأسماء
قولك: زيد منطلق. فزيد مرفوع بالابتداء. والخبر رفع بالابتداء والمبتدأ.
و
لا تكون المجازاة إلا بفعل؛ لأن الجزاء إنما يقع بالفعل، أو بالفاء لأن معنى الفعل
فيها.
فأما
الفعل فقولك: إن تأتني أكرمك، وإن تزرني أزرك.
و
أما الفاء فقولك: إن تأتني فأنا لك شاكر، وإن تقم فهو خير لك.
و
قد يجوز أن تقع الأفعال الماضية في الجزاء على معنى المستقبلة؛ لأن الشرط لا يقع
إلا على فعل لم يقع. فتكون مواضعها مجزومة، وإن لم يتبين فيها الإعراب؛ كما أنك
إذا قلت: جاءني خمسة عشر رجلاً كان موضعه موضع رفع وإن لم يتبين فيه البناء. وكذلك
جاءني من عندك، ومررت بالذي في الدار؛ كل ذلك غير معرب في اللفظ وموضعه موضع
الإعراب.
و
ذلك قولك: إن أتيتني أكرمتك، وإن جئتني جئتك.
فإن
قال قائل: فكيف أزالت الحروف هذه الأفعال عن مواضعها وإنما هي لما مضى في الأصل؟
قيل له: الحروف تفعل ذلك لما تدخل له من المعاني؛ ألا ترى أنك تقول: زيد يذهب يا فتى فيكون لغير الماضي. فإن
قلت: لم يذهب زيد كان ب لم نفياً لما مضى، وصار معناه: لم يذهب زيد أمس، واستحال
لم يذهب زيد غداّ.
و
إنما قلنا: إن إن أصل الجزاء؛ لأنك تجازي بها في كل ضرب منه. تقول: إن تأتني آتك،
وإن تركب حماراً أركبه، ثم تصرفها منه في كل شيء. وليس هكذا سائرها. وسنذكر ذلك
أجمع.
تقول
في من: من يأتني آته، فلا يكون ذلك إلا لما يعقل. فإن أردت بها غير ذلك لم يكن.
فإن
قال قائل: فقد قال الله عز وجل: " و الله خلق كل دابةٍ من ماءٍ فمنهم من يمشي
على بطنه " فهذا لغير الآدميين، وكذلك " و منهم من يمشي على أربع " .
قيل: إنما جاز هذا؛ لأنه قد خلط مع الآدميين
غيرهم بقوله: " والله خلق كل دابةٍ من ماءٍ " ، وإذا اختلط المذكوران
جرى على أحدهما ما هو للآخر إذا كان في مثل معناه، لأن المتكلم يبين به ما في
الآخر وإن كان لفظه مخالفاً. فمن ذلك قول الشاعر:
شراب
ألبانٍ وتمرٍ وإقط
فالتمر
والإقط لا يقال فيهما: شربا، ولكن أدخلهما مع ما يشرب فجرى اللفظ واحداً، والمعنى
أن ذلك يصير إلى بطونهم. ومثله:
يا
ليت زوجك قد غدا ... متقلداً سيفاً ورمحا
لأن
معنى المتقلد: حامل، فلما خلط بينهما جرى عليهما لفظٌ واحد. وعلى هذا أنشدوا بيت
الحطيئة:
سقوا
جارك العيمان لما جفوته ... و قلص عن برد الشراب مشافره
سناماً
ومحضاً أنبتا اللحم فاكتست ... عظام امرىءٍ ما كان يشبع طائره
و
ليس هذا بشيء. إنما الرواية: قروا. والدليل على ذلك أنه بدأ بالسنام فلا يقع إلى
جانب سقوا.
و
قال قوم: بلى كان السنام يذاب في المحض فيشرب. فإن كان كذاك فلا حجة في البيت.
و
ما تكون لغير الآدميين؛ نحو ما تركب أركب، وما تصنع أصنع. فإن قلت: ما يأتني آته
تريد: الناس لم يصلح.
فإن
قيل: فقد قال الله عز وجل: " و السماء وما بناها " . ومعناه: ومن بناها،
وكذلك " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " .
قيل: قد قيل ذلك. والوجه الذي عليه النحويون
غيره، إنما هو والسماء وبنائها، وإلا على أزواجهم أو ملك أيمانهم. فهي مصادر وإن
دلت على غيرها ممن يملك.
كقولك:
هذا ملك يمينك، وهذا الثوب نسج اليمن وهذا الدرهم ضرب الأمير. ولو كان على ما
قالوا لكان على وضع النعت في موضع المنعوت لأن ما إنما تكون لذوات غير الآدميين.
ولصفات الآدميين. تقول: من عندك؟ فيقول: زيدٌ. فتقول: ما زيدٌ؟ فيقول: جوادٌ أو بخيلٌ أو نحو ذلك، فإنما
هو لسؤال عن نعت الآدميين. والسؤال عن كل ما يعقل ب من كما قال عز وجل: "
أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض " . ف من لله عز وجل؛ كما قال: "
أمن يجيب المضطر إذا دعاه " وهذا في القرآن أكثر. وقال تبارك اسمه: " و
من عنده لا يستكبرون عن عبادته " . يعني الملائكة. وكذلك في الجن في قوله:
" فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً " فهذا قولي لك: إنها لما
يخاطب ويعقل.
و
من هذه الحروف متى ولا تقع إلا للزمان، نحو: متى تأتني آتك، ومتى خرج زيد؟ في
الاستفهام. فجواب هذا يوم الجمعة وما أشبهه.
و
كذلك أين لا تكون إلا للمكان. وذلك كله مخطور معروف في الجزاء والاستفهام. وحيث
وقع حرف من هذه الحروف.
فأما
إن فإنها ليست باسم ولا فعل، إنما هي حرف، تقع على كل ما وصلته به ، زماناً كان أو
مكاناً أو آدمياً أو غير ذلك. تقول: إن يأتني زيدٌ آته. وإن يقم في مكان كذا وكذا
أقم فيه، وإن تأتني يوم الجمعة آتك فيه.
و
كذلك الألف في الاستفهام. تدخل على كل ضرب منه، وتتخطى ذلك إلى التقرير والتسوية:
فالتقرير: قولك: أما جئتني فأكرمتك. وقوله عز وجل: " أليس في جهنم مثوىً
للمتكبرين
" .
و
التسوية: ليت شعري أقام زيد أم قعد. وقد علمت أزيد في الدار أم عمرو.
فأما
قولنا في إذ وحيث: إن الجزاء لا يكون فيهما إلا بما وما ذكرنا من أنا سنفسره فهذا
موضع تفسيره.
أما
إذ فتنبىء عن زمان ماض، وأسماء الزمان تضاف إلى الأفعال فإذا أضيفت إليها كانت
معها كالشيء الواحد، ومتى جزمتها فصلت منها؛ ألا ترى أنك تقول: جئتك يوم خرج زيدٌ،
وهذا يوم يخرج زيد، و " هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " فلما وصلتها ب ما
جعلتهما شيئاً واحداً فانفصلت من الإضافة فعملت.
و
حيث اسم من أسماء المكان مبهمٌ يفسره ما يضاف إليه. فحيث في المكان كحين في الزمان
فلما ضارعتها أضيفت إلى الجمل، وهي الابتداء والخبر، أو الفعل والفاعل. فلما وصلتها ب ما امتنعت من الإضافة فصارت
ك إذ إذا وصلتها ب ما.
فأما
سائر الحروف التي ذكرنا سواهما فأنت في زيادة ما وتركها مخير. تقول: إن تأتني آتك،
وإما تأتني آتك، وأين تكن أكن، وأينما تكن أكن، وأياً تكرم يكرمك، و " أياما
تدعوا فله الأسماء الحسنى " .
ف
ما تدخل على ضربين:
أحدهما:
أن تكون زائدة للتوكيد فلا يتغير الكلام بها عن عمل ولا معنى. فالتوكيد ما ذكرته في هذه الحروف سوى حيثما وإذما.
واللازم. ما وقع فيهما.
ونظيرهما
قولك: إنما زيد أخوك. منعت ما إن عملها، وكذلك جئتك بعد ما عبد الله قائم، فهذا
خلاف قولك: بعد عبد الله، وكذلك:
أعلاقةً
أم الوليد بعدما ... أفنان رأسك كالثغام المخلس
و
كذلك رب، تقول: رب رجلٍ، ولا تقول: رب يقوم زيد. فإذا ألحقت ما هيأتها للأفعال
فقلت: ربما يقوم زيد، و " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " .
و
كذلك قل تقول: قل رجلٌ يقول ذلك، فإن أدخلت ما امتنعت من الأسماء وصارت للأفعال،
فقلت: قلما يقوم زيد. ومثل هذا كثير.
فأما
إذا فتحتاج إلى الابتداء والجواب. تقول: إذا جاءني زيد أكرمته. وإذا يجيء زيد
أعطيته.
و
إنما منع إذا من أن يجازى بها؛ لأنها مؤقتة وحروف الجزاء مبهمة، ألا ترى أنك إذا
قلت: إن تأتني آتك فأنت لا تدري أيقع منه إتيان أم لا؟ وكذلك من أتاني أتيته. إنما
معناه: إن يأتني واحد من الناس آته.
فإذا
قلت: إذا أتيتني وجب أن يكون الإتيان معلوماً؛ ألا ترى إلى قول الله عز وجل:
" إذا السماء انفطرت " ، و " إذا الشمس كورت " و " إذا
السماء انشقت " أن هذا واقع لا محالة.
و
لا يجوز أن يكون في موضع هذا إن، لأن الله عز وجل يعلم، وإن إنما مخرجها الظن
والتوقع فيما يخبر به المخبر. وليس هذا مثل قوله: " إن ينتهوا يغفر لهم ما قد
سلف " لأن هذا راجع إليهم.
و
تقول: آتيك إذا احمر البسر، ولو قلت: آتيك إن احمر البسر كان محالاً؛ لأنه واقع لا
محالة.
فإن
اضطر الشاعر جاز أن يجازي بها لمضارعتها حروف الجزاء؛ لأنها داخلة على الفعل
وجوابه. ولا بد للفعل الذي يدخل عليه من جواب. فمما جاء ضرورةً قوله:
ترفع
لي خندفٌ والله يرفع لي ... ناراً إذا ما خبت نيرانهم تقد
و
قال الآخر:
إذا
قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضارب
الجيد
ما قال كعب بن زهير:
و
إذا ما تشاء تبعث منها ... مغرب الشمس ناشطاً مذعورا
و
هذه إذا التي تحتاج إلى الجواب.
ول
إذا موضع آخر وهي التي يقال لها: حرف المفاجأة. وذلك قولك: خرجت فإذا زيدٌ، وبينا
أسير فإذا الأسد. فهذه لا تكون ابتداء.و تكون جواباً للجزاء كالفاء. قال الله عز
وجل: " و إن تصبهم سيئةٌ بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون " ، لأن معناها:
قنطوا؛ كما أن قولك: إن تأتني فلك درهم إنما معناه: أعطك درهماً.
هذا
باب مسائل المجازاة وما يجوز فيها وما يمتنع منها تقول: إن تأتني آتك، وإن تأتني
فلك درهم. هذا وجه الجزاء وموضعه. كما قال عز وجل " إن ينتهوا يغفر لهم ما قد
سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين " .
فالأصل
الفعل، والفاء داخلةٌ عليه؛ لأنها تؤدي معناه؛ لأنها لا تقع إلا ومعنى الجزاء فيها
موجود، يقول الرجل: قد أعطيتك درهماً، فتقول: فقد أعطيتك ديناراً. أي من أجل ذاك.
ويقول: لم أغث أمس فتقول: فقد أتاك الغوث اليوم. ونقول: إن أتيتني فلك درهمٌ، لأن معناه: إن تأتني.
ولو قلت: إن أتيتني آتك لصلح؛ كما قال الله عز وجل: " من كان يريد الحياة
الدنيا وزينتها نوف إليهم " ، لأن معناه: من
يكن. وكذلك لو قال: من يأتني أتيته لجاز، والأول أحسن؛ لتباعد هذا عن حرف الجزاء.
وهو جائز؛ كما قال الشاعر:
من
يكدني بسيىءٍ كنت منه ... كالشجا بين حلقه والوريد
و
أعدل الكلام: من أتاني أتيته، كما أن وجه الكلام: من يأتني آته.
و
تقول: من أتاني وتبسط إلي أكرمه؛ لأن من أتاني في موضع من يأتي. لا تقع بعد الجزاء
إلا ومعناها الاستقبال. والأحسن من أتاني وأكرمني أتيته. كما أن الأحسن: من يأتني
ويكرمني آته. فهذه أصولٌ، ثم نذكر بعدها العطف منسقاً، ونكثر في ذلك من المسائل
لنوضح أمره إن شاء الله.
فإذا
قلت: من يأتني آته. ف من هي لهذا الفعل؛ لأنها اسم فلم يدخل معها اسمٌ آخر.
و
لو قلت: إن يأتني آته على غير مذكور قبل كان محالاً؛ لأن الفعل لا فاعل فيه، لأن
إن إنما هي حرف جزاء وليست باسم. وكذلك جميع الحروف.
و
تقول في الاستفهام: من جاءك وأيهم ضربك؟ وما حبسك؟ لأنها أسماء.
فإن
قلت: أحبسك؟ أو هل حبسك؟ لم يكن بدٌ من ذكر الفاعل؛ لأن هذه حروف. فليس في الأفعال
فاعلون.
و
كذلك الظروف التي لا تكون فاعلةً إذا ذكرتها لم يكن بدٌ من ذكر الفاعل معها. ولو
قلت: أين يكن أكن، لم يكن كلاماً حتى تقول: أين يكن زيدٌ أكن.
و
كذلك في الاستفهام إذا قلت: أين يكون زيد؟ ومتى يخرج زيد؟ تعني المذكور. فعلى هذا
يجري ما ذكرت لك.
و
لو قلت: من من يأتني آته. إذا جعلت من الأولى استفهاماً وجعلت الثانية جزاءً كان
جيداً. فتكون الهاء في آته ترجع إلى من التي هي استفهام. وتقديرها: أيهم من أتاني من الناس أتيته، أي: من
أتاني آتٍ هذا الذي أسأل عنه.
و
نظيره: هند من ضربني ضربتها. أي إن ضربني أحد ضربت هندا.
و
تقول: ما من يأتني آته؛ لأن ما حرف نفي والحروف لا يرجع إليها شيء ولا إلى
الأفعال، إنما نفيت بهذا هذه الجملة.
فإن
جعلت ما اسماً وجعلتها استفهاماً أو جزاءً أو في معنى الذي لم يكن بدٌ من راجع
إليها.
فأما
الجزاء فقولك:
ما
تركب أركب. والأحسن ما تركب أركبه نصبت ما بتركب وأضمرت هاءً في تركب.
و
لو قلت: ما تركب أركب لجاز. ولا يكون ذلك إلا على إرادة الهاء؛ لأنه معلق بما
قبله، وذلك في المعنى موجود.
و
في الاستفهام ما حبسك؟ والمعنى : أي شيءٍ حبسك؟ و كذلك: ما أكلته؟ أي: أي شيءٍ
أكلته؟ فإن حذفت الهاء نصبت ما لأنها مفعول بها كقولك: أيهم ضربت؟ كما تقول: زيداً
ضربت.
و
في موضع الذي قوله: ما يسرني يسرك.
و
تقول: من يأتنا نأته
مكرمين له، نصبت مكرمين على الحال والعامل فيها نأته. ولو أردت أن يكون الفعل
الأول عاملاً في الحال لقلت: من يأتنا مكرمين له نأته. تريد من من يأتنا في حال إكرامنا إياه نأته. ولو
أردت أن يكون مكرمين عاملاً فيها نأته وقد قدمتها جاز؛ كما تقول: مسرعاً جاء زيد.
و
نقول في مسائل طوال يمتحن بها المتعلمون " من يأته من إن يأتنا نأته عامدين
تأت يكرمك
" .
إن
رفعت يكرمك فالمسألة جيدة. لأن تقديرها: من يأته زيد يأت في حال إكرامه لك.
والأجود أن تقول: تأته يكرمك، لتشغل الفعل بالمفعول إذ كان خبراً. والحذف جائز وليس بجيد. وقولك: من إن
يأتنا نأته اسم واحد بمنزلة زيد.
و
لو جزمت يكرمك على البدل لم يصلح إن أبدلته من تأت؛ لأن يكرمك لغيرك. فإن جعلته
بدلاً من شيء في الصلة لم يصلح، لخروجه عنها. ولكن لو قلت: إن تأتني أعطك أحسن إليك
جاز وكان حسناً؛ لأن العطية إحسان. فلذلك أبدلته منه. ومثل ذلك قوله عز وجل:
" ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب " ؛ لأن لقي الأثام هو تضعيف
العذاب. وكذلك قول الشاعر:
متىتأتنا
تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا
لأن
الإتيان إلمام؛ كما قال:
إن
على الله أن تبايعا ... تؤخذ كرهاً أو تجيء طائعا
لأن
قوله: تؤخذ أو تجيء بتأويل المبايعة.
و
لو قلت: من يأتنا يسألنا نعطه على البدل لم يجز إلا أن يكون بدل الغلط.كأنك أردت:
من يسألنا نعطه فقلت: من يأتنا غالطاً أو ناسياً ثم ذكرت فاستدركت فوضعت هذا الفعل
في موضع ذلك. ونظيره من الأسماء مررت برجل حمار.
و
تقول: من يأتني من إن يأته الذي هندٌ أخته يأته أعطه فالمعنى: إن يأتني زيد أعطه،
لأن هذا الكلام كله في صلة من.
و
تقول: أي القوم المنطلق آباؤهم إن يأتك الكاسيه ثوباً تكرمه. فتقدير المسألة: أي
القوم إن يأتك أبوه تكرمه، وأي هنا استفهام.
و
تقول: أيهم يأته الشاتم أخاه المعطيه درهماً ينطلق إليه. فمعناه: أيهم يأته زيدٌ
ينطلق إليه. فما ورد عليك من المسائل فقسه على هذا إن شاء الله.
هذا
باب ما يرتفع بين المجزومين وما يمتنع عن ذلك تقول: إن تأتنا تسألنا نعطك. تريد:
إن تأتنا سائلاً، كما قال:
متى
تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
أراد:
متى تأته عاشياً إلى ضوء ناره تجد. وقال الآخر:
ومن
لا يزل يستحمل الناس نفسه ... و لا يغنها يوماً من الدهر يسأم
فقوله: يستحمل الناس نفسه إنما هو خير يزال كأنه
قال: من لا يزل مستحملاً. ولو قلت: من يأتنا ويسألنا نعطه على هذا كان محالاً،
لأنك لا تقول: متى تأته وعاشياً ولا جاءني زيد وراكباً. ولكن إن أضمرت جاز فقلت:
إن تأتنا وتسألنا نعطك. تريد: إن تأتنا وهذه حالك نعطك. والوجه الجيد إن تأتنا
وتسألنا نعطك.
و
تقول: إن تأتنا ثم تسألنا نعطك. لم يجز إلا جزم تسألنا، لأن ثم من حروف العطف. ولا
يستقيم الإضمار هاهنا بعدها. ولو قلت: إن تأتنا ثم تسألنا، تريد: ثم أنت تسألنا
تريد الحال لم يصلح؛ لأن ثم لما بعد؛ ألا ترى أنك تقول: لقيت زيداً وعمرو يتكلم
أي: لقيت زيداً وعمرو هذه حاله: كما قال الله عز وجل: " يغشى طائفةً منكم
وطائفةٌ قد أهمتهم أنفسهم " . أي إذ طائفةٌ في هذه الحالة. ولو وضعت ثم هاهنا
لم يستقم.
و
تقول: من إن يأته زيد يكرمه يعطك في الدار. ف من في موضع الذي، وإن للجزاء ويكرمه
حال معناها مكرماً له. ويعطه جواب الجزاء، وفي الدار خبر من.
و
لو قلت: من يأتني آته أحسن إليه كان جيداً. يكون أحسن إليه حالاً ويكون منقطعاً من
الأول. كأنك لما تم الكلام قلت: أنا أحسن إليه.
و
تقول: من يأتني آته. وأكرمه، ومن يأتني آته فأكرمه، ومن يأتني آته أكرمه. وكذلك جميع حروف العطف التي تقع هاهنا،
وإن شئت قلت: من يأتني آته وأكرمه، أي وأنا أكرمه، وإن شئت على الحال، وإن شئت
فصلته مما قبله، وجعلتها جملة معطوفة معلقة بجملة.
و
تقول في الفاء: من يأتني آته فأكرمه على القطع من الأول وعطف جملة على جملة؛ وكذلك
ثم.
و
إنما جاز الإضمار هاهنا، ولم يجز حيث كانا متوسطين بين الجزاء وجوابه؛ لأن الكلام
قد تم فاحتمل الاستئناف، ولا تكون الحال في ثم ولا الفاء؛ لأنهما لا تكونان إلا
بعد. إلا أن الفاء، والواو يجوز بعدهما النصب على إضمار أن؛ لأن الجزاء غير واجب
آخره إلا بوجوب أوله. وقد تقدم ذكرنا لهذا في باب الفاء والواو.
و
قد قرئ هذا الحرف على ثلاثة أوجه: " يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء "
بالجزم وهو أجودها، ويليه الرفع، ثم النصب. والأمر فيه على ما ذكرت لك.
و
لو قلت: من لا يأتني فيكرمني آته كان النصب جيداً من أجل النفي. وصار كقولك: ما
تأتيني فتكرمني: أي كلما أتيتني لم تكرمني. فموضعه لم تأتني مكرماً، وهاهنا أعني في الجزاء
إلى ذا يرجع إذا قلت: من لا يأتني فيكرمني آته، لأن معناه: من لا يأتني مكرماً.
و
قال:
ومن
لا يقدم رجله مطمئنةً ... فيثبتها في مستوى الأرض يزلق
كأنه
قال: من لا يقدم رجله مثبتاً.
هذا
باب ما يجوز من تقديم جواب الجزاء عليه وما لا يجوز إلا في الشعر اضطراراً أما ما
يجوز في الكلام فنحو: آتيك إن أتيتني، وأزورك إن زرتني. ويقول القائل: أتعطيني
درهماً؟ فأقول: إن جاء زيد. وتقول: أنت ظالمٌ إن فعلت. فإن قلت: آتي من أتاني،
وأصنع ما تصنع لم يكن هاهنا جزاء؛ وذلك أن حروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها.
و
لو قلت: آتي من أتاني، للزمك أن يكون منصوباً بالفعل الذي قبلها. وهذا لا يكون؛
لأن الجزاء منفصل كالاستفهام، ولو قلت: آتيك متى أتيتني، أو أقوم أين قمت على أن تجعل متى
وأين ظرفين لما بعدهما كان جيداً، وكانتا منقطعتين من الفعل الأول، إلا أنك لما
ذكرته سد مسد جواب الجزاء. فإن أردت أن يكونا ظرفين لما قبلهما استحال؛ لأن الجزاء
لا يعمل فيه ما قبله؛ كما لا يعمل هو فيما قبله؛ ألا ترى أنك لا تقول: زيداً إن
تأت يكرمك، ولا زيداً متى تأت تحببه. فإذا كان الفعل ماضياً بعد حرف الجزاء جاز أن
يتقدم الجواب؛ لأن إن لا تعمل في لفظه شيئاً، وإنما هو في موضع الجزاء، فكذلك
جوابه يسد مسد جواب الجزاء.
و
يحسن في الكلام: إن أتيتني لأقومن، وإن لم تأتني لأغضبن.
فسيبويه
يذهب إلى أنه على التقديم والتأخير، كأنه قال: لأغضبن إن لم تأتني ولأقومن إن
أتيتني.
و
الذي قال لا يصلح عندي، لأن الجواب في موضعه فلا يجب أن يقدر لغيره، ألا ترى أنك
تقول: يضرب غلامه زيدٌ؛ لأن زيد في المعنى مقدم؛ لأن حق الفاعل أن يكون قبل
المفعول. ولو قلت: ضرب غلامه زيداً لم يجز، لأن الفاعل في موضعه فلا يجوز أن يقدر
لغيره.
و
لكن القول عندي أن يكون الكلام إذا لم يجز في موضع الجواب مبتدأ على معنى ما يقع
بعد الفاء، فكأنك قدرته وأنت تريد الفاء؛ كما أنك تقول: أعجبني الذي ضرب زيداً،
فإن جعلت الألف واللام في موضع الذي كان صلتها على معنى صلة الذي لا على لفظها.
تقول:
أعجبني الضارب زيداً، لأن الألف واللام للأسماء، فلا يليان ضرب؛ لامتناع ما يكون
للأسماء من الأفعال.
فمن
ذلك قول زهير:
و
إن أتاه خليلٌ يوم مسألة ... يقول: لا غائبٌ ما لي ولا حرم
فقوله:
يقول على إرادة الفاء على ما ذكرت لك.
و
من ذلك قول الله عز وجل: " و أما إن كان من أصحاب اليمين. فسلامٌ لك من أصحاب
اليمين " الفاء لا بدٌ منها في جواب أما، فقد صارت هاهنا جواباً لها، والفاء
وما بعدها يسدان مسد جواب إن.
و
لو كان هذا في الكلام: أما إن كان زيد عندك فله درهم، لكان تقديره: مهما يكن من
شيءٍ فلزيد درهم إن كان عندك؛ لأن أما فيها معنى الجزاء واقع ولا بد من الفاء.
وتقديرها ما ذكرت لك.
ألا
ترى أنك تقول: أما زيد فمنطلق، " فأما اليتيم فلا تقهر " فالمعنى: مهما
يكن من شيءٍ فلا تقهر اليتيم.
و
لو اضطر شاعر فحذف الفاء وهو يريدها لجاز؛ كما قال:
أما
القتال لا قتال لديكمو ... و لكن سيراً في عراض المواكب
و
أما ما لا يجوز إلا في الشعر فهو: إن تأتني آتيك، وأنت ظالم إن تأتني؛ لأنها قد
جزمت، ولأن الجزاء في موضعه، فلا يجوز في قول البصريين في الكلام إلا أن توقع
الجواب فعلاً مضارعاً مجزوماً أو فاء، إلا في الشعر.
فأما
إن تأتني أتيتك، فإن بعضهم قد يجيزه في غير الشعر؛ كما أجازوا إن أتيتني آتك. وقد
مضى قولنا في الفصل بينهما.
قال
الشاعر على إرادة الفاء:
و
إني متى أشرف على الجانب الذي ... به أنت من بين الجوانب ناظر
و
هو عندي على إرادة الفاء. والبصريون يقولون: هو على إرادة الفاء، ويصلح أن يكون
على التقديم؛ أي: وإني ناظر متى أشرف.
و
كذلك قول الشاعر:
يا
أقرع بن حابسٍ يا أقرع ... إنك إن يصرع أخوك تصرع
و
قال آخر:
فقلت:
تحمل فوق طوقك، إنها ... مطبعةٌ من يأتها لا يضيرها
يريد:
لا يضيرها من يأتها.
و
أما قول عبد الرحمن بن حسان:
من
يفعل الحسنات الله يشكرها ... و الشر بالشر عند الله مثلان
فلا
اختلاف بين النحويين في أنه على إرادة الفاء؛ لأن التقديم فيه لا يصلح.
هذا
باب ما تحتمل حرف الجزاء من الفصل بينها وبين ما عملت فيه أما إن إذا لم تجزم
فالفصل بينها وبين ما عملت فيه في الظاهر جائز بالاسم. وذلك قوله: إن الله أمكنني
من فلان فعلت، وإن زيدٌ أتاني أكرمته؛ كما قال الشاعر:
عاود
هراة وإن معمورها خربا
و
إنما تفسير هذا: أنك أضمرت الفعل بينها وبين الاسم، فتقديره: إن أمكنني الله من
زيد، وإن خرب معمورها. ولكنه أضمر هذا، وجاء بالفعل الظاهر تفسير ما أضمر، ولو لم
يضمر لم يجز؛ لأن الجزاء لا يكون إلا بالفعل. وإنما احتملت إن هذا في الكلام،
لأنها أصل الجزاء، كما تحتمل الألف في الاستفهام تقديم الاسم في نحو قولك: أزيدٌ
قام؟ لأنها أصل الاستفهام. لو وقلت: هل زيد قام؟ لم يصلح إلا في الشعر؛ لأن السؤال
إنما هو عن الفعل، وكذلك متى زيدٌ خرج؟ وأين زيدٌ قام؟ وجميع حروف الاستفهام غير
ألف الاستفهام لا يصلح فيهن إذا اجتمع اسم وفعل إلا تقديم الفعل، إلا أن يضطر
الشاعر.
و
الفعل في الجزاء أوجب؛ لأن الجزاء لا يكون إلا بالفعل، والاستفهام قد يكون عن
الأسماء بلا فعل، تقول: أزيدٌ أخوك أزيدٌ في الدار؟ ولا يكون مثل هذا في الجزاء
وسائر حروف الجزاء سوى إن. لا يجوز فيها هذا في الكلام ولا في إن إذا جزمت. لا تقول:
من زيدٌ يأته يكرمه، ولا إن زيدٌ يأتني آته، ولا أين زيدٌ أتاني أتيته، ولا من
زيدٌ أتاه أكرمه. فإن اضطر شاعر جاز فيهن الفصل، جزمن أو لم يجزمن.
و
جاز ذلك في حروف الجزاء دون سائر عوامل الأفعال؛ لأنه يقع بعدهن المستقبل والماضي.
ولا يكون ذلك في غيرهن من العوامل. فلما تمكن هذا التمكن احتملن الإضمار والفصل.
فمما
جاء في الشعر قوله:
صعدةٌ
نابتةٌ في حائرٍ ... أينما الريح تميلها تمل
و
قال الآخر:
فمن
نحن نؤمنه يبت وهو آمنٌ ... ومن لا نجره يمس منا مفزعا
و
قال الآخر:
فمتى
واغلٌ ينبهم يحيو ... ه وتعطف عليه كأس الساقي
و
اعلم أن المفعول إذا وقع في هذا الموضع وقد شغل الفعل عنه انتصب بالفعل المضمر،
لأن الذي بعده تفسير له؛ كما كان في الاستفهام في قولك: أزيداً ضربته، " أبشراً
منا واحداً نتبعه " . وذلك قولك: إن زيداً تره تكرمه، ومن زيداً يأته يعطه،
وإن زيداً لقيته أكرمته، وكذلك إذا لأنها لا تقع إلا على فعل. تقول: إذا زيداً
لقيته فأكرمه، قال:
لا
تجزعي إن منفساً أهلكته ... و إذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
و
قال الآخر:
إذا
ابن أبي موسى بلالاً بلغته ... فقام بفاسٍ بين وصليك جازر
و
لو رفع هذا رافعٌ على غير الفعل لكان خطأ، لأن هذه الحروف لا تقع إلا على الأفعال.
ولكن رفعه يجوز على ما لا ينقض المعنى، وهو أن يضمر بلغ، فيكون إذا بلغ ابن أبي
موسى. وقوله: بلغته إظهارٌ للفعل وتفسيرٌ للفاعل.
و
كذلك: لا تجزعي إن منفسٌ أهلكته على أن يكون المضمر هلك.
و
كذلك هذه الآيات كلها، وهي: " إذا السماء انشقت " و " إذا الشمس
كورت " وإنما المعنى والله
أعلم إذا كورت الشمس، وإذا انشقت السماء.
و
الجواب في جميع هذا موجود، لأن هذه لا تكون إلا بأجوبة. فالجواب في قوله: "
إذا الشمس كورت " " علمت نفسٌ ما أحضرت " . والجواب في قوله:
" إذا السماء انفطرت " " علمت نفسٌ ما قدمت وأخرت " .
فأما
قوله: " إذا السماء انشقت. وأذنت لربها وحقت " فقد قيل فيه أقاويل:
فقوم
يقولون: " فأما من أوتي كتابه بيمينه " هو الجواب، لأن الفاء وما بعدها جواب،
كما تكون جواباً في الجزاء؛ لأن إذا في معنى الجزاء. وهو كقولك: إذا جاء زيد فإن
كلمك فكلمه. فهذا قول حسن جميل.
و
قال قوم: الخبر محذوف؛ لعلم المخاطب. كقول القائل عند تشديد الأمر: إذا جاء زيد،
أي إذا جاء زيد علمت؛ وكقوله: إن عشت، ويكل ما بعد هذا إلى ما يعلمه المخاطب. كقول
القائل: لو رأيت فلاناً وفي
يده السيف.
و
قال قوم آخرون: الواو في مثل هذا تكون زائدة. فقوله: " إذا السماء انشقت.
وأذنت لربها وحقت " يجوز أن يكون " إذا الأرض مدت " والواو زائدة.
كقولك: حين يقوم زيدٌ حين يأتي عمرو.
و
قالوا أيضاً: " إذا السماء انشقت أذنت لربها وحقت " . وهو أبعد
الأقاويل. أعني زيادة الواو.
و
من قول هؤلاء: إن هذه الآية على ذلك " فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه " قالوا: المعنى:
ناديناه أن يا ابراهيم. قالوا: ومثل ذلك في قوله: " حتى إذا جاءوها وفتحت
أبوابها وقال لهم خزنتها " . المعنى عندهم: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها، كما
كان في الآية التي قبلها. في مواضع من القرآن كثيرة من هذا الضرب قولهم واحد،
وينشدون في ذلك:
حتى
إذا امتلأت بطونكم ... و رأيتم أبناءكم شبوا
و
قلبتم ظهر المجن لنا ... إن الغدور الفاحش الخب
قال:
وإنما هو: قلبتم ظهر المجن.
و
زيادة الواو غير جائزة عند البصريين، والله أعلم بالتأويل. فأما حذف الخبر فمعروف
جيد من ذلك قوله " و لو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به
الموتى بل لله الأمر جميعاً " .
قال
الراجز:
لو
قد حداهن أبو الجودي
برجزٍ
مسحنفر الروي
مستوياتٍ
كنوى البرني
لم
يأت بخبر لعلم المخاطب. ومثل هذا الكلام كثير ولا يجوز الحذف حتى يكون المحذوف
معلوماً بما يدل عليه من متقدم خبر أو مشاهدة حال.
هذا
باب
الأفعال
التي تنجزم لدخول معنى الجزاء فيهاو تلك الأفعال جواب ما كان أمراً أو نهياً أو
استخباراً، وذلك قولك: ائت زيداً يكرمك، ولا تأت زيداً يكن خيراً لك، وأين بيتك
أزرك؟.
و
إنما انجزمت بمعنى الجزاء؛ لأنك إذا قلت: ائتني أكرمك، فإنما المعنى: ائتني فإن
تأتني أكرمك؛ لأن الإكرام إنما يجب بالإتيان. وكذلك: لا تقم يكن خيراً لك؛ لأن
المعنى: فإن لم تقم يكن خيراً لك. وأين بيتك أزرك؟ إنما معناه: إن تعلمني أزرك.
و
قال الله عز وجل:
" يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم " ثم
ذكرها فقال: " تؤمنون بالله " فلما انقضى ذكرها قال: " يغفر لكم
" ؛ لأنه جواب لهل.
و
كذلك أعطني أكرمك. وتقول: ائتني أشكرك، والتفسير واحد. ولو قلت: لا تعص الله يدخلك الجنة كان جيداً؛ لأنك
إنما أضمرت مثل ما أظهرت. فكأنك قلت: فإنك إن لا تعصه يدخلك الجنة، واعتبره بالفعل
الذي يظهر في معناه؛ ألا ترى أنك لو وضعت فعلاً بغير نهي في موضع لا تعص الله لكان
أطع الله.
و
لو قلت: لا تعص الله يدخلك النار كان محالاً؛ لأن معناه: أطع الله. وقولك: أطع
الله يدخلك النار محال.
و
كذلك: لا تدن من الأسد يأكلك لا يجوز؛ لأنك إذا قلت: لا تدن فإنما تريد: تباعد، ولو قلت: تباعد من الأسد يأكلك كان
محالاً؛ لأن تباعده منه لا يوجب أكله إياه. ولكن لو رفعت كان جيداً. تريد فإنه مما
يأكلك.
و
أما قوله:
" و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن " وما أشبهه، فليس يقولوا جواباً
لقل. ولكن المعنى والله
أعلم : قل لعبادي: قولوا يقولوا.
و
كذلك " قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة " وإنما هو: قل لهم يفعلوا
يفعلوا.
و
تقول: مره يحفرها، ومره يحفرها. فالرفع على ثلاثة أوجه، والجزم على وجه واحد، وهو
أجود من الرفع؛ لأنه على الجواب كأنه إن أمرته حفرها.
و
أما الرفع فأحد وجوهه: أن يكون يحفرها على قولك: فإنه ممن يحفرها، كما كان لا تدن
من الأسد يأكلك.
و
يكون على الحال، كأنه قال: مره في حال حفره. فلو كان اسماً لكان مره حافراً لها.
و
يكون على شيء هو قليلٌ في الكلام، وذلك أن تريد: مره أن يحفرها، فتحذف أن وترفع
الفعل؛ أن عامله لا يضمر.
و
بعض النحويين من غير البصريين يجيز النصب على إضمار أن. والبصريون يأبون ذلك إلا
أن يكون منها عوض؛ نحو: الفاء والواو وما ذكرناه معهما. ونظير هذا الوجه قول طرفة:
ألا
أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... و أن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
و
من رأى النصب هناك رأى نصب أحضر.
فأما
قول الله عز وجل: " قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون " فتقديره
والله أعلم : قل أفغير الله أعبد فيما تأمروني. ف غير منصوب ب أعبد.
و
قد يجوز وهو بعيد على قولك: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى، فكأن التقدير: قل أفغير الله تأمروني أعبد. فتنصب غير ب
تأمروني. وقد أجازه سيبويه على هذا، وهذا قول آخر وهو حذف الباء، كما قال:
أمرتك
الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مالٍ وذا نشب
و
أنا أكره هذا الوجه الثاني لبعده. ولا يجوز على هذا القول أن ينصب غيراً بأعبد؛
لأن أعبد على هذا في صلة أن.
و
أما قوله عز وجل: " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا " فعلى الجواب.
فإن
قال قائل: أفأمر الله بذلك ليخوضوا ويلعبوا؟ قيل: مخرجه من الله عز وجل على الوعيد؛
كما قال عز وجل: " اعملوا ما شئتم " " و من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " .
أما
قوله: " ذرهم في خوضهم يلعبون " فإنه ليس بجواب، ولكن المعنى: ذرهم
لاعبين، أي ذرهم في حال لعبهم.
هذا
باب
ألفات
الوصل والقطعو هن همزات على الحقيقة. فأما ألف القطع فهي التي تكون في أول الاسم
أصلاً أو زائدة كالأصل. يبنى عليها الاسم بناء؛ كما يبنى على الميم الزائدة وغيرها
من حروف الزوائد. فاستئنافها ووصلها بما قبلها سواء، وذلك نحو: هذا أبٌ فاعلم،
وهذا أخٌ يا فتى. فهذه الأصلية. وكذلك الهمزة في إبل، وفي أمر.
فأما
الزائدة فنحو أحمر، وأصفر، وهذا أفضل من ذا؛ لأنه من الفضل والحمرة والصفرة.
و
أما ألف الوصل فإنما هي همزة. كان الكلام بعدها لا يصلح ابتداؤه؛ لأن أوله ساكن
ولا يقدر على ابتداء الساكن. فزيدت هذه الهمزة ليوصل بها إلى الكلام بما بعدها.
فإن كان قبلها كلام سقطت؛ لأن الذي قبلها معتمد للساكن مغنٍ، فلا وجه لدخولها.
و
كذلك إن تحرك الحرف الذي بعدها لعله توجب ذلك سقطت الألف للاستغناء عنها بتحرك ما
بعدها؛ لأن ابتداءه ممكن، فإنما تدخل في الكلام للضرورة إليها. وسنذكر موضعها من
الأفعال وما تدخله من الأسماء إن شاء الله.
هذا
باب
الأفعال
التي تدخلها ألف الوصل
والأفعال
الممتنعة من ذلكأما ما تدخله ألف الوصل فهو كل فعلٍ كانت الياء وسائر حروف المضارعة
تنفتح فيه إذا قلت يفعل، قلت حروفه أو كثرت، إلا أن يتحرك ما بعد الفاء فيستغنى عن
الألف كما ذكرت لك.
فمن
تلك الأفعال: ضرب وعلم وكرم، وتقول إذا أمرت: اضرب زيداً، اعلم ذاك، اكرم يا زيد؛
لأنك تقول: يضرب ويعلم ويكرم، فالياء من جميع هذا مفتوحة.
و
تقول: يا زيد اضرب عمراً فتسقط الألف؛ كما قال عز وجل: " قل ادعوا الله
" ، وكما قال: " و اعلموا أنما غنمتم من شيءٍ " لأن الواو لحقت
فسقطت الألف.
و
كذلك تقول: انطلق يا زيد، وقد انطلقت يا زيد؛ لأن الألف موصولة؛ لأنك تقول في
المضارع: ينطلق فتنفتح الياء، وكذلك إذا قال: استخرجت مالاً، واستخرج إذا أمرت؛
لأنك تقول: يستخرج. وكل فعلٍ
لم نذكره تلحقه هذه العلة فهذا مجراه.
فأما
تفاعل يتفاعل، وتفعل يتفعل: نحو: تقاعس الرجل، وتقدم الرجل فإن ألف الوصل لا تلحقه
وإن كانت الياء مفتوحة في يتقدم، وفي يتقاعس؛ لأن الحرف الذي بعدها متحرك وإنما
تلحق الألف لسكون ما بعدها.
فإن
كان يفعل مضموم الياء لك تكن الألف إلا مقطوعة، لأنها تثبت كثبات الأصل إذ كان ضم
الياء من يفعل إنما يكون لما وليه حرفٌ من الأصل؛ وذلك ما كان على أفعل؛ نحو:
أكرم، وأحسن، وأعطى؛ لأنك تقول: يكرم، ويحسن، ويعطي، فتنضم الياء؛ كما تنضم في يدحرج
ويهملج. فإنما تثبت الألف من أكرم؛ كما تثبت الدال من دحرج.
تقول:
يا زيد أكرم عمراً، كما تقول: دحرج. قال الله عز وجل: " فاستمعوا له وأنصتوا
" وقال: " و أحسن كما أحسن الله إليك " بالقطع.
و
كان حق هذا أن يقال في المضارع: يؤكرم مثل يدحرج ويؤحسن. ولكن اطرحت الهمزة لما
أذكره لك في موضعه إن شاء الله.
و
كل فعل كانت ألفه موصولةً فلحقت الألف مصدره فهي ألف وصل، وإن كان الفعل فيه ألفٌ
مقطوعة فهي في مصدره كذلك.
فأما
الموصولات فنحو: الانطلاق، والاستخراج، والاقتداء.
و
أما المقطوعة فنحو: الإكرام، والإحسان، والإعطاء.
و
اعلم أن ألف الوصل تستأنف مكسورةً، إلا أن يكون ثالث الحروف مضموماً في جميع
الأفعال والأسماء.
فأما
الفعل فقولك: اذهب. استخرج. اقتدر. وما لم نذكره فهذه حالة.
و
أما الأسماء فقولك: ابن، اسم، انطلاق، استخراج اقتدار، امرؤ فاعلم.
فأما
ما ثالثه مضموم فإن ألف الوصل تبتدأ فيه مضمومةً، والعلة في ذلك أنه لا يوجد ضمٌ
بعد كسر. إلا أن يكون ضم إعراب؛ نحو فخذ فاعلم.
و
لا يكون اسم على فعلٍ ولا غير اسم. فلما كان الثالث مضموماً، ولم يكن بينه وبين
الألف إلا حرفٌ ساكن لم يكن حاجزاً، واستؤنفت مضمومةً، تقول: استضعف زيد، وانطلق
بعبد الله، وكذلك في الأمر. تقول: ادخل. اقعد. اركض برجلك.
و
للمرأة مثل ذلك: اركضي. ادخلي وتقول: اغزي يا امرأة؛ لأن أصل الزاي الضم وأن يكون
بعدها واوٌ. ولكن الواو ذهبت لالتقاء الساكنين، وأبدلت الضمة كسرة من أجل الياء
التي للتأنيث؛ ألا ترى أنك تقول للرجل: أنت تضرب زيداً، وللمرأة أنت تضربين. فإنما
تزيد الياء والنون بعد انفصال الفعل لتمامه. وتقول للرجل: أنت تغزو، وللمرأة أنت تغزين، فتذهب
الواو لالتقاء الساكنين على ما ذكرت لك.
فأما
الألف التي تلحق مع اللام للتعريف فمفتوحة؛ نحو: الرجل، الغلام؛ لأنها ليست باسم ولا فعل. وإنما هي
بمنزلة قد وإنما ألحقت لام التعريف لسكون اللام. فخولف بحركتها لذلك.
و
كذلك ألف ايمن التي تدخل للقسم مفتوحة لأنه اسم غير متمكن، وليس بواقع إلا في
القسم، فخولف به.
تقول:
ايمن الله لأفعلن، ايمن الكعبة لأفعلن.
و
يدلك على أنها ألف وصلٍ سقوطها في الإدراج، تقول: وايمن الله لأفعلن؛ كما قال في
أخرى:
فقال
فريق القوم لما نشدتهم ... نعم وفريقٌ ليمن الله ما ندري
و
اعلم أن ألف الوصل إذا لحقتها ألف الاستفهام سقطت؛ لأنه قد صار في الكلام ما
يستغنى به عنها، كما ذكرت لك أنه إذا كان ما بعدها موصولاً بما قبلها سقطت؛ لأنه
قد استغنى عنها إذ لم يكن لها معنى إلا التوصل إلى الكلام بما بعدها. وذلك قولك:
أنطلقت يا رجل؟ بالفتح؛ لأنها ألف الاستفهام، وكذلك أستخرجت شيئاً؟ فهي الألف التي
في قولك: أضربت زيداً؟ ومثل ذلك " أتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار " .
إلا
ألف ايمن وألف الرجل فإنك إذا استفهمت مددت؛ لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر؛ لأنهما
مفتوحتان وألف الاستفهام مفتوحةٌ. تقول: آلرجل قال ذاك؟ آلغلام جاءك؟ آيمن الله
لأفعلن؟
هذا
باب
دخول
ألف الوصل في الأسماء غير المصادراعلم أنها تدخل في أسماء معلومة وتلك الأسماء
اختلت وأزيلت عن وجهها فسكنت أوائلها فدخلتها ألف الوصل لذلك. فإن اتصل بها شيء
قبلها سقطت الألفات؛ لأن ألفات الوصل لاحظ لها في الكلام أكثر من التوصل إلى
التكلم بما بعدها. فإذا وصل إلى ذلك بغيرها فلا وجه لذكرها.
و
لم يكن حق الألف أن تدخل على الأسماء، كما لم يكن حق الأفعال أن تعرب، ولكن أعرب
منها ما ضارع الأسماء. وأدخلت هذه الألف على الأسماء التي اختلت فنقصت عن تمكن
غيرها من الأسماء.
فمن
ذلك ابن وابنة؛ لأنه اسم منقوص قد سقط منه حرف، وذلك الحرف ياءٌ أو واوٌ فتقول:
هذا ابن زيد، وهذه ابنة زيد، فتسقط ألف الوصل. وكذلك إن صغرت سقطت؛ لأن فاء الفعل
تتحرك وتبتدأ، وتستغني عن ألف الوصل. تقول: بني وبنية، وكذلك بنون؛ لما حركت الباء
سقطت الألف. وبنات بمنزلتها.
و
من هذه الأسماء: اسم. تقول: بدأت باسم الله. وإذا صغرت قلت: سمي.
و
إثنان كذلك. ولو كان يفرد لكان يجب أن يكون في الواحد إثن، ولكنه لا يفرد في العدد
فيبطل معناه.
و
من العرب من يجعله اسماً لليوم على غير معنى العدد فيقول: اليوم الاثن كما يقول:
الابن، واليوم الثني. وليس ذلك بالجيد؛ لأن معنى التثنية أن الواحد كان عندهم
الأول ثم بنوا الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس على ذلك؛ كما تقول: اليوم
يومان من الشهر، أي تمام يومين.
و
من ذلك استٌ إنما هي على ثلاثة أحرف، فالسين موضع الفاء، والتاء موضع العين،
والهاء في موضع اللام. وهي الساقطة، يدلك على ذلك قولك في التصغير: ستيهة وفي
الجمع: أستاه فاعلم.
و
منها امرؤ فاعلم، واعتلاله اتباع عينه للامه، وهذا لا يوجد في غير ما يعتل من
الأسماء.
و
من ذلك ابنم. وإنما هو ابن والميم زائدة، فزادت في هذا الاسم المعتل كما ذكرت لك،
فاتبعت النون ما وقع في موضع اللام؛ كما أتبعت العين اللام فيما ذكرت لك. ومعناها
بزيادة الميم وطرحها واحد. قال المتلمس:
و
هل لي امٌ غيرها إن تركتها ... أبى الله إلا أن أكون لها ابنما
و
قال الكميت بن زيد الأسدي:
و
منا لقيطٌ وابنماه وحاجبٌ ... مؤرث نيران المكارم لا المخبى
أي
وابناه. فألف الوصل في هذه الأسماء على ما ذكرت.
و
من ألفات الوصل الألف التي تلحق مع اللام للتعريف. وإنما زيدت على اللام؛ لأن
اللام منفصلة مما بعدها، فجعلت معها اسماً واحداً بمنزلة قد؛ ألا ترى أن المتذكر
يقول: قد فيقف عليها إلى أن يذكر ما بعدها، فإن توهم شيئاً فيه ألف الوصل قال: قدي
يقدر قد انطلقت. قد استخرجت، ونحو ذلك.
و
كذلك في الألف واللام تقول: جاءني ال وربما قال: إلى يريد الابن، الإنسان، على تخفيف
الهمزة فيفصلها كما يفصل البائن من الحروف. قل الراجز:
دع
ذا وقدم ذا وألحقنا بذل
فوقف
عليها، ثم قال متذكراً لها ولحرف الخفض الذي معها:
بالشحم
إنا قد مللناه بجل
هذا
باب
مصادر
الأفعال إذا جاوزت الثلاثة
صحيحها
ومعتلها والاحتجاج لذلك وذكر أبنيتهاأما ما كان من ذوات الأربعة فإن الفعل منه
يكون على فعلل ماضياً، ويكون مستقبله على يفعلل.
و
مصدره على فعللة وفعلال؛ نحو: دحرجته دحرجةً، وهملج الدابة هملجة وسرهفته سرهفة،
وسرعفته سرعفة، وزلزل الله بهم زلزلة.
و
المضارع يدحرج ويسرهف ويهملج.
و
الفعلال؛ نحو السرهاف والسرعاف والزلزال.
و
المصدر اللازم هو الفعللة. والهاء لازمة له لأنها بدلٌ من الألف التي تلحق هذا
الضرب من المصادر قبل أواخرها نحو ما ذكرنا من السرهاف والزلزال. قال العجاج:
سرهفته
ما شئت من سرهاف
و
ما كان من ذوات الثلاثة المزيدة الواقعة على هذا الوزن من الأربعة فحكمه حكم هذه
التي وصفناها إذا كانت زيادته للإلحاق، وذلك نحو: حوقلت حوقلة، وبيطرت بيطرة،
وجهور بكلامه جهورة.
وكذلك:
شمللت شمللة، وصعررت صعررة، وسلقيته سلقاة، يا فتى، وجعبيته جعباة يا فتى.
و
المضارع على مثال يدحرج؛ نحو: يحعبي ويحوقل ويشملل، وكذلك جميعها. فأما مثل
الزلزال والسرهاف فالحيقال والسلقاء؛ كما قال:
يا
قوم قد حوقلت أو دنوت
و
بعض حيقال الرجال الموت
فإن
كان الشيء من ذوات الثلاثة على وزن ذوات الأربعة التي وصفنا من زوائد غير حروف
الإلحاق فإن المضارع كمضارع ذوات الأربعة؛ لأن الوزن واحد، ولا يكون المصدر
كمصادرها، لأنه غير ملحق بها، وذلك ما كان على فعلت وفاعلت وأفعلت فالوزن على وزن
دحرجت، تقول: قطع يقطع، وكسر يكسر على مثال يدحرج. فهذا فعلت.
و
أما فاعلت فنحو: قاتل يقاتل، وضارب يضارب.
و
أما أفعلت فنحو:
أكرم
يكرم، وأحسن يحسن. وكان الأصل يؤكرم ويؤحسن حتى يكون على مثال يدحرج؛ لأن همزة
أكرم مزيدة بحذاء دال دحرج، وحق المضارع أن ينتظم ما في الماضي من الحروف. ولكن
حذفت هذه الهمزة؛ لأنها زائدة، وتلحقها الهمزة التي يعني بها المتكلم نفسه، فتجتمع
همزتان، فكرهوا ذلك، وحذفوها إذ كانت زائدة، وصارت حروف المضارعة تابعةً للهمزة
التي يعني بها نفسه؛ كما حذفت الواو التي في يعد لوقوعها بين ياءٍ وكسرة وصارت
حروف المضارعة تابعة للياء.
و
مع هذا فإنهم قد حذفوا الهمزة الأصلية لالتقاء الهمزتين في قولك: كل، وخذ، فراراً
من اؤكل ومن اؤخذ، وأمنوا الالتباس.
فإن
اضطر شاعر فقال: يؤكرم ويؤحسن جاز ذلك، كما قال:
وصاليات
ككما يؤثفين
و
كما قال:
كرات
غلام في كساءٍ مؤرنب
و
كما قال:
فإنه
أهلٌ لأن يؤكرما
و
قد يجيء في الباب الحرف والحرفان على أصولهما وإن كان الاستعمال على غير ذلك ليدل
على أصل الباب.
فمن
ذلك " استحوذ عليهم الشيطان " ، وأغيلت المرأة. المستعمل في هذا الإغيال
على ما يجده في كتاب التصريف نحو: استجاز وأقام واستقام.
و
كذلك لححت عينه. ونحو قولك:
قد
علمت ذاك بنات ألببه
فمما
جاء على أصله فيما الهمزة فيه قولهم: اومر فهذا كنحو ما وصفت لك في الكلام. ولم
يجز في الزائدة مثل هذا في غير الشعر، لأن الأصلية أمكن. فإذا كان إثباتها ممتنعاً
فهو من الزيادة أبعد.
فالمصدر
في أفعلت على مثال الزلزال. ولم يكن فيه مصدر جاء لزلزلة لأنه نقص في المضارع فجعل
هذا عوضاً، وذلك نحو: أكرمت إكراماً، وأعطيته إعطاءً، وأسلمت إسلاماً فهذا غير
منكسر ولا ممتنع في أفعلت من الصحيح.
أما
فاعلت فمصدره اللازم مفاعلة. ما كان فيه لاثنين أو لواحد، وذلك نحو: قاتلت مقاتلة،
وشاتمت مشاتمة، وضاربت مضاربة، فهذا على مثال دحرجت مدحرجة يا فتى. ولم يكن فيه
شيءٌ على مثال الدحرجة؛ لأنه ليس بملحق بفعللت. ويجيء فيه الفعال؛ نحو: قاتلته
قتالاً، وراميته رماءً. وكان الأصل فيعالاً؛ لأن فاعلت على وزن أفعلت وفعللت، والإكرام،
ولكن الياء محذوفةٌ من فيعال استخفافاً، وإن جاء بها جاءٍ فمصيبٌ.
و
أما قولنا: ما يكون لاثنين فنحو: شاتمت، وضاربت. لا يكون هذا من واحد، ولكن من
اثنين فصاعداً.
و
أما ما يكون لواحد من هذا الباب فنحو: عاقبت اللص، وطارقت النعل، وعافاه الله.
ولهذا موضع مميز فيه إن شاء الله.
و
من هذا الوزن فعلت ومصدره التفعيل؛ لأنه ليس بملحق، فالتاء الزائدة عوض من تثقيل
العين، والياء بدلٌ من الألف التي تلحق قبل أواخر المصادر، وذلك قولك: قطعته
تقطيعاً، وكسرته تكسيراً، وشمرت تشميراً.
وكان
أصل هذا المصدر أن يكون فعالاً كما قلت: أفعلت: إفعالاً وزلزلت زلزالاً ولكنه غير
لبيان أنه ليس بملحق.
و
لو جاء به جاءٍ على الأصل لكان مصيباً.كما قال الله عز وجل: " و كذبوا بآياتنا
كذاباً " . فهذا على وزن واحد. أعني فعللت وفاعلت وأفعلت وفعلت، والملحقات
بفعللت.
و
يسكن أول الفعل من قبيل غير هذا فتلحقها ألف الوصل وتكون على مثال انفعل وذلك نحو:
انطلق، والمصدر على الانفعال. تقول: انطلق انطلاقاً، وانكسر انكساراً، وانفتح
انفتاحاً. ولا تلحق النون زائدةً ثانية لألف الوصل إلا هذا المثال.
و
في وزنه ما كان على افتعل والفاء تسكن فتلحقها ألف الوصل فيكون المصدر الافتعال
وذلك نحو: اقتدر اقتداراً، واقتحم اقتحاماً، واكتسب اكتساباً.
و
لا تلحق التاء شيئاً من الأفعال زائدةً بعد حرف أصلي إلا هذا المثال.
و
يضاعف آخر الفعل ويسكن أوله فتلحقه ألف الوصل ويكون على هذا الوزن، إلا أن الإدغام
يدركه لالتقاء الحرفين من جنس واحد، وذلك نحو: احمررت واسوددت، واخضررت.
فإذا
قلت: احمر يا فتى وما أشبهه، لحقه الإدغام. فهذا قبيل آخر.
و
من الأفعال ما يقع على مثال استفعلت. وذلك أن السين والتاء زائدتان، إلا أن السين
ساكنة تلحقها ألف الوصل، وذلك نحو: استخرجت، واستكرمت، واستعطيت.
فالمصدر
من ذا استفعالاً. تقول: استخرجت استخراجاً، واستنطقت استنطاقاً.
و
يكون على هذا الوزن إلا أن آخره مضاعف فيدركه الإدغام. وذلك المثال نحو: احماررت، وابياضضت. على معنى احمررت،
وابيضضت. إلا أن الأصل افعاللت. وافعللت محذوف منه. والمصدر على وزن مصدر استفعلت،
وتقديره: افعيلال وذلك:
اشهاب
الفرس اشهيباباً، وادهام ادهيماماً، وابياض ابيضاضاً.
و
يكون على هذا الوزن ويسكن أوله فتلحقه ألف الوصل، إلا أن الواو فيه مضاعفة. وذلك افعولت
ومصدره افعوالاً، وذلك: اجلوذ اجلواذاً، واعلوط اعلواطاً.
و
من هذا الوزن ما زيدت فيه الواو بين العينين، فكان على مثال افعوعل وذلك نحو: اغدودن، واعشوشبت الأرض واخلولق للخير.
والمصدر افعيعالاً على وزن استخراجاً في السكون والحركة، وكذلك كل شيءٍ وازن شيئاً
فهو يجري مجراه: في سكونه وحركته، في المضارع والمصدر، إلا ما ذكرت لك من مخالفة
فعل وأفعل في المصدر للأربعة؛ لتفصل بين الملحق وغيره.
و
يقع في الوزن افعنلل من الأربعة والثلاثة ملحقة بالأربعة فذلك نذكره بعد هذا الباب.
و
قولنا: إن الأفعال إذا وقعت على وزن واحد بغير إلحاق في الثلاثة التي تلحقها
الزوائد استوت مصادرها فيه بيان كل ما يرد في هذا الباب.
و
اعلم أن التاء تلحق فاعل، وفعل فيكون الفعل على تفاعل وتفعل، كما تلحق فعلل الذي
أصله الأربعة، وذلك نحو: دحرج، إذا ذكرت المطاوعة قلت: تدحرج فيكون المصدر
تدحرجاً. فكذلك تقول: تقطع تقطعاً، وتكسر تكسراً.
و
في فاعل تقول: تغافل تغافلاً، وتناول تناولاً؛ لأنك تقول: ناولته فتناول؛ كما تقول:
دحرجته فتدحرج، وكذلك كسرته فتكسر.
هذا
باب
أفعال
المطاوعة
من
الأفعال التي فيها الزوائد من الثلاثة، والأفعال التي لا زوائد فيها منها
و
أفعال المطاوعة أفعال لا تتعدى إلى مفعول؛ لأنها إخبارٌ عما تريده من فاعلها.
فإذا
كان الفعل بغير زيادة فمطاوعه يقع على انفعل. وقد يدخل عليه افتعل إلا أن الباب
انفعل؛ وذلك قولك: كسرته فانكسر. فإن المعنى: أني أردت كسره فبلغت منه إرادتي.
وكذلك قطعته فانقطع، وشويت اللحم فانشوى، ودفعته فاندفع.
وقد
يقع اشتوى في معنى انشوى؛ لأن افتعل وانفعل على وزن.
فأما
الأجود في قولك: اشتوى، فأن يكون متعدياً على غير معنى الانفعال. تقول اشتوى
القوم، أي: اتخذوا شواءً. فتقول على هذا: اشتوى القوم لحماً.
و
لا يكون انفعل من هذا ولا من غيره إلا غير متعدٍ إلى مفعول.
و
إن كان الفعل على أفعل فبابه أفعلته ففعل. ويكون فعل متعدياً وغير متعدٍّ. وذلك أخرجته فخرج؛ لأنك كنت تقول؛ خرج
زيد. فإذا فعل به ذلك غيره قلت: أخرجه عبد الله، أي: جعله يخرج. وكذلك: أدخلته
الدار فدخلها؛ أي: جعلته يدخلها.
فإنما
أفعلته داخلةٌ على فعل. تقول: عطا يعطو: إذا تناول، وأعطيته أنا: ناولته فالأصل
ذا، وما كان من سواه فداخلٌ عليه. تقول: ألبسته فلبس، وأطعمته فطعم.
فأما
طرحت البئر وطرحتها، وغاض الماء وغضته، وكسب زيد درهماً وكسبه فهو على هذا بحذف
الزوائد. وكذلك إن كان من غير هذا اللفظ؛ نحو: أعطيته فأخذه، إنما أخذ في معنى
عطا: أي تناول.
فإن
كان الفعل على فاعل مما يقع لواحد فالمفعول الذي يقع فيه على أنه كان فاعلاً يكون
على متفاعل، وفعله على تفاعل.
تقول: ناولته فتناول، وقاعسته فتقاعس. هذا إنما
يصلح إذا كان فاعل للفاعل وحده؛ نحو: عافاه الله، وناولت زيداً. فأما إذا كان من
اثنين فهو خارج من هذا.
وذلك
نحو شاتمت زيداً، أي: كان منه إلي مثل ما كان مني إليه، وقاتلت زيداً، وضاربت
عمراً.
فالغالب
من ذا يقع على فعل يفعل من الصحيح. تقول: شاتمني فشتمته وحق لي أن أشتمه، وضاربني
فضربته فأنا أضربه. لا يكون الفعل من هذا إلا على مثال قتل يقتل، وليس من باب ضرب
يضرب ولا علم يعلم.
فإن
كان الفعل على مثال فعلت أو فاعلت فقد قلنا: إنه يكون على تفاعل وتفعل.
و
استفعل يكون المطاوع فيه على مثاله قبل أن تلحقه الزيادة إذا كان المطلوب من فعله
وذلك: استنطقته فنطق، واستكتمه فكتم، واستخرجته فخرج.
فإن
كان من غير فعله جاء على لفظ آخر، نحو: استخبرته فأخبر، لأنك تريد: سألته أن يخبرني
وكان فعله أخبر بالألف الثانية. فجاء على مقدار ما كان عليه، وكذلك: استعلمته فأعلمني، فعلى هذا يجري ما
ذكرناه من هذه الأفعال.
هذا
باب
ما
كان من بنات الأربعةوألحق به من الثلاثة فمثال بنات الأربعة التي لا زيادة فيها
فعلل وذلك؛ نحو: دحرج وهملج، وسرهف. وقد مضى قولنا في مصدره.
و
تلحق به الثلاثة بالواو ثانيةً فيكون على فوعل؛ وذلك نحو: حوقل؛ كما تلحق اسماً؛
نحو: كوثر وجورب، والمصدر كالمصدر.
و
تلحق الواو ثالثةً فيكون على فعول؛ نحو: جهور كلامه جهورةً؛ كما يلحقه اسماً وذلك
قولك: جدول، والمصدر كالمصدر.
و
تلحقه الياء ثانيةً فيكون الفعل على فيعل؛ وذلك نحو: بيطر. كما يلحقه اسماً إذا
قلت: رجل جيدر وصيرف. والمصدر كالمصدر تقول: بيطر بيطرة.
و
تلحقه الياء رابعةً؛ نحو: سلقى وجعبى. والمصدر كالمصدر.
و
نظيره من الأسماء أرطى، وعلقى. ويدلك على أن الألف ليست للتأنيث أنك تقول في
الواحدة: أرطاة وعلقاة، وهذا مبين في باب التصريف. وإنما نذكر هاهنا شيئاً للباب
الذي ذكرناه.
و
كل ما كان ملحقاً بشيءٍ من الفعل فمصدره كمصدره.
و
ليس في الأفعال شيءٌ على فعيل ولكن فعيل ملحق بهجرع وذلك هريع وحيثل.
فالفعل
من بنات الأربعة بغير زيادة لا يكون إلا على فعلل فالأسماء تكون على فعللٍ؛ نحو:
جعفر. وفعلل نحو الترتم، والجلجل. ويكون على فعلل نحو: زهلق، وخمخم.
و
يكون على فعلل نحو: هجرع، ودرهم؛ لتمكن الأسماء وتقدمها الأفعال.
و
تكون الأسماء على فعلٍّ؛ نحو: قمطر، وسبطر.
فأما
الأفعال فتلحقها الزيادة، فيكون الفعل على تفعلل، وهو الفعل الذي يقع على فعلل،
وذلك؛ نحو: تدحرج وتسرهف؛ لأن التقدير: دحرجته فتدحرج. والمصدر التفعلل.
و
مصدر تفعل التفعل كقولك: تكسر تكسراً.
و
مصدر تفاعل إنما هو التفاعل؛ نحو: تغافل تغافلاً. فاستوت مصادر هذه في السكون
والحركة؛ كما استوت أفعالها.
و
تلحق النون الأفعال ثالثةً، وتسكن أوائلها، وتلحقها ألف الوصل، فيكون على افعنلل
وذلك نحو: احرنجم، واخرنطم.
و
الملحق به من بنات الثلاثة يكون على ضربين: أحدهما: أن تضاعف اللام فيكون الوزن
افعنلل وإحدى اللامين زائدة، وذلك نحو: اقعنسس.
و
الوجه الآخر: أن تزاد ياءٌ بعد اللام فيكون افعنلى وذلك؛ نحو: استلقى ولا يكون
الإلحاق به من بنات الثلاثة غير احرنجم، لأن النون إنما تقع بين حرفين من الأصل
فلا يكون فيما ألحق به إلا كذلك.
و
تلحق بنات الأربعة الزيادة آخراً، ويسكن أولها فتلحقها ألف الوصل، فيكون بناء
الفعل على افعللت وافعلل، إلا أن الإدغام يدركه؛ وذلك نحو: اقشعررت، واقشعر. وكان
أصله اقشعرر. فنظيره من الثلاثة احماررت، واشهاببت، واشهاب الفرس. ومصدره كمصدره لأن
الوزن واحد.
و
كذلك استفعلت الذي لا يكون إلا من الثلاثة، وذلك قولك: اشهاب الفرس اشهيباباً؛ كما
تقول استخرج استخراجاً، واغدودن اغديداناً، واعلوط اعلواطاً. وقد مضى قولنا في
استواء المصادر في السكون والحركة إذا استوت أفعالها.
و
لا يكون الفعل من بنات الخمسة البتة، إنما يكون من الثلاثة والأربعة. ومثال الخمسة
للأسماء خاصة؛ لقوة الأسماء وتمكنها.
و
أكثر ما يبلغ العدد في الأسماء بالزيادة سبعة أحرف، ولا يكون ذلك إلا في المصادر
من الثلاثة والأربعة ، وهما: اشهيباب واحرنجام، وما وقع على هذا الوزن من الثلاثة.
فأما الخمسة فلا تبلغ بالزيادة إلا ستة أحرف؛ لأنه ليس منها فعلٌ فيكون لها مصدر
كهذه المصادر، ولكن تلحقها الزوائد كما تلحق سائر الأسماء، وذلك نحو: عضرفوط،
وعندليب، وقبعثرى، وهذا مبين في باب التصريف.
هذا
باب
ذوات
الثلاثة من الأفعال بغير زيادةفالأفعال منها تكون على فعل يفعل لما كان متعدياً
وغير متعدٍّ.
فأما
المتعدي فنحو: ضرب يضرب، وحبس يحبس، وشتم يشتم.
و
أما غير المتعدي فنحو: جلس يجلس، وحرص يحرص، وشهق يشهق.
و
تكون على فعل يفعل فيكون للمتعدي وغيره.
فأما
المتعدي فنحو: قتل يقتل، وسجن يسجن، وعتل يعتل.
و
أما غير المتعدي فنحو: قعد يقعد، ونظر ينظر من العين، وعطس يعطس.
و
تكون على فعل يفعل لما يتعدى ولما لا يتعدى.
فالمتعدى:
شرب يشرب، ولقم يلقم، وحذر يحذر.
و
أما غير المتعدي فنحو: بطر يبطر، وفقه يفقه، ولحح يلحح، وشتر يشتر.
و
يكون على فعل يفعل ولا يكون إلا لما لا يتعدى. وذلك نحو: كرم يكرم، وشرف، وظرف.
فهذه أبنية الثلاثة.
و
اعلم أن حروف الحلق إذا وقعت من فعل المفتوح في موضع العين أو اللام جاء فيه يفعل
بالفتح؛ وذلك لأن حروف الحلق من حيز الألف، والفتحة منها.
و
إن كان حرف الحلق في موضع العين من الفعل انفتحت العين ليكون العمل من وجه واحد.
فأما
ما كانت منه في موضع اللام فسنذكره بعد ذكرنا حروف الحلق إن شاء الله.
و
هذه الحروف الستة: فأقصاها الهمزة والهاء، والمخرج الثاني العين والحاء، وأدنى
مخارج الحلق إلى الفم الغين والخاء.
فما
كان من ذلك في موضع اللام فنحو: قرأ يقرأ، وبسأ به يبسأ، وجبه يجبه، وصنع يصنع،
ونطح ينطح، وسنح يسنح، ومنح يمنح، وسلخ يسلخ، ونبغ ينبغ، ورقأ يرقأ.
و
ما كان في موضع العين فنحو: ذهب يذهب، وفعل يفعل، ونحل ينحل، ونهش ينهش، وجأر يجأر.
و
إن كان حرف الحلق في موضع الفاء لم يفتح له شيءٌ؛ وذلك أن الفاء لا تكون إلا ساكنة
في يفعل. وإنما تتحرك في المعتل بحركة غيرها، نحو: يقول ويبيع.
و
اعلم أن الأصل مستعملٌ فيما كانت حروف الحلق في موضع عينه أو لامه؛ نحو: زأر الأسد يزئر، ونأم ينئم؛لأن هذا هو
الأصل، والفتح عارض. لما ذكرت لك هاهنا من أجل مصادره ليجري الفعل عليها. ونحن
ذاكروها بعد ذكر أسماء الفاعلين في هذه الأفعال إن شاء الله.
هذا
باب
معرفة
أسماء الفاعلين في هذه الأفعال
وما
يلحقها من الزيادة للمبالغةاعلم أن الاسم من فعل على فاعل؛ نحو قولك: ضرب فهو
ضارب، وشتم فهو شاتم وكذلك فعل نحو: علم فهو عالم، وشرب فهو شارب.
فإن
أردت أن تكثر الفعل كان للتكثير أبنية: فمن ذلك فعال تقول: رجل قتال، إذا كان يكثر
القتل. فأما قاتلٌ فيكون للقليل والكثير؛ لأنه الأصل. وعلى هذا تقول: رجل ضرابٌ
وشتام، كما قال:
أخا
الحرب لباساً إليها جلالها ... و ليس بولاج الخوالف أعقلا
فهذا
ينصب المفعول كما ينصبه فاعلٌ؛ لأنك إنما تريد به ما تريد بفاعل، إلا أن هذا أكثر
مبالغةً؛ ألا تراه يقول: لباساً إليها جلالها. ومن كلام العرب: أما العسل فأنت شراب.
من
هذه الأبنية فعول؛ نحو: ضروب، وقتول، وركوب: تقول: هو ضروب زيداً، إذا كان يضربه
مرة بعد مرة. كما قال:
ضروبٌ
بنصل السيف سوق سمانها ... إذا عدموا زاداً فإنك عاقر
و
من كلام العرب: إنه ضروبٌ رؤوس الدارعين.
و
من هذه الأبنية مفعال؛ نحو: رجل مضراب، ورجل مقتال. ومن كلام العرب: إنه لمنحار
بوائكها.
فأما
ما كان على فعيل نحو:رحيم وعليم، فقد أجاز سيبويه النصب فيه، ولا أراه جائزاً.
و
ذلك أن فعيلا إنما هو اسم الفاعل من الفعل الذي لا يتعدى. فما خرج إليه من غير ذلك
الفعل فمضارع له ملحق به.
و
الفعل الذي هو لفعيل في الأصل إنما هو ما كان على فعل: نحو: كرم فهو كريم، وشرف
فهو شريف، وظرف فهو ظريف. فما خرج إليه من باب علم وشهد ورحم فهو ملحق به. فإن
قلت: راحم وعالم وشاهد، فهذا اسم الفاعل الذي يراد به الفعل. واحتج سيبويه بقول الشاعر:
حتى
شآها كليلٌ موهناً عملٌ ... باتت طراباً وبات الليل لم ينم
فجعل
البيت موضوعاً من فعيل وفعل بقوله: عمل، وكليل.
و
ليس هذا بحجة في واحد منهما؛ لأن موهناً ظرف وليس بمفعول، والظرف إنما يعمل فيه
معنى الفعل كعمل الفعل، كان الفعل متعدياً أو غير متعدٍّ.
و
كذلك ما ذكر في فعل. أكثر النحويين على رده، وفعيلٌ في قول النحويين بمنزلته. فما
كان على فعل فنحو: فرق، وبطر، وحذر.
و
الحجة في أن هذا لا يعمل أنه لما تنتقل إليه الهيئة. تقول: فلان حذر. أي: ذو حذر، وفلان بطرٌ، كقولك: ما كان ذا بطر
ولقد بطر، وما كان ذا حذر ولقد حذر. فإنما هو كقولك: ما كان ذا شرف ولقد شرف. وما
كان ذا كرم ولقد كرم.
ففعلٌ
مضارعة لفعيل. وكذلك يقع فعل وفعيل في معنى، كقولك: رجل طب وطبيب، ومذل ومذيل،
وهذا كثير جداً.
و
احتج سيبويه بهذا البيت:
حذرٌ
أموراً لا تضير، وآمنٌ ... ما ليس منجيه من الأقدر
و
هذا بيت موضوع محدث. وإنما القياس الحاكم على ما يجيء من هذا الضرب وغيره.
فإن
ذكرت فعولاً من غير فعل لم يجر مجرى الفعل، وذلك نحو قولك: هذا رسول. وليس بمنزلة
ضروب؛ لأنك تقول: رجل ضارب وضروب لمن يكثر الضرب منه. فإذا قلت: رسول لم ترد به معنى فعل، إنما تريد أن
غيره أرسله. والفعل منه أرسل يرسل. والمفعول مرسل.
و
ليس رسولٌ مكثراً من مرسل؛ لأن رسولاً قد يستقيم أن يكون أرسل مرةً واحدة، فليس
للمبالغة.
و
أما ضروبٌ فمعناه كثرة الضرب.
فإن
كانت الأسماء جاريةً على أفعالها في الفاعلين والمفعولين عملت عمل أفعالها. لا
اختلاف في ذلك بين أحد. ونحن ذاكروها مع ما ذكرنا إن شاء الله.
و
ذلك أنك إذا أردت التكثير من ذا قلت: مضربٌ أعناق القوم؛ لأن الاسم على ضرب مضرب.
وإنما ذكرنا النصب في ضراب، لأنه في معنى مضرب؛ ألا ترى أنك لا تقول لمن ضرب ضربةً
واحدةً: ضرابٌ، ولا لمن خاط خيطةً واحدةً: خياطٌ، ولا ضروبٌ، ولا خيوطٌ فإنما
مضربٌ من ضربت، ومستخرج من استخرجت، ومنطلق من انطلقت.
فاسم
الفاعل قلت حروفه أو كثرت بمنزلة الفعل المضارع الذي معناه يفعل. واسم المفعول جار
على الفعل المضارع الذي معناه يفعل. تقول: زيدٌ ضاربٌ عمراً؛ كما تقول: زيد يضرب عمراً. وزيد
مضروب سوطاً، كما تقول:
زيد
يضرب سوطاً.
فهذه
جملة هذا الباب.
و
اعلم أن المصادر تنصب الأفعال التي هي منها، وقد مضى قولنا في هذا وفي مصادر ما
جاوز عدده الثلاثة. ونحن ذاكرو المصادر التي تجري على الأفعال من ذوات الثلاثة على
كثرتها واختلافها بعد فراغنا من هذا الباب إن شاء الله.
اعلم
أن المصادر تلحقها الميم في أولها زائدةً؛ لأن المصدر مفعولٌ. فإذا كان كذلك جرى
مجرى المصدر الذي لا ميم فيه في الإعمال وغيره، وذلك قولك: ضربته مضرباً: أي ضرباً،
وغزوته غزواً ومغزىً، وشتمته شتماً ومشتماً.
و
تقول: يا عمرو مشتماً زيداً.
فإن
كان المصدر لفعل على أكثر من ثلاثة كان على مثال المفعول؛ لأن المصدر مفعول. وكذلك
إن بنيت من الفعل اسماً لمكان أو زمان، كان كل واحد منهما على مثال المفعول. لأن
الزمان والمكان مفعول فيهما. وذلك قولك في المصادر: أدخلته مدخلاً، كما قال عز وجل: " أنزلني
منزلاً مباركاً " و " باسم الله مجريها ومرساها " .
و
كذلك: سرحته مسرحاً، وهذا مسرحنا؛ أي في موضع تسريحنا، وهذا مقامنا؛ لأنك تريد به
المصدر والمكان من أقمت. وعلى ذلك قال الله عز وجل: " إنها ساءت مستقراً
ومقاماً " لأنها من أقمت. وقال: " يا أهل يثرب لا مقام لنا " لأنها
من قمت. موضع قيام ومن قرأ لا مقام إنما يريد: لا إقامة.
قال
الشاعر:
ألم
تعلم مسرحي القوافي ... فلا عياً بهن ولا اجتلابا
أي
تسريحي. وقال الآخر:
و
ما هي إلا في إزار وعلقةٍ ... مغار بن همامٍ على حي خثعما
أي
وقت إغارة ابن همام.
و
هذا أوضح من أن يكثر فيه الاحتجاج؛ لأن المصدر هو المفعول الصحيح؛ ألا ترى أنك إذا
قلت: ضربت زيداً، أنك لم تفعل زيداً وإنما فعلت الضرب، فأوصلته إلى زيد، وأوقعته
به، لأنك إنما أوقعت به فعلك. فأما قول الله عز وجل: " و جعلنا النهار معاشاً
" فمعناه: عيشاً، ثم قال: " و يسألونك عن المحيض " أي الحيض. فكان
أحد المصدرين على مفعل والآخر على مفعل.
و
قوله عز وجل: " سلامٌ هي حتى مطلع الفجر " .
و
مطلع الفجر وما أشبه هذا فله باب يذكر فيه إن شاء الله.
هذا
باب
مصادر
ذوات الثلاثة على اختلافها
وتبيين
الأصل فيهااعلم أن هذا الضرب من المصادر يجيء على أمثلة كثيرة بزوائد وغير زوائد؛
وذلك أن مجازها مجاز الأسماء، والأسماء لا تقع بقياس.
و
إنما استوت المصادر التي تجاوزت أفعالها ثلاثة أحرف فجرت على قياس واحد، لأن الفعل
منها لا يختلف. والثلاثة مختلفةٌ أفعالها الماضية والمضارعة؛ فلذلك اختلفت
مصادرها، وجرت مجرى سائر الأسماء.
فمنها
ما يجيء على فعل مفتوح الأول ساكن الثاني وهو الأصل، وسنبين الأصل إن شاء الله.
فما
جاء منها على فعل فقولك: ضربت ضرباً، وقتلت قتلاً، وشربت شرباً، ومكثت مكثاً. فهذا
قد جاء فيما كان على فعل يفعل؛ نحو: ضرب يضرب، وعلى فعل يفعل نحو: قتل يقتل، وعلى
فعل يفعل، نحو: شرب يشرب ولقم يلقم، وعلى فعل يفعل؛ نحو: مكث يمكث.
و
يقع على فعلٍ وفعلٍ بإسكان الثاني وكسر الأول أو ضمه.
فأما
الكسر فنحو: علم علماً، وحلم حلماً، وفقه فقهاً، وكذلك فقه.
و
أما ما كان مضموم الأول فنحو: الشغل تقول: شغلته شغلاً، وشربته شرباً، وسقم الرجل
سقماً.
و
يكون على فعلٍ؛ نحو جلبته جلباً، وطربت طرباً، وحلب الرجل الشاة حلباً.
و
يكون على فعلٍ؛ نحو: سمن سمناً، وعظم عظماً، وكبر كبراً، وصغر صغراً.
و
يكون على فعلٍ؛ نحو: ضحك ضحكاً، وحلف حلفاً، وخنقه خنقاً.
هذه
المصادر بغير زيادة.
و
تكون الزيادة فيكون على فعولٍ وفعال، نحو: جلس جلوساً، وقعد قعوداً، ووقدت النار
وقوداً، وشكرته شكوراً، وكفرته كفوراً.
و
الفعال، نحو: قمت قياماً، وصمت صياماً، ولقيته لقاءً.
و
يكون على فعال؛ نحو: ذهبت ذهاباً، وخفيت خفاءً، وشربت شراباً. يقول بعضهم. هو مصدر. وأما أكثر النحويين فالشراب عنده
المشروب. وهذا لا خلاف فيه. وإنما تزعم طائفة أنه يكون للمصدر.
و
تقول: جمل جمالاً، وخبل خبالاً، وكمل كمالاً.
و
يكون على هذا الوزن بالهاء نحو: سفه سفاهةً، وضل ضلالةً، وجهل جهالةً، وسقم سقامةً.
و
يكون في المعتل منه بناءٌ لا يوجد مثله في الصحيح. وذلك أنك لا تجد مصدراً على
فيعلولة إلا في المعتل؛ وذلك شاخ شيخوخة، وصار صيرورة، وكان كينونة. إنما كان الأصل كينونة، وصيرورة وشيخوخة.
وكان قبل الإدغام كيونونةً. ولكن لما كثر العدد ألزموه التخفيف كراهية للتضعيف.
و
مثل ذلك قولهم في هين: هين، وفي سيد: سيد، وكذلك ميت، وميت، ولين ولين.
و
جميع ما كان على هذا الوزن. فلما كان التخفيف في العدد الأقل جائزاً كان في العدد
الأكثر لازماً.
و
لا يوجد مصدر على فيعلولة في غير المعتل؛ لأن من كلامهم اختصاص المعتل بأبنية لا
تكون في غيره. والدليل على أنه فيعلول أنه لا يكون اسم على فعلول بفتح أوله، ولم
يوجد ذلك إلا في قولهم: صعفوقٌ ويقال: إنه اسم أعجمي أعرب.
و
من الدليل على ذلك أن كينونة لو كان فعلولة لكان كونونة، لأنه من الواو، فهذا واضح
جداً.
و
الدليل على أن أصل المصادر في الثلاثة فعل مسكن الأوسط مفتوح الأول أنك إذا أردت
رد جميع هذه المصادر إلى المرة الواحدة فإنما ترجع إلى فعلة على أي بناء كان
بزيادة أو غير زيادة. وذلك قولهم: ذهبت ذهاباً ثم تقول: ذهبت ذهبةً واحدة. وتقول
في القعود: قعدت قعدة واحدة، وحلفت حلفة واحدة، وحلبته حلبة واحدة. لا يكون في
جميع ذلك إلا هكذا.
و
الفعل أقل الأصول والفتحة أخف الحركات. ولا يثبت في الكلام بعد هذا حرف زائد ولا
حركة إلا بثبت وتصحيح.
و
زعم سيبويه أن الأكثر في الفعل الذي لا يتعدى إلى المفعول أن يأتي على فعول وإن
كان الفعل هو الأصل. فكأن الواو إنما زيدت وغير للفصل بين المتعدي وغيره؛ وذلك
نحو: جلست جلوساً، ووقدت النار وقوداً، وإن كان الأصل ما ذكرنا. وقد يجيء هذا فيما
لا يتعدى أكثر.
و
جاءت مصادر على فعول مفتوحة الأوائل؛ وذلك قولك: توضأت وضوءً حسناً، وتطهرت
طهوراً، وأولعت به ولوعاً، ووقدت النار وقوداً، وإن عليه لقبولاً. على أن الضم في
الوقود أكثر إذا كان مصدراً وأحسن.
هذا
باب
ما
كان من المعتل فيما جاوز فعله الثلاثة
فلزمه
الحذف لاعتلاله والإتمام لسلامتهاعلم أن المعتل يقع على ضربين: محذوفاً، ومتمماً.
فما
لزمه الحذف لعلة تكون تلك العلة راجعة في مصدره فمصدره معتل كاعتلاله. وما سلم من
الحذف فعله كان مصدره تاماً.
فمن
ذلك ما يكون من الثلاثة مما فاؤه واو، وذلك نحو: وعد ووجد. فإذا قلت: يعد ويجد
وقعت الواو بين ياءٍ وكسرة فحذفت لذلك، فكان يعد ويجد. وكان الأصل: يوعد ويوجد. ولو لم تكن الكسرة بعد الياء
لصحت؛ كما تصح في يوجل، أو أبدلت ولم تحذف: كما تقول: ييجل وييحل، وياجل وياحل.
فإذا
قلت: وعداً، ووزناً صح المصدر؛ لأنه لم تلحقه علة.
فإن
قلت: عدة وزنة أعللت فحذفت؛ لأن الكسرة في الواو.
فالعلة
في المصدر من جهتين: إحداهما: علة فعله، والثانية: وقوعها فيه؛ ألا ترى أنها لو
كانت علة الفعل وحدها لصح المصدر كما ذكرت لك في الوعد والوزن.
و
لو بنيت اسماً على فعلة لا تريد به مصدراً لصحت الواو وذلك مثل الوجهة، فكذلك كل
مصدر من المعتل. وهذا الذي قدمت ما اعتلت فاؤه.
و
الذي تعتل عينه من باب قال وباع هذا مجراه، تقول: قمت قياماً فإنما حذفت موضع
العين من قمت؛ لاجتماع الساكنين. ولم يلتق في المصدر ساكنان، ولكن يلزمك لاعتلال
الفعل أن تقلب الواو ياءً، لأن قبلها كسرةً. فقد اجتمع فيها شيئان: الكسرة قبلها،
واعتلال الفعل. فلذلك قلت: لذت لياذاً، ونمت نياماً، وقمت قياماً.
و
لو كان المصدر ل قاومت لصح فقلت: قاومته قواما، ولاوذته لواذاً.
و
كان اسماً غير مصدر نحو: خوان.
فإن
كان المصدر لا علة فيه صح على ما ذكرت لك. وذلك قولك: قلت قولاً، وجلت جولاً،
وكذلك بعت بيعاً، وكلت كيلاً. لا نقص في شيء من ذلك.
و
كذلك إن اعتلت اللام فلحقت المصدر تلك العلة والفعل بزيادة أو غير زيادة.
هذا
باب
الأمر
والنهيفما كان منهما مجزوماً فإنما جزمه بعامل مدخلٍ عليه. فاللازم له اللام. وذلك
قولك: ليقم زيد. ليذهب عبد الله. وتقول: زرني ولأزرك، فتدخل اللام؛ لأن الأمر لك.
فأما
إذا كان المأمور مخاطباً ففعله مبنيٌّ غير مجزوم وذلك قولك: اذهب. وانطلق.
و
قد كان قوم من النحويين يزعمون أن هذا مجزوم، وذلك خطأ فاحش؛ وذلك لأن الإعراب لا
يدخل من الأفعال إلا فيما كان مضارعاً للأسماء.
و
الأفعال المضارعة هي التي في أوائلها الزوائد الأربع: الياء، والتاء، والهمزة،
والنون. وذلك قولك: أفعل أنا، وتفعل أنت، ويفعل هو، ونفعل نحن. فإنما تدخل عليها العوامل وهي على هذا
اللفظ.
و
قولك: اضرب، وقم ليس فيه شيء من حروف المضارعة، ولو كانت فيه لم يجز جزمه إلا بحرف
يدخل عليه فيجزمه. فهذا بين جداً.
و
يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ " فبذلك فلتفرحوا " فهذا مجزوم
جزمته اللام وجاءت هذه القراءة على أصل الأمر، فإذا لم يكن الأمر للحاضر المخاطب
فلا بد من إدخال اللام، تقول: ليقم زيد، وتقول: زر زيداً وليزرك. إذا كان الأمر
لهما؛ لأن زيداً غائب، ولا يكون الأمر له إلا بإدخال اللام.
و
كذلك إن قلت: ضرب زيد فأردت الأمر من هذا: ليضرب زيد، لأن المأمور ليس بمواجه.
و
اعلم أن الدعاء بمنزلة الأمر والنهي في الجزم والحذف عند المخاطبة، وإنما قيل:
دعاء وطلبٌ للمعنى؛ لأنك تأمر من هو دونك، وتطلب إلى من أنت دونه. وذلك قولك: ليغفر الله لزيد وتقول: اللهم
اغفر لي؛ كما تقول: اضرب عمراً.
فأما
قولك: غفر الله لزيد، ورحم الله زيداً، ونحو ذلك فإن لفظه لفظ الخبر ومعناه الطلب؛
وإنما كان كذلك ليعلم السامع أنك لا تخبر عن الله عز وجل وإنما تسأله. كما أن
قولك: علم الله لأقومن. إنما لفظه لفظ رزق الله ومعناه القسم؛ لأنك في قولك: علم
مستشهدٌ.
و
تقول: يا زيد ليقم إليك عمرو، ويا زيد لتدع بني عمرو.
و
النحويون يجيزون إضمار هذه اللام للشاعر إذا اضطر، ويستشهدون على ذلك بقول متمم بن
نويرة:
على
مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ... لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى
يريد:
أو ليبك من بكى. وقول الآخر:
محمد
تفد نفسك كل نفسٍ ... إذا ما خفت من شيءٍ تبالا
فلا
أرى ذلك على ما قالوا؛ لأن عوامل الأفعال لا تضمر، وأضعفها الجازمة؛ لأن الجزم في
الأفعال نظير الخفض في الأسماء. ولكن بيت متمم حمل على المعنى؛ لأنه إذا قال:
فاخمشي فهو في موضع فلتخمشي، فعطف الثاني على المعنى.
و
أما هذا البيت الأخير فليس بمعروف، على أنه في كتاب سيبويه على ما ذكرت لك.
و
تقول: ليقم زيد، ويقعد خالد، وينطلق عبد الله؛ لأنك عطفت على اللام.
و
لو قلت: قم ويقعد زيد لم يجز الجزم في الكلام. ولكن لو اضطر شاعر فحمله على موضع
الأول لأنه مما كان حقه اللام كان على ما وصفت لك.
و
اعلم أن هذه اللام مكسورةٌ إذا ابتدئت فإذا كان قبلها فاء أو واو فهي على حالها في
الكسر. وقد يجوز إسكانها، وهو أكثر على الألسن. تقول: قم وليقم زيد " فلتقم
طائفةٌ منهم معك " " ولتكن منكم أمةٌ " . وإنما جاز ذلك؛ لأن الواو
والفاء لا ينفصلان، لأنه لا يتكلم بحرف واحد. فصارتا بمنزلة ما هو في الكلمة،
فأسكنت اللام هرباً من الكسرة. كقولك في علم: علم، وفي فخذ: فخذ.
و
أما قراءة من قرأ ثم ليقطع فلينظر. فإن الإسكان في لام فلينظر جيد وفي لام ليقطع
لحنٌ؛ لأن ثم منفصلة من الكلمة. وقد قرأ بذلك يعقوب بن إسحاق الحضرمي.
فأما
حرف النهي فهو لا. وهو يقع على فعل الشاهد والغائب، وذلك قولك: لا يقم زيد، ولا
تقم يا رجل، ولا تقومي يا امرأة. فالفعل بعده مجزوم به.
و
تقول: لا يقم زيد ولا يقعد عبد الله، إن عطفت نهياً على نهي. وإن شئت قلت: لا يقم
زيد، ويقعد عبد الله. وهو بإعادتك لا أوضح؛ وذلك لأنك إذا قلت: لا يقم زيد، ولا
يقعد عبد الله تبين لك أنك قد نهيت كل واحد منهما على حياله.
و
إذا قلت: ويقعد عبد الله بغير لا فهذا وجه.
و
قد يجوز أن يقع عند السامع أنك أردت: لا يجتمع هذان. فإن قعد عبد الله، ولم يقم
زيد لم يكن المأمور مخالفاً. وكذلك إن لم يقم زيد، وقعد عبد الله.
و
لا المؤكدة تدخل في النفي لمعنىً. تقول: ما جاءني زيد ولا عمرو إذا أردت أنه لم
يأتك واحد منهما، على انفراد ولا مع صاحبه؛ لأنك لو قلت: لم يأتني زيد وعمرو وقد
أتاك أحدهما لم تكن كاذباً. ف لا في قولك: لا يقم زيد، ولا يقم عمرو يجوز أن تكون
التي للنهي، وتكون المؤكدة التي تقع لما ذكرت لك في كل نفي.
واعلم
أن الطلب من النهي بمنزلته من الأمر، يجري على لفظه كما جرى على لفظ الأمر؛ ألا
ترى أنك لا تقول: نهيت من فوقي ولكن طلبت إليه. وذلك قولك: لا يقطع الله يد فلان، ولا يصنع الله
لعمرو. فالمخرج واحد، والمعنى مختلف.
و
اعلم أن جواب الأمر والنهي ينجزم بالأمر والنهي؛ كما ينجزم جواب الجزاء بالجزاء؛
وذلك لأن جواب الأمر والنهي يرجع إلى أن يكون جزاءً صحيحاً. وذلك قولك: ائتني
أكرمك، لأن المعنى: فإنك إن تأتني أكرمك؛ ألا ترى أن الإكرام إنما يستحق بالإتيانو
كذلك: لا تأت زيداً يكن خيراً لك؛ لأن المعنى: فإنك إلا تأته يكن خيراً لك.
و
لو قال على هذا: لا تدن من الأسد يأكلك كان محالاً؛ لأنه إذا قال: لا تدن فإنما
هو: تباعد، فتباعده منه لا يكون سبباً لأكله إياه. ولكن إن رفع جاز، فيكون المعنى:
لا تدن من الأسد ثم قال: إنه مما يأكلك.
وإنما
انجزم جواب الاستفهام؛ لأنه يرجع من الجزاء إلى ما يرجع إليه جواب الأمر والنهي
وذلك قولك: أين بيتك أزرك؟ لأن المعنى: بإن أعرفه أزرك وكذلك هل تأتيني أعطك،
وأحسن إليك؛لأن المعنى:
فإنك
إن تفعل أفعل.
فأما
قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذابٍ
أليمٍ " ثم قال: " تؤمنون بالله ورسوله " فإن هذا ليس بجواب، ولكنه شرح ما دعوا
إليه، والجواب: " يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم " .
فإن
قال قائل: فهلا كان الشرح أن تؤمنوا، لأنه بدل من تجارة؟ فالجواب في ذلك أن الفعل
يكون دليلاً على مصدره، فإذا ذكرت ما يدل على الشيء فهو كذكرك إياه؛ ألا ترى أنهم
يقولون: من كذب كان شراً، يريدون: كان الكذب وقال الله عز وجل: " و لا يحسبن
الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم " لأن المعنى: البخل هو
خيراً لهم، فدل عليه بقوله يبخلون. وقال الشاعر:
ألا
أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... و أن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فالمعنى:
عن أن أحضر الوغى، كقولك: عن حضور الوغى. فلما ذكر أحضر الوغى دل على الحضور. وقد
نصبه قوم على إضمار أن وقدموا الرفع.
و
سنذكر ذلك باستقصاء العلة فيه إن شاء الله.
فأما
الرفع فلأن الأفعال لا تضمر عواملها، فإذا حذفت رفع الفعل وكان دالاً على مصدره
بمنزلة الآية وهي " هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم " ثم قال:
تؤمنون.
و
كذلك لو قال قائل: ماذا يصنع زيد؟ فقلت:يأكل أو يصلي لأغناك عن أن تقول:الأكل أو
الصلاة. ألا ترى أن الفعل إنما مفعوله اللازم له إنما هو المصدر، لأن قولك: قد قام
زيد بمنزلة قولك: قد كان منه قيام، والقيام هو النوع الذي تعرفه وتفهمه ولو قلت:
ضرب زيد لعلمت أنه قد فعل ضرباً واصلاً إلى مضروب، إلا أنك لا تعرف المضروب بقوله:
ضرب وتعرف المصدر.
و
أما الذين نصبوا فلم يأبوا الرفع، ولكنهم أجازوا معه النصب؛ لأن المعنى إنما حقه
بأن، وقد أبان ذلك فيما بعده بقوله: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي؟. فجعله بمنزلة
الأسماء التي يجيء بعضها محذوفاً للدلالة عليه.
وفي
كتاب الله عز وجل: " يسأله من في السماوات والأرض " فالقول عندنا أن من
مشتملة على الجميع؛ لأنها تقع للجميع على لفظ الواحد.
وقد
ذهب هؤلاء القوم إلى أن المعنى: ومن في الأرض. وليس المعنى عندي كما قالوا وقالوا
في بيت حسان:
فمن
يهجوا رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
إنما
المعنى: ومن يمدحه وينصره. وليس الأمر عند أهل النظر كذلك؛ ولكنه جعل من نكرةً،
وجعل الفعل وصفاً لها، ثم أقام في الثانية الوصف مقام الموصوف. فكأنه قال: وواحد يمدحه وينصره، لأن الوصف
يقع في موضع الموصوف، إذ كان دالاً عليه.
و
على هذا قول الله عز وجل: " و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به " .
و
قال الشاعر:
هل
الدهر إلا تارتان فتارةٌ ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
يريد:
وتارة أخرى: و قال:
كأنك
من جمال بني أقيشٍ ... يقعقع خلف رجليه بشن
يريد:
كأنك جمل، وكذلك قال: يقعقع خلف رجليه.
و
قال آخر:
و
ما منهما إلا يسر بنسبةٍ ... تقربه مني وإن كان ذا نفر
يريد:
وما منهما أحد: و قالوا في أشد من ذا:
ما
لك عندي غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر
جادت
بكفي كان من أرمى البشر
فهذا
ما ذكرت لك من اختلافهم واختيار أحد القولين.
هذا
باب
ما
وقع من الأفعال للجنس على معناها
وتلك
الأفعال: نعم، وبئس وما وقع في معناهمااعلم أن نعم وبئس كان أصلهما نعم وبئس، إلا
أنه ما كان ثانيه حرفا ًمن حروف الحلق مما هو على فعل جازت فيه أربعة أوجه اسماً
كان أو فعلاً. وذلك قولك: نعم وبئس على التمام وفخذ، ويجوز أن تكسر الأول لكسرة
الثاني فتقول: نعم وبئس وفخذ.و يجوز الإسكان، كما تسكن المضمومات والمكسورات إذ كن
غير أول. وقد تقدم قولنا في ذلك. فيقول من قولك فخذ: فخذ، وعلم: علم ومن نعم: نعم
ومن قولك: فخذ فخذ، ونعم وبئس.
و
حروف الحلق ستة: الهمزة والهاء وهما أقصاه، والعين والحاء وهما من أوسطه، والغين
والخاء وهما من أوله مما يلي اللسان. فكان أصل نعم وبئس ما ذكرت لك. إلا أنهما
الأصل في المدح والذم. فلما كثر استعمالهما ألزما التخفيف، وجريا فيه وفي الكسرة
كالمثل الذي يلزم طريقةً واحدة.
و
قد يقول بعضهم نعم. وكل ذلك جائزٌ حسن إذا أثرت استعماله، أعني الوجوه الأربعة.
قال
الشاعر:
ففداءٌ
لبني قيس على ... ما أصاب الناس من سوءٍ وضر
ما
أقلت قدمي أنهم ... نعم الساعون في الأمر المبر
و
أما ما ذكرت لك أنه يقع في معناهما مقارباً لهما فنحو: فعل نحو: لكرم زيد، ولظرف
زيد. وكذلك حبذا. ونحن ذاكرو كل باب من هذا على حياله إن شاء الله.
أما
نعم وبئس فلا يقعان إلا على مضمر يفسره ما بعده والتفسير لازم.
أو
على معرفة بالألف واللام على معنى الجنس، ثم يذكر بعدها المحمود والمذموم.
فأما
ما كان معرفةً بالألف واللام فنحو قولك: نعم الرجل زيدٌ، وبئس الرجل عبد الله،
ونعم الدار دارك. وإن شئت قلت: نعمت الدار. لما أذكره لك إن شاء الله، وبئست الدابة
دابتك.
و
أما قولك: الرجل، والدابة، والدار. فمرتفعات بنعم وبئس؛ لأنهما فعلان يرتفع بهما
فاعلاهما.
و
أما قولك: زيد، وما أشبهه فإن رفعه على ضربين: أحدهما: أنك لما قلت: نعم الرجل
فكأنه معناه محمود في الرجال قلت: زيد على التفسير كأنه قيل: من هذا المحمود؟ فقلت:
هو زيد.
و
الوجه الآخر: أن تكون أردت بزيد التقديم فأخرته، وكان موضعه أن تقول: زيد نعم
الرجل.
فإن
زعم زاعم أن قولك: نعم الرجل زيد إنما زيد بدلٌ من الرجل مرتفع بما ارتفع به،
كقولك: مررت بأخيك زيدٍ، وجاءني الرجل عبد الله. قيل له: إن قولك: جاءني الرجل عبد الله، إنما تقديره إذا
طرحت الرجل : جاءني عبد الله. فقل: نعم زيدٌ؛ لأنك تزعم أنه بنعم مرتفع. وهذا محال؛
لأن الرجل ليس يقصد به إلى واحد بعينه؛ كما تقول: جاءني الرجل، أي: جاءني الرجل
الذي تعرف. وإنما هو واحد من الرجال على غير معهود تريد به هذا الجنس. ويؤول نعم الرجل
في التقدير إلى أنك تريد معنى محموداً في الرجال، ثم تعرف المخاطب من هذا المحمود؟.
و
إذا قلت: بئس الرجل، فمعناه: مذموم في الرجال. ثم تفسر من هذا المذموم؟ بقولك: زيد.
فالرجل
وما ذكرت لك مما فيه الألف واللام دالٌّ على الجنس، والمذكور بعد هو المختص بالحمد
والذم. وهذا هاهنا بمنزلة قولك: فلان يفرق الأسد، إنما تريد هذا الجنس، ولست تعني
أسداً معهوداً وكذلك: فلان يحب الدينار والدرهم، وأهلك الناس الدينار والدرهم،
وأهلك الناس الشاة والبعير. وقال الله عز وجل: " و العصر إن الإنسان لفي خسر
" فهو واقع على الجنس؛ ألا تراه يقول: " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات "
وقال: " إن الإنسان خلق هلوعاً " . وقال: " إلا المصلين " .
و
اعلم أن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام، وذلك قولك: نعم أخو القوم
أنت، وبئس صاحب الرجل عبد الله.
و
لو قلت: نعم الذي في الدار أنت لم يجز، لأن الذي بصلته مقصود إليه بعينه. فقد خرج من موضع الاسم الذي لا يكون للجنس
وتقول: نعم القائم أنت. ونعم الداخل الدار أنت. والدار بالنصب والخفض، والنصب أجود
على ما ذكرت لك. لأن تعريفك يقع كتعريف الغلام وإن كان معناه الذي.
فإن
قلت: قد جاء " و الذي جاء بالصدق وصدق به " فمعناه الجنس. فإن الذي إذا
كانت على هذا المذهب صلحت بعد نعم وبئس. وإنما يكره بعد هذا تلك المخصوصة.
و
كذلك لو قلت: نعم القائم في الدار أنت. وأنت تريد به واحداً على معنى الذي
المخصوصة لم يجز؛ لما ذكرت لك من تعريف الجنس. فهذا تفسير ما يقع عليه من المعارف التي
بالألف واللام.
و
أما وقوعها على المضمر الذي يفسره ما بعده فهو قوله: نعم رجلاً أنت، وبئس في الدار
رجلاً أنت، ونعم دابةً دابتك. فالمعنى في ذلك: أن في نعم مضمراً يفسره ما بعده وهو
هذا المذكور المنصوب؛ لأن المبهمة من الأعداد وغيرها إنما يفسرها التبيين. كقولك:
عندي عشرون رجلاً، وهو خير منك عبداً؛ لأنك لما قلت: عشرون أبهمت فلم يدر على أي
شيءٍ هذا العدد وقع؟، فقلت: رجلاً ونحوه، لتبين نوع هذا العدد، وهو خير منك عبداً؛
لأنك إذا قلت: هو خير منك لم يدر فيم فضلته عليه؟، فإذا قلت: أباً، أو عبداً، أو
نحوه فإنما تفضله في ذلك النوع. فكذلك نعم.
و
الإضافة نحو قولك: هو أفضلهم عبداً، وعلى التمرة مثلها زبداً. فإن قال قائل: فهل
يكون المضمر مقدماً؟. قيل: يكون ذاك إذا كان التفسير له لازماً. فمن ذلك قولك: إنه عبد الله منطلقٌ. وكان زيدٌ خيرٌ منك؛
لأن المعنى: إن الحديث أو إن الأمر عبد الله منطلقٌ، وكان الحديث زيد خير منك،
ولهذا باب يفرد بتفسيره.
قال
الله عز وجل: " إنه من يأت ربه مجرماً " أي: إن الخبر.
و
منها قولك في إعمال الأول والثاني: ضربوني، وضربت إخوتك؛ لأن الذي بعده من ذكره الأخوة
يفسره فكذلك هذا. قال الله عز وجل: " بئس للظالمين بدلاً " وقال: " نعم العبد إنه أواب
" ، لأنه ذكر قبل فكذلك جميع هذا.
و
أما حبذا فإنما كانت في الأصل: حبذا الشيء؛ لأن ذا اسم مبهم يقع على كل شيءٍ.
فإنما هو حب هذا، مثل قولك: كرم هذا. ثم جعلت حب وذا اسماً واحداً، فصار مبتدأ،
ولزم طريقة واحدة على ما وصفت لك في نعم فتقول: حبذا عبد الله، وحبذا أمة الله.
و
لا يجوز: حبذه؛ لأنهما جعلا اسماً واحداً في معنى المدح، فانتقلا عما كانا عليه
قبل التسمية؛ كما يكون ذلك في الأمثال؛ نحو: أطري فإنك ناعلة ونحو الصيف ضيعت
اللبن؛ لأن أصل المثل إنما كان لامرأة، فإنما يضرب لكل واحد على ما جرى في الأصل.
فإذا قلته للرجل فإنما معناه: أنت عندي بمنزلة التي قيل لها هذا.
فأما
قولك: نعمت وبئست إذا عنيت المؤنث؛ فلأنهما فعلان لم يخرجا من باب الأفعال إلى
التسمية؛ كما فعل بحب وذا وكأنهما على منهاج الأفعال.
و
من قال: نعم المرأة وما أشبهه فلأنهما فعلان قد كثرا، وصارا في المدح والذم أصلاً؛
والحذف موجود في كل ما كثر استعمالهم إياه.
فأما
ضرب جاريتك زيداً، وجاء أمتك، وقام هندٌ فغير جائز؛ لأن تأنيث هذا تأنيثٌ حقيقي.
ولو كان من غير الحيوان لصلح وكان جيداً؛ نحو: هدم دارك، وعمر بلدتك؛ لأنه تأنيث
لفظ لا حقيقة تحته، كما قال عز وجل: " و أخذ الذين ظلموا الصيحة " وقال:
" فمن جاءه موعظةٌ من ربه " . وقال الشاعر:
لئيم
يحك قفا مقرفٍ ... لئيم مآثره قعدد
و
قال الآخر:
بعيد
الغزاة فما إن يزا ... ل مضطمراً طرتاه طليحا
و
أما:
لقد
ولد الأخيطل أم سوءٍ
فإنما
جاز للضرورة في الشعر جوازاً حسناً. ولو كان مثله في الكلام لكان عند النحويين
جائزاً على بعدٍ. وجوازه للتفرقة بين الاسم والفعل بكلام. فتقديرهم أن ذلك الكلام صار عوضاً عن علامة
التأنيث؛ نحو: حضر القاضي اليوم امرأةٌ، ونزل دارك ودار زيد جاريةٌ. والوجه ما
ذكرت لك.
و
من أولى الفعل مؤنثاً حقيقياً لم يجز عندي حذف علامة التأنيث فأما قوله:
فكان
مجني دونً من كنت أتقي ... ثلاث شخوصٍ كاعبان ومعصر
فإنما
أنث الشخوص على المعنى؛ لأنه قصد إلى النساء، وأبان ذلك بقوله: كاعبان ومعصر.
و
مثل ذلك:
فإن
كلاباً هذه عشر أبطنٍ ... و أنت بريءٌ من قبائلها العشر
و
قال الله عز وجل: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " والتقدير والله
أعلم : فله عشر حسناتٍ أمثالها.
فيقول
على هذا: هذه الدار نعمت البلد؛ لأنك إنما عنيت بالبلد داراً. وكذلك هذا البلد نعم
الدار؛ لأنك إنما قصدت إلى البلد.
و
اعلم أنه لا يجوز أن تقول: قومك نعموا رجالاً، كما تقول: قومك قاموا. ولا قومك
بئسوا رجالاً، ولا أخواك بئسا رجلين، كما تقول: أخواك قاما؛ لأن نعم وبئس إنما
تقعان مضمراً فيهما فاعلاهما قبل الذكر يفسرهما ما بعدهما من التمييز. ولو كانا
مما يضمر فيه لخرجا إلى منهاج سائر الأفعال، ولم يكن فيهما من المعاني ما شرحناه
في صدر الباب. فإنما موضعهما أن يقعا على مضمر يفسره ما بعده، أو على مرفوع بالألف
واللام تعريف الجنس لما ذكرت لك.
و
اعلم أنه لا يجوز أن تقول: زيدٌ نعم الرجل، والرجل غير زيد؛ لأن نعم الرجل خبر عن
زيد. وليس بمنزلة قولك: زيد قام الرجل؛ لأن نعم الرجل محمود في الرجال؛ كما أنك
إذا قلت: زيد فاره العبد لم يكن الفاره من العبيد إلا ما كان له، لولا ذلك لم يكن
فارهٌ خبراً له.
و
اعلم أنه ما كان مثل كرم زيدٌ، وشرف عمرو فإنما معناه في المدح معنى ما تعجبت منه
نحو: ما أشرفه، ونحو ذلك أشرف به. وكذلك معنى نعم إذا أردت المدح، ومعنى بئس إذا
أردت الذم. ومن ذلك قوله عز وجل: " ساء مثلاً القوم " ؛ كما تقول: نعم
رجلاً أخوك، وكرم رجلاً عبد الله.
و
اعلم أنك إذا قلت: نعم الرجل رجلاً زيد، فقولك: رجلاً توكيد: لأنه مستغنى عنه بذكر
الرجل أولاً. وإنما هذا بمنزلة قولك: عندي من الدراهم عشرون درهماً. إنما ذكرت
الدرهم توكيداً، ولو لم تذكره لم تحتج إليه. وعلى هذا قول الشاعر:
تزود
مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
فأما
قولك: حسبك به رجلاً، وويحه رجلاً، وما أشبهه فإن هذا لا يكون إلا على مذكور قد
تقدم. وكذلك: كفى به فارساً، وأبرحت فارساً. قال الشاعر:
و
مرة يرميهم إذا ما تبددوا ... و يطعنهم شزراً فأبرحت فارسا
على
معنى التعجب: فأما قولهم: ما رأيت كاليوم رجلاً، فالمعنى: ما رأيت مثل رجلٍ أراه
اليوم رجلاً، أي: ما رأيت مثله في الرجال. ولكنه. حذف لكثرة استعمالهم له، وأن فيه
دليلاً؛ كما قالوا: لا عليك؛ أي: لا بأس عليك، وكما قالوا: افعل هذا إما لا، أي:
إن كنت لا تفعل غيره. فما زائدة، والتقدير: إن لا تفعل غير هذا فافعل هذا. وكذلك
قولهم: عندي درهم ليس غير وليس إلا.
و
أما قوله:
يا
صاحبي دنا المسير فسيرا ... لا كالعشية زائراً ومزورا
فعلى
إضمار فعلٍ كأنه قال: لا أرى كالعشية أي كواحد أراه العشية؛ لأن الزائر والمزور
ليسا بالعشية فيكون بمنزلة: لا كزيد رجلاً.
هذا
باب
العدد
وتفسير وجوهه
العلة
فيما وقع منه مختلفاً
اعلم
أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زائدتان: الأولى منهما: حرف اللين والمد، وهي الألف في
الرفع، والياء في الجر والنصب.
و
الزائدة الثانية: النون، وحركتها الكسر، وكان حقها أن تكون ساكنة ولكنها حركت
لالتقاء الساكنين، وكسرت على حقيقة ما يقع في الساكنين إذا التقيا. وذلك قولك: هما المسلمان. ورأيت المسلمين.
فأما
سيبويه فيزعم أن الألف حرف الإعراب، وكذلك الياء في الخفض والنصب.
و
كان الجرمي يزعم أن الألف حرف الإعراب؛ كما قال سيبويه، وكان يزعم أن انقلابها هو
الإعراب.
و
كان غيرهما يزعم أن الألف والياء هما الإعراب. فإذا قيل له: فأين حرف الإعراب؟
قال: إنما يكون الإعراب في الحرف إذا كان حركة. فأما إذا كان حرفاً قام بنفسه.
و
القول الذي نختاره، ونزعم أنه لا يجوز غيره قول أبي الحسن الأخفش؛ وذلك أنه يزعم
أن الألف إن كانت حرف إعراب فينبغي أن يكون فيها إعراب هو غيرها؛ كما كان في الدال
من زيد، ونحوها، ولكنها دليل على الإعراب؛ لأنه لا يكون حرف إعراب ولا إعراب فيه،
ولا يكون إعراب إلا في حرف.
و
يقال لأبي عمر: إذا زعمت أن الألف حرف إعراب، وأن انقلابها هو الإعراب فقد لزمك في
ذلك شيئان: أحدهما: أنك تزعم أن الإعراب معنى، وليس بلفظ، فهذا خلاف ما أعطيته في
الواحد.
و
الشيء الآخر: أنك تعلم أن أول أحوال الاسم الرفع. فأول ما وقعت التثنية وقعت
والألف فيها، فقد وجب ألا يكون فيها في موضع الرفع إعراب؛ لأنه لا انقلاب معها.
و
قولنا: دليل على الإعراب، إنما هو أنك تعلم أن الموضع موضع رفع إذا رأيت الألف،
وموضع خفض ونصب إذا رأيت الياء، وكذلك الجمع بالواو والنون إذا قلت: مسلمون، ومسلمين.
وكذلك ما كان المفهم لموضعه حرفاً نحو قولك: أخوك وأخاك وأخيك، وأبوك وأباك وأبيك،
وذو مال وذا مال، وذي مال، وجميع هذه التي يسميها الكوفيون معربةً من مكانين. لا
يصلح في القياس إلا ما ذكرنا.
و
الزائدة الثانية النون إنما هي بدل مما كان في الواحد من الحركة والتنوين وقد مضى
القول في هذا.
و
اعلم أنك إذا ذكرت الواحد فقلت: رجل أو فرس أو نحو ذلك، فقد اجتمع لك فيه معرفة
العدد ومعرفة النوع.
إذا
ثنيت فقلت: رجلان أو فرسان، فقد جمعت العدد والنوع. وإذا قلت: ثلاثة أفراس لم
يجتمع لك في ثلاثة العدد والنوع، ولكنك ذكرت العدة ثم أضفتها إلى ما تريد من
الأنواع.
و
كان قياس هذا أن تقول: واحد رجالٍ، واثنا رجال. ولكنك أمكنك أن تذكر الرجل باسمه فيجتمع لك فيه
الأمران. ولما كانت التثنية التي هي لضرب واحد من العدد أمكنك ذلك من لفظ الواحد
فقلت: رجلان، وغلامان، ولم يحسن ذلك في الجمع، لأنه غير مخطور، ولا موقوف على عدة،
ولا يفصل بعضه من بعض.
و
لو أراد مريد في التثنية ما يريده في الجمع لجاز ذلك في الشعر؛ لأنه كان الأصل،
لأن التثنية جمع. وإنما معنى قولك: جمع: أنه ضم شيءٍ إلى شيءٍ. فمن ذلك قول الشاعر:
كأن
خصييه من التدلدل ... ظرف جراب فيه ثنتا حنظل
فإذا
جمعت الواحد فكان مذكراً ذكرت العدة، ثم أضفتها إلى الجمع؛ لتخبر أن هذه العدة
مقتطعةٌ لما أردت من الجنس الذي ذكرت.
فإن
كان المذكر من ذوات الثلاثة كانت له أبنية تدل على أقل العدد. فمن ذلك ما كان على
أفعلٍ؛ نحو: أكلب، وأفرخ، وأكبش. وما كان على أفعال؛ نحو: أجمال، وأقتاب، وأمثال.
وما كان على أفعلة نحو: أحمرة، وأقفزة، وأجربة. وما كان على فعلة نحو: صبية،
وغلمة، وفتية.
و
ما كان من المذكر مجموعاً بالواو والنون، نحو: مسلمون وصالحون، فهو أدنى العدد؛
لأنه على منهاج التثنية.
و
نظير ذلك من المؤنث ما كان بالألف والتاء؛ نحو: مسلمات، وصالحات، وكريمات.
و
ما كان بعد ما وصفنا فهو لأكثر العدد، وسنفسر هذا أجمع حتى يعلم على حقيقته إن شاء
الله.
اعلم
أنك إذا صغرت بناءً من العدد يقع في ذلك البناء أدنى العدد فإنك ترده إلى أدنى
العدد فتصغره. وذلك أنك إذا صغرت كلاباً فقلت: أكيلب؛ لأنك إنما تخبر أن العدد
قليل. فإنما ترده إلى ما هو للقليل.
فلو
صغرت ما هو للعدد الأكثر كنت قد أخبرت أنه قليل كثيرٌ في حال. وهذا هو المحال ونذكر
هذا في باب التصغير، ولكنا ذكرنا منه هاهنا شيئاً لما يجري في الباب.
فإذا
أردت أن تجمع المذكر ألحقته اسماً من العدة فيه علامة التأنيث. وذلك نحو: ثلاثة أثواب،
وأربعة رجال. فدخلت هذه الهاء على غير ما دخلت عليه في ضاربة وقائمة، ولكن كدخولها
في علامة، ونسابة، ورجل ربعة، وغلام يفعة.
فإذا
أوقعت العدة على مؤنث أوقعته بغير هاءٍ فقلت: ثلاث نسوة، وأربع جوار، وخمس بغلات.
وكانت هذه الأسماء مؤنثة بالبنية، كتأنيث عقرب، وعناق، وشمس، وقدر.
و
إن سميت رجلاً ب ثلاث التي تقع على عدة المؤنث لم تصرفه؛ لأنه اسم مؤنث بمنزلة
عناق.
و
إن سميته ب ثلاث من قولك: ثلاثة التي تقع على المذكر صرفته.
فكذلك
يجري العدد في المؤنث والمذكر بين الثلاثة إلى العشرة في المذكر. وفيما بين الثلاث
إلى العشر في المؤنث. قال الله عز وجل: " سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام
" وقال: " في أربعة أيامٍ سواءً للسائلين " وقال: " على أن تأجرني
ثماني حججٍ فإن أتممت عشراً فمن عندك " ؛ لأن الواحدة حجة. وقال: " فصيام ثلاثة أيامٍ
في الحج وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ " .
فإذا
كان في الشيء ما يقع لأدنى العدد أضفت هذه الأسماء إليه فقلت: ثلاثة أغلمة، وأربعة
أحمرةٍ، وثلاثة أفلسٍ، وخمسة أعدادٍ.
فإن
قلت: ثلاثة حميرٍ، وخمسة كلابٍ جاز ذلك. على أنك أردت: ثلاثة من الكلاب، وخمسة من
الحمير؛ كما قال الله عز وجل: " يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ " .
و
قال الشاعر:
قد
جعلت ميٌّ على الظرار ... خمس بنانٍ قانىء الأظفار
يريد:
خمساً من البنان.
و
اعلم أنه ما لم يكن فيه أدنى العدد فالعدد الذي يكون للكثير جارٍ عليه ما يكون
للقليل؛ كما أنه إذا كان مجموعاً على بعض أبنية العدد ولم يكن له جمع غيره دخل معه
الكثير؛ وذلك نحو قولك: يد وأيد، ورجلٌ وأرجلٌ. فهذا من أبنية أدنى العدد ولم يكن
له جمع غيره فالكثير من العدد يلقب أيضاً بهذا. وكذلك ثلاثة أرسان. وتقول ذلك
للكثير؛ لأنه لا جمع له إلا ذلك.
و
أما ما يقع للكثير ولا يجمع على أدنى العدد فنحو قولك: شسوعٌ فتقول: ثلاثة شسوعٍ،
فيشترك فيه الأقل والأكثر.
فإذا
جاوزت ذوات الثلاثة استوى البناءان. وذلك قولك: عندي ثلاثة دراهم، ورأيت ثلاثة
مساجد.
فإن
حقرت الدراهم قلت: دريهمات. ترده في التحقير إلى بناءٍ يكون لأدنى العدد وجمعت
بالألف والتاء؛ لأن كل جماعة من غير الآدميين ترجع إلى التأنيث. وهذا يبين لك في
باب الجمع إن شاء الله.
و
تقول: عندي ثلاثة محمدين وخمسة جعفرين؛ لأن هذا مما يجمع بالواو والنون. فإن قلت:
محامد وجعافر، على أنك أردت ثلاثة من الجعافر وثلاثة من المحامد، كان جيداً على ما
فسرت لك.
فإذا
خرجت عن العقد الأول ضممت إليه اسماً مما كان في أصل العدد إلى أن تتسعه. وذلك قولك: عندي أحد عشر رجلاً، وخمسة عشر
رجلاً. بنيت أحد مع عشر، وغيرت اللفظ للبناء، وذلك أنك جعلتهما اسماً واحداً. وكان
الأصل أحداً وعشرة، وخمسةً وعشرةً، فلما كان أصل العدد أن يكون اسماً واحداً يدل
على جميع؛ نحو: ثلاثة، وأربعة، وخمسة بنوا هذين الاسمين فجعلوهما اسماً واحداً، وألزموهما
الفتح؛ لأنه أخف الحركات؛ كما قالوا: هو جاري بيت بيت، ولقيته كفة كفة يا فتى،
والقوم فيها شغر بغر.
فإن
قال قائل: فهلا أعربوه؛ كما قالوا: حضرموت، وبعلبك، وما أشبههما؟ قيل إن حضرموت
بنوا الاسمين فجعلا اسماً واحداً، كما فعلوا بما فيه هاء التأنيث، وجعلوا ذلك
علماً، ولم يكن له حدٌّ صرف عنه، والعدد الذي ذكرت كان له حد صرف عنه كما ذكرت لك
فلما عدل عن وجهه عدل عن الإعراب.
و
أما اثنا عشر فليست هذه سبيله؛ لأنه مما فيه دليل الإعراب تقول: جاءني اثنا عشر،
ورأيت اثني عشر. فلما كان إعرابه كإعراب رجلين ومسلمين لم يجز أن يجعل مع غيره اسماً
واحداً. ولا تجد ذلك في بناء حضرموت، ولا في شيءٍ مما ذكرت لك من: لقيته كفة كفة
ونحوه ولكنهم جعلوا عشرة بمنزلة النون من اثنين، إلا أن لها المعنى الذي أبانت عنه
من العدد.
و
لو سميت رجلاً اثني عشر ثم رخمته لقلت: يا اثن أقبل، تحذف الألف مع عشر؛ كما كنت
فاعلاً بالنون لو كانت مكان عشر.
فأما
تغييرهم عشر عن قولك: عشرة؛ فإنما ذلك لصرفها عن وجهها، ولكنك أثبت الهاءات
للمذكر؛ كما كنت مثبتها في ثلاثة وأربعة، فتقول: ثلاثة عشر رجلاً، وأربعة عشر
رجلاً، وخمسة عشر إنساناً، ولم تثبت في عشر هاءً وهي للمذكر؛ لأنك قد أثبت الهاء
في الاسم الأول، وهما اسم واحد، فلا تدخل تأنيثاً على تأنيث؛ كما لا تقول: حمراءة
ولا صفراءة.
فأما
الاسم المنصوب الذي يبين به العدد فنحن ذاكروه في موضعه مشروحاً إن شاء الله.
فإذا
أردت المؤنث أثبت الهاء في آخر الاسم؛ لأن عشراً مذكر في هذا الموضع، فأنثته لما قصدت
إلى مؤنث فقلت: ثلاث عشرة امرأةً، وخمس عشرة جاريةً؛ لأنك بنيته بناءً على حدة؛
كما فعلت ذلك بالمذكر فسلمت الأسماء الأولى؛ كما سلمت أسماء المذكر وأثبت الهاء في
آخره، وبنيت العشرة على غير بنائها في قولك: عشر نسوة فقلت: إحدى عشرة، واثنتا عشرة، وإن شئت
قلت: عشرة على غير منهاج عشرة، ولكنك أسكنت الشين؛ كما تسكن فخذاً فتقول: فخذ.
وعلم فتقول: علم.
و
تنصب الاسم الذي تبين به العدد كما فعلت ذلك في المذكر.
فإن
قال قائل: فما بالك قلت؛ إحدى عشرة. وإحدى مؤنثة وعشرة فيها هاء التأنيث وكذلك
اثنتا عشرة.
فالجواب
في ذلك أن تأنيث إحدى بالألف، وليس بالتأنيث الذي على جهة التذكير، نحو: قائم وقائمة، وجميل وجميلة. فهما اسمان
كانا بائنين، فوصلا، ولكل واحد منهما لفظ من التأنيث سوى لفظ الآخر، ولو كان على
لفظه لم يجز. فأما اثنان واثنتان، فإنما أنث اثنان على اثنتين ولكنه تأنيث لا يفرد
له واحد. فالتاء فيه ثابتة، وإن كان أصلها أن تكون مما وقفه بالهاء.
ألا
ترى أنهم قالوا: مذروان؛ لأنه لا يفرد له واحد، ولو كان مما ينفرد له واحد لم يكن إلا
مذربان. وكقوله: عقلته بثنايين ولو كان ينفرد منه الواحد لم يكن إلا بثنائين.
فأما
نصب الاسم الذي بعد خمسة عشر، وأحد عشر، وبعد إحدى عشرة إلى تسع عشرة؛ فلأنه عدد
فيه نية التنوين ولكنه لا ينصرف؛ كما تقول: هؤلاء ضوارب زيداً غداً. إذا أردت
التنوين ولم يجز أن يكون هذا مضافاً؛ لأن الإضافة إنما تكون لما وقع فيه أقل
العدد، وذلك ما بين الثلاثة إلى العشرة. فإذا خرجت عن ذلك خرجت إلى ما تحتاج إلى تبيين
نوعه. فإن كان منوناً انتصب ما بعده من ذكر النوع، وإن كان غير منون أضيف إلى
الواحد المفرد الذي يدل على النوع.
فإن
قال قائل: فهلا كان هذا مما تجري عليه الإضافة؛ كما تقول: مائة درهم، وألف درهم؟
قيل له: لما كان هذا اسمين ضم أحدهما إلى الآخر، ولم يكن في الأسماء التي هي من
اسمين ضم أحدهما إلى الآخر إضافة كان هذا لاحتياجه إلى النوع بمنزلة ما قد لفظ
بتنوينه.
فإن
قال قائل: فأنت قد تقول: هذا حضرموت زيدٍ. إذا سميت رجلاً حضرموت، ثم أضفته؛ كما
تقول: هذا زيد عمرو.
قيل:
إن إضافته ليست له لازمةً. وإنما يكون إذا نكرته، ثم عرفته بما تضيفه إليه.
و
خمسة عشر عدد مبهم لازمٌ له التفسير، فكانت تكون الإضافة لازمةً، فيكون كأن أصله
ثلاثة أسماء قد جعلت اسماً واحداً؛ ومثل هذا لا يوجد.
فإن
قال: فهلا جعل ما تبين به النوع جمعاً، فتقول: خمسة عشر رجالاً، كما تقول: زيدٌ
أفره الناس عبداً، وأفره الناس عبيداً.
قيل: الفصل بينهما أنك إذا قلت: زيد أفره الناس
عبداً جاز أن تكون تعني عبداً واحداً، وأن تكون تعني جماعة. فإذا قلت: عبيداً بينت
الجماعة، وأنت إذا قلت: خمسة عشر ونحوه فقد بينت العدد فلم تحتج إلى النوع فجئت
بواحد منكور يدل على جنسه؛ لأنك قد استغنيت عن ذكر الجماعة.
فإذا
ثنيت أدنى العقود اشتققت له من اسمه ما فيه دليل على أنك قد خرجت عنه إلى تضعيفه
والدليل على ذلك ما يلحقه من الزيادة، وهي الواو والنون في الرفع، والياء والنون
في الخفض والنصب، ويجري مجرى مسلمين. وذلك قولك: عندي عشرون رجلاً، وعشرون جاريةً،
فيستوي فيه المذكر والمؤنث؛ لأنه مشتقٌ مبهم وليس من العدد الذي هو أصلٌ. والأصل
ما بين الواحد إلى العشرة. فكل عدد فمن هذا مشتقٌ في لفظ أو معنى.
فأما
قولهم عشرون ولم يفتحوا لعشر العين، فقد قيل فيه أقاويل.
قال
قوم: إنما كسرت؛ ليدلوا على الكسرة التي في أول اثنين؛ لأنها تثنية عشرة وليست
بجمع، وليس هذا القول بشيءٍ.
و
لكن نقول في هذا: إنه اسم قد صرف على وجوه: فمنها أنك تقول في المذكر: عشرة وللمؤنث: عشر بالإسكان وليس على
منهاج التذكير، ولو كان على منهاجه لكان حذف الهاء لازماً للمذكر وإثباتها لازماً
للمؤنث كسائر الأسماء؛ نحو: ظريف وظريفة، ومتكلم ومتكلمة، وعلى هذا قالوا: خمسة عشر فغيروه، وقالوا: خمس عشرة فبنوه على خلاف بناء التذكير.
فلما كان هذا الاسم مغيراً. في جميع حالاته، ولم يكن في العشرين على منهاج سائر
العقود غيره كان دليلاً على مجيئه على غير وجهه؛ ألا ترى أنهم لما جمعوا منقوص
المؤنث بالواو والنون غيروا أوائله؛ ليكون التغيير دليلاً على خروجه من بابه. وذلك
قولك: سنة. ثم تقول: سنون، فتكسر السين، وكذلك قلة وقلون.
و
أما قولنا: إنه على خلاف العقود، فإنما هو لأنك اشتققت للثلاثين من الثلاثة؛ لأنها
ثلاثة عقود، وكذلك فعلت بالأربعين والخمسين وما بعده إلى التسعين، فكان الواجب إذ اشتققت
للثلاثين من الثلاثة أن تنشق للعشرين من الاثنين.
فإن
قال قائل: فهلا فعلوا ذلك؟
فالجواب: أن الاثنين مما إعرابه في وسطه، فلو فعل به ما فعل بالثلاثة حيث صيرت إلى
الثلاثين لبطل معناه، وصير إلى الإفراد ولم يقع مفرداً قط فالامتناع منه كالضرورة.
فإذا
زدت على العشرين واحداً فما فوق إلى العقد الثاني أو واحدة فما فوقها قلت في
المذكر: أحدٌ وعشرون رجلاً، واثنان وعشرون رجلاً، وواحدٌ وعشرون؛ كما كنت قائلاً قبل
أن تصله بالعشرين.
فإن
قال قائل: فهلا بني الأحد مع العشرين وما بعد الأحد من الأعداد؛ كما فعل ذلك بخمسة
عشر ونحوه فيجعلان اسماً واحداً، كما كان ذلك في كل عدد قبله.
قيل
له: لم يكن لهذا نظيرٌ فيما فرط من الأسماء كحضرموت وبعلبك، لا تجد اسمين جعلا
اسماً واحداً مما أحدهما إعرابه كإعراب مسلمين وقد تقدم قولنا في هذا حيث ذكرنا
اثني عشر.
فإذا
صرت إلى العقد الذي بعد العشرين كان حاله فيما يجمع معه من العدد كحال عشرين وكذلك
إعرابه، إلا أن اشتقاقه من الثلاثة؛ لأن التثليث أدنى العقود. وكذلك لما بعده إلى
التسعين.
إذا
صرت إلى العقد الذي بعدها كان له اسم خارج من هذه الأسماء، لأن محله محل الثلاثين مما
قبلها، والأربعين مما قبلها، ونحو ذلك. ولم يشتق له من العشرة اسمٌ لئلا يلتبس
بالعشرين، ولأن العقد حقه أن يكون فيما فرط من الأعداد خارجاً من اسم قبله، وأضفته
لما بعده معرفةً كان أو نكرةً؛ كما كنت فاعلاً ذلك بالعقد الأول. وذلك قولك: مائة
درهم ومائة الدرهم التي قد عرفت.
و
لم يجز أن تقول: عشرون الدرهم، لأن درهماً بعد عشرين تمييز منفصل من العشرين،
والمائة مضافة، والمضاف يكون معرفةً بما يضاف إليه.
فإذا
أردت تعريف عشرين وما كان مثلها قلت: العشرون رجلاً، والثلاثون جاريةً؛ كما تقول:
الضاربون زيداً؛ لأن ما بعد التنوين منفصل مما قبله.
و
المائة اسم ليس التنوين له لازماً؛ لأن حال التنوين ليست حال النون، لأنك تقف على النون
ولا تقف على التنوين؛ ولأن النون تثبت مع الألف واللام ولا يثبت التنوين معهما.
تقول: المسلمون والصالحون، ولا تقول: المسلمٌ والصالحٌ، فتقف على التنوين. فكانت
مائة في بابها كثلاثة في بابها. إلا أن الذي تضاف إليه مائة واحدٌ في معنى جمع،
والذي يضاف إليه ثلاثة وما أشبهها جمع. تقول: ثلاثة دراهم، ومائة درهمٍ، والفصل بينهما ما يقع
في الثلاثة إلى العشرة من أدنى العدد، وأن المائة كالعشرين ونحوها وإن كانت مضافة.
وكذلك صار لفظها للمذكر والمؤنث على هيئة واحدة. تقول: مائة درهمٍ ومائة جاريةٍ،
كما كان ذلك في العشرين ونحوها، ولم يكن هذا في خمسة عشر، وخمس عشرة؛ لأنهما مجموعان
مما كان واقعاً لأدنى العدد.
فإن
اضطر شاعر فنون، ونصب ما بعده لم يجز أن يقع إلا نكرة، لأنه تمييز، كما أنه إذا
اضطر قال: ثلاثةٌ أثواباً. فمن ذلك قول الشاعر:
إذا
عاش الفتى مائتين عاماً ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء
فإنما
حسن هذا في المائتين وإن كان تثنية المائة؛ لأنه مما يلزمها النون. فقد رجع في
اللفظ إلى حال العشرين وما أشبهها. ولكن المعنى يوجب فيه الإضافة.
فأما
قولهم: ثلاثمائة وأربعمائة، واختيارهم إياه على مائتين ومئات فإنما ذلك قياسٌ على
ما مضى؛ لأن الماضي من العدد هو الأصل، وما بعده فرعٌ. فقياس هذا قياس قولك: عشرون
درهماً، وأحد وعشرون درهماً إلى قولك: تسعة وعشرون درهماً. فالدرهم مفرد، لأنك إذا
قلت: ثلاثون وما بعدها إلى تسعين ثم جاوزته صرت إلى عقد ليس لفظه من لفظ ما قبله.
فكذلك تقول: ثلاثمائة وأربعمائة؛ لأنك إذا جاوزت تسعمائة صرت إلى عقد يخالف لفظه
لفظ ما قبله، وهو قولك:
ألف،
ثم تقول: ثلاثة آلاف؛ لأن العدد الذي بعده غير خارج منه.
تقول: عشرة آلاف؛ كما تقول: عشرة أثواب، وأحد
عشر ألفاً؛ كما تقول: أحد عشر ثوباً إلى العقد الآخر. فلو كنت تقول: عشر مئين،
وإحدى عشر مائة لوجب جمعها في التثليث وما بعده.
و
إنما جاز أن تقول: ثلاث مئين وثلاث مئات من أجل أنه مضاف؛ فشبهته من جهة الإضافة
لا غير بقولهم: ثلاثة أثوابٍ وثلاث جوارٍ. قال الشاعر:
ثلاث
مئينٍ للملوك وفى بها ... ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم
و
قال الآخر:
ثلاث
مئين قد مررن كواملا ... و ها أنذا أرتجي مر أربع
فأما
قولك: مائة درهم، ومائة جارية، وألف غلام، وألف جارية فلا يكون فيه غلا هذا؛ لأنه
ليس بمنزلة ثلاثة وما بعدها إلى عشرة ولا ثلاث عشر؛ لأن الثلاث والثلاثة على مئين
وقع، أو على ألوف، أو غير ذلك. ففيهن أقل العدد مما وقعن عليه.
و
مجاز مائة وألف في أنه لا يكون لأدنى العدد مجاز أحد عشر درهماً فما فوق.
فأما
قوله عز وجل: " و لبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين " فإنه على البدل لأنه
لما قال: ثلاثمائة ثم ذكر السنين ليعلم ما ذلك العدد؟ و لو قال قائل: أقاموا سنين يا فتى، ثم قال: مئين أو
ثلاثمائة لكان على البدل، ليبين: كم مقدار تلك السنين؟
و
قد قرأ بعض القراء بالإضافة فقال: ثلاث مائة سنين وهذا خطأ في الكلام غير جائز.
وإنما يجوز مثله في الشعر للضرورة، وجوازه في الشعر أنا نحمله على المعنى؛ لأنه في
المعنى جماعة وقد جاز في الشعر أن تفرد وأنت تريد الجماعة إذا كان في الكلام دليل
على الجمع فمن ذلك قوله:
كلوا
في نصف بطنكم تعيشوا ... فإن زمانكم زمنٌ خميص
و
قال آخر:
إن
تقتلوا اليوم فقد سبينا ... في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
و
ينشد: شربنا.
و
قال علقمة بن عبدة:
بها
جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيضٌ وأما جلدها فصليب
و
أما قوله عز وجل: " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم " فليس
من هذا؛ لأن السمع مصدر، والمصدر يقع للواحد والجمع.
و
كذلك قول الشاعر، وهو جرير:
إن
العيون التي في طرفها مرضٌ ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
لأن
الطرف مصدر. وأما قول الله عز وجل: " ثم يخرجكم طفلاً " وقوله: "
فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفساً " فإنه أفرد هذا، لأن مخرجهما مخرج التمييز؛
كما تقول: زيد أحسن الناس ثوباً، وأفره الناس مركباً. وإنه ليحسن ثوباً، ويكثر أمةً
وعبداً. وقد قالوا في قول العباس بن مرداس قولين وهو:
فقلنا:
أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور
فقال
بعضهم: أراد: إنا إخوتكم، فوضع الواحد موضع الجميع، كما قال: في حلقكم أي في
حلوقكم.
و
قال آخرون: لفظه لفظ الجمع من قولك: أخ وأخون، ثم تحذف النون وأضاف؛ كما تقول:
مسلموكم وصالحوكم. وتقول على ذلك: أب وأبون، وأخ وأخون؛ كما قال الشاعر:
فلما
تبين أصواتنا ... بكين وفديننا بالأبينا
و
قال الآخر:
وكان
لنا فزارة عم سوءٍ ... و كنت له كشر بني الأخينا
هذا
باب
إضافة
العدد واختلاف النحويين فيهاعلم أن قوماً يقولون: أخذت الثلاثة الدراهم يا فتى،
وأخذت الخمسة عشر الدرهم. وبعضهم يقول: أخذت الخمسة العشر الدرهم، وأخذت العشرين
الدرهم التي تعرف. وهذا كله خطأ فاحش.
و
علة من يقول هذا الاعتلال بالرواية، لا أنه يصيب له في قياس العربية نظيراً.
و
مما يبطل هذا القول أن الرواية عن العرب الفصحاء خلافه. فروايةٌ برواية. والقياس حاكمٌ بعد أنه لا يضاف ما فيه
الألف واللام من غير الأسماء المشتقة من الأفعال. لا يجوز أن تقول: جاءني الغلام
زيدٍ؛ لأن الغلام معرفٌ بالإضافة. وكذلك لا تقول: هذه الدار عبد الله، ولا أخذت
الثوب زيدٍ.
و
قد اجتمع النحويون على أن هذا لا يجوز، وإجماعهم حجةٌ على من خالفه منهم. فعلى هذا تقول: هذه ثلاثة أبوابٍ؛ كما
تقول: هذا صاحب ثوبٍ. فإن أردت التعريف قلت: هذه ثلاثة الأثواب، كما تقول: هذا
صاحب الأثواب؛ لأن المضاف إنما يعرفه ما يضاف إليه فيستحيل هذه الثلاثة الأثواب؛
كما يستحيل هذا الصاحب الأثواب. وهذا محال في كل وجه، ألا ترى أن ذا الرمة لما
أراد التعريف قال:
أمنزلتي
ميٍ سلامٌ عليكما ... هل الأزمن اللائي مضين رواجع
و
هل يرجع التسليم أو يدفع البكا ... ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع
و
قال الفرزدق:
ما
زال مذ عقدت يداه إزاره ... و دنا فأدرك خمسة الأشبار
فهذا
لا يجوز غيره.
و
أما قولهم: الخمسة العشر فيستحيل من غير هذا الوجه، لأن خمسة عشر بمنزلة حضرموت
وبعلبك وقالي قلا وأيدي سبا، وما أشبه ذلك من الاسمين اللذين يجعلان اسماً واحداً.
فإذا
كان شيء من ذلك نكرة فإن تعريفه أن تجعل الألف واللام في أوله. لأن الثاني قد صار
في درج الكلام الأول، فهذا أقبح وأشنع.
و
أما قولهم: العشرون الدرهم فيستحيل من وجه ثالث، وهو أن العدد قد أحكم وبين بقولك:
عشرون. فإنما يحتاج إلى أن يعلم النوع، فإنما درهم وما أشبهه للنوع. فإن كانت
العشرون معلومة قلت: أخذت العشرين درهماً، أي: التي قد عرفت، وليس الدرهم بواحد
معلوم مقصودٍ إليه. ولو كان كذلك كان لا معنى له بعد العشرين. وكذلك كل رجلٍ جاءني
فله درهم. إنما المعنى: كل من جاءني من الرجال إذا كانوا واحداً واحداً فله درهم،
ألا تراك تقول: كل اثنين جاءاني أكرمهما؛ لأنك تريد: الذين يجيئونك اثنين اثنين.
فلو قلت: كل الاثنين أو كل الرجل على هذا لاستحال.
ففساد
هذا بينٌ جداً. وينبغي لمن تبين فساد ما قاله أن يرجع من قبل إلى حقيقة القياس،
ولا يمض على التقليد.
هذا
باب
ما
يضاف من الأعداد المنونةاعلم أنك إذا أضفت عدداً حذفت منه النون والتنوين، أي ذلك
كان فيه. فتقول: هذه عشروك، وثلاثوك، وأربعوك، ورأيت ثلاثيك، وأربعيك.
و
هذه مائتك، وألفك.
و
تقول: هذه ثلاثةٌ وثلاثوك إذا سميت بها رجلاً. وإن كان عدداً في موضعه قلت: هذه
ثلاثتك وثلاثوك، كما تقول: هذا غلامك وجاريتك، وكذا سبيل كل معطوف.
و
تقول: هذه ثلاثة أثوابك، وهذه ثلاثة أثواب القوم، لا يكون إلا ذلك، لأن المضاف
ينكر حتى يعرفه ما بعده أو ينكره.
و
كذلك تقول: هذه مائة درهمك، وألف دينارك، وهذه خمسة عشرك. تقدر حذف ما فيه من
التنوين في النية، كما تقول: هن حواج بيت الله إذا نويت التنوين، وهن حواج بيت
الله إذا نويت طرحه؛ لأن فواعل لا ينصرف. فإنما يقع التنوين في النية، ويخرج مخرج
هذا ضاربٌ زيداً وضارب زيدٍ، كما قال الشاعر:
إذا
أم سرباحٍ غدت في ظعائن ... طوالع نجداً فاضت العين تدمع
و
قال آخر:
و
نأخذ بعده بذناب عيش ... أجب الظهر ليس له سنام
و
من لم يرد التنوين خفض في هذين البيتين وما أشبههما.
و
اعلم أن القياس وأكثر كلام العرب أن تقول: هذه أربعة عشرك، وخمسة عشرك فتدعه مفتوحاً
على قولك: هذه أربعة عشر، وخمسة عشر.
و
قوم من العرب يقولون: هذه أربعة عشرك، ومررت بأربعة عشرك. وهم قليل، وله وجيهٌ من
القياس: وهو أن ترده بالإضافة إلى الإعراب، كما أنك تقول: ذهب أمس بما فيه، وذهب
أمسك بما فيه، وتقول: جئت من قبل يا فتى، فإذا أضفت قلت: من قبلك فهذا مذهبهم.
و
إنما كان القياس المذهب الأول؛ لأن خمسة عشر نكرة. وما لم ترده النكرة إلى أصله لم
ترده الإضافة.
أما
أمس وقبل ونحوهما فمعارف. ولو جعلتهن نكرات لرجعن إلى الإعراب؛ كما رجعن إليه في
الإضافة والألف واللام.
و
على هذا قرئ: " لله الأمر من قبلٍ ومن بعد " على النكرة، على مثل قولك: أولاً وآخراً؛ ألا ترى أنك تقول في
النداء: يا زيد أقبل. فإذا جعلته نكرة قلت: يا رجلاً أقبل، كما تقول: يا عبد الله
فترده النكرة إلى الإعراب؛ كما ترده الإضافة؛ ألا تراك تقول: جاءني الخمسة عشر
رجلاً، والخمس عشرة امرأة. فلو كانت الإضافة ترده إلى الإعراب لرددته الألف واللام. وإنما أجاز
سيبويه الضم على بعدٍ.
فأما
قولك: مررت بالقوم خمسة عشرهم، كما تقول: مررت بالقوم خمستهم. فغير جائز عندنا
البتة؛ لأن ما بعد خمسة عشر إذا كان عدداً لم يكن إلا مفرداً؛ نحو: خمسة عشر
رجلاً، ولم يكن إلا نكرة، وليس بمنزلة خمسة وستة وبابهما إلى العشر؛ وذلك أن
الثلاثة إلى العشرة مضاف إلى المعرفة والنكرة. وعلى هذا لا نقول: أخذت عشرين
درهماً وثلاثيه لأن الذي تبين به النوع لا يكون معرفةً مضمرةً ولا مظهرةً.
هذا
باب
اشتقاقك
للعدد اسم الفاعلكقولك
هذا
ثاني اثنين، وثالث ثلاثة، ورابع أربعةاعلم أنك إذا قلت: هذا ثاني اثنين، فمعنى
هذا: أحد اثنين؛ كما قال الله عز وجل: " إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين
" وقال: عز وجل: " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " على هذا:
فإن قلت: هذا ثالث اثنين فعلى غير هذا الوجه. إنما معناه: هذا الذي جاء إلى اثنين
فثلثهما فمعناه الفعل. وكذلك هذا رابع ثلاثة. ورابعٌ ثلاثةٌ يا فتى، لأن معناه:
أنه ربعهم، وثلثهم. وعلى هذا قوله عز وجل: " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو
رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم " . ومثله قوله عز وجل: " سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم " .
و
تلك الأولى لا يجوز أن تنصب بها؛ لأن المعنى: أحد ثلاثة وأحد أربعة.
فتقول
على هذا القول: هذا رابع أربعة إذا كان هو وثلاث نسوة؛ لأنه قد دخل معهن فقلت:
أربعة بالتذكير؛ لأنه إذا اجتمع مذكر ومؤنث جعل الكلام على التذكير؛ لأنه الأصل.
و
تقول على القول الآخر: هذا رابع ثلاث يا فتى؛ لأنه لم يدخل معهن وإنما مثاله: هذا
ضارب ثلاث. فعلى هذا فأجر هذا الباب.
فإذا
جاوز العقد الأول فإن القياس على المذهب الأول وهو: هذا ثالث ثلاثةٍ ورابع أربعةٍ،
أي: أحد ثلاثة وأحد أربعة أن تقول: هذا حادي عشر أحد عشر، وخامس عشر خمسة عشر.
ولكن العرب تستثقل إضافته على التمام لطوله فيقولون: هذا حادي أحد عشر، وخامس خمسة
عشر. فيرفعون الأول بما يرفعه. وينصبونه بما ينصبه، ويخفضونه بما يخفضه؛ لأنه معرب.
و
إنما منعهم من بنائه أن ثلاثة أسماءٍ لا تجعل اسماً واحداً في غير الإضافة. وإنما
شبه خمسة عشر بحضرموت، وبني لما ذكرنا من إزالته عن موضعه.
فإن
قلت: هذا حادي عشر وخامس عشر، كما تقول: هذا خامس وسادس بنيته على الفتح؛ لأنهما
اسمان. فحالهما كحال خمسة عشر ونحوه. فعلى هذا القياس يجري هذا العدد.
فإن
قلت على قياس قول من قال: هذا رابعٌ من ثلاثةً وخامسٌ أربعةً. فإن النحويين كانوا
يقولون: هذا خامسٌ أربعة
عشر، وهذه خامسةٌ أربع عشرة، ويقيسون هذا أجمع، ويقولون: هذا رابعٌ ثلاث عشرة، إذا كن نساءً، فصرن به أربعة
عشر، كما تقول: هذا رابع ثلاث،و خامسٌ أربع. فهذا قول النحويين المتقدمين، وكان
أبو الحسن الأخفش لا يراه صواباً؛ وذلك لأنك إذا قلت: رابعٌ ثلاثةً فإنما تجريه
مجرى ضارب ونحوه، لأنك كنت تقول: كانوا ثلاثة فربعهم، وكانوا خمسة فسدسهم، ولا
يجوز أن تبني فاعلاً من خمسة وعشرة جميعاً؛ لأن الأصل: خامس عشر أربعة عشر.
و
القياس عندي ما قال، وهو قول المازني.
فإذا
بلغت العشرين فما بعدها لم تبن منه فاعلاً؛ لأنه يلتبس بما قبله؛ لأنه يجيء على
لفظ العشرين، والثلاثون على لفظ الثلاثة، وهكذا إلى التسعين.
فإذا
بلغت المائة قلت: كانوا تسعة وتسعين فأمأيتهم: إذا جعلتهم مائة. وكانوا تسعمائة
فألفتهم. إذا أردت: فعلتهم، وآلفتهم. إذا أردت: أفعلتهم. كل ذلك يقال وجاء في
الحديث " أول حي آلف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جهينة، وقد آلفت معه
بنو سليم بعد
" .
قال
بجير بن زهير:
صبحناهم
بألفٍ من سليمٍ ... و سبعٍ من بني عثمان وافي
و
بنو عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر هم مزينة.
هذا
باب
ما
يضاف إليه من العدة من الأجناس
وما
يمتنع من الإضافةاعلم أنه كل ما كان اسماً غير نعت فإضافة العدد إليه جيدة. وذلك
قولك: عندي ثلاثة أجمالٍ، وأربع أينقٍ، وخمسة دراهم، وثلاثة أنفسٍ.
فإن
كان نعتاً قبح ذلك فيه، إلا أن يكون مضارعاً للاسم، واقعاً موقعه. وذلك قولك: عندي
ثلاثة قرشيين، وأربعة كرامٍ، وخمسة ظرفاء هذا قبيح حتى تقول: ثلاثة رجالٍ قرشيين.
وثلاثة رجالٍ كرام، ونحو ذلك. فأما المضارع للأسماء فنحو: جاءني ثلاثة أمثالك،
وأربعة أشباه زيد. كما قال الله عز وجل: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "
وقد قرئ: " فله عشرٌ أمثالها " . فهذه القراءة المختارة عند أهل اللغة،
والتي بدأنا بها حسنةٌ جميلة.
فإن
كان الذي يقع عليه العدد اسماً لجنس من غير الآدميين لم يلاقه العدد إلا بحرف الإضافة،
وكان مجازه التأنيث، لأن فعله وجمعه على ذلك، إذ كان معناه الجماعة، ألا ترى أنك
تقول: الجمال تسير، والجمال يسرن؛ كما قال الله عز وجل عند ذكر الأصنام: " رب
إنهن أضللن كثيراً من الناس " . وعلى هذا يجمع؛ كما تقول: حمام وحمامات،
وسرادق وسرادقات.
فأما
الآدميون فإن المذكر منهم يجري على جمعه التذكير، لأن فعله على ذلك. تقول: هم
يضربون زيداً، وينطلقون، فلذلك تقول: مسلمون ومنطلقون، ونحوه، وعلى هذا تقول: هم
الرجال، ولا يقع مثل هذا إلا ملا يعقل.
فإن
قلت: هي الرجال. صلح على إرادتك هي جماعة الرجال، كما تقول: هي الجمال. فأما هم
فلا يكون إلا لما يعقل.
فإذا
أضفت إلى اسم جنس من غير الآدميين قلت: عندي ثلاثٌ من الإبل، وثلاثٌ من الغنم.
وتقول: عندي ثلاثٌ من الغنم ذكور وثلاثٌ من الشاء ذكور، وكذلك ما أشبه هذا، لأنك
إنما قلت: ذكور بعد أن أجريت في اسمه التأنيث. ألا ترى أنك إذا حقرت الإبل والغنم
قلت: أبيلة وغنيمة. وتقول: عندي ثلاثة ذكور من الشاء، وثلاثة ذكور من الإبل لأنك
إنما قلت: من الإبل، ومن الشاء، بعد أن جرى فيه التذكير؛ كما تقول: عندي ثلاثة
أشخص، ثم تقول: من النساء؛ لأنك أجريت عليه التذكير أولاً على لفظه، ثم بينت بعد
ما تعني.
و
تقول: عندي ثلاثة أنفس، وإن شئت قلت: ثلاث أنفسٍ. أما التذكير فإذا عنيت بالنفس المذكر.
وعلى هذا تقول: عندي نفس واحد، وإن أردت لفظها قلت: عندي ثلاث أنفسٍ؛ لأنها على
اللفظ تصغر نفيسة. وعلى هذا قوله عز وجل: " يا أيتها النفس المطمئنة "
وقال عز وجل: " أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرطت " ،
وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت
وكنت " على مخاطبة النفس، وقال: " كل نفسٍ ذائقة الموت " .
و
تقول: ثلاثة أفراسٍ وثلاث أفراسٍ، لأن الفرس يقع على الذكر والأنثى.
فأما
قولك: هذه عين القوم وأنت تعني الرجل بعينه، فلأنك وضعته موضع العين بعينها،
فأقمته ذلك المقام. ولو سميت رجلاً عيناً لقلت في تصغيره: عيين. فإنما هذا بمنزلة قولك للمرأة: ما أنت إلا
رجيل، وللرجل: ما أنت إلا مريئة؛ لأنك تقصد قصد الشيء بعينه. فقس ما ورد عليك من
هذا تصب إن شاء الله.
فأما
تسميتهم الرجل عيينة أذينة فإنما سموا بهما بعد أن صغرتا في موضعهما، ولو سميت
الرجل أذناً، ثم صغرت لقلت: أذين فاعلم.
هذا
باب
الجمع
لما يكون من الأجناس على فعلةاعلم أنه ما كان من ذلك اسماً فإنك إذا جمعته بالألف
والتاء حركت أوسطه، لتكون الحركة عوضاً من الهاء المحذوفة، وتكون فرقاً بين الاسم
والنعت؛ وذلك قولك في طلحة: طلحات، وفي جفنة: جفنات، وفي صفحة: صفحات، وكذلك جميع
هذا الباب.
قال
الشاعر:
لنا
الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... و أسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما
و
قال الآخر:
نضر
الله أعظماً دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات
فهذا
إنما يكون في المفتوح على هذه الهيئة الواحدة، لأن الفتح أخف الحركات.
فإن
كان الاسم على فعلة ففيه ثلاثة أوجه: إن شئت قلت: فعلات، وأتبعت الضمة الضمة؛ كما
أتبعت الفتحة الفتحة.
و
إن شئت جمعته على فعلات، فأبدلت من الضمة الفتحة لخفتها.
و
إن شئت أسكنت فقلت: فعلات؛ كما تقول في عضد: عضد؛ وفي رسل: رسل. قال الله عز وجل:
" و لا تتبعوا خطوات الشيطان " . وواحدها خطوة. وقال الشاعر:
و
لما رأونا بادياً ركباتنا ... على موطنٍ لا نخلط الجد بالهزل
ينشدون:
ركباتنا وركباتنا. وهذه الآية تقرأ على الأوجه الثلاثة. وذلك قوله: " في
الظلمات، والظلمات، والظلمات " .
و
ما كان على فعلة ففيه ثلاثة أوجه.
أحدها:
فعلات تتبع الكسرة الكسرة.
و
إن شئت قلت: فعلات. فتبدل الفتحة من الكسرة، كما أبدلتها من الضمة.
و
إن شئت قلت: فعلات، وأسكنت؛ كما قلت في إبلٍ: إبل، وفي فخذ: فخذ؛ لاستثقال الكسرة،
وذلك قولك سدرة وسدرات، وقربة وقربات. فإن استثقلت قلت: سدرات وقربات، وفي
الإسكان: سدرات، وقربات.
و
أما النعوت فإنها لا تكون إلا ساكنة، للفصل بين الاسم والنعت؛ وذلك قولك: ضخمة،
وضخمات، وعبلة وعبلات، وخدلة وخدلات.
و
أما قولهم في بني أمية الأصغر: العبلات فإنما قصدوا إلى عبلة وهو اسم.
و
أما قولهم في جمع ربعة: ربعات في قولهم: امرأة ربعة، ورجل ربعة فلأنه يجري عندهم
مجرى الاسم. إذ صار يقع للمؤنث والمذكر على لفظ واحد. بمنزلة قولك: فرس للذكر والأنثى كذلك إنسان وبعير، يقع
على المذكر والمؤنث وإن كان في اللفظ مذكراً. كما أن ربعة في اللفظ مؤنث وهو يقع
على المذكر والمؤنث.
فبعير
يقع عليهما ومجازه في الإبل مجاز قولك: إنسان. وجمل يجري مجرى رجل. وناقة يجري مجرى امرأة.
و
أنشدني الزيادي عن الأصمعي لأعرابي:
لا
تشتري لبن البعير وعندنا ... عرق الزجاجة واكف المعصار
و
أما قولهم: شاة لجبة، وشاءٌ لجبات فزعم سيبويه. أنهم يقولون: لجبة ولجبة، وإنما
قالوا: لجبات على قولهم لجبة.
و
قال قوم: بل حرك، لأنه لا يلتبس بالمذكر؛ لأنه لا يكون إلا في الإناث. ولو أسكنه
مسكن على أنه صفة كان مصيباً.
و
قد جاء في الأسماء بالإسكان في فعلة. أنشدوا لذي الرمة:
و
رفضات الهوى في المفاصل
و
هو جمع رفضة.
هذا
باب
ما
جاء من هذا في ذوات الياء والواو
التي
ياءتهن وواوتهن لاماتو ذلك قولك في رمية: رميات، وفي غزوة: غزوات، وفي قشوة:
قشوات، كما تقول في فعلة؛ نحو: حصاة وقتاة. حصيات وقنوات؛ لأنك لو حذفت لالتقاء
الساكنين لالتبس بفعال من غير المعتل. فجرى هاهنا مجرى غزواً ورمياً؛ لأنك لو
ألحقت ألف غزا وألف رمى ألف التثنية للزمك الحذف لالتقاء الساكنين فالتبس الاثنان
بالواحد، فكنت تقول للاثنين: غزا ورمى. فلما كان هذا على ما ذكرت لك لم يحذف.
فأما
ما كانت الياء والواو منه في موضع العين فإن فيه اختلافاً.
أما
الأقيس والأكثر في لغات جميع العرب فأن تقول في بيضة: بيضات، وفي جوزة: جوزاتٍ،
وفي لوزة: لوزات.
و
أما هذيل بن مدركة خاصةً فيقولون: جوزات، وبيضات، ولوزات على منهاج غير المعتل،
ولا يقلبون واحدةً منهما ألفاً.
فيقال:
أليس حق الواو والياء إذا كانت كل واحدة منهما في موضع حركة أن تقلب ألفاً إذا كان
ما قبلها مفتوحاً؟.
فيقول
من يحتج عنهم: إنما حركت هذه الياء وهذه الواو، لأن الباب وقع اسماً متحركاً ألحق
المعتل بالصحيح؛ لئلا يلتبس النعت بالمنعوت أجري هذا الباب في ترك القلب مجرى خونة
وحوكة. لئلا يلتبس بما أصله فعلة، نحو: دارة، وقارة إذا قلت: دارات، وقارات. فصح
هذا لأن أصله السكون؛ كما صح العور، والصيد، وعور، وصيد؛ لأن أصل الفعل افعل.
و
اعلم أنه ما كان من هذا مضموم الأول مما واوه أو ياؤه لام أو مكسور الأول فله
أحكام نذكرها مفسرةً إن شاء الله.
أما
ما كان من الواو مضموم الأول: نحو: غدوة ورشوة فإنك تقول فيه: رشوات، وغدوات. ومن
قال: ظلمات قال: رشوات وغدوات. ومن قال: ظلمات قال: رشوات، وغدوات.
و
من كان يقول: رشوة فيكسر أوله ويقول: غدوة فإنه لا يجوز له أن يقول فيه ما قال في
سدرات، وكسرات؛ لأنه يلزمه قلب الواو ياءً، فتلتبس بنات الواو ببنات الياء. ولكنه
يسكن إن شاء، ويفتح إن شاء، فيقول: رشوات، ورشوات.
و
كذلك عدوة وما أشبهها. ومن قال: مدية فإنه لا يجوز له جمعها على منهاج قوله:
ظلمات؛ لأنه يلزمه قلب الياء واواً. ولكن يسكن إن شاء فيقول: مديات، وإن شاء فتح.
فهذا
العارض الذي يدخل في بنات الواو والياء.
و
مجرى الباب وأصله ما ذكرت لك.
هذا
باب
الجمع
لما كان على ثلاثة أحرفأما ما كان من غير المعتل على فعلٍ فإن بابه في أدنى العدد
أن يجمع على أفعل؛ وذلك قولك: كلب وأكلب وفلس وأفلس. فإن جاوزت إلى الكثير خرج إلى
فعال، أو فعول: وذلك قولك: كلاب، وكعاب، وفراخ، وفروخ، وفلوس. فهذا هو الباب.
فأما
ما جاء على أفعال فنحو: فرد وأفراد، وفرخ وأفراخ؛ كما قال الشاعر:
ماذا
تقول لأفراخٍ بذي طلحٍ ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
و
زند وأزناد؛ كما قال الشاعر:
وجدت
إذا اصطلحوا خيرهم ... و زندك أثقب أزنادها
فمشبه
بغيره، خارجٌ عن بابه.
و
كذلك ما كان على فعلة؛ نحو: فقع وفقعة، وجبءٍ وجبأة.
و
كذلك ما كان على فعلان؛ نحو: حجل وحجلان، ورأل ورئلان.
و
ما كان على فعلان؛ نحو: ظهر وظهران، وبطن وبطنان.
و
سنذكر لم جاز أن يجيء على هذه الأبنية الخارجة عن الأصل عند ذكرنا النعوت إن شاء
الله؟ و ما كان على فعلٍ فإن أدنى العدد فيه أفعال؛ نحو: جذع وأجذاع، وعدل وأعدال،
وبئر وأبآر.
فإذا
جاوزت أدنى العدد فبابه فعول؛ نحو: لص ولصوص، وجذع وجذوع، وحمل وحمول. وقد تجيء
على فعال، لأنها أخت فعول؛ نحو: بئار، وذئاب.
و
أما ما يجيء على أفعل؛ نحو: ذئب وأذؤب، فداخل على باب فعلٍ. وهو نظير ما جاء من
فعل على أفعال.
و
كذلك ذؤبان. إنما هو بمنزلة ظهران.
و
قولك: حسل وحسلة. إنما هو بمنزلة فقعة. كل ذلك خارج عن بابه.
و
ما كان من هذا على فعلٍ فأدنى العدد فيه أفعال، وذلك نحو: قفل وأقفال، وجند
وأجناد، وجحر وأجحار؛ كما قال:
كرامٌ
حين تنكفت الأفاعي ... إلى أجحارهن من الصقيع
فإذا
جاوزت أدنى العدد فبابه فعول، نحو: جنود، وخروج.
و
المضعف يجيء على فعال؛ لأنهم يكرهون التضعيف والضم، وذلك قولك: خفٌّ وخفاف، وقفٌّ
وقفاف. وأما ما جاء منه مثل جحر وجحرة، وحب وحببة فبمنزلة فقعة في بابه، وحسلة في
بابه. وسنذكر كل ما خرج من شيءٍ من هذه الأبواب عن أصله إن شاء الله.
أما
ما كان من فعل من بنات الياء والواو، فإنه إذا أريد أدنى العدد جمع على أفعال
كراهيةً للضم في الواو والياء لو قلت أفعل وذلك قولك: ثوب وأثواب، وسوط وأسواط
والياء نحو: بيت وأبيات، وشيخ وأشياخ، وقيد وأقياد.
فإذا
جاوزت أدنى العدد كانت بنات الواو على فعال كراهيةً ل فعول من أجل الضمة والواو؛
وذلك قولك: سوط وسياط وحوض وحياض، وثوب وثياب.
و
كانت بنات الياء على فعول؛ لئلا تلتبس إحداهما بالأخرى، وكانت الضمة مع الياء أخف؛
وذلك قولك: بيت وبيوت، وشيخ وشيوخ، وقيد وقيود.
فأما
قولهم في عين: أعين فإنه جاء على الأصل مثل كلب وأكلب وأعيانٌ على الباب كما قال
الشاعر:
و
لكنما أغدو علي مفاضةٌ ... دلاصٌ كأعيان الجراد المنظم
و
قال الآخر:
فقد
أروع قلوب الغانيات به ... حتى يملن بأجياد وأعيان
و
إذا اضطر شاعر جاز أن يقول في جميع هذا أفعل لأنه الأصل، كما قال الشاعر:
لكل
عيش قد لبست أثوباً
و
ما كان من الصحيح على فعلٍ فإن باب جمعه أفعالٌ؛ نحو: جمل وأجمال وقتب وأقتاب،
وصنم وأصنام، وأسد وآساد، قال الشاعر:
آساد
غيلٍ حين لا مناص
فهذا
باب جمعه؛ وقد يجيء على فعول؛ نحو: أسود، وكذلك فعال؛ نحو: جمال، ويجيء على فعلان؛
نحو: خرب وخربان؛ وعلى أفعل؛ نحو: أجبل وأزمن. قال الشاعر:
إني
لأكني بأجبالٍ عن اجبلها ... و باسم أوديةٍ عن ذكر واديها
و
قال الآخر:
أمنزلتي
ميٍّ سلامٌ عليكما ... هل الأزمن اللائي مضين، رواجع
فيخرج
إلى ضروب من الجمع منها فعلان كقولك: حمل وحملان. وكذلك فعلان كقولك: ورل وورلان.
فأما
الباب والأصل فما صدرنا به.
و
كذلك فعلٌ بابه أفعال. لأنه كفعل في الوزن وإن خالفه في حركة الثاني؛ نحو: كتف
وأكتاف، وفخذ وأفخاذ وكبد وأكباد.
و
تخرج إلى فعول؛ نحو: كبود، وكروش. وهو أقل من فعل فالأصل ألزم.
و
يكون كذلك فعلٌ؛ نحو: عضد وأعضاد، وعجز وأعجاز، ويخرج إلى فعال؛ نحو رجل ورجال
وسبع وسباع؛ كما قالوا: جمال، ونحوه.
و
لم يقولوا: أرجال. لقولهم في أدنى العدد: رجلة.
و
من كلامهم الاستغناء عن الشيء بالشيء حتى يكون المستغنى عنه مسقطاً.
و
لو احتاج شاعر لجاز أن يقول في رجل: أرجال، وفي سبع: أسباع لأنه الأصل.
و
قد يكون البناء في الأصل للأقل فيشركه فيه الأكثر؛ كما تقول: أرسان، وأقتاب. فلا
يكون جمع غيره.
و
قد يكون البناء للأكثر فيشركه للأقل؛ كما تقول: شسوع، وسباع، فيكون لكل الأعداد.
و
إنما اختلف الجمع لأنها أسماء، فيقع الاختلاف في جمعها كالاختلاف في أفرادها، إلا
أنا ذكرنا الباب لندل على ما يلزم طريقةً واحدة والسبب في اختلاف ما فارقها.
و
يكون على فعلٍ فيلزمه أفعال، لأنه في الوزن بمنزلة ما قبله وإن اختلفت الحركات؛
وذلك قوله: ضلع وأضلاع، وعنب وأعناب. وهذا قليل جداً.
و
قد خرج إلى فعول، كما قالوا: أسود، ونمور؛ وذلك قولك: ضلع وضلوع.
و
يكون على أفعل، كما جاء: أزمن، وأجبلٌ، وذلك قولك: أضلع.
فأما
ما كان على فعلٍ فإنه مما يلزمه أفعال، ولا يكاد يجاوزها؛ وذلك قولك: عنق وأعناق،
وطنب وأطناب، وأذن وآذان.
و
قد يجيء من الأبنية المتحركة والساكنة من الثلاثة جمعٌ على فعل، وذلك قولك: فرس
ورد، وخيل ورد، ورجل ثط وقوم ثط وتقول: سقف وسقف وإن شئت حركت؛ كما قال الله عز
وجل: " لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً " . وقالوا: رهن ورهن وكان أبو عمرو يقرؤها "
فرهنٌ مقبوضةٌ " ويقول: لا أعرف الرهان إلا في الخيل، وقد قرأ غيره "
فرهانٌ مقبوضةٌ " . ومن كلام العرب المأثور: غلقت الرهان بما فيها.
و
قالوا: أسد ونمر، قال الشاعر:
فيها
عيائيل أسود ونمر
فأما
فعلٌ فلم يأت منه إلا القليل. قالوا: إبل وآبال، وإطل وآطال.
فهذا
حكم المتحركة من الثلاثة إلا فعلا فإن له نحواً آخر لخروجه عن جميع المتحركات وأنه
ما عدل عن فاعل فإليه يعدل، فله نحو آخر.
فأما
غير هذا من الأبنية، نحو: فعل فإنه ليس في شيء من الكلام. وكذلك فعل لا يكون في
الأسماء، إنما هو بناء مختصٌّ به الفعل الذي لم يسم فاعله نحو: ضرب وقتل. إلا أن
تكون ساكن الوسط؛ نحو: رد، وقيل. فهو بمنزلة كرٍّ، وفيل، وما أشبه ذلك.
فأما
فعلٌ فإن جمعه اللازم له فعلان؛ وذلك قولك: صرد، وصردان، ونغر ونغران، وجعل
وجعلان. هذا بابه.
و
قد جاء منه شيء على أفعال. شبه بسائر المتحركات من الثلاثة، وذلك ربع وأرباع، وهبع
وأهباع. فهذا الذي ذكرت لك من اختلاف الجمع بعد لزوم الشيء لبابه إذ كان مجازه
مجاز الأسماء، وكانت الأسماء على ضروب من الأبنية.
و
أما ما كان من المعتل متحركاً، نحو: باب، ودار، وقاع، وتاج فإن أدنى العدد في ذلك
أن تقول فيه: أفعال نحو: باب وأبواب، وتاج وأتواج، وجار وأجوار، وقاع وأقواع. فأما
دار فإنهم استغنوا بقولهم: أدور عن أن يقولوا: أفعال لأنهما لأدنى العدد. والمؤنث
يقع على هذا الوزن في الجمع، ألا تراهم قالوا: ذراع وأذرع، وكراع وأكرع، وشمال وأشمل، ولسان وألسن.
ومن ذكر اللسان قال:
ألسنة،
ومن أنثها قال: ألسن وكذلك نار وأنور، قال الشاعر:
فلما
فقدت الصوت منهم وأطفئت ... مصابيح شبت بالعشاء وأنور
فإذا
جاوزت أدنى العدد فإن بابه فعلان؛ وذلك قولك: نار ونيران، وقاع وقيعان، وتاج
وتيجان. فهذا الأصل، وما دخل بعد فعلى جهة التشبيه الذي وصفت لك.
و
أما قولهم: الفلك للواحد والفلك للجميع فإنه ليس من قولهم: شكاعى واحدة وشكاعى
كثير، وبهمى واحدة وبهمى كثير. ولكنهم يجمعون ما كان على فعل كما يجمعون ما كان
على فعل لكثرة اشتراكهما ألا تراهم يقولون: قلفة، وقلفة، وصلعة وصلعة. ويلتقيان في
أمور كثيرة.
فمن
قال: في أسد: آساد، قال في فلك: أفلاك؛ كما تقول في قفل: أقفال.
و
من قال في أسد: أسد، لزمه أن يقول في جمع فلك: فلك. ونظير هذا مما عدده أربعة أحرف
قولك: دلاص للواحد ودلاص للجمع، وهجان للواحد وهجان للجمع وذاك لأنه إذا قال في
جمع فعيل: أفعلة قال في جمع فعال أفعلة، نحو: رغيف وأرغفة، وجريب وأجربة. فيقول
على هذا: مداد وأمدة، وزمام وأزمة، وعقال وأعقلة.
فإذا
قال في فعيل: فعال نحو: كريم وكرام، وظريف وظراف لزمه أن يقول في دلاص: دلاص، وفي هجان، هجان، إذا أراد الجمع.
ويدلك على أنه ليس كمثل شكاعى واحدة وشكاعى جمع قولهم: دلاصان، وهجانان. قال
الشاعر:
ألم
تعلما أن الملامة نفعها ... قليلٌ وما لومي أخي من شماليا
يريد:
من شمائلي. فجمع فعالاً على فعال. وقال الآخر:
أبى
الشتم أني قد أصابوا كريمتي ... و أن ليس إهداء الخنا من شماليا
فهذا
ما ذكرت لك من لواحق الجمع. وإنما الباب ما صدرنا به في جميع ذلك.
و
اعلم أن هذه المخلوقات أجناسٌ، وبابها ألا يكون بين واحدها وجمعها إلا الهاء؛ وذلك
قولك: برة وبر، وشعيرة شعير وحصاة وحصىً، وكذلك سمكة وسمك، وبقرة وبقر، وطلحة
وطلح، وشجرة وشجر، ونخلة ونخل.
فإن
كان مما يعمله الناس لم يجر هذا المجرى، لا يقع مثل هذا في جفنة، وصحفة، وقصعة.
و
قد يقولون في مثل سدرة وسدر، ودرة ودر: سدر ودرر. فالباب ما ذكرت لك. ولكن شبه
للوزن بظلمة وظلم، وكسرة وكسر. قال الشاعر:
كأنها
درةٌ منعمةٌ ... في نسوة كن قبلها دررا
و
كذلك تومة وتوم، وإن لم يكن مرئياً محدوداً بالبصر،قال الشاعر:
و
كنا كالحريق أصاب غاباً ... فيخبو ساعةً ويهب ساعا
و
الأربعة في هذا بمنزلة الثلاثة، زوائد كانت أو بغير زوائد. تقول فيما كان بغير
زوائد: جعثنةٌ وجعثن، وخمخمة وخمخم، وقلقلة وقلقل.
و
في الزوائد؛ نحو: شعيرة وشعير، وقبيلة وقبيل، وما ذكرت لك من قليل هذا يدل على
كثير.
هذا
باب
ما
يجمع مما عدة حروفه أربعةأما ما كان من ذلك على فعيل فإن أدنى العدد أفعلة وذلك
قولك: قفيز وأقفزة. وجريب وأجربة، ورغيف وأرغفة. فإذا جاوزت أدنى العدد فإنه يجيء
على فعل وعلى فعلان نحو: قضيب وقضب. ورغيف ورغف، وكثيب وكثب ويقال أيضاً: رغفان
وكثبان وقضبان فهذا بابه.
و
قد تكون الأسماء من هذا على أفعلاء؛ نحو: نصيب وأنصباء، وصديق وأصدقاء؛ لأنه يجري
مجرى الأسماء،وخميس وأخمساء.
فإن
كان مضاعفاً أو معتلاً فهو يجري على أفعلاء أيضاً؛ كراهية أن تعتور الحركات حروف
اللين، أو يذهب التشديد فيها فيضاعف الحرف وإنما وقع الإدغام تخفيفاً.
فالمضاعف
نحو: شديد وأشداء، وعزيز وأعزاء، وحديد وأحداء، من قولك: هذا رجل حديد.
و
يكون الوصف في ذلك كالاسم.
و
أما ذوات الواو والياء فنحو: نبي وأنبياء، وشقي وأشقياء، وغني وأغنياء، وتقي
وأتقياء.
و
من قال: نبىء فاعلم قال: نبئاء؛ لأن فعيلاً إذا كان نعتاً فمن أبواب جمعه فعلاء؛
نحو: كريم كرماء، وظريف وظرفاء، وجليس وجلساء. قال الشاعر:
يا
خاتم النبئاء إنك مرسلٌ ... بالحق كل هدى السبيل هداكا
و
يكون من جمعه فعال، نحو: كريم وكرام، وظريف وظراف، وطويل وطوال.
فأما
ما جمع في الأسماء على فعلان فنحو: ظليم وظلمان وقضيب وقضبان. فليس من أصل الباب.
ولكنه على ما ذكرت لك وأخرجهم إلى ذلك أنه في معنى فعال، لأنهما يقعان لشيءٍ واحد.
تقول: طويل وطوال، وخفيف وخفاف، وسريع وسراع. قال الشاعر:
أين
دريدٌ وهو ذو براعه ... تعدو به سلهبةٌ سراعه
و
ثوب رقيق ورقاق، وهذا أكثر من أن يحصى.
و
جمع فعالٍ في أدنى العدد كجمع فعيل. وكذلك كل ما كان على أربعة أحرف وثالثه حرف
لينٍ. غراب وأغربة، وذباب وأذبة. فإذا أردت الكثير قلت: غربان، وعقبان.
فأما
غلام فيستغنى أن يقال فيه: أغلمة بقولهم: غلمة؛ لأنهما لأدنى العدد، ومجازهما
واحدٌ إلا أنك حذفت الزيادة، فإذا حقرت غلمة فالأجود أن ترده إلى بنائه فتقول:
أغيلمة، وكذلك صبية. ولو قلت: صبية، وغليمة على اللفظ كان جيداً حسناً. كما قال
الشاعر:
صبيةٌ
على الدخان رمكا ... ما إن عدا أكبرهم أن زكا
يقال:
زك زكيكا: إذا درج.
و
قد قيل: زقاق وزقاق. ولكن باب جمع فعال في العدد لكثير فعلان، كما أن باب جمع
فعيلٍ فعلان: نحو: ظليم وظلمان، وقضيب وقضبان، فأدخل كل واحد منهما على صاحبه.
فباب فعيل في الأسماء على ما وصفت لك.
و
قد يجيء على فعل؛ كما ذكرت لك قضب، ورغف، وكثب. فأما قولهم: جدد وسرر، في جمع جديد
وسرير فإن الأصل والباب جدد، وسرر. وإنما فتح لكراهة التضعيف مع الضمة.
و
اعلم أن فعالاً، وفعالاً، وفعالاً، وفعيلاً، وفعولاً ترجع في الجمع في أدنى العدد إلى
شيءٍ واحد، لأنها مستويةٌ في أنها من الثلاثة، وأن ثالثها حرف لين، ألا ترى أنك
تقول: قذال وأقذلة، وغزال، وأغزلة. وتقول:غزلان؛ كما تقول في غراب: غربان وتقول:
قذل، كما تقول جرب، وكثب. وتقول في عمود: أعمدة، وعمد، وفي رسول: رسل. فمجرى هذا
كله واحدٌ. فإن ترك منه شيء ما فللاستغناء عنه بغيره. فإن جاء منه شيء على غير
المنهاج الذي وصفت لك فعلى تسمية الجمع الذي ذكرنا.
فمن
ذلك قولهم: عمود وعمد، وأديم وأدم، وأفيق وأفق.
و
اعلم أنه ما كان من الجمع على مثال فعل أو كان واحداً فإن الإسكان جائز؛ كما جاز
إسكان الحركة في عضد هرباً من الضمة؛ وذلك قولك: رسل، ورغف، وما أشبه ذلك.
و
اعلم أن قولهم: فصيل وفصال، وقلوص وقلاص إنما جاء على وزن فعال. وفعال إنما يكون
جمع ما كان وصفاً؛ نحو: كريم وكرام، وظريف وظراف، ونبيل ونبال؛ لأن ذلك في الأصل
كان نعتاً، وإن جرى مجرى الأسماء؛ لأن الفصيل هو حدث المفصول من أمه، والقلوص ما
حدث ولم يسنن.
و
اعلم أن قولهم: ظريف وظروف إنما جمع على حذف الزائدة وهي الياء، فجاء على مثال فلوسٍ
وأسود، وكذلك فلو وأفلاء، وعدو وأعداء. إنما جاز على حذف الزيادة؛ كقولهم؛ عضد
وأعضاد.
فهذا
ما ذكرت لك من دخول الجمع بعضه على بعض.
هذا
باب
جمع
ما لحقته الهمزة في أوله من الثلاثةو ذلك نحو: أفكلٍ وأيدعٍ، وإصبعٍ وإثمدٍ
وأبلمٍ. فهذه الأسماء كلها تجمع على أفاعل؛ نحو: أفاكل، وأصابع، وأبالم.
و
كذلك أفعل الذي لا يتم نعتاً إلا بقولك: من كذا يجري مجرى الأسماء. تقول: الأصاغر
والأكابر.
و
كل أفعلٍ مما يكون نعتاً سميت به فإلى هذا يخرج. تقول: الأحامر، والأحامس، وما كان
من هذا للآدميين لم يمتنع من الواو والنون، كما قال الله عز وجل: " قالوا أنؤمن لك
واتبعك الأرذلون " و " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً " فهذا كله على هذا.
و
مؤنث أفعل الذي يلزمه من يكون على فعلى؛ نحو: الأصغر والصغرى والأكبر والكبرى،
والأمجد والمجدى.
و
جمعه بالألف والتاء. تقول: الصغريات، والكبريات، وتكسره على فعل؛ لأن الألف في
آخره للتأنيث فتكسر على فعل. فتقول: الصغرى والصغر، والكبرى والكبر، كما تقول:
ظلمة وظلم، وغرفة وغرف.
فإن
كان أفعل نعتاً مكتفياً فإن جمعه على فعل ساكن الأوسط. وذلك قولك: أحمر وحمرٌ، و
أخضر وخضر، وأبيض وبيض، فانكسرت الباء لتصح الياء؛ ولو كان من الواو لثبت على لفظه
نحو: أسود وسود، وأحوى وحوٍّ.
و
كذلك مؤنثه. تقول: حمراء وحمر، وصفراء وصفر.
فإن
جعلت أحمر اسماً جمعته بالواو والنون فقلت: الأحمرون، والأصفرون. وقلت في المؤنث:
حمروات، وصفروات، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس في الخضروات صدقةٌ
" لأنه ذهب مذهب الاسم. والخضروات في هذا الموضع: ما أكل رطباً، ولم يصلح أن
يدخر فيؤكل يابساً.
و
لو سميت رجلاً أحمر لم يجز في جمعه حمر؛ لأن هذا إنما يكون جمعاً لما كان نعتاً،
ولكن أحامر. فهذا جملة هذا الباب.
و
ما كان من الأسماء على فاعل فكان نعتاً فإن جمعه فاعلون؛ لأن مؤنثه تلحقه الهاء،
فيكون جمعه فاعلات؛ وذلك قولك: ضارب وضاربون، وقائم وقائمون. والمؤنث: قائمة وقائمات، وصائمة وصائمات. فهكذا
أمر هذا الباب.
فإن
أردت أن تكسر المذكر فإن تكسيره يكون على فعل، وعلى فعالٍ.
فأما
فعلٌ فنحو: شاهد وشهد، وصائم وصوم. وفعالٌ: نحو: ضارب وضراب، وكاتب وكتاب.
و
لا يجوز أن يجمع على فواعل، وإن كان ذلك هو الأصل؛ لأن فاعلة تجمع على فواعل.
فكرهوا التباس البناءين؛ وذلك نحو: ضاربة وضوارب، وجالسة وجوالس، وكذلك جميع هذا
الباب.
و
قد قالوا: فارسٌ وفوارس؛ لأن هذا لا يكون من نعوت النساء. فأمنوا الالتباس فجاءوا
به على الأصل.
و
قد قالوا: هالك في الهوالك؛ لأنه مثل مستعمل، والأمثال تجري على لفظ واحد، فلذلك
وقع هذا على أصله: و إذا اضطر شاعر جاز أن يجمع فاعلاً على فواعل؛ لأنه الأصل.
قال
الشاعر:
و
إذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصار
فأما
قولهم: عائذٌ وعوذ، وحائل وحول، وهالك وهلكى، وشاعر وشعراء فمجموع على غير بابه.
فأما
ما كان من هذا على فعل فإنه جاء على حذف الزيادة كما تقول: ورد وورد، وأسد وأسد.
و
أما هلكى فإنما جاء على مثال فعيل الذي معناه معنى المفعول؛ لأن جمع ذلك يكون على
فعلى؛ نحو: جريح وجرحى، وصريع وصرعى، وكذلك جميع هذا الباب. فلما كان هالك إنما هو
بلاءٌ أصابه كان في مثل هذا المعنى فجمع على فعلى، لأن معناه معنى فعيل الذي هو
مفعول. وعلى هذا قالوا: مريض ومرضى؛ لأنه شيء أصابه، وأنت لا تقول مرض ولا ممروض.
فأما
قولهم: شاعر وشعراء فإنما جاء على المعنى؛ لأنه بمنزلة فعيل الذي هو في معنى
الفاعل؛ نحو: كريم وكرماء، وظريف وظرفاء، وإنما يقال ذلك لمن قد استكمل الظرف وعرف
به. فكذلك جميع هذا الباب. فلما كان شاعر لا يقع إلا لمن هذه صناعته، وكان من ذوات
الأربعة بالزيادة، وأصله الثلاثة كان بمنزلة فعيل الذي ذكرنا.
ف
فاعل وفعيل من الثلاثة وفي صنف من هذا زائدة وهي حرف اللين، كما هي في الباب الذي
هو مثله. فلذلك حمل أحدهما على الآخر.
و
قد قالوا في فعيلٍ: شريف وأشراف، ويتيم وأيتام على حذف الزيادة، كما قالوا: أقمار
وأصنام.
و
أما قولهم: خادم وخدم، وغائب وغيبٌ فإن هذا ليس يجمع فاعلٍ على صحة إنما هي أسماء
للجمع، ولكنه في بابه كقولك: عمود وعمد، وأفيق وأفق، وإهاب وأهب.
و
لو قالوا: فعل لكان من أبواب جمع فاعل؛ كما أنك لو قلت في فعيل وفعول وجميع
بابهما: فعل لكان الباب، نحو: كتاب وكتب، وإهاب وأهب، وعمود وعمد، وكذلك كاتب
وكتبة، وعالم وعلمة، وفاسق وفسقة.
فإن
كان فاعل من ذوات الواو والياء التي هما لامان كان جمعه على فعلة؛ لأن فيه معاقبةً
لفعلة في الصحيح. وذلك قولك: قاضٍ وقضاة، وغازٍ وغزاة، ورامٍ ورماة.
و
المعتل قد يختص بالنبأ الذي لا يكون في الصحيح مثله.
من
ذلك أن المعتل يكون على مثل فيعل، ولا يكون مثل ذلك في الصحيح، وذلك نحو: كينونة، وقيدودة، وصيرورة. فهذا ما ذكرت
لك من أن المعتل يختص بالبناء الذي لا يكون مثله في الصحيح.
هذا
باب
جمع
الأسماء التي هي أعلام من الثلاثةاعلم أنك لو سميت رجلاً عمراً أو سعداً فإن أدنى
العدد فيه أعمر، وأسعد.
و
تقول في الكثير:عمور، وسعود، كما كنت قائلاً: فلس وأفلس وفلوس، وكعب وأكعب وكعوب.
قال الشاعر:
و
شيد لي زرارة باذخات ... و عمرو الخير إذ ذكر العمور
و
قال آخر:
رأيت
سعوداً من شعوبٍ كثيرةٍ ... فلم أر سعداً مثل سعد بن مالك
فأما
الجمع بالواو والنون فهو لكل اسم معروف ليس فيه هاء التأنيث.
قال
الشاعر:
أنا
ابن سعدٍ أكرم السعدينا
فأما
ما كان مثل هند فإن جمعه هندات، وهندات، وهندات؛ كما قلت لك في مثل كسرة في هذه
اللغات، لأن هند، اسم مؤنث فجمعتها بالتاء ولم تكن فيها هاء، وكذلك قدر ولو سميت
بها مؤنثاُ. فأردت تكسيره قلت: أهناد، وهنود: كما تقول: جذع وأجذاع وجذوع. وفي
جمل: أجمال وجمول. قال الشاعر:
أخالدٌ
قد علقتك بعد هندٍ ... فشيبني الخوالد والهنود
فإن
سميتها جملاً وحسناً قلت: جملات وحسنات كما تقول: ظلمات وعرفات. وتقول: جملات
وحسنات؛ كما تقول: ظلمات وغرفات.
فإن
قيل في هند: هند مثل كسر فكذلك جمل وحسن؛ مثل ظلم وغرف فجيد بالغ.
و
لو سميت امرأة أو رجلاً قدما لقلت: أقدام؛ كما تقول: أصنام وأجمال؛ لأن التكسير
يجري في المذكر والمؤنث مجرىً واحداً.
فإن
أردت الجمع المسلم، وعنيت مذكراً قلت: قدمون: كما تقول: في حسن اسم رجل: حسنون. وعلى ما بينت لك يجري الجمع في
المسلم المؤنث فكل ما كان يقع على شيءٍ قبل التسمية فإن تكسيره باقٍ عليه إذا سميت
به. فأما الجمع المسلم فمنتقل بالتأنيث وللتذكير.
و
لو سميت امرأة عبلة أو طلحة لقلت: عبال وطلاح. ولم يجز أن تقول في طلحة: طلح؛ لأن
الجمع الذي ليس بينه وبين واحده إلا الهاء إنما يكون للأنواع؛ كقولك: تمرة وتمر،
وسدرة، وسدر، وشعيرة وشعير.
و
لو سميت رجلاً بفخذ لقلت في التكسير: أفخاذ؛ كما كنت قائلاً قبل التسمية به. فأما
الجمع المسلم ففخذون. فقس جميع ما يرد عليك بهذا تصب إن شاء الله.
هذا
بابما كان اسماً على فاعلٍ غير نعت
معرفةً
أو نكرةً
اعلم
أن ما كان من ذلك لآدميين فغير ممتنع من الواو والنون. لو سميت رجلاً حاتماً أو
عاصماً لقلت: حاتمون، وعاصمون. وإن شئت قلت: حواتم وعواصم؛ لأنه ليس بنعت فتريد أن
تفصل بينه وبين مؤنثه، ولكنه اسم. فحكمه حكم الأسماء التي على أربعة أحرف.
و
إن كان لغير الآدميين لم تلحقه الواو والنون. ولكنك تقول: قوادم في قادم الناقة،
وتقول: سواعد في جمع ساعد. هكذا جميع هذا الباب.
فإن
قال قائل: فقد قال الله عز وجل في غير الآدميين: " إني رأيت أحد عشر كوكباً
والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " .
فالجواب
عن ذلك: أنه لما أخبر عنها بالسجود وليس من أفعالها وإنما هو من أفعال الآدميين
أجراها مجراهم؛ لأن الآدميين إنما جمعوا بالواو والنون، لأن أفعالهم على ذلك. فإذا
ذكر غيرهم بذلك الفعل صار في قياسهم؛ألا ترى أنك تقول: القوم ينطلقون، ولا تقول:
الجمال يسيرون.
و
كذلك قوله عز وجل: " كلٌّ في فلكٍ يسبحون " . لما أخبر عنها أنها تفعل
وإنما حقيقتها أن يفعل بها فتجري كانت كما ذكرت لك.
و
من ذلك قوله: " بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون " ، إنما
ذلك لدعواهم أنها فعالة، وأنها تعبد باستحقاق، وكذلك " لقد علمت ما هؤلاء ينطقون
" ومثله: " قالت نملةٌ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم " لما جعلها مخاطبة
ومخاطبة. وكل ما جاء من هذا فهذا قياسه. قال الشاعر:
تمززتها
والديك يدعو صباحه ... إذا ما بنوا نعشٍ دنوا فتصوبوا
لما
ذكرت من أنه جعل الفعل لهذه الكواكب، وعلى هذا قال الشاعر:
حتى
يقيدك من بنيه رهينةً ... نعشٌ ويرهنك السماك الفرقدا
فقال:من
بنيه لما خبر عنه بهذا الفعل.
هذا
باب
ما
كان على أربعة أحرف أصلية
أو
فيها حرف زائد
اعلم
أن جميعها كلها يكون على مثال مفاعل في الوزن، وإن اختلفت مواضعها وحركاتها تقول
في جعفر: جعافر، وفي سلهب: سلاهب، وفي جدول: جداول، وفي عجوز: عجائز، وفي أسود إذا
جعلته اسماً: أساود؛ كما قال الشاعر:
أسود
شرىً لاقت أسود خفيةٍ ... تساقت على لوحٍ دماء الأساود
و
قالوا: الأباطح والأبارق في جمع الأبطح والأبرق، لأنهما وإن كانا نعتين قد أجريا
مجرى الأسماء في معناها.
و
كذلك الأدهم إذا عنيت الحية فهو غير مصروف. ولكنه يجري مجرى الأسماء في معناه.
و
كذلك الأدهم إذا عنيت القيد، قال الشاعر:
هو
القين وابن القبن لاقين مثله ... لفطح المساحي أو لجدل الأداهم
و
كذلك ما ذكرت لك في التصغير جاء على مثال واحد أصلياً كان أو زائداً، اتفقت حركاته
أو اختلفت، إلا في تصغير الترخيم فإنه يحذف منه الزوائد، ولا تحذف الأصول. وسنذكره
لك في باب التصغير إن شاء الله.
هذا
باب
ما
كان على خمسة أحرف كلهن أصلاعلم أنك إذا أردت جمعه لم يكن لك بدٌّ من حذف حرف ليكون
على مثال الجمع. والحرف الذي تحذفه هو الحرف الأخير؛ وذلك لأن الجمع يسلم حتى
ينتهي إليه فلا يكون له موضع؛ وذلك قولك في سفرجل: سفارج، وفي فرزدق: فرازد، وفي
شمردل: شمارد وكذلك جميع هذا.
و
قد يقال في فرزدق:
فرازق،
وليس ذلك بالجيد؛ وذلك لأن الدال من مخرج التاء. والتاء من حروف الزيادة. فلما
كانت كذلك، وقربت من الطرف حذفوها. فمن قال ذلك لم يقل في جحمرش: جحارش؛ لتباعد
الميم من الطرف. فهذا يجري مجرى الغلط. والباب ما ذكرت لك أولاً.
و
اعلم أنهم يتنكبون. جمع بنات الخمسة؛ لكراهيتهم أن يحذفوا من الأصول شيئاً. فإذا
قالوه قالوه على ما ذكرت لك.
هذا
باب
ما
عدته خمسة أحرف أو أكثر بزيادة تلحقهفمن ذلك قولهم: صحراء يا فتى، فإذا جمعت قلت:
صحارٍ؛ وكان الأصل صحاري. وإن شئت أن تقوله قلته، وإن شئت أن تحذفه استخفافاً
فعلت. وإنما جاز الإثبات؛ لأن الألف إذا وقعت رابعةً فيما عدته خمسة أحرف ثبتت في
التصغير والتكسير. وإنما تحذف إذا لم يوجد من الحذف بدٌّ. فتقول في مفتاح: مفاتيح،
وفي سرداح: سراديح، وفي جرموق: جراميق، وفي قنديل: قناديل. فلا تحذف شيئاً.
هذا
باب
ما
كانت عدته أربعة أحرف وفيه علامة التأنيثأما ما كان من ذلك على فعلة فجماعه فعال
إذا كان من غير الأنواع التي ذكرنا وذلك قولك: صحفة وصحاف. وقصعة وقصاع، وجفنة
وجفان.
و
أما قولهم: جفنة، وجفن، وضيعة وضيع فليس الباب، إنما هي أسماء للجمع. وإنما الكلام
جفنات وجفان، وصحفات وصحاف، وضيعات وضياع.
فإن
كان على أربعة أحرف، والعلامة التي فيه ألف التأنيث؛ نحو: حبلى، وذفرى، ودنيا فإن
جمعه أن تقول في حبلى: حبليات، وفي دنيا: دنيياتٌ، وفي ذفرى: ذفريات. وكذلك هذا الباب أجمع.
و
أما ما كان منه مؤنثاً من أفعل الذي تصف به: نحو: هذا أفضل من زيد، وهذا أكبر من
عمرو فإن تكسيره على فعل.
تقول:
الدنيا والدنى. والقصيا والقصى. وكذلك إن قلت: القصوى، والكبرى والكبر، والصغرى
والصغر.
و
إن لم يكن مؤنثاً لأفعل فإنه يجمع على فعالى في وزن فعالل، كما قلت في جعفر:
جعافر، وفي جندب: جنادب. وذلك قولك في حبلى: حبالى.
و
كذلك فعلى. تقول في ذفرى: ذفارى.
و
كذلك فعلى. تقول في أرطى: أراطى.
هذا
باب
ما
كان على خمسة أحرف وفيه زيادتان
ملحقتان
أو غير ملحقتيناعلم أنه ما كان كذلك مما استوت فيه زيادتان فإنك في حذف ما تشاء
منهما مخير إذا كانتا متساويتين، إما ملحقتان وإما غير ملحقتين؛ وذلك قولك: حبنطىً
ودلنظىً وسرندىً.
فالنون
زائدة وكذلك الألف وهما ملحقتان بباب سفرجل.
فإن
شئت قلت: حباطٍ، ودلاظٍ. وسرادٍ. وإن شئت قلت: حبانط، ودلائظ، وسراند، لأن الألف
في الزيادة كالنون. وكذلك يكون هذا في التصغير.
و
من ذلك قلنسوة؛ لأن الواو والنون زائدتان وهي على مثال قمحدوة. فإن شئت قلت: قلانس
فحذفت الواو، وإن شئت: قلت: قلاسٍ فحذفت النون.
و
كذلك فعلهما، يقال تقلنس وتقلسى. والتصغير على هذا جرى.
فأما
جحنفل فليس فيه إلا جحافل. وكذلك قرنفل لا يجوز فيه إلا قرافل:؛ لأنه ليس هاهنا
زيادة إلا النون.
و
اعلم أن كل شيءٍ حذفت منه فالعوض فيه جائز. وهي ياءٌ تلحق قبل آخره. وكذلك قولك في
سفرجل سفاريج. وإن شئت قلت في حبنطى: حباطي إن حذفت النون وعوضت. وإن حذفت الألف وعوضت قلت: حبانيط.
والتصغير على هذا يجري.
هذا
باب
ما
تلحقه زائدتان
إحداهما
ملحقة والأخرى غير ملحقةاعلم أنك تجري الملحق مجرى الأصلي في الجمع والتصغير: وذلك
أن الملحق إنما وضع بإزاء الأصلي لتلحق الثلاثة بالأربعة والأربعة بالخمسة. وذلك
قولك في مثل مسحنكك سحاكك، وفي مقعنسس: قعاسس؛ لأن الميم والنون لم تزادا لتلحقا
بناء ببناء.
و
كان سيبويه يقول في مقنعسس: مقاعس. وهذا غلط شديد؛ لأنه يقول في محرنجم: حراجم.
فالسين الثانية في مقنعسس بحذاء الميم في محرنجم.
فإن
قال قائل: إنها زائدة. قيل له: فالميم زائدة أيضاً، إلا أن السين ملحقة بالأصول
وليست الميم كذلك. إنما هي الميم التي تلحق الأسماء من أفعالها، ألا ترى أن من قال
في أسود: أسيود قال في جدول: جديول، فأجرى الملحق مجرى الأصلي.
هذا
باب
التصغير
وشرح أبوابه ومذاهبهزعم المازني عن الأصمعي أنه قال قال الخليل بن أحمد: وضعت
التصغير على ثلاثة أبنية: على فلس، ودرهم، ودينار.
و
ذلك أن كل تصغير لا يخرج من مثال فليس، ودريهم، ودنينير فإن كانت في آخره زائدة لم
يعتد بها، وصغر على أحد هذه الأمثلة ثم جيء بالزوائد مسلمةً بعد الفراغ من هذا
التصغير.
هذا
باب
ما
كان من المذكر على ثلاثة أحرفاعلم أن تصغيره على مثال فعيل متحركاً كان حرفه الثاني
أو ساكناً: وذلك قولك في فلس: فليس، وفي عمرو: عمير، وكذلك تقول في عمر، وفي خدر:
خدير، وفي رطب: رطيب، وفي جمل: جميل. لا تبالي ما كانت حركته؟، لأن التصغير يخرجه
إلى بنائه. وحكم التصغير: أن يضم أوله، ويفتح الحرف الثاني، ويلحق بعده ياء
التصغير ثالثةً.
فإن
كان الاسم على أربعة أحرف انكسر الحرف الذي بعد ياء التصغير، كما ينكسر في
التكسير؛ لأن التكسير والتصغير من وادٍ واحد. إلا أن أول التصغير مضموم، وأول
الجمع مفتوح، وعلامة التصغير ياء ثالثة ساكنة، وعلامة الجمع ألفٌ ثالثة. وهما في
تغيير الاسم عن بنائه سواء؛ وذلك قولك في جعفر: جعيفر وجعافر.
و
اعلم أنه لا يكون اسم على حرفين إلا وأصله الثلاثة، فإذا صغر فلا بد من رد ما ذهب منه؛
لأن التصغير لا يكون في أقل من ثلاثة أحرف؛ وذلك قولك في دم: دميٌّ؛ لأن الذاهب
منه ياء؛ يدلك على ذلك أنك إذا أخرجته إلى الفعل قلت: دميت. كما تقول: خشيت. وتقول
في الجمع: دماءٍ فاعلم فتهمز الياء؛ لأنها طرفٌ بعد ألف زائدة، كما تقول: رداء
وسقاء.
فإذا
فارقت الألف رجعت إلى أصلها فقلت: أردية، وأسقية. ولما اضطر الشاعر رده إلى أصله
فقال:
فلو
أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين
و
تقول في تصغير غد: غديٌّ، لأن أصله غدو، فكان تصغيره غديو يا فتى. ولكن الواو إذا
كانت قبلها ياء ساكنة قلبت ياءً وأدغمت الياء فيها؛ كما تقول: أيام، وأصلها: أيوام لأنها جمع يوم. وكذلك سيد
وميت، إنما هو سيود وميوت؛ لأنه من يسود ويموت، وكذلك قيام وقيوم، إنما هو قيوام،
وقيووم بواوين. وهذا يحكم في باب التصريف.
و
الدليل على أن الذاهب من غد الواو أنهم يقولون فيه: غدو كما يقولون: غد قال الشاعر:
لا
تقلواها وادلواها دلواً ... إن مع اليوم أخاه غدوا
و
قال لبيد بن ربيعة:
و
ما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوا يلاقع
و
كل ما لم نذكره من هذا الباب فهو مجازه.
هذا
باب
ما
كان من المؤنث على ثلاثة أحرفاعلم أنه ما كان من ذلك لا علامة فيه فإنك إذا صغرته
ألحقته هاء التأنيث التي هي في الوصل تاء.
و
إن كان بهاء التأنيث ثلاثة أحرف فقد ذهب منه حرف؛ لأن الهاء لا يعتد بها. فيلزمك
في التصغير رد ذلك الحرف.
أما
ما كان من ذلك لا هاء فيه فنحو قولك في دار: دويرة، وفي نعل: نعيلة، وفي هند:
هنيدة. لا يكون إلا على ذلك.
فأما
قولهم في الناب من الإبل: نييب. فإنما صغروه بغير هاءٍ لأنها به سميت؛ كما تقول
للمرأة: ما أنت إلا رجيل؛ لأنك لست تقصد إلى تصغير الرجل.
و
كذا قولهم في تصغير الحرب: حريب إنما المقصود المصدر من قولك: حربته حرباً. فلو سمينا امرأة حرباً أو ناباً، لم يجز
في تصغيرها إلا حريبة. ونييبة.
و
الفرس يقع للمذكر والأنثى. فإن قصدت إلى الذكر قلت: فريس، وإن قصدت إلى الأنثى
قلت: فريسة.
و
أما ما جاء على ثلاثة أحرف أحدها هاء التأنيث فنحو: شاة تقول في تصغيرها: شويهة
فترد الهاء الساقطة.
و
الدليل على أن الذاهب منه هاء قولك في الجمع: شياهٌ فاعلم. وتقول في تحقير شفةٍ:
شفيهة؛ لأن الذاهب كان هاء. يدلك على ذلك قولك: شافهت الرجل، وشفة وشفاةٌ فاعلم.
ومن
ذلك سنة فتقول في تصغيرها: سنية وسنيهة، لأنه يجتذبها أصلان: الواو، والهاء. فمن
قال: سنوات، واكتريته مساناة، وقرأ: " فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسن وانظر
" فوصل بغير هاء فهو على قول من أذهب الواو. فهذا يقول سنية. والأصل سنوة. لا
يجوز غيره في قوله. ومن قال: " لم يتسنه وانظر " وقال: اكتريته مسانهةً،
فهذا يزعم أن الذاهب الهاء. ولا يجوز على قوله إلا سنيهة، والأصل عنده سنهة.
و
كذلك ما لم يكن فيه من ذوات الحرفين هاء وكان مؤنثاً فأمره مثل ما ذكرت لك؛ لأنك
ترد الحرف الذاهب، ثم تجريه مجرى هند، ودعد، وقدر، وشمس، لأنه ما كان على حرفين
فلا بد من رد الثالث فيه. فإذا رد صار بمنزلة ما كان على ثلاثة أحرف مما لم ينقص
منه شيء؛ وذلك قولك في يد: يدية؛ لأن الذاهب كان ياءً. يدلك على ذلك قولهم: يديت إليه يداً، وكذلك أياد، وكل ما لم
نذكره مما كان على هذا المثال فهذا قياسه.
و
اعلم أنك إذا سميت مذكراً بمؤنث لا علامة فيه أنك لا تلحقه هاء التأنيث إذا صغرته؛
لأنك قد نقلته إلى المذكر؛ وذلك قولك في رجل سميته هنداً أو شمساً أو عيناً: عيين،
وشميس، وهنيد.
فإن
قيل: فقد جاء في الأسماء مثل عيينة، وأذينة.
قيل: إنما سمي بهما الرجلان بعد أن صغرتا وهما
مؤنثتان. والدليل على ذلك أنك لم تسم الرجل عيناً ولا أذناً، ثم تأتي بهذا إذا
صغرته. إنما أول ما سميت به عيينة وأذينة. فهذا بين جداً. وكذلك إن سميت امرأة أو
مؤنثاً غيرها باسم على ثلاثة أحرف مما يكون للمذكر فلا بد من إلحاق الهاء إذا
صغرتها. وذلك أنك لو سميت امرأة حجراً أو عمراً أو عمر، لم تقل في تصغيرها: إلا
عميرة، وحجيرة. لا يكون إلا ذلك؛ كما لم يكن في المذكر إلا ما وصفت لك إذا سميته بمؤنث.
هذا
باب
تصغير
ما كان من المذكر على أربعة أحرفاعلم أن تصغير ذلك على وزن واحد، كانت فيه زوائد
أو كانت الحروف كلها أصليةً اختلفت حركاته أو اتفقت، كانت الزوائد ملحقة أو للمد
واللين؛ وذلك قولك في جعفر: جعيفر، وفي قمطر: قميطر، وفي درهم: دريهم، وفي علبط: عليبط وفي جلجل: جليجل، وفي زهلق: زهيلق، وفي عجوز: عجيز،
وفي رغيف: رغيف، وفي كتاب: كتيب.
و
اعلم أن ما كانت فيه الواو متحركةً في التكبير زائدةً ملحقةً أو أصلية فأنت في
تصغيره بالخيار: إن شئت أبدلت من الواو في التصغير ياءً للياء التي قبلها، وهو
أجود وأقيس.
و
إن شئت أظهرت الواو؛ كما كانت في التكبير متحركة؛ وذلك قولك في أسود: أسيد، وفي
أحول: أحيل، فهذا الأصلي. والزائدة تقول في قسور: قسير، وفي جدول: جديل.
و
إن شئت قلت فيه كله: أسيود، وقسيور، وجديول، وإنما استجازوا ذلك لما رأوا التصغير
والجمع على منهاج واحد وكان جمع هذا إنما يكون: قساور، وجداول.
فأما
الأولون فعلموا أن الواو إنما تنقلب للياء التي قبلها، وأن الألف لا يوجد فيها مثل
ذلك. والوزن واحد.
والقلب لعلةٍ توجبه. وكلٌّ قد ذهب مذهباً، إلا أن القلب أقيس لما ذكرت لك.
فإن
كانت الواو ساكنةً في التكبير لم يكن إلا القلب؛ وذلك لأن ما تحركت واوه الوجه فيه
القلب. ويجوز الإظهار لتحرك الواو. فلما كانت المتحركة الوجه فيها القلب لم يكن في
الساكنة غيره؛ وذلك قولك في عجوز: عجيز، وفي عمود: عميد.
و
اعلم أنه إذا كانت في ذوات الأربعة زائدة يبلغ بها الخمسة في العدد بإلحاق أو غير
إلحاق فإن تلك الزائدة تحذف في التصغير، إلا أن تكون واواً رابعةً أو ياءً أو
ألفاً في ذلك الموضع فإنها لا تحذف، لأنها تصير على مثال دنينير.
فإن
لم يكن ذلك فالحذف لازم؛ لأنه يكون على مثال دريهم. وذلك قولك في سرادق: سريدق؛
لأن الألف زائدة، وفي جحنفل جحيفل؛ لأن النون زائدة، وكذلك ما كان مثل ذلك.
و
أما معاوية فمن بنات الثلاثة وسنشرح لك أحكامها لتقف عليها إن شاء الله.
اعلم
أن ذوات الثلاثة إذا لحقتها زائدتان مستويتان، فأنت في الحذف بالخيار، أيهما شئت
حذفت.
فإن
كانت إحداهما ملحقة لم يجز حذفها، وحذفت الأخرى؛ لأن الملحق كالأصلي. فإن كانتا
ملحقتين فأنت في حذف أيهما شئت مخير.
و
إن كانتا غير ملحقتين وإحداهما للمعنى، حذفت التي ليست للمعنى، وأبقيت التي المعنى
من أجلها يعلم.
فأما
ما استوت فيه الزيادتان فقولك في حبنطى: حبيطٍ فاعلم، وإن شئت حبينطٌ؛ وذلك؛ لأنه
من الثلاثة، والنون والألف فيه زائدتان ملحقتان بسفرجل. فإن حذفت النون قلت:
حبيطٍ، وإن حذفت الألف قلت: حبينطٌ، وإن عوضت فيمن حذف النون قلت: حبيطيٌّ فاعلم،
وفيمن حذف الألف حبينيطٌ.
و
كذلك جمعه: تقول: حبانط فاعلم، وإن عوضت قلت: حبانيط.
فإن
حذفت النون قلت: حباطٍ وإن عوضت قلت: حباطي، فعلى هذا يجري.
و
لو حقرت مثل مغتسل لقلت: مغيسلٌ. وإن عوضت قلت: مغيسيلٌ. لا يكون إلا ذلك؛ لأن
الميم والتاء زائدتان، والميم للمعنى؛ ألا ترى أنك لو قلت: مغتسل كان مؤدياً
للمعنى. فالميم لا تحذف.
فإذا
حقرت معاوية فيمن قال: أسيد قلت: معية. وكان الأصل معيية. ولكنهم إذا اجتمعت ثلاث
ياءات في بناء التصغير حذفت الياء المعتلة لاجتماع الياءات.
و
من قال في أسود: أسيود قال في تصغير معاوية: معيوية؛ لأنه يحذف الألف فيصير
معيوية، ولا تجتمع الياءات فيلزمك الحذف.
فأما
ما ذكرت لك مما يحذف لاجتماع الياءات فقولك في تصغير عطاء: عطيٌّ فاعلم؛ لأنك حذفت
ياء والأصل: عطييٌ فصار تصغيره كتصغير ما كان على ثلاثة أحرف.
فعلى
هذا تقول في تصغير أحوى: أحيّ فاعلم على قولك: أسيد، ومن قال: أسيود قال: أحيوٍ
فاعلم.
و
تقول في تصغير عثولٍّ: عثيلٌّ فاعلم؛ لأن فيه زائدتين: الواو وإحدى اللامين.
والواو أحق عندنا بالطرح؛ لأنها من الحروف التي تزاد. واللام مضاعفة من الأصول.
وهما جميعاً للإلحاق بمثل جردحل.
و
كان سيبويه يختار عثيلٌ، وعثيول فيمن قال: أسيود، ويقول: هي ملحقة، وهي أبعد من
الطرف. وقد يجوز ما قال. ولكن المختار ما ذكرنا، للعلة التي شرحنا.
و
من عوض على قول سيبويه قال: عثييل وعثيويل، وعلى قولنا: عثيليل فهذا وجه هذا.
و
لو حقرت مثال مفتاح، وقنديل، وشملان لم تحذف شيئاً، وكنت قائلاً: قنيديل، ومفيتيح،
وشميليل؛ وذلك لأنك كنت قائلاً لو عوضت في مثل سفرجل: سفيريج. فأنت إذا أتيت بها فيما لم تكن فيه أحرى ألا
تحذفها فيما هي فيه أو ما تكون بدلاً منه. وإنما تثبت في هذا الموضع، لأنه موضع
تلزمه الكسرة، والياء إنما هي حرف لين، فدخلت بدخول ما هو منها وهو الكسرة، وكذلك
الجمع لذوات الأربعة إنما يجري مجرى تصغيره في كل شيءٍ، فيجريان فيه على قياس واحد
فيما جاوز الثلاثة.
هذا
باب
تحقير
بنات الخمسةاعلم أنك إذا صغرت شيئاً على خمسة أحرف كلها أصلٌ فإنك لا تحذف من ذلك
إلا الحرف الأخير؛ لأنه يجري على مثال التحقير، ثم ترتدع عنده. فإنما حذفت الذي
يخرج من مثال التحقير؛ وذلك قولك في سفرجل: سفيرج، وفي شمردل: شميرد، وفي جحمرش:
جحيمر، وفي جردحل: جريدح. وكذلك إن كانت في ذوات الخمسة زائدة حذفتها، ثم حذفت
الحرف الأخير من الأصول حتى يصير على هذا المثال؛ وذلك قولك في عضرفوط: عضيرف، وفي
عندليب: عنيدل، وفي قبعثرى: قبيعث. والعوض في هذا كله جائز؛ وذلك قولك: قبيعيث، وعضيريف. وكذلك كل ما حذف منه.
فهذا قياس هذا الباب.
و
من العرب من يقول في الفرزدق: فريزق. وليس ذلك بالقياس، إنما هو شبيه بالغلط وذلك
لأن التاء من حروف الزيادة، والدال من موضعها. فلما كانت طرفاً، وكانت أشبه ما في
الحرف بحروف الزيادة حذفتها.
و
من قال هذا قال في جمعه:
فرازق.
والجيد: فرازد وفريزد؛ لأن ما كان من حروف الزيادة وما أشبهها إذا وقع أصلياً فهو
بمنزلة غيره من الحروف.
و
من قال: فريزق لم يقل في جحمرش: جحيرش، وإن كانت الميم من حروف الزيادة لبعدها من
الطرف. ولكنه يقول في مثل شمردل: شميرد. وإن كان هذا أبعد؛ لأن اللام من حروف
الزيادة.
هذا
باب
تصغير
الأسماء المبنية من أفعالهااعلم أنك إذا حقرت مضروباً قلت: مضيريب. لا تحذف منه
شيئاً؛ لأن الواو رابعة. وقد تقدم القول في هذا وأنك لست تحذف إلا مضطراً.
فإن
حقرت مدحرجاً أو مدحرجاً قلت: دحيرج؛ لأن الميم زائدة، وليس هاهنا من حروف الزيادة
غيرها.
فإن
حقرت مثل منطلق قلت: مطيلق. تحذف النون ولا تحذف الميم، وإن كانتا زائدتين، لأن
الميم للمعنى؛ ألا ترى أنك إذا جاوزت الثلاثة أدخلت الميم على كل فاعل ومفعول،
وتدخل علة المفعول من الثلاثة واسم الزمان، والمكان، والمصدر، كقولك: سرت مسيراً،
وأدخلته مدخلاً كريماً، وهذا مضرب زيد، ومدخل زيد.
فإن
حقرت مثل مقتدر قلت: مقيدر. تحذف التاء من مفتعل؛ كما حذفت النون من منفعل؛ لأن
العدة قد خرجت على مثال التصغير. فلا بد من حذف الزيادة.
و
العوض في جميع هذا جائز، لأنك قد حذفت منه. تقول في منطلق إذا عوضت: مطيليق، وفي
مقتدر: مقيدير.
فإن
حقرت مثل مقاتل قلت: مقيتل، تحذف الألف، وإن عوضت قلت: مقيتيل.
فإن
حقرت مثل مستضرب قلت: مضيرب، ومضيريب، تحذف التاء والسين، ولا تحذف الميم؛ لما
ذكرت لك.
و
كذلك ما كان من مفعوعل مثل مغدودن. تحذف الواو وإحدى الدالين، فتقول: مغيدن،
ومغيدين. ولا تحذف الميم؛ لأنها للمعنى.
و
كل ما كان على شيءٍ من الأبنية فهذا قياسه.
و
تقول في مثل محمر: محيمر. تحذف إحدى الراءين.
و
كذلك تقول في تصغير محمار: محيمير. تحذف إحدى الراءين، ولا تحذف الألف لأنها
رابعة، ولو حذفتها لم يكن بدٌّ من حذف إحدى الراءين ليكون على مثل التصغير والجمع
على ذلك. تقول: محامر في محمر، ومحامير في محمار.
و
تقول في مثل مقشعر: قشيعر، وقشيعير إن عوضت تحذف الميم وإحدى الراءين، لأن الحرف
يبقى على أربعة، فلو حذفت غير الميم كنت حاذفاً من الأصل تاركاً الزيادة، فنخرج
إلى مثال تصغير مدحرج.
و
كذلك مطمئنٌّ. تقول: طميئن، وطميئين إن عوضت. وتقول في مثال محرنجم حريجم، وحريجيم
إن عوضت. فتحذف الميم والنون لأنهما زائدتان، ولا تجد من ذلك بداً؛ لأنه يبقى على
أربعة أحرف.
و
كان سيبويه يقول في تصغير مقعنسس: مقيعس ومقيعيس. وليس القياس عندي ما قال؛ لأن
السين في مقعنسس ملحقة، والملحق كالأصلي. والميم غير ملحقة. فالقياس: قعيسس
وقعيسيس، حتى يكون مثل حريجم وحريجيم.
هذا
باب
ما
لحقته زائدتانإحداهما ملحقةٌ والأخرى غير ملحقة
وذلك
قولك: ثمانٍ ويمانٍ اعلم أنك إذا حقرت ثمانية وعلانية، فإن أقيس ذلك وأجوده أن
تقول: ثمينية، وعلينية؛ وذلك لأن الياء فيهما ملحقة واقعةٌ في موقع المتحرك.
والألف غير ملحقة ولا يقع في موضعها إلا حرف مد، فإنما هي بمنزلة ألف عذافرة،
والياء بمنزلة الراء. فلما، لم يجز في عذافرة إلا عذيفرة، فكذلك يجب فيما ذكرت لك.
و
قد أجازوا ثمينة، وعلينة، واحتجوا بأنهما زائدتان، وقالوا: الأولى وإن لم تكن
ملحقة فهي بعيدة من الطرف. وهو وجه رديءٌ. كما أن قلنسوة لما كانت في وزن قمحدوة
كانت النون بحذاء الأصلي والواو بحذاء الواو الزائدة، فكان قلينسة أقيس من قليسية.
فهذا مجرى هذا.
و
اعلم أنه كل ما كانت فيه زائدتان إذا حذفت إحداهما ثبتت الأخرى، لم تحذف غيرها؛
وذلك نحو: عيضمور، وعيطموس. تقول: إذا حقرت: عضيميز، وعطيميس؛ لأنك لو حذفت الواو
لاحتجت أن تحذف الياء ليكون على مثال التصغير. وأنت إذا حذفت الياء وحدها لم تحتج
إلى حذف الواو؛ لأنها تقع رابعةً، فيصير تحقيره مثل تحقير سرحوب، وقنديل. فكلما قل
من الحذف لم يصلح غيره؛ ألا ترى أنك لو جمعت لم تقل إلا عطاميس، وعضاميز، وسراحيب؟
فعلى هذا فأجر هذا الباب.
هذا
باب
ما
يحقر على مثال جمعه
على
القياس لا على المستعملو ذلك قولك في تحقير دانق: دوينق، وطابق: وطويبق، وخاتم:
وخويتم. ولا تلتفت إلى قولهم: خواتيم، ودوانيق، وطوابيق؛ لأن الجمع على الحقيقة
إنما هو دوانق، وخواتم، وطوابق؛ كما تقول في تابل: توابل، وفي فارس: فوارس. وعلى
هذا قال الشاعر:
و
تترك أموالٌ عليها الخواتم
فأما
دوانيق فإن الياء زيدت للمد في تكسيره؛ كما تزاد حروف المد في الواحد. وكذلك
طوابيق.
فأما
خواتيم فإنه على قياس من قال: خاتام؛ كما قال الشاعر:
أعز
ذات المئزر المنشق ... أخذت خاتامي بغير حق
فإذا
احتاج شاعر إلى زيادة حرف المد في هذا الضرب من الجمع جاز له؛ للزوم الكسرة ذلك
الموضع. وإنما الكسرة من الياء. قال الشاعر:
تنفي
يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
هذا
بابما كان على أربعة أحرفٍ مما آخره حرف تأنيث
اعلم
أنه ما كان من ذلك فإن ثالثه يترك مفتوحاً؛ لئلا تنقلب ألف التأنيث. وذلك قولك في
حبلى: حبيلى؛ لأنه لو قيل فيها كما قيل في جعفر: جعيفر لصارت الألف ياء فذهبت
علامة التأنيث.
و
كذلك تقول في دفلى: دفيلى، وفي دنيا: دنيا.
فإن
كانت الألف زائدة لغير التأنيث انكسر ما قبلها وانقلبت ياءً. وذلك قولك في أرطىً:
أريطٍ؛ لأن أرطىً ملحق بجعفر، وليست ألفه للتأنيث. ألا ترى أنك تقول في الواحدة:
أرطاة؟ فلو كانت الألف للتأنيث لم تدخل عليها هاء التأنيث؛ لأنه لا يدخل تأنيث على
تأنيث.
و
تقول في معزى: معيزٍ فاعلم، وهكذا كل ما كانت ألفه للتأنيث.
فأما
الهاء فإنها بمنزلة اسم ضم إلى اسم؛ ألا ترى أنها تدخل على المذكر، فلا تغير
بناءه؟. فإنما الباب فيها أن يصغر الاسم من أي باب كان على ما يجب في مثله، ثم
تأتي بها؛ وذلك قولك في حمدة: حميدة، وفي نخلة: نخيلة، وفي قسورة: قسيرة. ومن قال في أسود: أسيود قال:
قسيورة، وفي هلباجة: هليبيجة؛ لأنك لو صغرت هلباجاً لقلت: هليبيج فلم تحذف منه
شيئاً.
فإنما
يجري على الصدر ما يجري عليه، ثم تأتي بالهاء.
و
تقول في تصغير سفرجلة: سفيرجة؛ لأنك كنت قائلاً في سفرجل: سفيرج. فهذا حكم الألف
والهاء.
فأما
ما لحقته ألفان للتأنيث فإنك قائل فيه ما قلت في الهاء، لا ما قلت في الألف
المقصورة وسنبين ذلك إن شاء الله.
تقول
في حمراء: حميراء يا فتى؛ لأن الآخر متحرك، فهو كالهاء. وتقول في خنفساء: خنيفساء يا فتى؛ لأنك كنت تقول في خنفس:
خنيفس. فإنما تسلم الصدر، ثم تأتي بالألفين. وتقول في معيوراء: معييراء. تسلم
الصدر على ما ذكرت لك؛ لأن الألفين يجريان مجرى الهاء.
فأما
الألف المقصورة فإنها في الاسم كبعضه. وقد ذكرتها لك رابعةً بحيث لا يحذف من
التصغير شيءٍ. وسأذكرها خامسةً وسادسةً.
اعلم
أنك إذا صغرت شيئاً فيه الألف المقصورة وهو على خمسة أحرف بها أو أكثر ذلك فإنك
تحذفها، كما تحذف الحرف الخامس وما بعده من الأصل والزوائد.
تقول
في قرقرى: قريقر لأنك حقرت قرقراً، فانتهى التحقير، وهذه الألف زائدة. ولم تكن
لتكون بأقوى من لام سفرجل وما أشبهها من الأصول، ولم تكن متحركة، فتصير كاسمٍ ضم
إلى اسم بمنزلة الهاء والألف الممدودة. فألف قرقرى للتأنيث وهي محذوفة لما ذكرت لك.
فإن
قلت في مثل حبركىً وألفه ملحقة بسفرجل قلت: حبيرك لما ذكرت لك. وإن عوضت قلت:
حبيريك، وقريقير.
و
إن كانت مع الألف زائدة غيرها حذفت أيتهما شئت؛ وذلك قولك في مثل حبارى: حبيرى، وهو أقيس؛ لأن الألف الأولى من
حبارى زائدة لغير معنى إلا للمد. وألف حبارى الأخيرة للتأنيث. فلأن تبقى التي
للمعنى أقيس.
و
قد قالوا: حبير، فحذفوا الأخيرة؛ لأنهما زائدتان. وما دون الطرف أقوى مما كان
طرفاً.
و
كان أبو عمرو بن العلاء يقول في تصغيرها: حبيرة، فيحذفها، ويبدل منها هاء التأنيث؛
لتكون في الاسم علامة تأنيث، ويفعل ذلك بكل ما فيه ألف التأنيث خامسةً فصاعداً.
ويقول: لم يجز إثباتها لأنها ساكنة. فإذا حذفتها لم أخل الاسم من علامة تأنيث
ثابتة.
و
من قال في حبارى: حبيرة قال في تحقير لغيزى: لغيغيزة على مذهب أبي عمرو.
و
قول جميع النحويين يثبتون الياء في لغيزى؛ لأنهم لو حذفوها لاحتاجوا معها إلى حذف
الألف. وقد مضى تفسير هذا.
و
اعلم أن ياء لغيزى ليست بياء التحقير؛ لأن ياء التحقير لا تكون إلا ثالثةً، وهذه
رابعةً؛ كما أن الألف في حبارى لا تكون للجمع؛ لأن الجمع من هذا الحيز لا يكون إلا
مفتوح الأول، ولا تكون ألفه إلا ثالثةً في موضع ياء التصغير.
و
اعم أن سيبويه يقول في تحقير بروكاء، وبراكاء، وخراسان: بريكاء، وخريسان، فيحذف ألف خراسان الأولى، وواو
بروكاء؛ كما يحذف ألف مبارك. وليس هذا بصواب ولا قياس. إنما القياس ألا يحذف
شيئاً؛ لأنك لست تجعل ألفي التأنيث، ولا الألف والنون بمنزلة ما هو في الاسم. ونحن
ذاكرون احتجاجه، والاحتجاج عليه إن شاء الله.
حجته
أنه يقول: إذا وقعت الألف ثالثةً في موضع ألف مبارك حذفت لكثرة العدد؛ وذلك أن
الألف والنون ليستا مما يجوز حذفه، وهما كهاء التأنيث في اللزوم، وليستا بمنزلتهما
في أنها كاسم ضم إلى اسم. فتحقر الصدر وتترك ما بعده ولكنهما بمنزلة، هو من الاسم.
فيقال
له: إن كانتا بمنزلة ما هو بالاسم وجب عليك ألا تحقر ما هما فيه؛ إذا كان على ستة
أحرف بهما.
و
إن كانتا بمنزلة شيءٍ ضم إلى الصدر وجب أن يحقر ما قبلهما؛ كما تفعل ذلك بما قبل
الهاء، ثم تأتي بهما؛ كما تأتي بالاسم الأخير بعد الأول في مثل حضرموت ومعديكرب.
وكذلك حكم ألف التأنيث، وياء النسب كهاء التأنيث. ألا ترى أنك تقول في زعفران:
زعيفران؟ فلو كانت الألف والنون كاللام في سفرجل لكان هذا التحقير محالاً، ولكنك
تقول في خنفساء: خنيفساء، وفي مدائني: مديئني. فإنما حق هذا ما ذكرت لك؛ ألا ترى أن ما قبل الألف
والنون في التحقير إذا لم يكن ملحق الجمع مفتوحٌ، وما قبل ألفي التأنيث لا يكون
إلا مفتوحاً؛ كما يكون ما قبل الهاء. فهذا بين جداً.
و
كان سيبويه يقول في تحقير جدارين إذا أردت التثنية: جديران، فيحقر جداراً، ثم يلحق
الألف والنون.
فإذا
سمي بهما رجل لم يقل: إلا جديران على ما ذكرت لك وهذا نقض لجميع أصوله.
و
يقول في تصغير دجاجتين اسم رجل: دجيجتان، فلا يحذف من أجل هاء التأنيث. ويقول: دجاجة بمنزلة درابجرد في أنه اسم
ضم إلى اسم، ودجاجتان بمنزلة درابجردين.
و
القياس في هذا كله واحد.
هذا
باب
ما
لحقته الألف والنون زائدتيناعلم أنك إذا حقرت غضبان، وسكران، ونحوهما قلت: غضيبان،
وسكيران.
و
كذلك إذا حقرت عثمان، أو عريان قلت: عثيمان، وعريان؛ لأن حق الألف والنون أن يسلما
على هيئتهما بعد تحقير الصدر، إلا أن يكون الجمع ملحقاً بالأصول. فتفعل ذلك بتصغير الواحد، فيجري الواحد في
التصغير مجرى الجمع.
فأما
الملحق فمثل قولك:سرحان تقول في تصغيره: سريحين، لأنك تقول في الجمع: سراحين. وتقول في سلطان: سليطين. كقولك في
الجمع: سلاطين، وتقول في ضبعان: ضبيعين. كقولك: ضباعين. وكذلك قربان.
و
لو كنت تقول في عثمان: عثامين في الجمع لقلت في التصغير: عثيمين؛ ألا ترى أن فعلان
الذي له فعلى؛ نحو:
عطشان،
وسكران، وغضبان، وظمآن لا يكون في جمع شيءٍ منه فعالين؛ لأنه لا يكون ملحقاً؟
فكذلك جميع هذا الباب. ما كان ملحق الجمع وجب في تصغير واحده الإلحاق. وما كان غير
ملحق الجمع لم يكن تصغيره إلا كتصغير فعلان الذي له فعلى.
هذا
باب
ما
كانت في آخره ألفان زائدتان لغير التأنيثوذلك نحو: علباء، وحرباءٍ، وزيزاءٍ ونحوه اعلم أنك لا تقول
في تحقيره: إلا عليبيٌّ، وحريبيٌّ؛ لأن الألفين ليستا للتأنيث. إنما هما ملحقتان
بمثل سرداح، لأنك لا تقول فيه: إلا سريديح، كما لا تقول في شملال: إلا شميليل.
و
كذلك قوباء فاعلم؛ لأن من قال كذا إنما ألحقه بطومارٍ. فلا تقول في تصغيره: إلا قويبي؛
كما تقول في تصغير طومار: طويمير. ولا يجوز فيه إلا التذكير والصرف لما ذكرت لك.
ومن قال: هي القوباء فأنث كان بمنزلة قولك: عشراء، ورحضاء. فلا يكون تصغيرها على هذا إلا قويباء. ولا ينصرف
في معرفة ولا نكرة. وقد مضى القول في ذلك في باب ما لا يجري وما لا يجري.
و
كذلك غوغاء. من ذكر صرف وهو عنده بمنزلة القضقاض والخضخاض. وكان حده أن يقول:
غوغاو. ولكنك همزت الواو لوقوعها طرفاً بعد ألف زائدة. فمن قال هذا قال في التصغير: غويغي، وصرف. ومن أنث وجعلها كعوراء لم
يصرف، وقال في التصغير: غويغاء فاعلم.
هذا
باب
ما
كان على ثلاثة أحرف
مما
حذف منه حرف وجعل مكانه حرفاعلم أن تصغير ما كان من ذلك بحذف ما زيد فيه ورد ما
ذهب منه.
فأما
ما كان في أوله ألف الوصل من هذا الباب فإنها تسقط منه لعلتين: إحداهما: لتحرك ما
بعدها؛ لأنها إنما دخلت لسكونه.
و
العلة الأخرى: أنها زائدة على ما ذكرت لك في أصل الباب.
و
ذلك: ابن، واسم، واست، واثنان، واثنتان، وابنة تأنيث ابن. تقول في تصغير ابن: بني؛
لأن الذاهب منه ياء أو واو، يدلك على ذلك قولهم: أبناء فاعلم. وكذلك اسم وأسماء، تقول في تصغيره: سمي.
و
اثنان بهذه المنزلة: تقول في تصغيره: ثنيان، لأن الألف والنون زائدتان للتثنية.
و
تقول في تصغير ابنة: بنية. وفي تصغير است: ستيهة؛ لأن الذاهب منه هاء. يدلك على ذلك قولهم: أستاه فاعلم. فهذا
مجرى هذا؛ كما قال في سنة: سنية، وسنيهة. فسنية فيمن قال: سنوات، وسنيهة فيمن قال:
سنهات. وقد مضى تفسير هذا.
و
أما ما لم تكن فيه ألف الوصل فنحو قولك: أخت. تقول في تصغيرها: أخيه، فتحذف التاء، وترد الواو التي كانت
في قولك: أخوات، وإخوة، وأخوان.
و
كذلك بنت، وهنت. تقول: هنية، وبنية؛ لأن المحذوف من هذه الواو؛ لأنه يقال: هنواتٌ
قال الشاعر:
أرى
ابن نزارٍ قد جفاني وملني ... على هنواتٍ كلها متتابع
و
كذلك تقول في تصغير هنٍ: هني.
و
قد قال قوم: المحذوف منه هاء، فقالوا في تصغير هنٍ: هنية وفي تصغير هنة: هنيهة، وهنية. إلا أن جملة هذا الباب أنه
لا يكون المحذوف من الثلاثة إلا حرف لين ياء أو واو أو حرفاً خفياً وهو الهاء أو
يكون مضاعفاً، فتحذف منه استثقالاً؛ كما حذف هذا لخفائه.
هذا
باب
ما
يصغر من الأماكن وما يمتنع
من
التصغير منهااعلم أن أسماء الأماكن كسائر الأسماء خاصها وعامها. تقول في دار:
دويرة، كما تقول في هند: هنيدة. وكذلك مكان. تقول فيه: مكين، وفي بيت: بييت وبييت.
فأما
الأسماء المبهمة فنحو: خلف، ودون، وفوق. تقول: خليف ذاك، ودوين ذاك، وفويق ذاك؛
لأنك أردت أن تقرب ما بينهما وتقلله.
فإن
قلت: هو عند زيد لم يجز أن تصغر عند؛ وذلك أنه قد يكون خلفه بكثير وبقليل، وكذلك
دونه، وفوقه. فإذا صغرتهما قللت المسافة بينهما. وإذا قلت: عندي فقد بلغت إلى غاية
التقريب. فلا معنى للتصغير.
و
جملة باب الأماكن التذكير إلا ما خصه التأنيث منها نحو قولك: غرفة. وعلية. ومشرقة،
ومشربة.
و
كذلك تأنيث البناء نحو: دار، إنما هي في بابها بمنزلة نار، وقدر، وشمس. وكذلك تقول في تصغيرها: دويرة وقد بينت لك
في باب الظروف أن هذه المخصوصة لا يتعدى الفعل إليها، لأنه لا دليل فيه عليها.
فإنما يتصل بها؛ كما تتصل بسائر الأسماء، وذلك قولك: قمت في دار زيد، وذهبت إلى
زيد، ووضعته في يد زيد، ورأيت أثراً في رجل زيد. ولا يصلح أن تقول: قمت دار زيد،
ولا قمت المسجد الجامع يا فتى؛ لأن قمت لا يدل على مكانٍ مخصوص. وإنما يتعدى إلى
ما يعتور الأسماء. فلا يخلو منه شيءٌ أو من بعضه. نحو قمت خلف زيد، وسرت أمام عبد
الله، وقمت مكاناً. وقد مضى تفسير هذا في بابه.
فالظروف
إنما هي هذه على الحقيقة. فما جاء منها مؤنثاً بغير علامة: قدام ووراء، وتصغيرهما:
قديديمة ووريئة.
فإن
قلت: فما لهاتين لحقت كل واحدة منهما الهاء، وليستا من الثلاثة؟ قيل: لأن الباب
على التذكير. فلو لم يلحقوهما الهاء لم يكن على تأنيث واحد منهما دليل. قال
القطامي:
قديديمة
التجريب والحلم، إنني ... أرى غفلات العيش قبل التجارب
و
قال الآخر: يومٌ قديديمة الجوزاء مسموم فكل ما ورد عليك من هذه الظروف ليست فيه
علامة التأنيث فهو على التذكير. تقول في تصغير خلف: خليف، وأمام: أميم؛ كما تقول في قذال: قذيل.
و
كل شيء يجري مجرى عند فغير مصغر لما ذكرت لك من امتناعه في المعنى. فكذلك سوى
وسواء يا فتى، إذا أردت بهما معنى المكان؛ لأن قولك: عندي رجل سواك، إنما هو: عندي
رجل مكانك يحل محلك، ويغني غناءك. لا يصغران لقلة تمكنهما.
فإن
أردت بقولك سواء: الوسط من قوله عز وجل: " فرآه في سواء الجحيم " وكما
قال الشاعر:
يا
ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد
صغرته،
فقلت: سوي فاعلم. تحذف الياء لاجتماع الياءات. وكذلك إن أردت بسواء معنى الاستواء
كقولك هذا درهم سواء، أي تمام صغرته؛ كما يلزمك في كل متمكن.
فإن
قال قائل: ما معنى قولك: لقلة تمكنها؟
فإنما
قلة تمكنها: أنهما داخلتان في معنى غير. تقول: عندي رجل سوى زيد، أي: غير زيد.
وغير ليس مما يصغر؛ لأنك إذا قلت: جاءني غيرك لم تخصص واحداً من الناس، إنما زعمت
أنه ليس به، وليس يجب فيمن كان غير المذكور أن يكون حقيراً.
و
لو قلت: عندي مثلك فحقرت المثل كان جيداً؛ لأنك إذا حقرت الذي هو مثله زعمت أنه هو
حقير؛ لأنك حقرت الآخر من حيث زعمت أنه مثله.
و
كذلك تحقير شبه، ونحوٍ، وشبيهٍ؛ لأن الشيء لا يشبه الشيء في جميع حالاته، وإنما
يشبهه من حيث تشبهه به، ولا يكون إلا على مقدمة: تقول: كان خالد القسري مثل حاتم
الطائي. لم ترد الزمان والقدم، ولم ترد الجاهلية والإسلام، ولم ترد أن القبيلة
تجتمع عليهما، ولكنك ذكرت جود خالد، فقرنته بحاتم لما سبق له.
و
كذلك لو قلت: كان جرير كامرئ القيس بعد أن تذكر الشعر والمرتبة فيه، فهذا دليل
التشبيه. فإن قلت: هذا مثيل هذا، وقد قدمت نحواً مما ذكرنا علم أنك حقرته من حيث
حقرت المشبه به. فبالمعنى يصلح اللفظ ويفسد.
هذا
باب
تحقير
الظروف من الأزمنةو الزمان خاصه وعامه يتصل به الفعل. وذلك أن الفعل إنما بني لما
مضى من الزمان ولما لم يمض.
فإذا
قلت: ذهب علم أن هذا فيما مضى من الزمان.
و
إذا قلت: سيذهب علم أنه لما لم يأت من الزمان.
و
إذا قلت: هو يأكل جاز أن تعني ما هو فيه، وجاز أن تريد هو يأكل غداً.
و
المكان لا يكون فيه مثل ذلك. فالفعل ينقضي كالزمان، لأن الزمان مرور الأيام
والليالي، فالفعل على سننه يمضي بمضيه. وليست الأمكنة كذلك، إنما هي جثث ثابتة،
تفصل بينها بالعين، وتعرف بعضها من بعضٍ، كما تعرف زيداً من عمرو.
فكل
متمكن من الزمان يصغر. تقول: يويم في تصغير يوم، وعويم في تصغير عام. وإنما صغرته
بالواو دون الياء؛ لأن ألفه منقلبة من واو. يدلك على ذلك أعوام، وقولك: عاومت
النخلة. وهذا يشرح في باب على حياله بجميع علله إن شاء الله.
و
كذلك كل ما كان مثله يرد في التصغير إلى أصله؛ تقول في ليل: لييل، فأما لييلية
فلها علة نذكرها في بابها إن شاء الله.
و
تقول فيما كان علماً في الأيام كذلك، في تصغير سبت: سبيتٌ، وفي تصغير أحد: أحيد، في الاثنين: ثنيان؛ لأن الألف ألف
وصل فهي بمنزلة قولك في ابن: بني، وفي اسم: سمي، وفي الثلاثاء: ثليثاء في قول
سيبويه، وفي قولنا: ثليثاء؛ لأنك إنما صغرت ثلاثاً فتسلم الصدر، ثم تأتي بعده
بألفي التأنيث، وفي الأربعاء: الأريبعاء، وفي الخميس: الخميس، وفي الجمعة: جميعة.
و
كذلك الشهور. تقول في المحرم: محيرم. تحذف إحدى الراءين حتى تصير على مثال جعفر. فإن عوضت قلت: محيريم، وفي صفر: صفير، وفي
ربيع: ربيع.
و
في جمادى أنت مخير: إن شئت قلت: جميدى وهي أجود، وإن شئت قلت: جميد وتفسيره كتفسير
حبارى، وفي رجب: رجيب، وفي شعبان: شعيبان. وكذلك رمضان: رميضان، وفي شوال، شويويل،
لأنه فعال مثل حماد، وفي ذي القعدة: ذوي القعدة؛ لأن التصغير إنما يقع على الاسم
الأول؛ ألا ترى أنك لو صغرت غلام زيد لقلت: غليم زيد؟ فكذلك هذا وما أشبهه.
و
تقول في أسماء الأوقات من الليل والنهار كذلك. تقول في تصغير ساعة: سويعة، وفي
غدوة: غدية، وفي بكرة بكيرة وفي ضحوة: ضحية: وفي ضحى ضحي. وكذلك تصغير الضحاء،
لأنك تحذف الياء. فيصير مثل تصغير ضحى؛ كما تقول في تحقير عطاء عطيّ. وقد مضى
القول في هذا.
و
تقول في عشية: عشية.
فأما
قولهم: عشيشية، وعشيانات. ومغيربان. وأصيلال، وأصيلان، وأصيلانات، ومغيربانات
فنذكره في موضعه مع ذكرنا اللييلية، والأنيسيان وما أشبه ذلك مما يخالف تصغيره
مكبرة إن شاء الله.
و
كل متمكن من أسماء الدهر فتصغيره كتصغير نظائره من سائر الأسماء. فعلى هذا فأجره؛
ألا ترى أنهم قالوا: آتيك بعيدات بينٍ، وأجروه مصغراً على تصغير مثله.
هذا
باب
تصغير
ما كان من الجمعاعلم أنك إذا صغرت جمعاً على بناء من أبنية أدنى العدد أقررت اللفظ
على حاله. فإن صغرته وهو بناء للكثير رددته إلى أدنى العدد إن كان ذلك فيه. فإن لم
يكن فيه أدنى العدد رددته إلى الواحد، وصغرته إن كان مذكراً آدمياً وجمعته بالواو
والنون. وإن كان من غيرهم أو مؤنثاً منهم فبالألف والتاء. وقد مضى تفسير هذا.
وإنما أعدناه لما بعده.
اعلم
أنك إذا سميت رجلاً بجماعة فإنك تصغر ذلك الاسم كما تصغر الواحد. تقول في رجل اسمه
أكلب: أكيلب، وكذلك أحمرة تقول فيها: أحيمرة، وفي غلمة: أغيلمة. لا يكون إلا كذلك.
فإن
سميته بغلمان أو غربان أو قضبان أو رغفان كان تصغيره كتصغير غلمان ونحوه. تقول:
غليمان، وغريبان، وقضيبان ولا تقول: غريبين، كما تقول في سرحان: سريحين؛ لأنك إنما
قلت: سريحين لقولك: سراحين؛ لأن سرحاناً واحد في الأصل.
فإن
قلت: فأنا أقول: مصير ومصران للجميع ثم أقول في جمع الجمع: مصارين، فكيف أصغر
مصراناً؟ فإن مصراناً تصغيره لا يكون إلا مصيراناً، لأنه إنما ألحقته الألف والنون
للجمع، فلا تغير علامة الجمع؛ ألا ترى أنه ما كان على أفعال نحو: أبيات: وأجمال،
وأقتاب لم تقل فيه إلا أجيمال، وأقيتاب، وأبيات، فإن كان جمعاً لجمع قلت: أبيات
وأبابيت؛ كما تقول: أظفار وأظافير ولكن العلة فيما ذكرت لك.
هذا
بابما كان على فعلٍ من ذوات الياء والواو
نحو
باب وناب ودار وما أشبههاعلم أن هذا الجمع ينقلب ياؤه وواوه ألفاً، لانفتاح ما قبل
كل واحدة منهما؛ نحو: دار، وغار، وباب، إلا أن يجيء حرف على أصله لعلة مذكورة في
باب التصريف؛ نحو: القود، والصيد، والخونة، والحوكة. فأما مجرى الباب فعلى ما ذكرت لك.
فإن
صغرت شيئاً من ذلك أظهرت فيه حرف الأصل، وذلك أن ياء التصغير تقع بعده ساكنة، فلا
يجوز أن تسكنه، فتجمع بين ساكنين. فإذا حركته عاد إلى أصله، وذلك قولك في تحقير
نار: نويرة، وباب:
بويب.
يدلك على أن الواو الأصل قولك: أنوار؛ لأنها من النور، وقولك: بوبت له باباً.
وكذلك غار. تقول: غوير؛ لأنه من غار يغور.
فأما
ناب فتصغيره نييبٌ. فإن قلت: نييب فإن ذلك يجوز في كل ما كان ثانيه ياء في التصغير
لأنه من نيبت.
و
كذلك غار: تقول فيه: غيير، وغيير؛ لأنه من غيرت ونيبت.
و
تقول في تصغير تاج: تويج؛ لأنه من توجت. وكل ما لم أذكره لك فهذا مجراه، وكذلك
سائر ما كان على ثلاثة أحرف، تقول في عين: عيينة وعيينة، وفي شيءٍ: شييء، وشيىء، وكذلك كل ما علم أصله من هذا
الباب، فإن لم يعلم أصله رد إلى واحده في التكبير أو إلى فعله فإن دليله يظهر، فإن
لم يكن مشتقاً نظر هل تقع فيه الإمالة؟ فإن كانت ألفه ممالة فهو من الياء. وإن
كانت منتصبة لا يجوز فيها الإمالة فهو من الواو.
و
اعلم أن كل حرف كان مكسوراً أو مضموماً بعده ياءٌ أو واو فليس بدليل، لأن الواو
الساكنة تقلبها الكسرة ياءً، والياء الساكنة تقلبها الضمة واواً. فمن ذلك قولك:
ميزان وميعاد، وميقات. تقول في تحقيره: مويزين، ومويقيت، ومويعيد؛ لأنه من الوقت،
والوعد والوزن. فإنما قلبت الواو الكسرة.
و
ما كان منقلباً لعلة، ففارقته العلة فارقه ما أحدثته؛ ألا ترى أنك تقول في الجمع:
موازين، ومواعيد، ومواقيت؛ كما تقول: وزنت، ووعدت، ووقت؟ و مثل ذلك في الياء موسر،
وموقن. لا يكون في التحقير إلا بالياء؛ لأن الواو إنما جاءت بها الضمة؛ لأنها من
أيقنت، وأيسرت، وكذلك: مياسير، ومياقين. فإن حقرت قلت: مييسر، ومييقن، تردها الحركة
إلى أصلها.
و
كذلك ريح. لو حقرتها لقلت: رويحة؛ لأنها من روحت، وإنما انقلبت الواو ياءً للكسرة
قبلها، وأنها ساكنة، ألا ترى أنك تقول في الجمع: أرواح. وكذلك ثياب، وحياض تقول في
تصغيرهما: أثياب، وأحياض؛ لأنك تردها إلى أقل العدد. وإنما تنقلب الواو ياءً لياء
التصغير قبلها. ولولا ياء التصغير لظهرت لمفارقة الكسرة إياها، فكنت قائلاً:
أثواب، وأحواض، وأسواط. كما تقول: ثوب.
و
حوض، وسوط. وكذلك ديمة تحقيرها دويمة؛ لأنها من دام يدوم. فهذا وجه هذا.
هذا
بابما كانت الواو فيه ثالثةً في موضع العين
اعلم
أنها إذا كانت ظاهرةً في موضع العين فأنت فيها بالخيار: إن شئت قلبتها لياء
التصغير التي تقع قبلها وهو الوجه الجيد فقلت في أسود: أسيد، وفي أحول: أحيل وفي
مقود: مقيد. فهذا الأصل.
و
أما الملحق فنحو: قسور وجدول، تقول فيهما: قسير، وجديل؛ وذلك أن الياء الساكنة إذا
وقعت قبل الواو المتحركة قلبت الواو لها ياء، ثم أدغمت فيها. وقد مضى تفسير هذا.
وذلك قولك: ميت، وسيد، وهين. إنما كن في الأصل: ميوتاً، وسيوداً، وهيوناً؛ وكذلك قيام
وقيوم، إنما هو قيوام وقيووم، وكذلك أيام، وفيما ذكرنا دليل على ما يرد منه. فإن
شئت قلت في هذا أجمع بإظهار الواو، أي في باب أسود، وجدول، وقسور، فقلت: أسيود،
وجديول، وقسيور. وإنما جاز ذلك لأن الواو ظاهرة حية، أي متحركة. وهي تظهر في
التكسير في قولك: جداول، وقساور. فشبهوا هذا التصغير به والوجه ما ذكرت لك أولاً.
فإن
كانت الواو ساكنة، أو كانت مبدلة، لم تظهر في التصغير. فأما الساكنة فنحو واو
عجوز، وعمود. لا تقول إلا عجيز وعميد؛ لأن الواو مدة، وليست بأصلية، ولا ملحقة.
ألا ترى أنك لو جئت بالفعل من جدول، وقسور لقلت: قسورت، وجدولت، فكانت كالأصل. ولو
قلت: ذلك في عجوز لم
يجز؛ لأنها ليست بملحقة.
و
أما الأصلية المنقلبة فهو مقام، ومقال. لا تقول فيهما إلا مقيم، ومقيل؛ لأنك كنت
تختار في الظاهرة المتحركة القلب للياء التي قبلها. فلم يكن في الساكنة والمبدلة
إلا ما ذكرت لك.
و
اعلم أنه من قال في أسود: أسيود قال في معاوية: معيوية؛ لأن الواو في موضع العين.
ومن قال: أسيد على اختيار الوجه الجيد قال: معية فيحذف الياء التي حذفها في تصغير
عطاء ونحوه، لاجتماع الياءات.
و
من كانت أروى عنده أفعل قال في تصغيره: أرية مثل قولك: أسيد. ومن قال: أسيود قال:
أريوية. ومن كانت عنده فعلى لم يقل في أروية: إلا أرية؛ لأن الواو في موضع اللام
على هذا القول، وإليه كان يذهب الأخفش، والأول قول سيبويه.
هذا
باب
ما
كانت الواو منه في موضع اللاماعلم أنها إذا كانت في موضع اللام فلا سبيل إلى
إقرارها على لفظها؛ لأنه كان يختار فيها القلب وهي في موضع العين. فلما صارت في
الموضع الذي يعتل فيه ما يصح في موضع العين لم يكن فيها إلا القلب. وذلك قولك في
غزو: غزي، وفي جرو: جري، وفي عروة عرية، وفي تقوى: تقيا، وفي عرواء: عرياء يا فتى. لا يكون إلا ذلك.
و
من قال في أروية: إنها فعلية قال في أروى: أريا. ليس غير؛ لأن أروى عنده على هذا
القول فعلى.
و
من جعل أروى أفعل لم يقل إلا أريٌّ فاعلم؛ فيحذف ياء لاجتماع الياءات. ومن قال في
أسود: أسيود على المجاز قال: أريو فاعلم. فهذا مجرى هذا الباب.
هذا
باب
ما
يسمى به من الجماعةاعلم أنك إذا سميت رجلاً بمساجد، ثم أردت تحقيره قلت: مسيجد، فحذفت الألف الزائدة؛ لأنك لا تصغر
شيئاً على خمسة أحرف. فإن عوضت قلت: مسيجيد.
فإن
سميت بمفاتيح قلت: مفيتيح، فتحذف الزائدة الثالثة، وتقر الياء؛ لأنها رابعة في
الاسم.
فإن
سميت قبائل أو رسائل قلت: قبيئل، ورسيئل في قول جميع النحويين إلا يونس ابن حبيب،
فإنه كان يقول: قبيل، ورسيل. وذلك رديء في القياس.
أما
النحويون فأقروا الهمزة، وحذفوا الألف، لأن الهمزة متحركة والألف ساكنة. والمتحرك حرف حي، وهو في مواضع الملحقة
بالأصول؛ ألا ترى أن الهمزة من قبائل في موضع الفاء من عذافر، والألف لا تقع من
هذا البناء في موضعها إلا زائدةً. فكانت أحق بالحذف.
و
أما يونس فكان يقول: لما كانتا زائدتين كانت التي هي أقرب إلى الطرف أولى بالحذف
وليس هذا القول بشيءٍ لما ذكرت لك.
فأما
تحقير هذا الضرب وهو الجمع فلا يجوز فيه إلا قبيلات، ورسيلات؛ لأنك إنما حقرت
الواحد نحو: قبيلة ورسالة، ثم جمعته جمع أدنى العدد. وقد مضى القول في هذا.
هذا
باب
تحقير
الأسماء المبهمةاعلم أن هذه الأسماء مخالفةٌ لغيرها في معناها، وكثيرٍ من لفظها،
وقد تقدم قولنا فيها. وإنما نذكر منه بعضاً استغناء بما مضى.
فمن
مخالفتها في المعنى وقوعها على كل ما أومأت إليه، وأما مخالفتها في اللفظ فأن يكون
الاسم منها على حرفين أحدهما حرف لين: نحو: ذا، وتا.
فإذا
صغرت هذه الأسماء خولف بها جهة التصغير، فتركت أوائلها على حالها، وألحقت ياء
التصغير لأنها علامة، فلا يعرى لمصغر منها. ولو عري منها لم يكن على التصغير دليل.
وألحقت ألفٌ في آخرها تدل على ما كانت تدل عليه الضمة في غير المبهمة؛ ألا ترى أن
كل اسم تصغره من غير المبهمة تضم أوله؛ نحو: فليس، ودريهم، ودنينير؟ و ذلك قولك في
تصغير ذا: ذيا، فإن ألحقت
التنبيه قلت: هاذيا. وفي تصغير ذاك: ذياك، فإن ألحقت التنبيه فقلت: هاذاك قلت:
هاذياك.
فإن
قال قائل: ما بال ياء التصغير لحقت ثانيةً، وإنما حقها أن تلحق ثالثةً؟ قيل: إنما
لحقت ثالثةً، ولكنك حذفت ياء لاجتماع الياءات، فصارت ياء التصغير ثانيةً.
و
كان الأصل: ذييا إذا قلت ذا، فالألف بدل من ياء، ولا يكون اسم على حرفين في الأصل
فقد ذهبت ياء أخرى.
فإن
حقرت ذه أو ذي قلت: تيا. وإنما منعك أن تقول: ذيا كراهة التباس المذكر بالمؤنث،
فقلت: تيا؛ لأنك تقول: تا في معنى ذه، وتي. كما تقول: ذي. فصغرت تا لئلا يقع لبسٌ،
فاستغنيت به عن تصغير ذه أو ذي على لفظها. قال الشاعر:
و
حبرتماني أنما الموت بالقرى ... فكيف وهاتا هضبةٌ وقليب
و
يروى: روضة وكثيب، أي وهذه. وقال عمران بن حطان:
و
ليس لعيشنا هذا مهاهٌ ... و ليست دارنا هاتا بدار
فإن
حقرت ذاك قلت: ذياك. فإن حقرت ذلك قلت: ذيالك.
و
إن حقرت أولئك قلت: أوليائك.
و
إن حقرت أولى المقصور قلت: أوليا يا فتى.
و
إن حقرت هؤلاء الممدود قلت: هاؤليائك.
و
إن حقرت هؤلاء المقصور قلت: هاؤليا يا فتى.
و
إنما زدت الألف قبل آخرها لئلا يتحول الممدود عن لفظه فقلبوا لذلك. وكان حقيقتها
هؤلييا؛ لأن ألاء في وزن غراب. وتحقير غراب غرنب. وتحقير أولى لو كان غير مبهم
أوليٌّ فاعلم. فإن زدت الألف أولياء.
و
تقول في تحقير الذي: اللذيا، وفي تحقير التي: التيا. قال الشاعر:
بعد
اللتيا واللتيا والتي ... إذا علتها أنفسٌ تردت
و
لو حقرت اللاتي لقلت في قول سيبويه: اللتيات. تصغر التي، وتجمعها؛ كما تفعل بالجمع
من غير المبهم الذي يحقر واحده.
و
كان الأخفش يقول: اللويا؛ لأنه ليس جمع التي على لفظها، فإنما هو اسم للجمع؛
كقولك: قوم ونفرٌ، وهذا هو القياس.
و
اعلم أنك إذا ثنيت أو جمعت شيئاً من هذه الأسماء لم تلحقه ألفاً في آخره؛ من أجل
الزيادة التي لحقته، وذلك قولك في تصغير اللذان: اللذيان، وفي الذين: اللذيين. ومن
قال: اللذون قال: اللذيون.
و
كان الأخفش يقول:
اللذيين.
يذهب إلى أن الزيادة كانت في الواحد، ثم ذهبت لما جاءت ياء الجمع لالتقاء
الساكنين، فيجعله بمنزلة مصطفين. وليس هذا القول بمرضي؛ لأن زيادة التثنية والجمع
ملحقة.
و
اعلم أن من وما، وأيا لا يحقرن؛ كما لا تحقر الحروف التي دخلن عليها. وكذلك كم،
وكيف، وأين لا يحقرن لما ذكرت لك، وكذلك متى، وهن كلهن أسماء.
و
كلٌّ لا يحقر؛ لأنه عموم فليس للتحقير فيه معنى؛ لأن كلاًّ إنما أكثر به. وكذلك
كلا. وكل ما كان من هذا النحو مما لم نذكره فهذه سبيله، فأجره على هذا الباب.
هذا
باب
أسماء
الجمع التي ليس لها واحد من لفظهااعلم أن مجراها في التحقير مجرى الواحد؛ لأنها
وضعت أسماء، كل اسم منها لجماعة، كما أنك إذا قلت: جماعة فإنما هو اسم مفرد وإن كان
المسمى به جمعاً.
و
كذلك لو سميت رجلاً بمسلمين لكان اسماً مجموعاً وإن وقع على واحد. كما قالوا: كلاب
بن ربيعة، والضباب بن كلاب، وكذلك أنمار، وكذلك يحابر: إنما هو جمع اليحبور وهو
طائر.
و
تلك الأسماء: نفر، وقوم، ورهط، وبشر. تقول: بشير، وقويم، ورهيط.
فإن
كان اسماً لجمع غير الآدميين لم يكن إلا مؤنثاً؛ وقد مضت العلة في ذلك. وذلك قولك: غنم، وإبل. تقول: غنيمة،
وأبيلة، وكذلك نسوة، تقول: نسية؛ لأن نسوة من امرأة بمنزلة نفر من رجل. فعلى هذا
فأجر هذا الباب.
هذا
باب
التصغير
الذي يسميه النحويون
تصغير
الترخيم
و
هو أن تصغر الاسم على حذف الزوائد التي فيه. فإن لم تكن فيه زائدة صغرته بكماله؛
وذلك قولك في حارث: حريث، وفي محمد: حميد، وكذلك أحمد، وفي تصغير سرحوب. سريحب؛ لأن
الواو فيه زائدة. وكذلك لو حقرت عجوزاً لقلت: عجيزة؛ لأنك إذا حذفت الواو بقيت على
ثلاثة أحرف فسميت بها المؤنث، والمؤنث إذا كان اسماً علماً على ثلاثة أحرف لحقته
الهاء في التصغير كما ذكرت لك. وذلك قولك في هند: هنيدة، وفي شمس: شميسة.
فإن
لم تسم بعجوز، وتركتها نعتاً قلت: عجيز. كما تقول في خلق إذا نعت به المؤنث: خليق.
تم
التصغير
هذا
بابالحروف التي تكون استفهاماً وخبراً
وسنذكرها
مفسرةً في أبوابها إن شاء الله
هذا
بابأي مضافةً ومفردةً في الاستفهام
اعلم
أن أيّاً تقع على شيء هي بعضه، لا تكون إلا على ذلك في الاستفهام. وذلك قولك: أي
إخوتك زيدٌ؟ فقد علمت أن زيداً أحدها، ولم تدر أيهما هو. وتقول: أي زيدٍ أحسن؟ فيكون الجواب: رأسه أم رجله
أم يده، وما أشبه ذلك.
و
اعلم أن كل ما وقعت عليه أي فتفسيره بألف الاستفهام وأم، لا تكون إلا على ذلك؛ لأنك
إذا قلت: أزيد في الدار أم عمرو؟ فعبارته: أيهما في الدار؟ ولو قلت: هل زيد منطلق؟ أو: من زيدٌ؟ أو: ما زيدٌ؟
لم يكن لأي هاهنا مدخل؛ ف أيٌّ واقعة على كل جماعة مما كانت إذا كانت أيٌّ بعضاً
لها.
و
اعلم أن حروف الاستفهام مختلفة المعاني، مستوية في المسألة. وسنذكر من مسائل أي ما
يوضح لك جملته إن شاء الله.
تقول: أي أصحابك زيدٌ ضربه؟، فالتقدير: أي
أصحابك واحد ضربه زيد؟؛ لأن قولك: زيد ضربه في موضع النعت. وإن شئت كان قولك: زيد
ضربه خبراً لأي، وهو أوضح وأحسن في العربية.
و
لو قلت: أي الرجلين هندٌ ضاربها أبوها، لم يكن كلاماً؛ لأن أيّاً ابتداءٌ ولم تأت
له بخبر.
فإن
قلت: هند ضاربها أبوها في موضع خبره لم يجز؛ لأن الخبر إذا كان غير الابتداء فلا
بد من راجع إليه.
و
لو قلت: أي من في الدار إن يأتيا نأته، كان جيد. كأنك قلت: أي القوم إن يأتنا
نأته؛ لأن من تكون جمعاً على لفظ الواحد وكذلك الاثنان. قال الله عز وجل: " و
منهم من يستمع إليك " وقال: " و منهم من يستمعون إليك " وقال:
" و منهم من يؤمن به " فحمل على اللفظ. وقال: " بلى من أسلم وجهه
لله وهو محسنٌ فله أجره عند ربه ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون " فحمل مرة على
اللفظ، ومرة على المعنى. وقال الشاعر، فحمل على المعنى:
تعش،
فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فهذا
مجاز هذه الحروف.
فأما
من فإنه لا يعنى بها في خبرٍ ولا استفهام ولا جزاءٍ إلا ما يعقل. لا تقول في جواب
من عندك؟: فرسٌ ولا متاع، إنما تقول: زيدٌ أو هند. قال الله عز وجل: " فمن
كان يرجو لقاء ربه " وقال عز وجل يعني الملائكة: " و من عنده لا يستكبرون
عن عبادته " وقال جل اسمه: " أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض " .
فأما
ما فتكون لذوات غير الآدميين، ولنعوت الآدميين. إذا قال: ما عندك؟ قلت: فرسٌ، أو بعيرٌ، أو متاع أو نحو
ذلك. ولا يكون جوابه زيدٌ ولا عمرو. ولكن يجوز أن يقول: ما زيدٌ؟ فتقول: طويلٌ أو
قصير أو عاقل أو جاهل.
فإن
جعلت الصفة في موضع الموصوف على العموم جاز أن تقع على ما يعقل.
و
من كلام العرب: سبحان ما سبح الرعد بحمده، وسبحان ما سخركن لنا.
و
قال عز وجل: " و السماء وما بناها " . فقال قوم: معناه: ومن بناها. وقال
آخرون: إنما هو: والسماء وبنائها. كما تقول: بلغني ما صنعت، أي صنيعك؛ لأن ما إذا
وصلت بالفعل كانت مصدراً.
و
كذلك قوله عز وجل: " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " قال قوم:
معناه: أو ملك أيمانهم. وقال آخرون: بل هو: أو من.
فأما
أي والذي فعامتان، تقعان على كل شيءٍ على ما شرحته لك في أي خاصةً.
هذا
باب مسائل أي في الاستفهام تقول: أي من إن يأتنا يأته عبد الله. فالتقدير: أي
الذين إن يأتونا يأتهم عبد الله.
و
لو قلت: أي من إن يأت زيداً قائماً يوم الجمعة أخوك لم يجز؛ لأنك لم تأت للجزاء
بجواب. ولكن لو قلت: أي من إن يأته من إن يأتنا نعطه يأت صاحبك كان الكلام جيداً،
وكانت أي مرفوعةً بالابتداء. وتأويل هذا: أي الذين إن يأتهم من يأتنا نعطه يأت
صاحبك. فقولك: يأت جواب الجزاء الأول، وصاحبك؛ خبر الابتداء. وتقدير هذا بلا صلة:
أي الذين إن يأتهم زيد يأت صاحبك؛ لأن من الثانية وصلتها في موضع زيد.
و
لو قلت: أي من إن يأته من إن يأتك تأته تكرمه نأتي كان إعراب أي النصب، وكان
التقدير: أيهم نأتي.
و
اعلم أن أيا مضافةً ومفردةً في الاستغناء والاحتياج إلى الصلة سواء؛ لأن المعنى
واحد؛ كما أن زيداً وزيد مناةٍ سواء في الاحتياج والاستغناء؛ لأن المعنى التسمية
والإبانة عن الشخوص.
و
لو قلت: أي الثلاثة صاحباك كان جيداً؛ لأن المعنى: أزيد وعمرو؟ أم عمر وخالد. أم
زيد وخالد؟.
و
لو قلت: أي الثلاثة ضرباها كان فاسداً، لأنك إذا قلت: ضرباً لم يصلح أن يوصل
فعلهما إلا إلى واحد، وإلا زدت في العدد.
و
لو قلت: أي الثلاثة ضربا عمراً؟ وعمرو غير الثلاثة لم يكن في إجازته شكٍّ. فإن كان عمرو أحد الثلاثة لم يجز. وذاك إن
كنت تعرف عمراً؛ لأنه قد خرج من المسألة. فإنما ينبغي أن تقول: أي الرجلين؟ فإن
كنت لا تعرف عمراً، إلا أنك تعلم أنه من الثلاثة فالقصة فيه كالقصة فيما قبله؛
لأنك إنما تسأل عن أحد اثنين، وتحتاج إلى أن تعرف عمراً.
و
لو قلت: أي الثلاثة أحدهما عمرو؟ كان عند بعض النحويين جائزاً، وليس يجوز عندي لما
أشرحه لك؛ وذلك أنك إذا قلت: أي الرجال أحدهما عمرو، والرجال زيدٌ وعمرو وخالد
فكأنك قلت: أهذا وهذا؟ تعني
زيداً وخالداً، أم هذا وهذا؟ تعني عمراً وخالداً. فليس في هذا بيان لتخليص خالدٍ
إذا كان مع عمرو من زيدٍ؛ لأن قصتهما فيه واحدة، ولا فيه دليل على عمرو بعينه.
وليس معنى أي إلا التبيين، ولا تبيين في هذا.
و
من أجازه قال: قد وقع فيه ضربٌ من التبيين؛ لأنا نعلم أن الثالث المخلف ليس بعمرو.
فيقال له: أي إنما خبرها هو المطلوب تفسيره، والذي بينت أنه ليس بعمرو ليس منهما.
و
تقول: أي إخوانك زيدٌ عمرو خالدٌ يكلمه فيه عنده؟ كما تقول: أخوك زيد عمرو خالد
يكلمه فيه عنده، لأنه ابتداءٌ بعد ابتداءٍ.
و
لو قلت: أي الذين في الدار هندٌ ضاربتهم؟ جاز أن تكون اقتطعت بأي جماعة من جماعة
والوجه ضاربته. وليس الحمل على المعنى ببعيد، بل هو وجهٌ جيد. قال الله عز وجل:
" و كلٌّ أتوه داخرين " وقال: " و كلهم آتيه يوم القيامة فرداً
" فهذا على اللفظ، والأول على المعنى.
و
لو قلت: أي من في الدار يكرمك؟ كان جيداً؛ لأن المعنى: أي القوم يكرمك؟ و لو قلت:
أي من في الدار يكرمك تكرمه، فإن شئت جعلت يكرمك الأولى من الصلة، فكان المعنى: أي
من يكرمك في الدار، فيكون الإكرام وقع لك في الدار. وإن شئت كان في الصلة، وإن شئت
أخرجته من الصلة، وجعلته خبراً، وجعلت تكرمه حالاً. هذا في الرفع وإن شئت جزمتهما،
وإن شئت جعلت أي جزاء، وإن شئت رفعت الأول، وجزمت الثاني، وجعلت أياً استفهاماً.
فأما من في هذا الموضع فهي بمنزلة الذي، وفي الدار صلتها. فكأنك قلت: أي القوم
تكرمه يكرمك إذا كان جزاءً، وتكرمه يكرمك إذا كانت استفهاماً.
و
تقول: أياً تضرب؟ وتقول: أيٌّ تضربه؟، كما تقول: زيدٌ تضربه.
فإن
قال قائل: فما بال النصب لا يختار هاهنا كقولك: أزيداً تضربه؟ لأنه استفهام.
فإن
الجواب في ذلك: أن أياً هي الاسم، وهي حرف الاستفهام، فلا يكون قبلها ضمير. وذلك
قولك: أزيداً ضربته، إنما أوقعت الضمير بعد ألف الاستفهام، فنصبت زيداً.
و
لكن لو اجتمع بعدها اسم وفعل كان المختار فيها تقديم الفعل. فإن قدمت الاسم كان
على فعل مضمر. وذلك قولك: أيهم أخاه تضربه. ولو قلت: أيهم يضرب أخاه كان على قولك:
زيداً تضربه.
و
لو قلت: أيهم زيداً ضاربه إذا كان زيد مفعولاً كان النصب في زيد الوجه إذا لم يكن
ضارب في معنى الماضي.
فإن
رفعت على قول من قال: أزيدٌ أنت ضاربه قلت: أيهم زيد ضاربه هو. وإن شئت جعلته
ضاربه خبراً لزيد فكان هو إظهار الفاعل، لأن الفعل جرى على غير صاحبه. وإن شئت
جعلت هو مقدماً ومؤخراً على قولك: هو ضاربه أو ضاربه هو كان حسناً جميلاً.
و
تقول: أيهم أمة الله المتكلم فيها هو. لا يكون في أمة الله إلا الرفع، لأن الفعل
في الصلة، فلا يجوز أن تضمر إلا على جهة ما ظهر.
و
تقول: أي يومٍ سار زيدٌ إلى عمرو؟ كأنك قلت: أيوم الجمعة سار زيد إلى عمرو؟ فإن
قلت: أي يوم سار فيه زيد إلى عمرو رفعت، إلا في قول من قال: يوم الجمعة سرت فيه.
و
تقول: أي أصحابك من إن يأتنا من يضربه أخوه يكرمه؛ لأنك جعلت الجزاء خبراً عن أي.
و
لو قلت: أي من يأتني آته كان محالاً؛ لأنك إذا أضفت أياً إلى من لم تكن من إلا
بمنزلة الذي. فإن قلت: أجعل أياً استفهاماً، وأجعل من جزاءً فقد أحلت؛ لأنك إذا
أضفت إلى الجزاء اسماً دخله الجزاء؛ ألا ترى أنك تقول: غلام من يأتك تأته، فيصير
الجزاء للغلام صلة.
فإن
قلت: فأجعل أياً بمنزلة غلام. قيل: لا يكون كذلك إلا أن توصل؛ لأنها إذا لم تكن
جزاءً أو استفهاماً لم تكن إلا موصولة.
فإن
قلت: أجعلها استفهاماً. قيل: قد أحلت؛ لأنك قد جعلتها جزاءً واستفهاماً في حال،
ومتى كانت في أحدهما بطل الآخر.
فإن
قلت: أرفع فأقول: أي من يأتني آتيه؟ فذلك جيد؛ لأنك جعلت يأتيني صلةً، وآتيه
خبراً، وأياً استفهاماً. فكأنك قلت: أي القوم آتيه. ولو فصلت أيا من من لجاز فقلت:
أيٌّ من يأتيني آته؛ فكانت أي استفهاماً، ومن للجزاء.
و
كذلك لو قلت: من من يأتنا نكرمه؟ لكان جيداً. تجعل الهاء في نكرمه راجعة إلى من
الأولى، فيكون التقدير: من الرجل الذي من أتانا من الناس أتيناه؟ هذا باب
أي
إذا كنت مستفهماً مستثبتاً
إذا
قال لك رجل: رأيت رجلاً قلت أياً؟ وذلك أنك أردت أن تحكي كلامه.
فإن
قال: جاءني رجل. قلت: أي؟ موقوفة. فإن وصلت قلت: أي يا فتى؟ لأنها مرفوعة كالذي
استفهمت عنه.
فإن
قال: مررت برجل. قلت في الوقف: أي؟ موقوف. كما تقول في المخفوض: مررت بزيد. فإن
وصلت قلت: أيٍّ؟ يا فتى؟ فإن قال: جاءتني امرأة قلت: أية؟ فإن وصلت قلت: أيةٌ يا
فتى؟ و كذلك النصب والخفض. تنصب إذا نصب، وتخفض إذا خفض حكايةً لقوله، وتقف بلا
حركة ولا تنوين.
فإن
ثنى فقال: جاءني رجلان قلت: أيان؟.
فإن
قال: رأيت رجلين أو مررت برجلين قلت: أيين؟ على حكاية كلامه.
و
إن قال: جاءتني امرأتان قلت: أيتان؟. وفي النصب والخفض: أيتين؟ وتكسر النون في
الوصل، لأنها نون الاثنين.
فإن
قال: جاءني رجال قلت: أيون؟. فإن وصلت فتحت النون.
و
إن قال: مررت برجال أو رأيت رجالاً قلت أيين؟.
و
إن قال: جاءني نساء قلت: أيات؟. فإن وصلت قلت: أياتٌ يا فتى؟ و إن قال: مررت بنساءٍ أو رأيت نساءً قلت: أياتٍ يا
فتى؟ إذا وصلت، فإن وقفت فبغير حركة ولا تنوين. على ما وصفت لك.
و
إن شئت قلت في جميع هذا، ذكراً كان أو أنثى، جمعاً كان أو واحداً، أيٌّ يا فتى إذا
كان مرفوعاً، وأياً، وأيٍّ، إذا كان منصوباً أو مخفوضاً؛ لأن أياً يجوز أن تقع
للجماعة على لفظ واحد، وللمؤنث على لفظ المذكر، وكذلك التثنية؛ لأنها بمنزلة من
وما؛ لأنهما في جميع ما وقعتا عليه على لفظ واحد.
و
إنما جاز في أي التثنية والجمع دون أخواتها؛ لأنها تضاف، وتفرد، ويلحقها التنوين
بدلاً من الإضافة؛ فلذلك خالفت أخواتها.
و
إن شئت تركت الحكاية في جميع هذا، واستأنفت. فرفعت على الابتداء والخبر، فقلت:
أيٌّ يا فتى؟ لأنك لو أظهرت الخبر لم تكن أي إلا مرفوعة؛ نحو قولك: أي من ذكرت، وأي هؤلاء؟.
هذا
باب أي إذا كنت مستثبتاً بها عن معرفة إذا قال رجل: رأيت عبد الله. فإن الاستفهام
أيٌّ عبد الله؟ لا يكون إلا ذلك؛ لأن أياً ابتداء، وعبد الله خبره.
و
لو قلت: أيٌّ يا فتى لم يكن إلا للنكرة؛ لأنك جعلتها شائعة، إذا لم تخصص بها اسماً.
و
لو قال قائل: أيٌّ يا فتى؟ على أنه أراد أن عبد الله هذا ممن ينكره فهو عنده شائع
بمنزلة رجل لجاز. وليس بالوجه. فأما من عبد الله ونحوه، فبابه ظاهر.
و
إذا قلت: رأيت أخويك فإن الوجه أن يقول: أيٌّ أخواك؟ على اللفظ أو المعنى؛ والحمل
على المعنى حسنٌ. وهو الذي يختاره من بعد سيبويه أن يقول: من أخواي؟ لأنه قد فهم
القصة فعنها يجيب، وكذلك رأيت الرجل، ومررت بالرجل.
فإن
قال: رأيت الرجلين أو أخويك فقلت: أيان الرجلان، وأيان أخواي؟ فهذا الذي يختاره
النحويون.
و
الإفراد في أي الذي بدأنا به حسن؛ لما ذكرنا في الباب الذي قبله.
و
لو قلت: رأيت الرجال، أو مررت بالرجال، أو جاءني الرجال لقلت: أيون الرجال؟ وأي
الرجال؟ على ما وصفت لك.
و
اعلم أنه إذا ذكر شيء من غير الآدميين وقعت عليه أي كما تقع على الآدميين؛ لأنها
عامة، وليست ك من.
و
ذلك أنه لو قال: ركبت حماراً لكان الجواب: أياً؟ أو قال: مررت بحمار لقلت: أيٍّ يا
فتى؟. فإن وقفت قلت: أي، على ما شرحت لك.
و
إن قال: هذا الحمار قلت: أيٌّ الحمار؟ كما كنت قائلاً في الآدميين.
هذا
بابمن إذا كنت مستفهماً بها عن نكرة
إذا
قال لك رجل: رأيت رجلاً، فإن الجواب أن تقول: منا؟. أو قال: جاءني رجل، فإنك تقول:
منو؟. أو قال: مررت برجل، قلت: مني؟ وليست هذه الواو والياء والألف اللواحق في من
إعراباً، ولكنهن لحقن في الوقف للحكاية. فهن دليل، ولسن بإعراب.
فإن
قال: جاءني رجلان، قلت: منان؟. وإن قال: مررت برجلين أو رأيت رجلين، قلت: منين؟
وإن قال: رأيت امرأةً أو هذه امرأةٌ أو مررت بامرأةٍ قلت: منه؟.
فإن
قال: جاءتني امرأتان. قلت: منتان؟. تسكن النون، كما كانت في من ساكنة. وإنما
حركتها فيما قبل من أجل ما بعدها؛ لأن هاء التأنيث لا تقع إلا بعد حرف متحرك،
وكذلك حروف التثنية، أعني: الياء، والألف لسكونهما.
فأما
قولك: منو، ومني فإنما حركت معها النون لعلتين.
إحداهما:
قولك في النصب، منا؛ لأن الألف لا تقع إلا بعد مفتوح. فلما حركت في النصب حركت في
الخفض والرفع؛ ليكون المجرى واحداً.
و
العلة الأخرى: أن الياء والواو خفيتان. فإن جعلت قبل كل واحدة منهما الحركة التي
هي منها ظهرتا، وتبينتا.
فإن
قال لك: جاءني رجال قلت: منون؟.
و
إن قال: مررت برجال، أو رأيت رجالاً قلت: منين؟.
و
إن قال: رأيت نساءً، أو مررت بنساءٍ، أو جاءتني نساء قلت: منات؟.
فإن
وصلت قلت في جميع هذا: من يا فتى؟ لأنها الأصل، وإنما ألحقت تلك الدلائل في الوقف،
فصرن بمنزلة ما يلحق في الوقف مما لا يثبت في الوصل.
فأما
الوصل فليس فيه إلا ما ذكرت لك؟ لأن من في النصب والرفع، والخفض، والمؤنث، والمذكر
والتثنية، والجمع على لفظٍ واحد. تقول: رأيت من في الدار، وجاءني من في الدار. وقد
شرحنا العلة في ذلك.
فإن
اضطر شاعر جاز أن يصل بالعلامة. وليس ذلك بحسن. قال الشاعر:
أتوا
ناري فقلت: منون أنتم؟ ... فقالوا: الجن. قلت: عموا ظلاما
و
لو قال قائل إذا قيل له: جاءني رجال منو؟ وإن قيل له: رأيت رجالاً قال: منا؟ أو مررت برجال فقال: مني؟ يلحق
العلامة، ولا يثنى؟ من ولا يجمعها كان جائزاً. والأكثر ما بدأنا به. وقياس من فيها
ما ذكرت لك ما تقدم شرحه من أنها مفردة تقع للجميع وللإثنين وغير ذلك، ولا تظهر
فيها علامة.
هذا
باب من إذا كنت مسترشداً بها عن إثبات معرفة إذا قال لك رجل: جاءني عبد الله فإن
السؤال إذا كنت تعرف جماعة كلهم عبد الله: من عبد الله؟.
و
إذا قال: رأيت عبد الله قلت:
من عبد الله؟ و إن قال: مررت بعبد الله قلت: من عبد الله؟ فهذا سبيل كل اسم علمٍ
مستفهم عنه أن تحكيه كما قال المخبر.
و
لو قلت: في جميع هذا: من عبد الله؟. كان حسناً جيداً. وإنما حكيت، ليعلم السامع
أنك تسأله عن هذا الذي ذكر بعينه، ولم تبتدئ السؤال عن آخر له مثل اسمه. والدليل
على ذلك أنك لو قلت: ومن أو فمن لم يكن ما بعدهما إلا رفعاً؛ لأنك عطفت على كلامه،
فاستغنيت عن الحكاية؛ لأن العطف لا يكون مبتدءً.
فإن
قال: رأيت أخاك، أو مررت بأخيك كان الاستفهام: من أخوك، أو: من أخي؟ ولا تحكى؛ لأن
الحكاية إنما تصلح في الأسماء الأعلام خاصةً، لما أذكره لك من أنها على غير منهاج
سائر الأسماء.
و
كذلك إن قال: رأيت الرجل يا فتى فقلت: من الرجل؟ و كان يونس يجري الحكاية في جميع
المعارف. ويرى بابها وباب الأعلام واحداً.
و
قد يجوز ما قال، وليس بالوجه. وإنما هو على قول من قيل له: عندي تمرتان فقال: دعني
من تمرتان. وقيل له: رأيت قرشياً فقال: ليس بقرشياً.
فهذا
جائز وليس هو على الباب. إنما تحكى الجمل؛ نحو: قلت: زيدٌ منطلقٌ؛ لأنه كلام قد
عمل بعضه في بعض. وكذلك قرأت: الحمد لله رب العالمين، ورأيت على خاتمه: الله أكبر.
و
لا يصلح أن تقول إذا قلت: رأيت زيداً، ولقيت أخاك:؟ لأن ذلك إنما هو سؤال شائع في
النكرة.
و
الكنى التي هي أعلام بمنزلة الأسماء. فهذا جملة هذا الباب.
و
تثنية الأعلام وجمعها يردها إلى النكرة، فتعرف بالألف واللام. فتصير بمنزلة رجل،
والرجل؛ نحو: رأيت زيدين، ورأيت الزيدين إلا ما كان مضافاً إلى معرفة، فإن تعريفه
بالإضافة؛ فتعريفه باق؛ لأن الذي أضيف إليه باقٍ، وقد ذكرنا هذا في باب المعرفة
والنكرة.
و
لو قال رجل في جميع الجواب عن من رفعاً تكلم به المتكلم أو نصباً أو خفضاً فقال
المجيب: من عبد الله؟ على الابتداء والخبر، كان جيداً بالغاً، وهو الذي يختاره
سيبويه. كما كان ذلك في أي وهو قول بني تميم، وهو أقيس.
هذا
باب من إذا أردت أن يضاف لك الذي تسأل عنه اعلم أن رجلاً لو قال: رأيت زيداً، فلم
تدر أي الزيود هو؟ لكان الجواب على كلامه أن تبتدئ فتقول: القرشي أم الثقفي أم
الطويل أم القصير؟.
و
كذلك يرد عليك الجواب فيقول: القصير يا فتى ونحو ذلك. لأن الكلام يرجع إلى أوله.
ألا ترى لو أن قائلاً قال: كيف أصبحت، أو كيف كنت؟ لكان الجواب أن تقول: صالحاً؛
لأن كيف في موضع الخبر. كأنه قال: أصالحاً أصبحت أم طالحاً؟ فأجبته على مقدار ذلك.
و
لو قلت: صالحٌ ونحوه لجاز، تدع كلامه، وتبتدئ كأنك قلت: أنا صالح. وكذلك يجوز:
القرشي أم الثقفي؟ تركت كلامه، وابتدأت فقلت: أهذا الذي ذكرت زيد القرشي أم زيد
الثقفي.
و
كذلك لو قال لك: القرشي على هو لكان جائزاً حسناً، لأنه غير خارج من المعنى.
هذا
باب
الصفة
التي تجعل وما قبلها بمنزلة شيء واحد
فيحذف
التنوين من الموصوفو ذلك قولك: هذا زيد بن عبد الله، وهذا عمرو بن زيد. والكنية كالاسم. تقول: هذا أبو عمرو بن
العلاء يا فتى، وهذا زيد بن أبي زيد. فهذا الباب والوجه.
فأما
أكثر النحويين فيذهبون إلى أن التنوين إنما حذف لالتقاء الساكنين، وكان في هذا
لازماً؛ لأنهما بمنزلة شيءٍ واحد.
فإن
كان في غير هذا الموضع فالمختار والوجه في التنوين التحريك لالتقاء الساكنين؛ لأن
الحذف إنما يكون في حروف المد واللين خاصةً. وإنما جاز في التنوين لمضارعته إياها.
وأنه يقع كثيراً بدلاً منها، وتزاد في الموضع الذي تزاد فيه. لا تنفك من ذلك. فلما
أشبهها وجرى معها أجري مجراها معها في اضطرار الشاعر وفيما ذكرت من هذا الاسم
والصفة.
فأما
ما جاء من هذا في الشعر فقوله:
عمرو
الذي هشم الثريد لقومه ... و رجال مكة مسنتون عجاف
و
قال الآخر:
حميد
الذي أمجٌ داره ... أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع
و
ينشد بيت أبي الأسود:
فألفيته
غير مستعتبٍ ... و لا ذاكر الله إلا قليلا
على
أنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين.
و
قرأ بعض القراء " قل هو الله أحد الله الصمد " وأما الوجه فإثبات
التنوين وإنما هذا مجاز.
فمن
ذهب إلى أن حذف التنوين لالتقاء الساكنين قال: هذه هندٌ بنت عبد الله فيمن صرف
هنداً؛ لأنه لم يلتق ساكنان فكان أبو عمرو بن العلاء يذهب إلى أن الحذف جائز،
لأنهما بمنزلة اسم واحد لالتقاء الساكنين، ويحتج بما ذكرته لك في النداء من قولهم:
يا زيد بن عبد الله، وقال: هذا هو بمنزلة قولك: هذا امرؤ، ومررت بامرئ، ورأيت
امرأ. تكون زيد بن عبد الله، ومررت بزيد بن عبد الله، ورأيت بن عبد الله. فيقول:
هذه هند بنت عبد الله فيمن صرف هنداً.
و
اعلم أن الشاعر إذا اضطر رده إلى حكم النعت والمنعوت فقال: هذا زيدٌ بن عبد الله؛
لأنه وقف على زيدٍ، ثم نعته. وهذا في الكلام عندنا جائز حسن. فمن ذلك قوله:
جاريةٌ
من قيسٍ ابن ثعلبه
فإن
كان الثاني غير نعت لم يكن في الأول إلا التنوين. تقول: رأيت زيداً ابن عمرو؛ لأنك
وقفت على زيد، ثم أبدلت منه ما بعده.
و
لو قلت: هذا زيدٌ ابن أخيك لم يكن في زيد إلا التنوين؛ لأن قولك: ابن أخيك ليس
بعلم، ولأنك إنما تحذف التنوين من العلم إذا كان منسوباً إلى علم مثله. وكذلك: هذا
رجلٌ ابن رجلٍ نعرفه، وهذا زيدٌ ابن زيدك؛ لأنك جعلت زيداً الثاني نكرة، ثم عرفته
بالإضافة.
و
لو قلت: هذا زيدٌ بني عمرو لم يكن إلا التنوين؛ لأنه ليس مما كثر، فحذف، ولا التقى
ساكنان.
و
لو قلت: هذا زيدٌ ابن أبي عمرو، وأبو عمرو غير كنية، ولكنك أردت أن أباه أبو آخر
يقال له عمرو لم يكن في زيد إلا التنوين، إلا في قول من قرأ " قل هو الله أحد
الله الصمد " وقد مضى تفسيره. ومن قال بالبدل قال: يا زيد ابن عبد الله؛ لأنه
دعا زيداً، ثم أبدل منه. فهذا كقوله: يا زيد أخا عبد الله. فعلى هذا يجري هذا الباب.
فأما
القراءة فعلى ضربين: قرأ قوم وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله؛ لأنه ابتداء وخبر، فلا
يكون في عزير إلا التنوين.
و
من قرأ عزير ابن الله فإنما أراد خبر ابتداء كأنهم قالوا: هو عزير بن الله، ونحو
هذا مما يضمر. ويكون حذف التنوين لالتقاء الساكنين وهو يريد الابتداء والخبر.
فيصير كقولك: زيد الذي في الدار. فهذا وجه ضعيف جداً؛ لأن حق التنوين أن يحرك
لالتقاء الساكنين إلا أن يضطر شاعر على ما ذكرت لك فيكون كقوله:
عمرو
العلا هشم الثريد لقومه ... و رجال مكة مسنتون عجاف
هذا
باب
ما
يلحق الاسم والفعل وغيرهما
مما
يكون آخر الكلام في الاستفهامإذا أردت علامة الإنكار لأن يكون الأمر على ما ذكر أو
على خلاف ما ذكر.
و
هي واو تلحق المرفوع والمضموم، وياء تلحق المخفوض والمكسور، وألفٌ تلحق المفتوح
والمنصوب، وتلحقها بعد كل حرف من هذه الحروف؛ لأن حروف اللين خفية. فإنما تلحق الهاء لتوضح الحرف، كما تلحق
في الندبة ونحوها.
وجد
هذا الباب هكذا وهو ترجمة باب لم نذكر شرحه والباب معروف في كتاب سيبويه وكذا وقع
هذا.
هذا
باب
القسماعلم
أن للقسم أدواتٍ توصل الحلف إلى المقسم به؛ لأن الحلف مضمر مطرحٌ لعلم السامع به؛
كما كان قولك: يا عبد الله محذوفاً منه الفعل لما ذكرت لك.
و
كذلك كل مستغنىً عنه فإن شئت أظهرت الفعل؛ كما أنك تقول: يا زيد عمراً، أي: عليك
عمراً: وتقول: الطريق يا فتى، أي ظل الطريق، وترى الرامي قد رمى، فنسمع صوتاً
فتقول: القرطاس والله، أي: أصبت.
و
إن شئت قلت: خل الطريق، ويا زيد عليك عمراً، وأصبت القرطاس يا فتى.
و
كذلك قوله عز وجل: " بل ملة إبراهيم " إنما هو: اتبعوا؛ وذلك لأنه جواب
قوله: " كونوا هوداً أو نصارى " .
فهكذا
القسم في إضمار الفعل وإظهاره. وذلك قوله: أحلف بالله لأفعلن. وإن شئت قلت: بالله
لأفعلن. والباء موصلة؛ كما كانت موصلة في قولك: مررت بزيد. فهي والواو تدخلان على
كل مقسم به؛ لأن الواو في معنى الباء؛ وإنما جعلت مكان الباء، والباء هي الأصل؛
كما كان في مررت بزيد، وضربت بالسيف يا فتى؛ لأن الواو من مخرج الباء، ومخرجهما
جميعاً من الشفة، فلذلك أبدلت منها؛ كما أبدلت من رب في قوله:
و
بلدٍ ليس به أنيس
لأنها
لما أبدلت من الباء دخلت على رب لما أشرحه لك في بابها؛ كما تدخل الإضافة بعضها
على بعض. فمن ذلك قوله عز وجل: " يحفظونه من أمر الله " أي: بأمر الله.
وقال: " و لأصلبنكم في جذوع النخل " أي: على. وقال: " أم لهم سلمٌ
يستمعون فيه " أي:
يستمعون
عليه. وقال الشاعر:
هم
صلبوا العبدي في جذع نخلةٍ ... فلا عطست شيبان إلا بأجذعا
و
قال الآخر:
إذا
رضيت على بنو قشيرٍ ... لعمر الله أعجبني رضاها
أي
عني. وقال الآخر:
غدت
من عليه تنفض الطل بعد ما ... رأت حاجب الشمس استوى فترفعا
و
سنفرد باباً لما يصلح فيه الإبدال وما يمتنع عنه إن شاء الله.
تقول
والله لأفعلن، وتالله لأفعلن وتبدل التاء من الواو، ولا تدخل من المقسم به إلا في
الله وحده. وذلك قوله " و تالله لأكيدن أصنامكم " ؛
وإنما امتنعت من الدخول في جميع ما دخلت فيه الباء، والواو؛ لأنها لم تدخل على
الباء التي هي الأصل، وإنما دخلت على الواو الداخلة على الباء؛ فلذلك لم تتصرف.
فأما
إبدالها من الواو فنحن نذكره مفسراً في التصريف. ألا ترى أنك تقول: هذا أتقى من
هذا، والأصل أوقى، لأنه من وقيت. وكذلك تراث. إنما هو وراث، لأنه من ورثت. وتجاهٌ
فعال من الوجه. وكذلك تخمة من الوخامة. وهذا أكثر من أن يحصى أو يؤتى بجميعه، ونحن
نستقصي شرحه في باب التصريف إن شاء الله.
و
اعلم أنك إذا حذفت حروف الإضافة من المقسم به نصبته؛ لأن الفعل يصل فيعمل، فتقول:
الله لأفعلن؛ لأنك أردت أحلف الله لأفعلن. وكذلك كل خافض في موضع نصب إذا حذفته وصل
الفعل، فعمل فيما بعده؛ كما قال الله عز وجل: " و اختار موسى قومه سبعين
رجلاً " أي من قومه. وقل الشاعر:
أستغفر
الله ذنباً لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل
أي
من ذنب. وقال الشاعر:
أمرتك
الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مالٍ وذا نشب
فتقول:
الله لأفعلن. وكذلك كل مقسم به.
و
اعلم أن للقسم تعويضاتٍ من أدواته تحل محلها، فيكون فيها ما يكون في أدوات القسم
وتعتبر ذلك بأنك لا تجمع بينها وبين ما هي عوضٌ منه. فإن جاز الجمع بين شيئين فليس
أحدهما عوضاً عن الآخر؛ ألا ترى أنك تقول: عليك زيداً، وإنما المعنى: خذ زيداً،
وما أشبهه من الفعل. فإن قلت: عليك لم تجمع بينها وبين فعل آخر لأنها بدل من ذلك
الفعل.
فمن
هذه الحروف الهاء التي تكون للتنبيه. تقول: لاها الله ذا، وإن شئت قلت: لاهلله ذا.
فتكون في موضع الواو إذا قلت: لا والله.
فأما
قولك: ذا فهو الشيء الذي تقسم به، فالتقدير: لا والله هذا ما أقسم به. فحذفت الخبر
لعلم السامع به.
فأما
مدتها وإجراء المدغم بعدها في قولك: لا هالله ذا فإنك أتيت ب ها التي للتنبيه،
وثبتت الألف؛ لأن حروف المد يقع وبعدها الساكن المدغم. وتكون المدة عوضاً من
الحركة؛ لأنك ترفع لسانك عن المدغم رفعةً واحدة. وقد مضى تفسير هذا. فيكون كقولك:
دابة، وشابة، وراد وما أشبهه.
و
أما قولك: لاهلله ذا فإنك حذفت الألف من هاء التنبيه لما وصلتها، وجعلتها عوضاً من
الواو؛ كما فعلت ذلك بها في هلم. وها هذه.
هي
التي تلحق في قولك: هذا. قلنا المعنى: لا والله هذا ما أقسم به لأنها للتنبيه،
فالتنبيه يقع قبل كل ما نبهت عليه، كما قال الشاعر:
تعلمن
ها لعمر الله ذا قسماً ... فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك
أراد:
تعلمن لعمر الله هذا قسماً، فقدم ها. وقال الآخر:
و
نحن اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت لهم هذا لها ها وذا ليا
يريد:
وهذا ليا.
و
من هذه الحروف ألف الاستفهام إذا وقعت على الله وحدها؛ لأنه الاسم الواقع على
الذات. وسائر أسماء الله عز وجل إنما تجري في العربية مجرى النعوت. وذلك قولك: آلله لتفعلن.
و
كذلك ألف أيم إذا ألحقتها ألف الاستفهام لم تحذف، وثبتت؛ كما تثبت مع الألف واللام
اللتين للتعريف في قولك: آلرجل قال ذاك؟ و كذلك ألف الوصل إذا لحقتها الفاء جعلت
عوضاً، فثبتت، ولم تحذف؛ كما ثبتت مع ألف الاستفهام. وذلك قولك: أفألله لتفعلن.
و
من حروف القسم إلا أنها تقع على معنى التعجب اللام. وذلك قولك: لله ما رأيت كاليوم
قط، كما قال:
لله
يبقى على الأيام ذو حيدٍ ... بمشمخرٍ به الظيان والآس
و
قد تقع التاء في معنى التعجب، ولم نذكرها هاهنا لأن ذكرها قد تقدم. فهذا جملة لهذه
الحروف.
و
سنبين لم دخل بعضها على بعض؟؛ كما شرحنا دخول الواو على التاء إن شاء الله.
هذا
باب
الأسماء
التي يعمل بعضها في بعض
وفيها
معنى القسماعلم أن هذه الأسماء التي نذكرها لك، إنما دخلها معنى القسم لمعانٍ
تشتمل عليها؛ كما أنك تقول: علم الله لأفعلن. ف علم فعل ماضٍ، والله عز وجل فاعله،
فإعرابه كإعراب رزق الله إلا أنك إذا قلت: علم الله فقد استشهدت. فلذلك صار فيه
معنى القسم، ألا ترى أنك تقول: غفر الله لزيد، فلفظه لفظ ما قد وقع، ومعناه: أسأل
الله أن يغفر له. فلما علم السامع أنك غير مخبر عن الله بأنه فعل جاز أن يقع على
ما ذكرناه، ولم يفهم عن قائله إلا على ذلك. فإن أخبر عن خبر صادق كان مجازه مجاز
سائر الأخبار فقال:
" لقد رضي الله عن المؤمنين " ، وغفر الله لأصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم فهذا مجازه. وكذلك: شهد الله لأفعلن؛ لأنه بمنزلة: علم الله.
فمن
تلك الأسماء قولك: لعمرك لأفعلن، وعلي عهد الله لأفعلن، وعلي يمين الله لأفعلن.
فهذا مثل قولك: على زيدٍ درهمان، ولزيد أفضل من عمرو؛ لأنه إنما وقع قسماً لقوله.
لعمر الله ما أقسم به. وإذا قلت: علي عهد الله فقد أعطيته عهدك بما ضمنته له. وبعض
العرب ينشد هذا البيت، فيرفع القسم، فيقول:
فقلت
يمين الله أبرح قاعداً ... و لو ضربوا رأسي لديك وأوصالي
يريد:
يمين الله علي.
و
اعلم أن المصادر وما يجري مجراها إنما تقع في القسم منصوبةً بأفعالها؛ لأن فيها
المعاني التي وصفنا. وذلك قولك: عمرك الله لا تقم، وقعدك الله لا تقم. وإن شئت
قلت: قعيدك الله، وكذلك: يمين الله وعهده.
و
إن شئت كان على قولك: بيمين الله وما أشبهه، فلما حذفت حرف الإضافة وصل الفعل،
فعمل على ما وصفناه في أول الباب وكذلك ويمين الله.
و
إن شئت كان على قولك: عمرتك الله تعميراً، ونشدتك الله نشداً، ثم وضعت عمرك في
موضع التعمير. وكذلك أخواته. قال الشاعر:
عمرتك
الله إلا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيام ذي سلم
يريد:
ذكرتك الله. وقال الآخر:
عمرتك
الله العلي فإنني ... ألوي عليك لوان لبك يهتدي
و
لذلك جعل المصدر في موضعه فقال:
أيها
المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كيف يلتقيان؟
و
قال الآخر:
قعيدك
أن لا تسمعيني ملامةً ... و لا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا
فكل
ما كان من ابتداء أو خبر أو فعل وفاعل فيه معنى القسم فهذا مجازه.
و
اعلم أن من هذه الحروف ايم، وايمن وألفها ألف وصل، وتمام الاسم النون تقول ايم
الله لأفعلن. ايمن الله لأفعلن.
و
ليس بجمع يمين. ولكنه اسم موضوع للقسم. ولو كان جمع يمين لكانت ألفه ألف قطع.
فوصلهم إياها يدلك على أنها زائدة، وأنه ليست من هذا الاشتقاق. وقال الشاعر:
فقال
فريق القوم لما نشدتهم: ... نعم، وفريقٌ: ليمن الله ما ندري
فمن
قال: ايم الله قال: ليم الله لأفعلن. فإن وقع عليها ألف الاستفهام مددت، ولم تحذف
ألف الوصل فيلتبس الاستفهام بالخبر؛ كما كنت فاعلاً بالألف التي مع اللام في قولك:
آلرجل قال ذاك؟. فيقول: آيم الله لقد كان ذاك.
و
زعم يونس أن من العرب من يقول: ايم الله في موضع ايم الله فهي عند هؤلاء بمنزلة ابن
واسم. تقول في الاستفهام: أيم الله لقد كان ذاك؟ لأنها تسقط للوصل، وتحدث ألف
الاستفهام ومنهم من يحذف ألف الاسم حتى يصير على حرف علماً بأنه لا ينفصل بنفسه
فيقول: م الله لأفعلن.
و
يقال: من الله لأفعلن، ومن ربي لأفعلن. أبدل من من الباء التي في قولك: بالله
لأفعلن، وبربي لأفعلن؛ كما تقول: فلان في الموضع وبالموضع فيدخل الباء على في،
وكذلك دخلت من على الباء، والاحتجاج يأتيك في موضعه إن شاء الله.
و
اعلم أنك إذا دللت على القسم بما تضعه في موضعه، فما بعد ذلك الدليل بمنزلة ما بعد
القسم.تقول: أقسمت لأقومن،
واستحلفته ليخرجن، أي قال له: والله لتخرجن، فدل هذا على القسم.
و
لا يلحق هذه اللام ما النون في آخره خفيفةً أو ثقيلةً إلا والمعنى معنى القسم . لا
تقول: زيد يقومن، ولا زيد ليقومن إلا أن تريد القسم في هذه الأخيرة خاصةً، فكأنك
قلت: زيد والله ليقومن.و تفسير هذا في إثر هذا الباب إن شاء الله.
و
تقول: إي والله لأفعلن. وإن شئت قلت: إي الله لأفعلن، إنما تريد: إي التي في معنى
نعم؛ كما قال: " قل إي وربي إنه لحقٌ وما أنتم بمعجزين " . فتصل المقسم
به؛ لأن إي جواب، والقسم بعدها مستأنف. ولو كانت بدلاً من حروف القسم لم تجتمع هي
وهو؛ ألا ترى أنك تقول:
إي
والله لأفعلن.
و
إنما الفصل بين بلى ونعم أن نعم تكون جواباً لكل كلام لا نفي فيه، وبلى لا تكون جواباً
إلا لكلام فيه نفي.
لو
قال لك قائل: أنت زيد؟ لكان الجواب نعم. وكذلك هل جاءك زيد؟ وكذلك من يأتك تأته
فتقول: نعم، ولا يصح هاهنا بلى.
فإن
نفى فقال: أما لقيت زيداً؟ كان الجواب: بلى. وكذلك:ألست قد ذهبت إلى زيد؟ وما أخذت
منه درهماً؟ وأنت لا تعطي شيئاً.فجواب هذا كله بلى.
هذا
باب
ما
يقسم عليه من الأفعال
وما
بال النون في كل ما دخلت فيه يجوز حذفها واستعمالهالا في هذا الموضع الذي أذكره لك
فإنه لا يجوز حذفها؟
اعلم
أنك إذا أقسمت على فعل لم يقع لزمته اللام ولزم اللام النون، ولم يجز إلا ذلك.و
ذلك قولك: والله لأقومن، وبالله لأضربن، ووالله لتنطلقن.
فإن
قال قائل: فما بال هذا لا يكون كقولك في الأمر والنهي إذا قال: اضربن زيداً، ولا
تشتمن عمراً. وإن شئت قلت: اضرب زيداً، ولا تشتم عمراً. وكذلك: هل تنطلقن؟ وإن شئت
قلت: هل تنطلق؟ فإنما ذلك لأن القسم لا يقع إلا على ما لم يقع من الأفعال، فكرهوا
أن يلتبس بما يقع في الحال.
فأما
الأمر والنهي فيفصل بينه وبينهما باللام؛ لأن اللام لا تكون في الأمر والنهي.
وكذلك لا تكون في الاستفهام.
وإنما
تفصل بالنون بين القسم وبين هذه الأخبار التي قد تقع في الحال؛ نحو قولك: إن زيداً لمنطلق، لأن حد هذا أن يكون في
حال انطلاق. وكذلك إن زيداً ليأكل. فإذا قلت: والله ليأكلن، علم أن الفعل لم يقع.
فإن
قلت: قد جاء: " إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم
" أي لحاكم.
قيل: قد يكون هذا، ولكن ليس فيه دليلٌ على ما
يقع في الحال أو يقع بعد، على أن أكثر الاستعمال أن يكون للحال. فإذا دخلت النون
علم أن الفعل لا يكون في الحال البتة. فلذلك لزمت اللام؛ لأنك قد تذكر الأفعال،
ولا تذكر المقسم به فتقول: لأنطلقن، فيعلم أن هذا على تقدير اليمين وأنه ليس
للحال. فلهذا أجري ما ذكرت لك.
فأما
اللام فهي وصلة للقسم؛ لأن للقسم أدواتٍ تصله بالمقسم به، ولا يتصل إلا ببعضها.
فمن ذلك: اللام، تقول: والله لأقومن، والله لزيد أفضل من عمرو. ولولا اللام لم
تتصل.
و
كذلك إن. تقول: والله إن زيداً لمنطلق. وإن شئت قلت: والله إن زيداً منطلق.
و
كذلك لا في النفي، وما. تقول: والله لا أضربك، والله ما أكرمك، ولا تحتاج إلى
النون لأن ما يدل على الحال؛ كما تدل إن إذا قلت: والله إني لأكرمك.
أمرٌ
قد وقع، ولا يقال هذا إلا على شيءٍ متقدم، فالأمر فيهما واحد، إلا أن هذا على
الحذف والتعجب، والذي ب قد على استقصاء الكلام. فعلى هذا فأجرهما.
و
اعلم أن من العرب من يقول: الله لأفعلن، يريد الواو، فيحذفها. وليس هذا بجيد في
القياس، ولا معروف في اللغة، ولا جائزٍ عند كثير من النحويين. وإنما ذكرناه لأنه شيءٌ قد قيل، وليس بجائزٍ عندي؛
لأن حرف الجر لا يحذف ويعمل إلا بعوض لما تقدم من الشرح.
و
اعلم أن القسم لا يقع إلا على مقسم به،و مقسم عليه، وأن قوله عز وجل: " و
الليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. وما خلق الذكر والأنثى " . أن الواو الأولى
واو قسم، وما بعدها من الواوات للعطف لا للقسم. ولو كانت للقسم لكان بعض هذا
الكلام منقطعاً من بعض، و تدل لا على ما لم يقع؛ كما تدل النون عليه إذا قلت:
والله لأفعلن، ثم نفيت، فقلت: والله لا أفعل. فهذا مبين بأنفس الحروف مستغنٍ فيه
عن غيرها؛ لأن النون إنما دخلت لتفصل بين معنيين، فإذا كان الفصل بغيرها لم تحتج
إليها.
و
اعلم أن قولك: أقسمت لأفعلن وأقسمت لا تفعل بمنزلة قولك: قلت: والله لا تفعل،
وقلت: والله لتفعلن.
و
اعلم أنك إذا أقسمت على فعل ماضٍ، فأدخلت عليه اللام لم تجمع بين اللام والنون؛
لأن الفعل الماضي مبني على الفتح غير متغيرة لامه، وإنما تدخل النون على ما لم يقع
كما ذكرت. فلما كانت لا تقع لما يكون في الحال كانت من الماضي أبعد. وذلك قولك:
والله لرأيت زيداً يضرب عمراً، فأنكرت ذلك.
و
إن وصلت اللام ب قد فجيد بالغ. تقول: والله لقد رأيت زيداً، والله لقد انطلق في
حاجتك. وسنفسر الفصل بين الفعل ب قد وبين الفعل إذا لم تدخله.
أما
قد فأصلها أن تكون مخاطبة لقوم يتوقعون الخبر. فإذا قلت: قد جاء زيد لم تضع هذا
الكلام ابتداء على غير أمرٍ كان بينك وبينه، أو أمرٍ تعلم أنه لا يتوقعه. فإن
أدخلت اللام على قد فإنما تدخلها على هذا الوجه.
فأما
قولك: والله لكذب زيد
كذباً ما أحسب الله يغفره له فإنما تقديره: لقد؛ لأنه الأول إلى آخر القسم على غير
محلوف عليه، فكان التقدير: " و الليل إذا يغشى " ،
ثم ترك هذا، وابتدأ " و النهار إذا تجلى " . ولكنه بمنزلة قولك: والله ثم
الله لأفعلن، وإنما مثلت لك بثم؛ لأنها ليست من حروف القسم.
و
اعلم أن القسم قد يؤكد بما يصدق الخبر قبل ذكر المقسم عليه، ثم يذكر ما يقع عليه
القسم. فمن ذلك قوله عز وجل: " و السماء ذات البروج، واليوم الموعود. وشاهدٍ ومشهود " ثم ذكر قصة أصحاب
الأخدود توكيداً.
و
إنما وقع القسم على قوله: " إن بطش ربك لشديدٌ " وقد قال قوم: إنما وقع
على " قتل أصحاب الأخدود " ، وحذفت اللام لطول الكلام. وليس القول عندنا
إلا الأول؛ لأن هذه الاعتراضات توكيد.
فأما
قوله: " والشمس وضحاها " فإنما وقع القسم على قوله: " قد أفلح من
زكاها " وحذفت اللام لطول القصة، لأن الكلام إذا طال كان الحذف أجمل.
ألا
ترى أن النحويين لا يقولون: قام هند، وذهب جاريتك، ويجيزون: حضر القاضي اليوم
امرأةٌ يا فتى، فيجيزون الحذف مع طول الكلام؛ لأنهم يرون ما زاد عوضاً مما حذف.
وتقول:
وحق الله ثم حقك لأفعلن ثم حقك تحمله على الموضع، كان جائزاً كما قال:
فلسنا
بالجبال ولا الحديدا
و
على هذا قرئ " فأصدق وأكن من الصالحين " ؛ لأنه حمله على موضع الفاء.
و
تقول: والله لأضربنك، ثم والله لأحبسنك؛ لأنك عطفت قسماً على قسم.
و
لو قلت: والله لأضربنك ثم لأحبسنك الله، لم يكن في الثاني إلا النصب؛ لأنك عطفت
فعلاً على فعل، ثم جئت بالقسم بعد غير معطوف. كأنك قلت: الله لأفعلن، فأوصلت إليه
الفعل.
فهذه
جملة هذا الباب.
هذا
باب
الفرق
بين إن وأناعلم أن إن مكسورةً مشبهةٌ بالفعل بلفظها، فعملها عمل الفعل المتعدي إلى
مفعول وقد مضى تفسيرها في بابها.
فإذا
قلت: أن مفتوحةً فهي وصلتها في موضع المصدر.و لا تكون إلا في موضع الأسماء دون
الأفعال؛ لأنها مصدر، والمصدر إنما هو اسم. وذلك قولك: بلغني انطلاقك، وتقول: علمت
أنك منطلق، أي: علمت انطلاقك. وكذلك أشهد أنك منطلق، وأشهد بأنك قائم، أي: أشهد
على انطلاقك وبقيامك. فهذا جملة هذا.
واعلم
أنك إذا قلت: ظننت زيداً أخاك، أو علمت زيداً ذا مال أنه لا يجوز الاقتصار على المفعول
الأول لأن الشك والعلم إنما وقعا في الثاني، ولم يكن بد من ذكر الأول ليعلم من
الذي علم هذا منه أو شك فيه من أمره؟.
فإذا
قلت: ظننت زيداً فأنت لم تشك في ذاته، فإذا قلت: منطلقاً ففيه وقع الشك، فذكرت
زيداً؛ لتعلم أنك إنما شككت في انطلاقه لا في انطلاق غيره.
فإذا
قلت: ظننت أن زيداً منطلق. لم تحتج إلى مفعول ثانٍ؛ لأنك قد أتيت بذكر زيد في
الصلة؛ لأن المعنى: ظننت انطلاقاً من زيد؛ فلذلك استغنيت.
هذا
باب
من
أبواب أن المفتوحةتقول: قصة زيد: أنه منطلق، وخبر زيد: أنه يحب عبد الله؛ لأن هذا موضع
ابتداء وخبر، فالتقدير: خبر زيد محبته عبد الله، وبلغنني أمرك أنك تحب الخير،
فالمعنى معنى البدل كأنك قلت: بلغني أمرك، ثم قلت: محبتك الخير؛ لأن المحبة هي
الأمر، كما تقول: جاءني أخوك زيد؛ لأن الأخ هو زيد.
و
تقول: أشهد أن محمداً رسول الله. فكأن التقدير: أشهد على أن محمداً رسول الله؛ أي:
أشهد على ذلك، أو أشهد بأن محمداً رسول الله، أي: أشهد بذلك.
فإذا
حذفت حروف الجر وصل الفعل فعمل، وكان حذفها حسناً لطول الصلة؛ كما قال عز وجل:
" و اختار موسى قومه " أي: من قومه، فهو مع الصلة والموصول حسنٌ جداً.و
إن شئت جئت به؛ كما تقول: الذي ضربت زيدٌ، فتحذف الهاء من الصلة. ويحسن إثباتها؛ لأنها الأصل.
و
اعلم أنه لا يحسن أن يلي إن أن؛ لأن المعنى واحد؛ كما لا تقول لئن زيداً منطلق؛
لأن اللام في معنى إن، فإن فصلت بينهما بشيءٍ حسن واستقام، فقلت: إن في الدار
لزيداً.
و
لا تقول: إن لزيداً في الدار بل تقول كما قال عز وجل: " إن في ذلك لآيةٌ
" . وعلى هذا لا تقول: إن أن زيداً منطلق بلغني. ولكن لو قلت: إن في الدار
أنك منطلق، وإن في الدار أن لك ثوباً حسن؛ كما قال الله عز وجل: " إن لك أن
لا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " ويجوز " و إنك لا
تظمأ فيها
" على القطع، والابتداء.
فالأولى
على قولك: ضربت زيداً وعمراً قائماً. والقطع على قولك: ضربت زيداً وعمرو قائم.
هذا
باب إن إذا دخلت اللام في خبرها
اعلم
أن هذه اللام تقطع ما دخلت عليه عما قبلها. وكان حدها أن تكون أول الكلام؛ كما
تكون في غير هذا الموضع. وذلك قولك: قد علمت زيداً منطلقاً. فإذا أدخلت اللام قلت:
علمت لزيدٌ منطلقٌ، فتقطع بها ما بعدها مما قبلها، فيصير ابتداء مستأنفاً. فكان
حدها في قولك: إن زيداً لمنطلق أن تكون قبل إن؛ كما تكون في قولك: لزيدٌ خيرٌ منك.
فلما كان معناها في التوكيد ووصل القسم معنى إن لم يجز الجمع بينهما؛ فجعلت اللام
في الخبر، وحدها: أن تكون مقدمة؛ لأن الخبر هو الأول في الحقيقة، أو فيه ما يتصل
بالأول، فيصير هو وما فيه الأول. فلذلك قلت: إن زيداً لمنطلق؛ لأن المنطلق هو زيد.
و
كذلك لو قلت: إن زيداً لفي داره عمرو، أو: لعمرو يضربه؛ لأن الذي عمروٌ يضربه هو
زيدٌ. فهذا عبرة هذا.
ألا
ترى أنك إذا فصلت بين إن وبين اسمها بشيءٍ جاز إدخال اللام فقلت: إن في الدار
لزيداً، وإن من القوم لأخاك. فهذا يبين لك ما ذكرت.
و
ذلك قولك: أشهد أن زيداً منطلق، وأعلم أن زيداً خيرٌ منك. فإذا أدخلت اللام قلت
أشهد إن زيداً لخيرٌ منك، وأعلم أن زيداً لمنطلق. قال الله عز وجل: " و الله
يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " . فلولا اللام لم يكن إلا
أن؛ كما تقول: أعلم زيداً خيراً منك. فإذا أدخلت اللام قلت: أعلم لزيدٌ خيرٌ منك.
وقال: " أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور. وحصل ما في الصدور. إن ربهم بهم
يومئذٍ لخبير " . فهذا مجاز اللام.
و
لو قال قائل: أشهد بأنك منطلق لم يكن إلا الفتح، لأنها اسم مخفوض، وعبرتها أبداً ب
ذاك فيكون ذاك في أنها اسم تامٌ في موضع أن وصلتها. فإذا قلت: علمت أن زيداً منطلق
فهو كقولك: علمت ذاك. وإذا قلت: بلغني أن زيداً منطلق فهو في موضع: بلغني ذاك.
وإذا قلت: أشهد بأنك منطلق فمعناه: أشهد بذاك.
فإن
قال قائل: فكيف أقول: أشهد بأنك لمنطلق؟ قيل له: هذا محال كسرت أو فتحت؛ لأن حد
الكلام التقديم، فلو أدخلت حرف الخفض على اللام كان محالاً؛ لأن عوامل الأسماء لا
تدخل على غيرها. لو قلت هذا لقلت أشهد يذاك.
و
كذلك بلغني أنك منطلق، لا يجوز أن تدخل اللام فتقول: بلغني أنك لمنطلق: لأن إن
وصلتها الفاعل، واللام تقطع ما بعدها. فلو جاز هذا لقلت: بلغني لذاك. فهذا واضح بين
جداً.
فأما
قوله عز وجل: " و ما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام "
فمعناه: إلا وهذا شأنهم. وهو والله أعلم جواب لقولهم: " ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في
الأسواق
" .
و
أما قوله عز وجل: " و ما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا " .
ف أنهم وصلتها في موضع الفاعل. والتقدير والله أعلم : وما منعهم إلا كفرهم.
و
نظير التفسير الأول قول الشاعر:
ما
أعطياني ولا سألتهما ... إلا وإني لحاجزي كرمي
يقول:
إلا وهذه حالي. فعلى هذا وضعه سيبويه. وغيره ينشده:
ألا
وإني لحاجزي كرمي
فهذه
الرواية خارجة من ذلك التفسير، ومعناه: أن ألا تنبيه، وأراد: أنا حاجزي كرمي من أن
أسأل، أو أقبل.
هذا
باب
إن
المكسورة ومواقعهااعلم أن مكانها في الكلام في أحد ثلاثة مواضع ترجع إلى موضع واحد
وهو الابتداء؛ لأنه موضع لا يخلص للاسم دون الفعل.
و
إنما تكون المفتوحة في الموضع الذي لا يجوز أن يقع فيه الاسم. وذلك قولك: إن زيداً
منطلق، وإن عمراً قائم، لا يكون في هذا الموضع إلا الكسر. فأما قوله: " و أن هذه أمتكم
أمةً واحدةً " فإنما المعنى معنى اللام، والتقدير: ولأن هذه أمتكم أمةً
واحدة، وأنا ربكم فاعبدون.
و
كذلك قوله عند الخليل: " و أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً "
أي: ولأن.
و
أما المفسرون فقالوا: هو على أوحي. وهذا وجهٌ حسن جميل وزعم قوم من النحويين موضع
أن خفض في هاتين الآيتين وما أشبههما، وأن اللام مضمره وليس هذا بشيء. واحتجوا
بإضمار رب في قوله:
و
بلدٍ ليس به أنيس
و
ليس كما قالوا؛ لأن الواو بدل من رب كما ذكرت لك، والواو في قوله تبارك وتعالى:
" و أن المساجد لله " واو عطف. ومحالٌ أن يحذف حرف الخفض ولا يأتي منه
بدلٌ.
و
احتج هؤلاء بأنك لا تقول: أنك منطلق بلغني أو علمت.
فقيل
لهم: هي لا تتقدم إلا مكسورةٌ، وإنما كانت هاهنا بعد الواو منصوبة لأن المعنى معنى
اللام؛ كما تقول: جئتك ابتغاء الخير، فتنصب والمعنى معنى اللام، وكذلك قال الشاعر:
و
أغفر عوراء الكريم ادخاره ... و أعرض عن شتم اللئيم تكرما
فإذا
قلت: جئتك أنك تحب المعروف فالمعنى معنى اللام، فعلى هذا قدمت، وهذا قد مر. فهذا
قول الخليل.
و
الموضع الآخر للمكسورة: أن تدخل اللام في الخبر. وقد مضى قولنا في هذا، لأن اللام
تقطعها مما قبلها، فتكون مبتدأة. فهذا مما ذكرت لك أنها ترجع إلى الابتداء.
و
الموضع الثالث: أن تقع بعد القول حكايةً فتكون مبتدأة. كما تقول: قال زيد: عمروٌ
منطلقٌ، وقلت: الله أكبر. وقد مضى هذا في باب الحكاية.
فعلى
هذا تقول: قال زيد: إن عمراً منطلق، وقال عبد الله: إنك خير منه. من ذلك قوله عز
وجل: " قال الله إني منزلها عليكم " . وقال: " و إذ قالت الملائكة
يا مريم إن الله اصطفاك " وقال: " قال يا قوم إني لكم نذيرٌ مبين " .
فأما
أتقول التي في معنى الظن فإنها تعمل في إن عملها في الاسم، كما قال:
أجهالاً
تقول بني لؤيٍّ ... لعمر أبيك أم متجاهلينا
و
كما قال:
أما
الرحيل فدون بعد غدٍ ... فمتى تقول الدار تجمعنا
لأنه
يريد الظن. فعلى هذا تقول: متى تقول أن زيداً منطلق، وأتقول أن عمراً خارج.
فإن
لم ترد بها معنى تظن وأردت بها الحكاية كسرت؛ كما أنك تقول: زيد منطلق، تريد
اللفظ، ولا تريد الظن.
هذا
بابمن أبواب إن المكسورة تقول: قد قاله القوم حتى إن زيداً يقوله، وقد شربوا حتى
إن أحدهم يجر بطنه، لأنه موضع ابتداء. ألا ترى أنك تقول: قد قاله القوم حتى زيدٌ
يقوله: و لو قلت في هذا الموضع: أن كان محالاً؛ لأن أن مصدر ينبئ عن قصة، فلو كان:
قد قاله القوم حتى قول زيد كان محالاً.
و
لكن لو قلت: بلغني حديثك حتى أنك تظلم الناس كان من مواضع أن المفتوحة؛ لأن المعنى:
بلغني أمرك حتى ظلمك الناس وإنما يصلح هذا ويفسد بالمعنى.
و
تقول: ظننت زيداً إنه منطلق لا تكون إلا المكسورة؛ لأن المعنى: ظننت زيداً هو
منطلق؛ كما تقول: ظننت زيداً أبوه منطلق. ولو قلت: ظننت زيداً أنه منطلق، ففتحت
لكان المعنى: ظننت زيداً الانطلاق، وهذا محال.
و
لكن لو قلت: ظننت أمرك أنك تظلم الناس كان جيداً، لأن المعنى: ظننت أمرك ظلمك
الناس.
وكذلك
ظننت زيداً عاقلاً فإذا إنه أحمق، إنما تريد: فإذا هو أحمق، كما قال:
و
كنت أرى زيدا كما قيل سيدا ... إذا أنه عبد القفا واللهازم
و
تقول: عهدي به شاباً وإنه يومئذ يفخر، أي: وهذه حاله. ولو قلت: أنه جاز على بعد.
كأنك قلت: عهدي به شاباً وبفخره. وكذلك لو قلت: رأيت زيداً عاقلاً فإذا إنه أحمق،
وكنت أراه حراً فإذا إنه عبد، ولو قلت: أنه جاز. كأنك قلت: ظننته حراً فإذا العبودية أمره.
فأما
قوله: " لا جرم أن لهم النار " . ف أن مرتفعة بجرم، ومعناها: والله أعلم
- حق أن لهم النار؛ كما قال عز وجل: " و لا يجرمنكم شنآن قوم " أي: لا
يحقنكم.
قال
الشاعر:
و
لقد طعنت أبا عيينة طعنةً ... جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
و
تقول: ألا إنه منطلق. ف ألا تنبيه، وإنه مبتدأه. وتقول: أما إنه منطلق على ذلك
المذهب.
و
لو قلت: أما أنه منطلق، جاز على معنى: حقاً أنه منطلق. إذا أردت بها من التحقيق
والتوكيد ما أردت بقولك: حقاً؛ لأنهم يضعونها في موضعها، فهذا قياس مطرد فيما ذكرت
لك.
هذا
بابالظروف وأما إذا اتصلت بشيءٍ منهن أن
نقول: يوم الجمعة أنك خارج، واليوم أنك راحل،
ولك علي أنك لا تؤذي؛ لأنه أراد: يوم الجمعة خروجك، وفي يوم الجمعة رحلتك، ولك علي
ترك الأذى؛ ألا ترى أنك لو وضعت ذاك في هذا الموضع لصلح فكنت تقول: في يوم الجمعة
ذاك، ولك علي ذاك.
فإن
قال قائل: هل يجوز: اليوم إنك منطلق، ولك علي إنك لا تؤذي؟
فإن
ذلك غير جائز؛ لأنك تريد التقديم والتأخير، فيكون على قولك: إنك منطلق اليوم وإنك
لا تؤذي لك على. وإن رحلتك يوم الجمعة. وإنما فسد لأن إن لا يصلح فيها التقديم
والتأخير، كما لم يصلح ذلك فيما تعمل فيه من الأسماء إذا كانت مكسورة. فإذا كانت
مفتوحة جاز فيها التقديم والتأخير، أعني تقديم الخبر وتأخيره، لأنها موضوعة موضع
المصدر.
و
تقول: أما يوم الجمعة فإنك مرتحل؛ لأن معنى أما: مهما يكن من شيءٍ فإنك مرتحل يوم
الجمعة. فما بعد الفاء يقع مبتدأ، ألا ترى أنك تقول: أما زيداً فضربت، فإنما هو
على التقديم والتأخير. لا يكون إلا ذلك، لأن المعنى: مهما يكن من شيء فزيداً ضربت،
أو فضربت زيداً.
و
لو قال قائل: أما يوم الجمعة فإنك مرتحل لجاز، فيكون التقدير: مهما يكن من شيء ففي
يوم الجمعة رحلتك. فهذا تقدير ما يقع في أما.
و
الدليل على أنها في معنى الجزاء لزوم الفاء لجوابها، نحو: أما زيد فمنطلق، " فأما اليتيم فلا
تقهر " ، " و أما ثمود فهديناهم " و " أما من استغنى. فأنت له تصدى " فالمعنى: مهما يكن من
شيء فهذا الأمر فيه. فإنما تقديرها في الكلام كله التقديم والتأخير، لا يكون إلا
على ذلك.
هذا
باب
من
أبواب أن مكررةً
و
ذلك قولك: قد علمت أن زيداً إذا أتاك أنه سيكرمك، وذلك أنك قد أردت: قد علمت أن
زيداً إذا أتاك سيكرمك، فكررت الثانية توكيداً، ولست تريد بها إلا ما أردت
بالأولى. فمن ذلك قوله عز وجل: " أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً
أنكم مخرجون " فهذا أحسن الأقاويل عندي في هذه الآية، وقد قيل فيها غير هذا.
ونحن ذاكروه في آخر الباب إن شاء الله.
و
نظير تكرير أن هاهنا قوله تبارك وتعالى: " و هم بالآخرة هم كافرون "
وقوله عز وجل: " فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها " . وكذلك
قوله عز وجل: " و أما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها " .
و
من هذا الباب عندنا وهو قول أبي عمر الجرمي " ألم يعلموا أنه من يحادد الله
ورسوله فأن له نار جهنم
" . فالتقدير: والله أعلم فله نار جهنم، وردت أن توكيداً. وإن كسرها كاسر جعلها
مبتدأة بعد الفاء؛ لأن ما بعد فاء المجازاة ابتداء، كقوله عز وجل: " قل إن الموت الذي
تفرون منه فإنه ملاقيكم " ف إن في هذا الموضع يجوز أن تكون الأولى التي وقعت
بعد الحكاية كررت، ويجوز أن تكون وقعت مبتدأة بعد الفاء، كقولك: من يأتني فإني
سأكرمه.
و
أما أبو الحسن الأخفش فقال في قوله تبارك وتعالى: " ألم يعلموا أنه من يحادد
الله ورسوله فأن له نار جهنم " قال: المعنى: فوجوب النار له، ثم وضع أن في موضع المصدر.
فهذا
قول ليس بالقوي، لأنه يفتحها مبتدأة، ويضمر الخبر.
و
كذلك قال في قوله: " كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ
ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفورٌ رحيمٌ " ، أي فوجوب الرحمة له.
و
القول فيه عندنا التكرير على ما ذكرت لك.
فأما
ما قيل في الآية التي ذكرنا قبل سوى القول الذي اخترناه وهي " أيعدكم أنكم إذا
متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون " فأن يكون " أنكم مخرجون " مرتفعاً بالظرف.
كأنه في التقدير: أيعدكم أنكم إذا متم إخراجكم. فهذا قول حسن جميل.
و
أما سيبويه فكان يقول: المعنى: أن يعد وقعت على أن الثانية وذكر أن الأولى ليعلم
بعد أي شيءٍ يكون الإخراج؟.
و
هذا قول ليس بالقوي.
هذا
باب
أن
وإن الخفيفتيناعلم أن أن تكون في الكلام على أربعة أوجه: فوجه: أن تكون هي والفعل
الذي تنصبه مصدراً؛ نحو قولك: أريد أن تقوم يا فتى؛ أي: أريد قيامك، وأرجو أن تذهب
يا فتى، أي: أرجو ذهابك. فمن ذلك قول الله: " و أن تصوموا خيرٌ لكم " أي
والصيام خير لكم. ومثله: " و أن يستعففن خيرٌ لهن " .
و
وجه آخر: أن تكون مخففة من الثقيلة. وذلك قوله عز وجل: " و آخر دعواهم أن الحمد
لله رب العالمين " . لو نصبت بها وهي مخففة لجاز. فإذا رفعت ما بعدها فعلى
حذف التثقيل والمضمر في النية، فكأنه قال: إنه الحمد لله رب العالمين. وقد مضى
تفسير هذا في موضع عملها خفيفةً.
و
الوجه الثالث أن تكون في معنى أي التي تقع للعبارة والتفسير، وذلك قوله عز وجل:
" و انطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم " . ومثله: بينت له
الحديث أن قد كان كذا وكذا. تريد: أي امشوا، وأي قد كان كذا وكذا.
و
وجه رابع: أن تكون زائدة مؤكدة؛ وذلك قولك: لما أن جاء زيد قمت، ووالله أن لو فعلت
لأكرمتك.
و
أما إن المكسورة فإن لها أربعة أوجه مخالفةً لهذه الوجوه.
فمن
ذلك إن الجزاء؛ وذلك قولك: إن تأتني آتك، وهي أصل الجزاء؛ كما أن الألف أصل
الاستفهام.
و
تكون في معنى ما. تقول: إن زيد منطلق، أي: ما زيد منطلق.
و
كان سيبويه لا يرى فيها إلا رفع الخبر؛ لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبره؛ كما
تدخل ألف الاستفهام فلا تغيره. وذلك كمذهب بني تميم في ما.
و
غيره يجيز نصب الخبر على التشبيه بليس؛ كما فعل ذلك في ما. وهذا هو القول، لأنه لا
فصل بينها وبين ما في المعنى، وذلك قوله عز وجل: " إن الكافرون إلا في غرورٍ
" وقال: " إن يقولون إلا كذباً " . فهذان موضعان.
و
الموضع الثالث: أن تكون إن المكسورة المخففة من الثقيلة، فإذا رفعت ما بعدها لزمك أن
تدخل اللام على الخبر، ولم يجز غير ذلك؛ لأن لفظها كلفظ التي في معنى ما، وإذا
دخلت اللام علم أنها الموجبة لا النافية، وذلك قولك: إن زيداً لمنطلق. وعلى هذا
قوله عز وجل: " إن كل نفسٍ لما عليها حافظ " " و إن كانوا ليقولون " .
و
إن نصبت بها لم تحتج إلى اللام إلا أن تدخلها توكيداً؛ كما تقول: إن زيداً لمنطلق.
و
الموضع الرابع: أن تدخل زائدةً مع ما، فتردها إلى الابتداء، كما تدخل ما على إن
الثقيلة، فتمنعها عملها، وتردها إلى الابتداء في قولك: إنما زيد أخوك، و "
إنما يخشى الله من عباده العلماء " وذلك قولك: ما إن يقوم زيد، وما إن زيدٌ
منطلق. لا يكون الخبر إلا مرفوعاً لما ذكرت لك. قال زهير:
ما
إن يكاد يخليهم لوجهتهم ... تخالج الأمر إن الأمر مشترك
و
قال الآخر:
و
ما إن طبنا جبنٌ ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
فإن
قال قائل: فما بالها لما خففت من الثقيلة المكسورة اختير بعدها الرفع، ولم يصلح
ذلك في المخففة من المفتوحة إلا أن ترفع على أن يضمر فيها؟ قيل: لأن المفتوحة وما
بعدها مصدرٌ، فلا معنى لها للابتداء، والمكسورة، إنما دخلت على الابتداء وخبره،
فلما نقصت عن وزن الفعل رجع الكلام إلى أصله.
و
من رأى النصب بها أو بالمفتوحة مع التخفيف قال: هما بمنزلة الفعل، فإذا خففتا كانتا
بمنزلة فعل محذوف منه، فالفعل يعمل محذوفاً عمله تاماً. فذلك قولك: لم يك زيداً منطلقاً، فعمل عمله والنون
فيه. والأقيس الرفع فيما بعدها، لأن إن إنما أشبهت الفعل باللفظ لا بالمعنى، فإذا
نقص اللفظ ذهب الشبه. ولذلك الوجه الآخر وجهٌ من القياس كما ذكرت لك.
و
كان الخليل يقرأ إن هذان لساحران، فيؤدي خط المصحف ومعنى إن الثقيلة في قراءة ابن
مسعود إن ذان لساحران.
تم
الجزء الثاني والحمد لله رب العالمين يتلوه في الجزء الثالث: هذا باب أن المفتوحة
وتصرفها كتب مهلهل بن أحمد ببغداد سنة سبع وأربعين وثلاثمائة و هو يسأل الله العفو
والعافية في الدنيا والآخرة له ولأصحابه قابلت هذا الجزء إلى آخره وصححته في سنة
سبع وأربعين وثلاثمائة و كتب الحسن بن عبد الله السيرافي مسألة ميراث والجواب عنها
أضيفت إلى النسخة، و أخذت رقم 625 /الجزء الثالث
بسم
الله الرحمن الرحيم
تمام
القول في إن وأن الخفيفتين
هذا
باب
أن
المفتوحة وتصرفهااعلم أنها إذا كانت مع الفعل مصدراً جاز تقديمها وتأخيرها، ووقعت
في كل موضع تقع فيه الأسماء إلا أن معناها - إذا وقعت على فعل مستقبل - أنها
تنصبه، وذلك الفعل لما لم يقع، ولا يكون للحال. وذلك قولك: أن تأتيني خيرٌ لك،
ويسرني أن تقوم يا فتى، وأكره أن تذهب إلى زيد. فهذا هكذا. وإن وقعت على فعلٍ ماضٍ كانت مصدراً
لما مضى. تقول: سرني أن قمت، وساءني أن كلمك زيد وأنت غضبان، على: أن كلمت زيدا،
أي: لهذه العلة.
==========================================
ج3.
كتاب : المقتضب المبرد ججججججججججججججججججججججججججججججججججججججججججججججججججججججج
واعلم
أنها إذا وقعت بعدها الأفعال المستقبلة، وكانت بينها وبينها لا، فإن عملها على
حاله. تقول: أحب ألا تذهب يا فتى، وأكره ألا تكلم زيدا. والمعنى: أكره تركك كلام
زيد. فإن أردت بها الثقيلة لم يجز أن يليها الفعل إلا أن تأتي بعوض مما حذفت من
المضمر والتثقيل. ونحن ذاكروا ذلك إن شاء الله. وذلك قولك - إذا أردت الثقيلة - : قد علمت أن لا تقوم، تريد:
أنك لا تقوم. ف لا عوضٌ. وهي - إذا أردت الخفيفة - غير فاصلة بين أن والفعل. فأما
السين وسوف فلا يكون أن قبلهما إلا على التثقيل والإضمار؛ لأنهما ليستا ك لا؛ ألا
ترى أنك تقول: مررت برجل لا قائمٍ ولا قاعدٍ، فيمون بمنزلة قولك: مررت برجل قائمٍ
وقاعد في الإعراب، وإن كان الأول منفياً. وكذلك: كان عبد الله لا شجاعا ولا بطلا.
ولا تقع السين وسوف هذا الموقع؛ فعلى هذا تقول: علمت أن سيقومون، وأن سوف يقومون.
لا يكون إلا على ذلك. وللثقيلة أفعالٌ، وللخفيفة أفعال سواها، وذلك مذكور على إثر
هذا الباب إن شاء الله. فإن أردت الثقيلة - مع الفعل الماضي - دخل من العوض قد، فقلت:
قد علمت أن قد ذهب زيد، أي: أنه قد ذهب زيد.
هذا
باب
الأفعال
التي لا تكون أن معها إلا ثقيلة
والأفعال
التي لا تكون معها إلا خفيفة والأفعال المحتملة للثقيلة والخفيفة
أما
ما كان من العلم فإن أن لا تكون بعده إلا ثقيلة؛ لأنه شيء قد ثبت واستقر، وذلك
قولك: قد علمت أن زيدا منطلق، فإن خففت فعلى إرادة التثقيل والإضمار. تقول: قد علمت أن سيقوم زيد، تريد: أنه
سيقوم زيد. قال الله عز وجل: " علم أن سيكون منكم مرضى " ؛ لأنه شيء قد
استقر. ألا ترى أنه لا يصلح: علمت أن يقوم زيد؛ لأن أن الخفيفة إنما تكون لما لم
يثبت؛ نحو: خفت أن تقوم يا فتى، وأرجو أن تذهب إلى زيد؛ لأنه شيء لم يستقر. فكل ما
كان من الرجاء والخوف فهذا مجازه. فأما الأفعال التي تشترك فيها الخفيفة والثقيلة
فما كان من الظن. فأما وقوع الثقيلة فعلى أنه قد استقر في ظنك: كما استقر الأول في
علمك. وذلك قولك: ظننت أنك تقوم، وحسبت أنك منطلق. فإذا أدخلت على المحذوفة العوض
قلت: حسبت أن سيقومون، وكذلك تقول: ظننت أن لا تقول خيرا، تريد: أنك لا تقول خيرا.
وأما النصب فعلى أنه شيء لم يستقر، فقد دخل في باب رجوت وخفت بهذا المعنى. وهذه
الآية تقرأ على وجهين: " وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ " و " أن لا تكون فتنةٌ " ،
فانتصب ما بعد لا وهي عوضٌ؛ كما أوقعت الخفيفة الناصبة بعد ظننت بغير عوض. وذلك
قوله عز وجل: " تظن أن يفعل بها فاقرةٌ " ،
لأن معناها معنى ما لم يستقر. وكذلك: " إن ظنا أن يقيما حدود الله " . وزعم سيبويه أنه
يجوز: خفت أن لا تقوم يا فتى، إذا خاف شيئاً كالمستقر عنده، وهذا بعيد. وأجاز أن
تقول: ما أعلم إلا أن تقوم، إذا لم يرد علماً واقعا، وكان هذا القول جارياً على
باب الإشارة؛ أي: أرى من الرأى؛ وهذا في البعد كالذي ذكرنا قبله. وجملة الباب تدور
على ما شرحت لك من التبيين والتوقع. فأما قول الله عز وجل: " أفلا يرون أن لا
يرجع إليهم " فإن الوجه فيه الرفع، والمعنى: أنه لا يرجع إليهم قولا؛ لأنه
علم واقع. والوجه في قول الشاعر:
أفنى
عرائكها وخدد لحمها ... أن لا تذوق مع الشكائم عودا
الرفع؛
لأنه يريد: إن الذي أفنى عرائكها هذا. فهذا على المنهاج الذي ذكرت لك.
هذا
باب
ما
لحقته إن وأن الخفيفتان في الدعاء
وما
جرى مجراه
تقول: أما إن غفر الله لك، وإن شئت: أما أن، على
ما فسرت لك في أما أنها تقع للتنبيه، وتقع في معنى قولك: حقاً؛ فالتقدير: أما إنه،
وأما أنه غفر الله لك، فإن قلت: فكيف جاز الإضمار والحذف بغير عوض؟ فإنما ذلك لأنك
لا تصل إلى قد؛ لأنك داعٍ، ولست مخبراً؛ ألا ترى أن الإضمار قد دخل في المكسورة
لهذا المعنى، ولا يدخل فيها في شيء من الكلام. وتقول في المستقبل على هذا المنهاج:
أما أن يغفر الله لك، تريد: أما أنه، وإن شئت: أما إن يغفر الله لك؛ لأنك لو أدخلت
السين أو سوف لتغير المعنى، وكنت مخبراً، ولو أدخلت لا لانقلب المعنى، وصرت داعياً
عليه؛ فلذلك جاز بغير عوض. ولما كانت المكسورة تحذف بتثقيلها مع الضمير في هذا
الموضع ليوصل إلى هذا المعنى، ولا يقع ذلك فيها في شيء من الكلام غير هذا الموضع -
كانت المفتوحة أولى - لأن الضمير فيها مع العوض. فأما قولك: قد علمت أن زيدٌ
منطلقٌ فمعناه: أنه زيد منطلق، ولا تحتاج إلى عوض، كما قال الشاعر:
في
فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا ... أن هالكٌ كل من يحفى وينتعل
وإنما
امتنع الفعل أن يقع بعدها بغير عوض؛ لأن الفعل لم يكن ليقع بعدها لو ثقلت، وأعملت
كما يكون الاسم. فلم يكونوا ليجمعوا عليها الحذف بغير عوض، وأن يوقعوا بعدها ما لا
تقع عليه لو ثقلت، وأعملت؛ لأنها بمنزلة الفعل، ولا يقع فعل على فعل.
هذا
باب
النونين الثقيلة والخفيفة
ومعرفة
مواقعها من الأفعالاعلم أنهما لا تدخلان من الأفعال إلا على ما لم يجب، ولا يكون
من ذلك إلا في الفعل الذي يؤكد ليقع. وذلك ما لم يكن خبراً فيما ضارع القسم. فأما القسم فإحداهما فيه واجبةٌ لا محالة.
وأما ما ضارعه فأنت فيه مخير. وذلك قولك في القسم: والله لأقومن، وحق زيد لأمضين، فيلحق النون إما
خفيفة وإما ثقيلةً، لا يكون القسم إلا كذاك. وقد شرحنا ذلك في باب القسم: لم كانت فيه
واجبة؟ وأما الثقيلة فكقوله عز وجل: " ليسجنن وليكونن من الصاغرين " . وأما الخفيفة فعلى
قراءة من قرأ: " وليكونن من الصاغرين " ، وكقوله: " كلا لئن لم ينته
لنسفعا بالناصية " ، وقال الشاعر:
وفي
ذمتي لئن فعلت ليفعلا
فمن
مواضعها: الأمر، والنهي؛ لأنهما غير واجبين. وذلك قولك - إذا لم تأت بهما - :اضرب، ولا تضرب، فإذا أتيت بها قلت: اضربن
زيدا، ولا تضربن زيدا، وإن شئت ثقلت النون، وإن شئت خففتها. وهي - إذا خففت - مؤكدة،
وإذا ثقلت فهي أشد توكيدا، وإن شئت لم تأت بها فقلت: اضرب، ولا تضرب. قال الله عز
وجل: " ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غدًا " ، وقال: " ولا تتبعان
سبيل الذين لا يعلمون " ، وقال: " فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " .
وقال الشاعر في الخفيفة:
فإياك
والميتات لا تقربنها ... ولا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا
وقال
الآخر:
فأنزلن
سكينةً علينا
والطلب
يجري مجرى الأمر والنهي، وقد مضى القول في هذا. ومن مواضعهما: الاستفهام؛ لأنه غير
واجب. وذلك قولك: هل تضربن زيداً، وهل يقومن زيد يا فتى. وتدخل الخفيفة كما دخلت
الثقيلة؛ لأنهما في التوكيد على ما ذكرت لك ومن مواضعها: الجزاء إذا لحقت ما زائدةً في حرف الجزاء؛ لأنها
تكون كاللام التي تلحق في القسم في قولك: لأفعلن، وذلك قولك: إما تأتيني آتك، ومتى
ما تقعدن أقعد.
فمن
ذلك قول الله عز وجل: " فإما ترين من البشر أحداً " ، وقال: " وإما
تعرضن عنهم " . فإن كان الجزاء بغير ما قبح دخولها فيه، لأنه خبر يجب آخره بوجوب
أوله. وإنما يجوز دخولها الجزاء بغير ما في الشعر للضرورة؛ كما يجوز ذلك في الخبر.
فمن ذلك قوله:
من
تثقفن منهم فليس بآئبٍ ... أبداً، وقتل بني قتيبة شافي
فهذا
يجوز؛ كما قال في الخبر:
ربما
أوفيت في علمٍ ... ترفعن ثوبي شمالات
ومن
أمثال العرب: بعينٍ ما أرينك وبألمٍ ما تختننه. فإنما أدخل النون من أجل ما
الزائدة كاللام كما ذكرت لك.
هذا
باب
الوقوف
على النونين
الخفيفة
والثقيلة
اعلم
أنك إذا وقفت على الثقيلة كان الوقف عليها كالوقف على غيرها من الحروف المبنية على
الحركة. فإن شئت كان وقفها كوصلها، وإن شئت ألحقت هاءً لبيان الحركة، كما تقول:
ارمه، واغزه، واخشه، فهذا وجهها. وإن شئت قلت على قولك: ارم، اغز، اخش، فقلت: اضربن، وارمين، وقولن. فهذا
أمر الثقيلة. فأما الخفيفة فإنها في الفعل بمنزلة التنوين في الاسم. فإذا كان ما
قبلها مفتوحاً أبدلت منها الألف، وذلك قولك: اضربن زيداً. فإذا وقفت: قلت: اضربا، وكذلك:
والله ليضربن زيداً. فإن وقفت قلت: لتضربا؛ كما قال: " لنسفعا بالناصية
" . فإذا كان ما قبلها مضموماً أو مكسوراً، كان الوقف بغير نون ولا بدل منها؛
لأنك تقول في الأسماء في النصب: رأيت زيداً، فتبدل من التنوين ألفاً، وتقول في
الرفع: هذا زيد. وفي الخفض: مررت بزيد، فلا يكون الوقف كالوصل.
وكذلك
هذه الأفعال، تقول للجماعة - إذا أردت النون الخفيفة - اضربن زيدا، فإن وقفت قلت:
اضربوا، واضربن زيدا يا امرأة، فإن وقفت قلت: اضربي. وفي نسخة أخرى: وكذلك هذه
الأفعال. تقول: والله لتضربن زيدا فإن وقفت قلت. لتضربون، وتقول: هل تضربن زيدا يا
امرأة، فإن وقفت قلت:
هل
تضربين فهذا نظير ما ذكرت لك. ولا فصل بين النون الخفيفة في الأفعال وبين التنوين
في الأسماء، إلا أن النون تحذف إذا لقيها ساكن، والتنوين يحرك لالتقاء الساكنين.
وقد
يجوز حذفه في الشعر وفي ضعف من الكلام، فتقول: - إذا أردت النون الخفيفة - : اضرب الرجل.
حذفت النون لالتقاء الساكنين، فهذا أمرها. وإنما حذفت وخالفت التنوين، لأن ما يلحق
الأفعال أضعف مما يلحق الأسماء؛ لأن الأفعال أنت في إدخال النون عليها مخير، إلا
ما وقع منها في المستقبل في القسم، والأسماء كل ما ينصرف منها فالنون التي تسمى
التنوين لازمةٌ فيه، والأسماء هي الأول، والأفعال فروع ودواخل عليها. وإذا وقفت
على النون الخفيفة في فعل لجميع مرتفع، حذفت النون.
هذا
باب
تغيير
الأفعال للنونين
الخفيفة
والثقيلةاعلم أن الأفعال - مرفوعةً كانت أو منصوبةً أو مجزومةً - فإنها تبنى مع
دخول النون على الفتحة؛ وذلك أنها والنون كشيء واحد، فبنيت مع النون بناء خمسة
عشر. ولم تسكن لعلتين: إحداهما: أن النون الخفيفة ساكنة، والثقيلة نونان، الأولى
منهما ساكنة، فلو أسكنت ما قبلها لجمعت بين ساكنين. والعلة الأخرى: أنك حركتها؛ لتجعلها مع النون
كالشيء الذي يضم ليع غيره، فيجعلان شيئاً واحداً؛ نحو: بيت بيت، وخمسة عشر. وإنما
اختاروا الفتحة؛ لأنها أخف الحركات. وذلك قولك للرجل: هل تضربن زيدا؟ والله لتضربن
زيدا. فالفعلان مرفوعان.
وتقول في الموقوف، والمجزوم: اضربن زيدا، ولا تضربن عمرا، وإما تغزون زيدا أغزه.
كما قال عز وجل: " وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك " . فإذا ثنيت،
أو جمعت، أو خاطبت مؤنثاً، فإن نظير الفتح في الواحد حذف النون مما ذكرت لك. تقول
للمرأة: هل تضربن زيدا؟ ولا تضربن عمرا؛ فتكون النون محذوفة التي كانت في تضربين؛
ألا ترى أنك إذا قلت: لن تضرب يا فتى، قلت للمرأة - إذا خاطبتها - : لن تضربي،
وكذلك لم تضربا، ولن تضربوا للاثنين والجماعة. فحذف النون نظير الفتحة في الواحد،
وذهبت الياء في قولك: اضربن زيدا لالتقاء الساكنين. وكذلك تذهب الواو في الجماعة
إذا قلت: اضربن زيدا، وهل تخرجن إلى زيد؛ فهذا نظير ما ذكرت لك. فإن كان قبل الواو
والياء فتحة، لم تحذفهما لالتقاء الساكنين، وحركتا؛ لأنه إنما تحذف الواو التي
قبلها ضمة، والياء التي قبلها كسرة؛ لأنهما إذا كانتا كذلك كانتا حرفي لين كالألف.
ألا ترى أنك تقول: ارم الرجل، وارموا الرجل، فتحذف لالتقاء الساكنين. وتقول: اخشوا
الرجل، واخشي الرجل، فتحرك، ولا تحذف، لأنهما بمنزلة الحروف التي هي غير معتلة.
ومع ذلك فإنك لو حذفت ما قبله الفتحة لالتقاء الساكنين، لخرج اللفظ إلى لفظ الواحد
المذكر، وذهبت علامة التأنيث وعلامة الجمع، فكنت تقول: اخش الرجل. فتقول على هذا
للجماعة: اخشون الرجل، وللمرأة: اخشين زيدا. وكل ما جرى مما قبله مفتوح فهذه سبيله.
هذا
باب
فعل
الاثنين والجماعة من النساء..
في
النون الثقيلة وامتناعهما من النون الخفيفة
اعلم
أنك إذا أمرت الاثنين، وأردت النون الثقيلة قلت: اضربان زيدا. تكسر النون لأنها
بعد ألف، فهي كنون الاثنين، والنون الساكنة المدغمة فيها ليس بحاجز حصين لسكونها.
وكذلك: والله لتضربان زيدا، وجميع ما تصرفت فيه، فهذا سبيلها في الاثنين. قال الله
عز وجل: " ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون " . فإذا أوقعتها في جمع
النساء قلت: اضربنان زيدا. زدت ألفا؛ لاجتماع النونات، ففصلت بها بينهن، كما زدت
في قول من قال: آأنت فعلت ذاك، فتجعلها بين الهمزتين؛ إذ كان التقاؤهما مكروهاً،
وكذلك: لتضربنان زيدا، وكسرت هذه النون بعد هذه الألف؛ لأنها أشبهت ألف الاثنين.
تفعل بالنون بعدها ما تفعل بها بعد ألف التثنية، فلا تحذف؛ لأنها علامة، ولأنك كنت
إن حذفتها لا تفرق بين الاثنين والواحد. وأما الألف التي أدخلتها للفصل بين
النونات فلم تكن لتحذفها؛ لأن الخفيفة إنما تقع في موقع الثقيلة. فإن قلت: فأجئ
بها، وأحرك النون لالتقاء الساكنين، كان ذلك غير جائز؛ لأن النون ليست بواجبة،
وأنت إذا جئت بها زائدةً، وأحدثت لها حركة، فهذا ممتنع. وإن تركتها على سكونها جمعت
بين ساكنين ومع هذا فإنها كانت في الاستفهام وفي القسم وفي المواضع التي يكون فيها
الفعل مرفوعاً تلتبس بنون الاثنين، ولا سبيل إلى اجتماعهما لما ذكرت لك من أن
الفعل يبنى معها على الفتح. وإنما حذفت النون في التثنية والجمع وفعل المرأة - إذا
خوطبت - لأنها كالفتح في الواحد؛ ألا ترى أنك تقول للمرأة: هل تضربن زيدا إذا أردت
النون الخفيفة، وللجماعة من الرجال: هل تضربن زيدا؛ فهذا ما ذكرت لك.
وكان
يونس بن حبيب يرى إثباتهما في فعل الاثنين وجماعة النسوة، فيقول: اضربان زيدا،
وللنساء: اضربنان زيدا، فيجمع بين ساكنين، ولا يوجد مثل هذا في كلام العرب إلا أن
يكون الساكن الثاني مدغماً والأول حرف لين، وقد مضى تفسير هذا. فإذا وقف يونس ومن
يقول بقوله قال للاثنين: اضربا، وللجماعة من النساء: اضربنا، وإذا وصل فعل الاثنين
قال: اضربان الرجل. وهذا خطأ على قوله، وإنما ينبغي على قياس قوله أن يقول: اضرب الرجل. فيحذف النون؛ لأنها تحذف
لالتقاء الساكنين، كما ذكرت لك في أول الباب، ثم تحذف الألف التي في اضربا لعلامة
التثنية؛ لأنها أيضاً ساكنة، فيصير لفظه لفظ الواحد إذا أردت به النون الخفيفة،
ولفظ الاثنين بغير نون إذا حذفت ألفها لالتقاء الساكنين.
هذا
باب
ما
لا يجوز أن تدخله النونخفيفةً ولا ثقيلةً وذلك ما كان مما يوضع موضع الفعل وليس
بفعل
فمن
ذلك قوله: صه و مه، وإيه يا فتى: إذا أردت أن يزيدك من الحديث، وإيهاً يا فتى، إذا
كففته، و ويهاً يا فتى: إذا أغريته. وكذلك عليك زيدا، ودونك زيدا، ووراءك أوسع لك،
وعندك يا فتى: إذا حذرته شيئاً بقربه. فكل هذه لا تدخلها نون؛ لأنها ليست بأفعال،
وإنما هي أسماءٌ للفعل. ومن ذلك هلم في لغة أهل الحجاز؛ لأنهم يقولون: هلم للواحد،
وللاثنين، والجماعة على لفظ واحد. وأما على مذهب بني تميم فإن النون تدخلها؛ لأنهم
يقولون للواحد: هلم، وللاثنين: هلما، وللجماعة: هلموا، ولجماعة النسوة: هلممن، وللواحدة: هلمي؛ وإنما هي
لمَّ لحقتها الهاء؛ فعلى هذا تقول: هلمن يا رجال، وهلمن يا امرأة، وهلممنان يا
نسوة، فيكون بمنزلة سائر الأفعال.
هذا
باب
حروف
التضعيف في الأفعال
والمعتلة
من ذوات الياء والواو في النونيناعلم أنك تلزمهن في النونين ما تلزم الأفعال
الصحيحة من بناء الفعل على الفتح، تقول: ردن يا زيد، ولا تقول: ارددن على قول من قال: اردد؛ لأن الدال
الثانية تلزمها الحركة على ما ذكرت لك. وكذلك تقول: القين زيدا، وهل تغزون عمرا،
وارمين خالدا، فتلزم الفعلين ما يلزم سائر الأفعال.
هذا
بابأمّا و إمّا
أما
المفتوحة فإن فيها معنى المجازاة. وذلك قولك: أما زيدٌ فله درهم، وأما زيد فأعطه
درهماً. فالتقدير: مهما يكن
من شيءٍ فأعط زيدا درهماً، فلزمت الفاء الجواب؛ لما فيه من معنى الجزاء. وهو كلام
معناه التقديم والتأخير. ألا ترى أنك تقول: أما زيدا فاضرب؛ فإن قدمت الفعل لم
يجز؛ لأن أما في معنى: مهما يكن من شيء؛ فهذا لا يتصل به فعلٌ، وإنما حد الفعل أن
يكون بعد الفاء. ولكنك تقدم الاسم؛ ليسد مسد المحذوف الذي هذا معناه، ويعمل فيه ما
بعده. وجملة هذا الباب: أن الكلام بعد أما على حالته قبل أن تدخل إلا أنه لا بد من
الفاء؛ لأنها جواب الجزاء؛ ألا تراه قال - عز وجل - " وأما ثمود فهديناهم
" كقولك:
ثمود
هديناهم. ومن رأى أن يقول: زيدا ضربته نصب بهذا فقال: أما زيدا فاضربه. وقال:
" فأما اليتيم فلا تقهر " فعلى هذا فقس هذا الباب. وأما إما المكسورة
فإنها تكون في موضع أو، وذلك قولك: ضربت إما زيدا، وإما عمرا؛ لأن المعنى: ضربت
زيدا أو عمرا، وقال الله عز وجل: " إما العذاب وإما الساعة " وقال: " إنا
هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً " . فإذا ذكرت إما فلا بد من تكريرها،
وإذا ذكرت المفتوحة فأنت مخير: إن شئت وقفت عليها إذا تم خبرها. تقول: أما زيد
فقائم، وأما قوله: " أما من استغنى. فأنت له تصدى. وما عليك ألا يزكى. وأما من جاءك يسعى. وهو يخشى.
فأنت عنه تلهى " فإن الكلام مستغنٍ من قبل التكرير، ولو قلت: ضربت إما زيداً،
وسكت، لم يجز؛ لأن المعنى: هذا أو هذا؛ ألا ترى أن ما بعد إما لا يكون كلاماً
مستغنياً.
وزعم
الخليل أن الفصل بين إما وأو أنك إذا قلت: ضربت زيدا أو عمرا فقد مضى صدر كلامك
وأنت متيقن عند السامع، ثم حدث الشك بأو. فإذا قلت: ضربت إما زيدا فقد بنيت كلامك
على الشك، وزعم أن إما هذه إنما هي إن ضمت إليها ما لهذا المعنى، ولا يجوز حذف ما
منها إلا أن يضطر إلى ذلك شاعر، فإن اضطر جاز الحذف؛ لأن ضرورة الشعر ترد الأشياء
إلى أصولها، قال:
لقد
كذبتك نفسك فاكذبنها ... فإن جزعن وإن إجمال صبر
فهذا
لا يكون إلا على إما. فأما في المجازاة إذا قلت: إن تأتني آتك، وإن تقم أقم، فإنك
إن شئت زدت ما، كما تزيدها في سائر حروف الجزاء؛ نحو: أينما تكن أكن، ومتى ما
تأتني آتك؛ لأنها: إن تأتني آتك، ومتى تقم أقم. فتقول على هذا - إن شئت - : إما تأتني آتك، وإما تقم أقم
معك. وقد مضى تفسير هذا في باب الجزاء.
هذا
باب
مذ
ومنذأما مذ فيقع الاسم بعدها مرفوعاً على معنى، ومخفوضاً على معنى. فإذا رفعت فهي
اسم مبتدأ وما بعدها خبره، غير أنها لا تقع إلا في الابتداء لقلة تمكنها وأنها لا
معنى لها في غيره، وذلك قولك: لم آته مذ يومان، وأنا أعرفه مذ ثلاثون سنة، وكلمتك
مذ خمسة أيام. والمعنى
- إذا
قلت: لم آته مذ يومان - : أنك قلت: لم أره، ثم خبرت بالمقدار والحقيقة والغاية.
فكأنك قلت: مدة ذلك يومان. والتفسير: بيني وبين رؤية هذا المقدار، فكل موضع يرتفع
فيه ما بعدها فهذا معناه. وأما الموضع الذي ينخفض ما بعدها فأن تقع في معنى في
ونحوها؛ فيكون حرف خفض وذلك قولك: أنت عندي مذ اليوم، ومذ الليلة، وأنا أراك مذ
اليوم يا فتى، لأن المعنى في اليوم وفي الليلة. وليس المعنى أن بيني وبين رؤيتك مسافةً، وكذلك:
رأيت زيدا مذ يوم الجمعة يمدحك، وأنا أراك مذ سنةٌ تتكلم في حاجة زيد؛ لأنك تريد
أنا في حال رؤيتك مذ سنة فإن أردت: رأيتك مذ سنةٌ، أي: غاية المسافة إلى هذه
الرؤية سنةٌ، رفعت؛ لأنك قلت: رأيتك، ثم قلت: بيني وبين ذلك سنةٌ، فالمعنى: أنك
رأيته، ثم غبرت سنةٌ لا تراه. وإذا قال: أنا أراك مذ سنةٍ، فإنما المعنى أنك في حال
رؤيته لم تنقض وأن أولها مذ سنة؛ فلذلك قلت: أراك؛ لأنك تخبر عن حال لم تنقطع.
فهذا شرط مذ وتفسيرها.فإن قال قائل: فما بالي أقول: لم أرك مذ يوم الجمعة، وقد رآه
يوم الجمعة؟ قيل: إن النفي إنما وقع على ما بعد الجمعة، والتقدير: لم أرك مذ وقت
رؤيتي لك يوم الجمعة، فقد أثبت الرؤية، وجعلتها الحد الذي منه لم أره. فهذا
تفسيرها ومجرى ما كان هذا لفظه، واتصل به معناه.
فأما
منذ فمعناها - جررت بها أو رفعت - واحد. وبابها الجر؛ لأنها في الأزمة لابتداء
الغاية بمنزلة من في سائر الأسماء. تقول: لم أرك منذ يوم الجمعة، أي: هذا ابتداء
الغاية؛ كما تقول: من عبد الله إلى زيد، ومن الكوفة سرت. فإن رفعت فعلى أنك جعلت
منذ اسماً، وذهبت إلى أنها مذ في الحقيقة. وذلك قليل؛ لأنها في الأزمنة بمنزلة من
في الأيام. فأما مذ فدل على أنها اسم: أنها محذوفة من منذ التي هي اسم؛ لأن الحذف
لا يكون في الحرف؛ إنما يكون في الأسماء والأفعال، نحو: يد، ودم، وما أشبهه.
هذا
الباب
التبيين
والتمييز
اعلم
أن التمييز يعمل فيه الفعل وما يشبهه في تقديره؛ ومعناه في الانتصاب واحدٌ وإن
اختلفت عوامله. فمعناه: أن يأتي مبيناً عن نوعه، وذلك قولك: عندي عشرون درهماً،
وثلاثون ثوباً. لما قلت: عندي عشرون، وثلاثون، ذكرت عدداً مبهماً يقع على كل
معدود، فلما قلت درهماً عرفت الشيء الذي قصدت بأن ذكرت واحداً منه يدل على سائره،
ولم يجز أن تذكر جمعا؛ لأن الذي قبله قد تبين أنه جمع، وأنه مقدار منه معلوم. ولم
يجز أن يكون الواحد الدال على النوع معرفة؛ لأنه إذا كان معروفاً كان مخصوصاً،
وإذا كان منكوراً كان شائعاً في نوعه. فأما النصب فإنما كان فيه؛ لأن النون منعت
الإضافة، كما تمنعها إذا قلت: هؤلاء ضاربون زيدا. ولولا النون لأضفت فقلت: هؤلاء
ضاربو زيدٍ؛ كما تقول: هذه عشرو زيدٍ، إلا أن الضاربين وما أشبهه أسماءٌ مأخوذةٌ
من الفعل تضاف كما تضاف الأسماء، فإذا منعت النون الإضافة عملت هذه الأسماء فيما بعدها
بما فيها من معنى الفعل، وكان المنصوب مفعولاً صحيحاً؛ لأنها أسماء الفاعلين في
الحقيقة وفيها كنايتهم، فإذا قلت عشرون رجلاً فإنما انتصب بإدخالك النون ما بعدها
تشبيها بذلك؛ كما أن قولك: إن زيدا منطلق، ولعل زيدا أخوك مشبهٌ بالفعل في اللفظ،
ولا يكون منه فعل، ولا يفعل ولا شيء من أمثلة الفعل؛ وكما أن كان في وزن الفعل
وتصرفه، وليست فعلا على الحقيقة. تقول: ضرب زيد عمرا، فتخبر بأن فعلا وصل من زيد
إلى عمرو. فإذا قلت: كان زيد أخاك لم تخبر أن زيدا أوصل إلى الأخ شيئا، ولكن زعمت
أن زيدا أخوه فيما خلا من الدهر. والتشبيه يكون للفظ، وللتصرف، والمعنى. فأما
المعنى فتشبيهك ما بليس. وليس فعل وما حرف. والمعنى واحد. فهذا سبيل كل ما كانت
النون فيه عاملة من التبيين. فإن قلت: هل يجوز عندي عشرو رجلٍ؟. فإن ذلك غير جائز؛
لأن الإضافة تكون على جهة الملك إذا قلت: عشرو زيد، فلو أدخلت التمييز على هذا
المضاف لالتبس على السامع قصدك إلى تعريف النوع بتعريفك إياه صاحب العشرين، ولم
يكن إلى النصب سبيلٌ؛ لأنه في باب الإضافة. كقولك: ثوب زيد، ودرهم عبد الله.
والتبيين في بابه من النصب وإثبات النون؛ فامتنع من إدخاله في غير بابه مخافة
اللبس. ومما ينصب قولك: هذا أفضلهم رجلا، وافره الناس عبدا. وذلك إنك كنت تقول في
المصادر: أعجبني ضرب زيدٍ عمرا، فتضيف إلى زيد المصدر؛ لأنه فعله، فتشغل الإضافة
بالفعل، فتنصب عمرا، لأنه مفعول. ولولا أنك أضفت إلى زيد لكان عمرو مخفوضاً بوقوع
المضاف عليه؛ كما أنك لو لم تنون في قولك: ضاربون زيدا لحل زيد محل التنوين،
وانخفض بالإضافة. فلما كان عشرون رجلاً بمنزلة ضاربين زيدا، كان قولك: لي مثله
رجلاً. وأنت أفرههم عبداً بمنزلة أعجبني ضرب زيد عمرا، وشتمك خالدا. وكما امتنعت
من أن تقول: عشرو درهمٍ للفصل
بين التفسير والملك إذا قلت: عشرو زيد، امتنعت في قولك: أنت أفرههم عبداً من الإضافة؛ لأنك إذا قلت: أنت
أفرههم عبداً فإنما عنيت مالك العبد. وإذا قلت: أنت أفره عبد في الناس فإنما عنيت
العبد نفسه، إلا أنك إذا قلت: أنت أفره العبيد فقد قدمته عليهم في الجملة. وإذا
قلت: أفره عبد في الناس، فإنما معناه: أنت أفره من كل عبدٍ إذا أفردوا عبداً
عبداً؛ كما تقول: هذا خير اثنين في الناس، إذا كان الناس اثنين اثنين. ويجوز أن تقول
- وهو حسن جداً - أنت أفره الناس عبيدا. وأجود الناس دوراً. ولا يجوز عندي عشرون
دراهم يا فتى. والفصل بينهما: أنك إذا قلت: عشرون، فقد أتيت على العدد، فلم يحتج
إلا إلى ذكر ما يدل على الجنس، فإذا قلت: هو أفره الناس عبدا، جاز أن تعني عبداً
واحداً، فمن ثم حسن، واختير - إذا أردت الجماعة - أن تقول: عبيدا. قال الله عز وجل: "
قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً " ،
وقد يجوز أن تقول: أفره الناس عبداً فتعني جماعة العبيد نحو التمييز. والجمع أبين إذا كان الأول غير مخطور
العدد. ومن التمييز ويحه رجلاً، ولله دره فارساً، وحسبك به شجاعاً، إلا أنه إذا
كان في الأول ذكرٌ منه حسن أن تدخل من توكيداً لذلك الذكر. فتقول: ويحه من رجلٍ.
ولله دره من فارسٍ؛ وحسبك به من شجاع ولا يجوز: عشرون من درهم ولا هو أمزههم من
عبد لأنه لم يذكره في الأول. وأنا أرى قوله عز وجل: " وما بكم من نعمةٍ فمن
الله " على هذا؛ كما تقول: من جاءني من طويلٍ
أعطيته،
ومن جاءني من قصيرٍ منعنه؛ لأنك قدمت ذكره بقولك: من. واعلم أن التبيين إذا كان
العامل فيه فعلاً جاز تقديمه؛ لتصرف الفعل. فقلت: تفقأت شحماً. وتصببت عرقاً. فإن
شئت قدمت، فقلت: شحماً تفقأت. وعرقاً تصببت. وهذا لا يجيزه سيبويه؛ لأنه يراه كقولك:
عشرون درهماً. وهذا أفرههم عبداً، وليس هذا بمنزلة ذلك؛ لأن عشرين درهماً إنما عمل
في الدرهم ما لم يؤخذ من الفعل. ألا ترى أنه يقول: هذا زيد قائماً. ولا يجيز
قائماً هذا زيد؛ لأن العامل غير فعل. وتقول: راكباً جاء زيد؛ لأن العامل فعل؛
فلذلك أجزنا تقديم التميز إذا كان العامل فعلاً. وهذا رأي أبي عثمان المازني. وقال
الشاعر: فقدم التمييز لما كان العامل فعلاً:، ومن جاءني من
قصيرٍ منعنه؛ لأنك قدمت ذكره بقولك: من. واعلم أن التبيين إذا كان العامل فيه
فعلاً جاز تقديمه؛ لتصرف الفعل. فقلت: تفقأت شحماً. وتصببت عرقاً. فإن شئت قدمت، فقلت: شحماً تفقأت.
وعرقاً تصببت. وهذا لا يجيزه سيبويه؛ لأنه يراه كقولك: عشرون درهماً. وهذا أفرههم
عبداً، وليس هذا بمنزلة ذلك؛ لأن عشرين درهماً إنما عمل في الدرهم ما لم يؤخذ من
الفعل. ألا ترى أنه يقول:
هذا زيد قائماً. ولا يجيز قائماً هذا زيد؛ لأن العامل غير فعل. وتقول: راكباً جاء
زيد؛ لأن العامل فعل؛ فلذلك أجزنا تقديم التميز إذا كان العامل فعلاً. وهذا رأي
أبي عثمان المازني. وقال الشاعر: فقدم التمييز لما كان العامل فعلاً:
أتهجر
ليلى للفراق حبيبها ... وما كان نفساً بالفراق تطيب
واعلم
أن من التمييز ما يكون خفضاً. ولكن يكون على معنى أذكره لك: وذلك قولك: كل رجل
جاءني فله درهم. فهذا شائعٌ في الرجال. ولكن معناه: كل الرجال إذا كانوا رجلاً
رجلا، كقولك: كل اثنين أتياني فلهما درهمان. ومن ذلك قوله: مائة درهمٍ. وألف درهمٍ. وإنما معناه معنى عشرين
درهماً. ولكنك أضفت إلى المميز؛ لأن التنوين غير لازم. والنون في عشرين لازمة؛
لأنها تثبت في الوقف، وتثبت مع الألف واللام. وقد مضى تفسير هذا في باب العدد.
فأما قولك: زيد الحسن وجهها.
والكريم أباً، فإنه خارج التقدير من باب الضارب زيد؛ لأنك تقول: هو الحسن الوجه يا
فتى، وإن كان الخفض أحسن. وكذلك: هو حسنٌ الوجه. فهذا لا يكون فيه إلا النصب. لأن
التنوين مانع، وقد ذكرنا هذا في بابه؛ فلذلك لم نذكر استقصاءه في هذا الموضع. فأما
قولك: أنت أفره عبدٍ في الناس، فإنما معناه: أنت أحد هؤلاء الذين فضلتهم. ولا يضاف
أفعل إلى شيء إلا وهو بعضه؛ كقولك: الخليفة أفضل بني هاشم. ولو قلت: الخليفة أفضل
بني تميم كان محالاً؛ لأنه ليس منهم. وكذلك: هذا خير ثوب في الثياب إذا عنيت ثوبا.
وهذا خيرٌ منك ثوبا إذا عنيت رجلاً. وكذلك تقول: الخليفة أفضل من بني تميم؛ لأن من
دخلت للتفضيل، وأخرجتهم من الإضافة. فهذا وجه ذا. ولو قلت: ما أنت بأحسن وجهاً مني، ولا أفره عبداً - كان
جيداً - فإن قصدت قصد الوجه بعينه قلت: هذا أحسن وجهٍ رأيته. إنما تعني الوجوه إذا
ميزت وجهاً وجها.
فعلى
هذه الأصول فقس ما ورد عليك من هذا إن شاء الله.
هذا
باب
التثنية
على استقصائها
صحيحها
ومعتلها
أما
ما كان صحيحاً فإنك إذا أردت تثنيته سلمت بناءه، وزدت ألفاً ونوناً في الرفع،
وياءً ونوناً في الخفض، ودخل النصب على الخفض؛ كما ذكرت لك في أول الكتاب؛ وذلك
قولك في الرفع: زيدان، وعمران، وجعفران، وعطشانان، وعنكبوتان. فإن كان الاسم ممدوداً وكان منصرفاً، وهمزته
أصلية، فهو على هذا. تقول في تثنية قراء: قراءان، وفي تثنية خطاء: خطاءان، وفي
الخفض والنصب: خطاءين، وزيدين، وعمرين، وقراءين. وقد يكون قراوان على بعد؛ لعلة
أذكرها إن شاء الله. وإن كان ممدوداً منصرفاً وهمزته بدلٌ من ياء أو واو، فكذلك.
تقول: رداءان، وكساءان،
وغطاءان. والقلب إلى الواو في هذا يجوز، وليس بجيد. وهو أحسن منه فيما كانت همزته
أصلاً. وذلك قولك: كساوان، وغطاوان. وإن كان الممدود إنما مدته للتأنيث لم يكن في
التثنية إلا بالواو، نحو قولك: حمروان، وخنفساوان، وصحراوان، ورأيت خنفساوين، وصحراوين. وإن كان المثنى مقصوراً
فكان على ثلاثة أحرف نظرت في أصله: فإن كان من الواو أظهرت الواو، وإن كان من
الياء أظهرت الياء، وذلك قولك في تثنية قفًا: قفوان، وعصا: عصوان، ورأيت قفوين، وعصوين. وأما ما كان من الياء
فقولك في رحًى: رحيان، وحصًى: حصيان. وإنما فعلت ذلك لأن ألف التثنية تلحق الألف
التي كانت في موضع اللام، وكذلك ياء التثنية، وهما ساكنان. فلا يجوز أن يلتقيا؛
فلا بد من حذف أو تحريك؛ فلو حذفت لذهبت اللام، فحركت. فرددت كل حيزٍ إلى أصله؛ كما
كنت فاعلاً ذلك إذا ثنيت الفاعل في الفعل، وذلك قولك: غزا الرجل، ودعا، ثم تقول:
غزوا، ودعوا؛ لأنك لو حذفت لالتقاء الساكنين لبقي الاثنان على لفظ الواحد. وتقول:
رمى، وقضى، فإذا ثنيت قلت: رميا، وقضيا. فكذلك هذا المقصور في التثنية. فإن كان
المقصور على أربعة أحرف فصاعداً كانت تثنيته بالياء من أي أصلٍ كان، وقد مضى تفسير
هذا. وكذلك إن كانت ألفه زائدة للتأنيث أو للإلحاق. تقول: ملهيان، ومغزيان،
وحباريان، وحبنطيان؛ كما تقول في الفعل: أغزيا، وغازيا، وراميا، واستغزيا،
واستحييا، ونحوه؛ فعلى هذا مجرى جميع المقصور.
واعلم
أن التثنية لا تخطئ الواحد. فإذا قيل لك: ثنه. وجب عليك أن تأتي بالواحد، ثم تزيد في الرفع ألفاً
ونوناً، وفي الخفض والنصب ياءً ونوناً. فأما قولهم: جاء ينفض مذرويه؛ فإنما ظهرت
فيه الواو؛ لأنه لا يفرد له واحدٌ. وكذلك: عقلته بثنايين ولو كان يفرد له واحدٌ
لكان: عقلته بثنائين؛ لأن
الواحد ثناءٌ فاعلم، وكنت تقول: مذريان؛ كما تقول: ملهيان، ولكنه بمنزلة قولك: الشقاوة، والعباية.
بنيت على هذا التأنيث، وصارت الهاء حرف الإعراب، فظهرت الواو والياء. ولو بنيته
على التذكير لم يكن إلا صلاءة، وعباءة؛ كما تقول: امرأة غزاءة؛ لأنك جئت إلى غزاءٍ
- وقد انقلبت الواو فيه همزة - فأنثته على تذكيره، ولو كنت بنيته على التأنيث لكانت
الهاء مظهرة للياء وللواو قبلها. فأما قولهم: خصيان فإنما بنوه على قولهم: خصيٌ
فاعلم. ومن ثنى على قولهم: خصية لم يقل إلا: خصيتان. وكذلك يقولون: ألية وأليٌ في
معنى. فمن قال: ألية قال: أليتان، ومن قال: ألي قال: أليان. قال الراجز:
ترتج
ألياه ارتجاج الوطب
هذا
باب
الإمالةوهو
أن تنحو بالألف نحو الياء. ولا يكون ذلك إلا لعلةٍ تدعو إليه. اعلم أن كل ألف
زائدة أو أصلية فنصبها جائزٌ. وليس كل ألف تمال لعلة إلا نحن ذاكروها إن شاء الله.
فمما يمال ما كان ألفه زائدةً في فاعل، وذلك نحو قولك: رجل عابدٌ، وعالمٌ، وسالمٌ؛
فإنما أملت الألف. للكسرة اللازمة لما بعدها. وهو موضع العين من فاعل. وإن نصبت في
كل هذا فجيدٌ بالغٌ على الأصل وذلك قولك: عالم وعابد. وكذلك إذا كانت قبلها كسرة أو ياء،
نحو قولك: عباد، وجبال، وحبال. كل هذا إمالته جائزةٌ. فأما عيال فالإمالة له ألزم،
لأن مع الكسرة ياءً. فكل ما كانت الياء أقرب إلى ألفه أو الكسرة فالإمالة له ألزم.
والنصب فيه جائز. وكل ما كثرت فيه الياءات أو الكسرات فالإمالة فيه أحسن من النصب.
واعلم
أنه ما كان من فعل فإمالة ألفه جائزةٌ حسنة، وذلك نحو: صار بمكان كذا، وباع زيدٌ مالا؛ فإنما أملت؛ لتدل
على أن أصل العين الكسر؛ لأنه من بعت، وصرت. والعين أصلها الكسر وألفها منقلبة من
واو. إلا أنه فيما كانت ألفه منقلبة من ياء أحسن. فأما الواو فهو فيها جيد، وليس
كحسنه في الياء؛ لأن فيه علتين، وإنما في ذوات الواو علةٌ واحدة، وهو أنه من فعل. وذلك قولك: خاف زيدٌ كذا، ومات زيدٌ في
قول من قال: مت على وزن خفت. ومن قال: مت لم تجز الإمالة في قوله. وقد قرأ القراء:
ذلك لمن خاف مقامي.
واعلم
أن الألف إذا كانت منقلبة من ياءٍ في اسم أو فعل، فإمالتها حسنةٌ، وأحسن ذلك أن
تكون في موضع اللام. وسنفسر لم ذلك إن شاء الله؟ وذلك قولك: رمى، وسعى، وقضى؛ وذلك
لأن الألف هي التي يوقف عليها. والإمالة أبين، وهي التي تنتقل على الثلاثة، فتكون
رابعة، وخامسة، وأكثر. فإذا كانت كذلك رجعت ذوات الواو إلى الياء؛ نحو: مغزيان،
وملهيان، وقولك في الفعل: أغزيت وقد فسرنا هذا في بابه مستقصًى. فلما كانت الياء
أمكن كانت الإمالة أثبت. فأما ما كان من ذوات الواو على ثلاثة أحرف فإن الإمالة
فيه قبيحة؛ نحو: دعا، وغزا، وعدا وقد يجوز على بعد؛ لأن هذه الألف هي التي تمال في
أغزى، ونحوه. فأما الأسماء فلا يجوز فيها الإمالة إذا كانت على ثلاثة أحرف؛ لأنها
لا تنتقل انتقال الأفعال؛ لأن الأفعال تكون على فعل، وافعل، ونحوه، والأسماء لا تتصرف.
وذلك قولك: قفاً، وعصاً. لا يكون فيهما، ولا في بابهما إمالةٌ؛ لأنهما من الواو.
ولكن رحًى، وحصًى، ونوًى هذا كله تصلح إمالته. ولا تصلح الإمالة فيما ألفه في موضع
العين إذا كانت واواً؛ نحو: قال، وطال، وجال؛ لأنها من واو، وليست بفعل كخفت؛ لأنك
تقول: قلت، وطلت، وجلت.
هذا
باب
ما
كان على أربعة أحرف أصلية أو زائدةاعلم أن ما كانت ألفه من ذلك طرفاً فالإمالة فيه
جائزةٌ، وهي التي نختار؛ وذلك أنه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه: إما أن تكون ألفه منقلبة من ياءٍ؛ نحو: مرمًى،
ومسعًى؛ لأنه من سعيت، ورميت. وملهًى، ومغزًى من غزوت ولهوت، فإنها إذا كانت كذا
ترجع إلى الياء في قولك: ملهيان، ومغزيان. وكلما ازدادت الحروف كثرةً كانت من
الواو أبعد، وقد فسرنا لم ذلك في التصريف في باب أغزيت، واستغزيت؟ أو تكون الألف
زائدة للتأنيث. فحقٌّ الزوائد أن تحمل على الأصول. فإذا كانت ذوات الواو ترجع إلى الياء
فالزائد أولى؛ وذلك قولك في حبلى: حبليان، وحبليات. وكذلك سكرى، وشكاعى ونحوه.
فأما الملحقة فنحو: حبنطًى، وأرطًى. ومعزًى تقول: أرطيان، ومعزيان، وحبنطيان. فكل
هذا يرجع إلى الياء. فكذلك فافعل به إذا كانت الألف رابعة مقصورةً أو على أكثر من
ذلك، اسماً كان أو فعلاً.
هذا
باب
الحروف
التي تمنع الإمالة
وهي
حروف الاستعلاء، وهي سبعة أحرف: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والقاف، والخاء،
والعين. وذلك أنها حروف اتصلت من اللسان بالحنك الأعلى، وإنما معنى الإمالة: أن
تقرب الحرف مما يشاكله من كسرةٍ أو ياءٍ. فإن كان الذي يشاكل الحرف غير ذلك ملت
بالحرف إليه، فهذه الحروف منفتحة المخارج؛ فلذلك وجب الفتح. تقول: هذا عابد،
وعالم، وعاند. فإذا جاءت هذه الحروف عينات ولامات في فاعل منعت الإمالة لما فيها،
فقلت: هذا ناقد، ولم يجز ناقد من أجل القاف، وكذلك ضابط، وضاغط. فإن كانت هذه
الحروف في موضع الفاءات من فاعل منعت الإمالة لقربها، وهي بعد الألف أمنع؛ لئلا
يتصعد المتكلم بعد الانحدار. وذلك قولك: هذا قاسم، وصالح، وطالع، ولا تجوز الإمالة
في شيءٍ من ذلك. فإن كان الحرف المستعلي بينه وبين الألف حرفٌ، والمستعلي متقدمٌ مكسور،
فإن الإمالة حسنة. وذلك قولك: صفاف، وقفاف؛ لأن الكسرة أدنى إلى الألف من
المستعلي، والنصب هاهنا حسن جداً، والإمالة أحسن لما ذكرت لك، وحسن النصب من أجل
المستعلي. ولو كان المستعلي بعد حرف مكسور لم تجز الإمالة فيه؛ لأن المستعلي أقرب
إلى الألف فهو مفتوح. وذلك قولك: رقاب، وحقاف؛ وكذلك رصاص فيمن كسر الراء، لا يكون
إلا النصب فإن كان المستعلي في كلمة مع الألف وكان بعدها بحرف أو حرفين لم تكن
إمالة. وذلك قولك: مساليخ، وصناديق. فإن قلت: فما قبل المستعلي مكسورٌ، فهلا كان
هذا بمنزلة قفاف، وصفاف؟ فمن أجل أن المستعلي إنما انحدرت عنه، وأنت هاهنا لو كسرت
كنت مصعداً إليه.
واعلم
أنك تقول: مررت بمال لك، ومررت بباب لك، وليس بالحسن؛ لأن الألفين منقلبتان من
واوين، من: مولت، وبوبت، وليست الحركة بلازمة. إنما تحذف في الخفض في الوصل، ولا
تكون في الوقف، ولا في غير الخفض، فليست كعين فاعل؛ لأن الكسرة لازمة لها، والألف
زائدة. ولكن لو قلت:
هذا
ناب، وهذا عابٌ لصلحت الإمالة؛ لأن الألفين منقلبتان من ياءٍ؛ لأنه من العيب، ومن
قولك: نيبت في الأمر، وناب وأنياب، والنصب أحسن؛ لأن اللفظ أولى وليس في اللفظ
كسرة، وإنما صلحت الإمالة؛ لأن الألف ياء في المعنى. فجملة الباب: أنه كل ما كان في الياء، أو الكسرة
فيه أثبت، فالإمالة له ألزم، إلا أن يمنع مانع من المستعلية.
هذا
باب
الراء
في الإمالةاعلم أن الراء مكررةٌ في اللسان، ينبو فيها بين أولها وآخرها نبوةً،
فكأنها حرفان. فإن جاءت بعد الألف مكسورةً مالت الألف من أجلها. وذلك قولك: هذا عارم،
وعارف. فكانت الإمالة هاهنا ألزم منها في عابد، ونحوه. فإن وقع قبل الألف حرف من
المستعلية، وبعد الألف الراء المكسورة حسنت الإمالة التي كانت تمتنع في قاسم
ونحوه؛ من أجل الراء، وذلك قولك: هذا قارب، وكذلك إن كان بين الراء وبين الألف حرف
مكسور إذا كانت مكسورة. تقول: مررت بقادر يا فتى، وترك الإمالة أحسن؛ لقرب
المستعلية من الألف، وتراخي الراء عنها، وينشد هذا البيت على الإمالة والنصب أحسن
لما ذكرت لك وهو:
عسى
الله يغني عن بلاد ابن قادرٍ ... بمنهمر جون الرباب سكوب
فإن
لم يكن قبل الألف حرف من المستعلية، وكانت بعدها الراء على ما وصفت لك اختير إمالة
الألف. وذلك قولك: من الكافرين. وإن قلت: من الكافر يا فتى، فالإمالة حسنة، وليس
كحسنها في الكافرين؛ لأن الكسر في الكافرين لازم للراء وبعدها ياء، والكافر لا ياء
فيه، وليست الكسرة بلازمة للراء إلا في الخفض، وهي في الجماعة تلزم في الخفض
والنصب والوقف والإدراج، ولا تكون في الكافر في الوقف. فإن قلت: جاءني الكافر،
فاعلم استوت الإمالة والنصب. فأما الإمالة فمن جهة كسرة الفاء. وأما النصب فإن
الراء بعدها كحرفين مضمومين، وكذلك هي في النصب إذا قلت: رأيت الكافر يا فتى. ولو
قلت: فلان باسطٌ يده، أو ناعق يا فتى، لم تصلح الإمالة من أجل المستعليين؛ لأن
الراء - وإن كان قبلها التكرير - لا تحل محل المستعلية. ولو قلت: هذا قراب سيفك
لصلحت الإمالة وإن كانت الراء مفتوحة؛ لأنها في الحقيقة في وزن حرف.
واعلم
أن بني تميم يختارون فيما كان على وزن فعال من المؤنث إذا سمي به أن يكون بمنزلة
سائر ما لا ينصرف، فيقولون: هذه حذام، ومررت بحذام يا فتى، ورأيت حذام. وأهل
الحجاز يقولون: هذه حذام، ومررت بحذام. وقد بينا ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف.
فإذا كان اسم من هذه الأسماء في آخره الراء اختارت بنو تميم مذهب أهل الحجاز؛
ليميلوا الألف؛ لأن إجناحها أخف عليهم، ولا سبيل إليه إلا أن يكسروا الراء.
فيقولون: هذه حضار فاعلم، وطلعت حضار، والوزن، ومررت بسفار يا فتى. وينشدون هذا
البيت للفرزدق:
متى
ما ترد يوماً سفار تجد بها ... أديهم يرمي المستجيز المعورا
ومنهم
من يمضي على لغته في الراء؛ كما يفعل في غيرها. قال الشاعر:
ومر
دهرٌ على وبار ... فهلكت عنوةً وبار
والقوافي
مرفوعة. ومما تمال ألفه ما كان قبلها فتحةٌ وفي ذلك الحرف ياء. وذلك قولك: نعم الله بك عينا، ورأيت زيناً، فالإمالة
في هذا حسنة في الوقف من أجل الياء. فأما إذا وصلت فلا إمالة فيه من أجل أن الألف
تذهب، ويصير مكانها التنوين. ولو قلت: هذا عمران لكانت الإمالة حسنة من أجل كسرة
العين. فإن كان مكان الراء حرفٌ من المستعلية لم تصلح الإمالة؛ لأن المستعلي أقرب
إلى الألف وهو مفتوح. فإن قلت فهذان مسلمان، فأملت من أجل كسرة اللام صلح، ويزيده
حسنا علمك بأن النون مكسورة في الوصل، فإن قلت: مصلحان، أو مكرمان، لم تحسن
الإمالة؛ لأنه لا كسر ولا ياء. فإن وصلت حسنت وهي بعيدة؛ لأن النون لا تلزمها
الحركة في الوقف، كما أنك لو قلت: رأيت عنباً لم تكن إمالة؛ لأنه لا كسرة ولا ياء.
وتقول: نعوذ بالله من النار، للتكرير الذي في الراء؛ لأن الحركة تلحق في الوصل.
فإن قلت: وعد الكافرون النار، أو قلت: أحرقته النار، لم تكن إمالةٌ لما ذكرت لك.
فأما قولهم: هذا رجل حجاج فلم تجز الإمالة؛ لأنه لا شيء يوجبها، ثم قالوا في الاسم
الحجاج فإنما أمالوا للفصل بين المعرفة والنكرة، والاسم والنعت؛ لأن الإمالة أكثر،
وليس بالحسن.
النصب
أحسن وأقيس.
هذا
باب
ما
يمال وينصب من الأسماء غير المتمكنة
والحروفاعلم
أنهم قالوا: ذا عبد الله، وهذا عبد الله، وقالوا في التهجي: باءٌ، وتاءٌ، وراءٌ؛
ليدلوا على أنها أسماء. فلو ألزمت النصب لالتبست بالحروف؛ لأن الحروف لا تصلح فيها
الإمالة. فإن قلت: فهلا فعلوا ذلك في ما التي هي اسم لمضارعتها للحروف؛ لأنها لا
تكون اسماً إلا بصلة، إلا في الاستفهام أو الجزاء، فهي في هذين مضارعة للحروف التي
هي للاستفهام والجزاء. فأما في النفي فهي حرف وليس باسم، وكذلك هي زائدة في قولك:
" فبما نقضهم ميثاقهم " ونحوه. فأما إما وحتى، وسائر الحروف التي ليست بأسماء فإن الإمالة فيها خطاٌ.
ولكن متى تمال؛ لأنها اسم، وإنما هي من أسماء الزمان، ولا يستفهم بها إلا عن وقت.
فأما عسى فإمالتها جيدةٌ؛ لأنها فعل، وألفها منقلبةٌ من ياء. تقول: عسيت؛ كما تقول: رمى ورميت. فأما على، وإلى
فلا تصلح إمالتهما؛ لأن على من علوت، وهي اسم، يدلك على ذلك قولهم: جئت من عليه،
أي: من فوقه قال الشاعر:
غدت
من عليه تنفض الطل بعدما ... رأت حاجب الشمس اسيوى فترفعا
. قال
الشاعر:
غدت
من عليه بعد ما تم خمسها ... تصل وعن قيضٍ ببيداء مجهل
هذا
باب
كماعلم
أن كم اسم يقع على العدد، ولها موضعان: تكون خبراً، وتكون استفهاماً فمجراها مجرى
عددٍ منون. وذلك قولك: كم رجلاً عندك؟ وكم غلاماً لك؟ تريد: أعشرون غلاماً أم ثلاثون، وما أشبه ذلك؛ كما أنك
إذا قلت: أين عبد الله؟ أفي موضع كذا أو في موضع كذا؟ وإذا قلت: متى تخرج؟ فإنما
معناه: أوقت كذا أم وقت كذا؟ إلا أنه يجوز لك في كم أن تفصل بينها وبين ما عملت
فيه بالظرف فتقول: كم لك غلاماً؟ وكم عندك جاريةً؟ وإنما جاز ذلك فيها؛ لأنه جعل
عوضاً لما منعته من التمكن. وأما عشرون ونحوها فلا يجوز أن تقول فيها: عشرون لك جارية،
ولا خمسة عشر لك غلاماً إلا أن يضطر شاعر؛ كما قال حين اضطر:
على
أنني بعد ما قد مضى ... ثلاثون للهجر حولاً كميلا
وقال
الآخر:
في
خمس عشرة من جمادى ليلةً ... لا أستطيع على الفراش رقادي
وتقول: كم درهم لك؟ لأن التمييز وقع على غيره.
فكأن التقدير: كم دانقاً درهم لك. وكم قيراطاً، وما أشبه ذلك؟ كما أنك إذا قلت: كم
غلمانك؟ فإنما المعنى: كم غلاماً غلمانك؟ ولا يكون في قولك: كم غلمانك؟ إلا الرفع؛
لأنه معرفة، ولا يكون التمييز بالمعرفة. فإذا قلت: كم غلمانك؟ فتقديره من العدد
الواضح: أعشرون غلاماً
غلمانك؟ فإن قلت: أعشرون غلمانك؟ فذلك معناه، لأن ما أظهرت دليلٌ على ما حذفت.
وتقول: بكم ثوبك مصبوغٌ؟؛ لأن التقدير: بكم مناً ثوبك مصبوغٌ؟ أو بكم درهماً؟
وتقول: على كم جذعاً بيتك مبنى؟ إذا جعلت على كم ظرفاً لبنى رفعت البيت بالابتداء،
وجعلت المبنى خبراً عنه، وجعلت على كم ظرفاً لمبنى. فهذا على قول من قال: في الدار
زيدٌ قائم، ومن قال: في الدار زيدٌ قائما، فجعل في الدار خبرا، قال: على كم جذعاً
بيتك مبنيًّا؟ إذا نصب مبنياً جعل على كم ظرفاً للبيت؛ لأنه لو قال لك على المذهب:
على كم جذعاً بيتك؟ لاكتفى؛ كما أنه لو قال: في الدار زيدٌ لاكتفى. ولو قال: بكم
رجلٍ زيد مأخوذٌ؟ لم يجز إلا الرفع في مأخوذ؛ كما تقول: بعبد الله زيدٌ مأخوذٌ؛ لأن
الظرف هاهنا إنما هو معلقٌ بالخبر. والبصريون يجيزون على قبح: على كم جذعٍ، وبكم
رجلٍ؟ يجعلون ما دخل على كم من حروف الخفض دليلاً على من، ويحذفونها، ويريدون: على
كم من جذعٍ، وبكم من رجلٍ؟ فإذا لم يدخلها حرف الخفض فلا اختلاف في أنه لا يحوز
الإضمار. وليس إضمار من مع حروف الخفض بحسن ولا قوي، وإنما إجازته على بعد. وما
ذكرت لك حجة من أجازه. فهذه كم التي تكون للاستفهام. فأما كم التي تقع خبراً
فمعناها: معنى رب إلا أنها اسم، و رب حرفٌ وذلك قولك: كم رجلٍ قد رأيته أفضل من
زيد. إن جعلت قد رأيته الخبر، وإن جعلت قد رأيته من نعت الرجل قلت: أفضل من زيد
رفعت أفضل؛ لأنك جعلت أفضل خبراً عن كم؛ لأن كم اسم مبتدأ. فأما رب إذا قلت: رب
رجل أفضل منك فلا يكون له الخبر؛ لأنها حرف خفض وكم لا تكون إلا اسماً. ألا ترى أن
حروف الخفض تدخل عليها، وأنها تكون فاعلة ومفعولة. تقول: كم رجلٍ ضربك، فهي هاهنا
فاعلة. فإذا قلت: كم رجلٍ قد رأيت، فهي مفعولة، وكذلك لو قلت: كم رجلٍ قد رأيته
لكانت مرفوعة؛ لأنها ابتداء؛ لشغلك الفعل عنها، وكذلك تقول: إلى كم رجلٍ قد ذهبت فلم أره.
واعلم
أن هذا البيت ينشد على ثلاثة أوجه، وهو:
كم
عمة لك يا جرير وخالةٍ ... فدعاء قد حلبت علي عشاري
فإذا
قلت: كم عمةٍ فعلى معنى: رب عمة. وإذا قلت: كم عمةً؟ فعلى الاستفهام: وإن قلت: كم
عمةٌ أوقعت كم على الزمان فقلت: كم يوماً عمةٌ لك وخالةٌ قد حلبت علي عشاري، وكم
مرةً، ونحو ذلك. فإذا قلت: كم عمةٍ فلست تقصد إلى واحدة، وكذلك إن نصبت، وإن رفعت
لم تكن إلا واحدة؛ لأن التمييز يقع واحده في موضع الجميع، وكذلك ما كان في معنى
رب؛ لأنك إذا قلت: رب رجلٍ رأيته لم تعن واحداً، وإذا قلت: كم رجلاً عندك؟ فإنما
تسأل: أعشرون أو ثلاثون أو نحو ذلك؟. فإذا قلت كم درهمٌ عندك؟ فإنما تعني: كم
دانقاً هذا الدرهم الذي أسألك عنه؟ فالدرهم واحد مقصود قصده بعينه؛ لأنه خبر، وليس
بتمييز، وكذلك:
كم
جاءني صاحبك؟ إنما تريد: كم مرةً جاءني صاحبك. فإذا قلت: ما بال المستفهم بها
ينتصب ما بعدها والتي في معنى رب ينخفض بها ما بعدها وكلاهما للعدد؟ فإن في هذا
قولين: أحدهما: أن التي للخبر لما ضارعت رب في معناها اختير فيها ترك التنوين؛
ليكون ما بعدها بمنزلتها بعد رب، وتكون تشبه من العدد ثلاثة أثواب، ومائة درهم،
فتكون غير خارجة من العدد، وقد أصبت بها ما ضارعته؛ كما أن المضاف إليه إنما خص
بالخفض؛ لأنه على معنى اللام،. ألا ترى أن قولك: هذا غلام زيدٍ إنما معناه: هذا
غلامٌ لزيد، وقد تجوز أن تكون منونة في الخبر، فينتصب ما بعدها فتقول: كم رجلاً قد
أتاني. إلا أن الأجود ما ذكرنا؛ ليكون بينها وبين المستفهم بها فصل. فإن فصلت
بينها وبين ما تعمل فيه بشيءٍ اختير التنوين؛ لأن الخافض لا يعمل فيما فصل منه،
والناصب والرافع يعملان في ذلك الموضع، وذلك قولك: كم يوم الجمعة رجلاً قد أتاني، وكم
عندك رجلاً قد لقيته، ويختار النصب في قوله:
كم
نالني منهم فضلاً على عدمٍ ... إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل
وقد
زعم قومٌ أنها على كل حال منونة، وإن ما انخفض بعدها ينخفض على إضمار من. وهذا بعيدٌ؛ لأن الخافض لا يضمر؛ إذا كان
وما بعده بمنزلة شيءٍ واحد، وقد ذكرناه بحججه مؤكدا. ومن فصل للضرورة بين الخافض
والمخفوض فعل مثل ذلك في كم في الخبر. وذلك قوله:
كم
بجودٍ مقرفٍ نال العلا ... وشريف بخله قد وضعه
وقال
الآخر:
كم
في بني سعد بن بكرٍ سيدٍ ... ضخم الدسيعة ماجدٍ نفاع
والقوافي
مجرورة. وقال الآخر:
كم
قد فاتني بطلٍ كميٍّ ... وياسر فتيةٍ سمحٍ هضوم
ولا
يجوز أن تفصل بين الخافض والمخفوض في الضرورة إلا بحشوٍ كالظروف وما أشبهها مما لا
يعمل فيه الخافض؛ كما تقول: إن اليوم زيد منطلقٌ. ولو كان مكان اليوم ما تعمل فيه
إن لم يقع إلى جانبها إلا معمولاً فيه. ولولا أن هذه القوافي مخفوضة لاختير في هذين
البيتين الرفع، وتوقع كم على مرار من الدهر، فتكون كم ظرفاً منصوباً؛ لأن كم اسم
للعدد، فهي واقعة على كل معدود. وتقول: كم رجلاً جاءك؟ فإنما تسأل بها عن عدد
الرجال. وتقول: كم يوماً لقيت زيدا؟ فتنصبها؛ لأنها واقعة على عدد الأيام واللقاء
العامل فيها، فكذا كل مبهم. ولو قلت: كم يوماً لقيت فيه زيدا؟ لكانت كم في موضع
رفع، كأنك قلت: أعشرون يوماً لقيت فيها زيدا؟ إلا أن كم في هذا الموضع استفهام.
فهي في أنها اسم وأنها الحرف المستفهم به بمنزلة من، وما، وأين، ومتى، وكيف وإن كانت
المعاني مختلفةً؛ لأن من إنما هي لما يعقل خاصةً حيث وقعت: من خبر، أو استفهام، أو
جزاء، أو نكرة. وما لذات غير الآدميين، ولصفات الآدميين. وأين للمكان، ومتى للزمان، وكيف للحال، وكم للعدد،
فهي داخلة على جميع هذا إذا سألت عن عدد نوعٍ منها؛ نحو: كم مكاناً قمت؟ وكم يوماً
صمت؟ وكم حالاً تصرفت عليها؟ ونحو ذلك.
هذا
باب
مسائل
كم في الخبر والاستفهامتقول: كم ثلاثةً ستةٌ إلا ثلاثتان نصبت ثلاثة؛ لأنها تمييز، وستةٌ خبر كم، وثلاثتان
بدلٌ من كم. فالتقدير: أي شيءٍ من العدد ستةٌ إلا ثلاثتان؟. ولو قلت: كم لك درهمٌ؟
وأنت تريد: كم دانقا درهمٌ؟ لم يكن الدرهم إلا رفعاً، ولم ترد به إلا واحداً. ولو
قلت: كم لك درهما؟ لكان لك خبراً، وكان الدرهم في موضع جماعة، لأنك تريد: كم من
درهم لك؟ وتقول: كم دنانيرٌ عندك؟ ولا يجوز النصب في تمييزها بجماعة؛ كما لا تقول:
إلا عشرون درهماً، ولا يجوز عشرون دراهم. فإن ذكرت كم التي تقع في الخبر جاز أن
تقول: كم غلمانٍ قد رأيت، وكم أثوابٍ قد لبست؛ لأنها بمنزلة ثلاثة أثواب ونحوه من
العدد، ولأنها مضارعةٌ رب وهما يقعان على الجماعة، ووقوعها على الواحد في معنى الجماعة
لمضارعتها رب، وتشبه من العدد مائة درهم، وألف درهم.
واعلم
أن كم لا بد لها من الخبر، لأنها اسم فهي مخالفة لرب في هذا، موافقةٌ لها في المعنى.
تقول: كم رجلٍ قد رأيت أفضل منك، ورب إنما تضيف بها إلى ما وقعت عليه ما بعده؛
نحو: رب رجلٍ في الدار، ورب رجلٍ قد كلمته. فهذا معناها. ولو قلت: كم رجل قد أتاني
لا رجلٌ، ولا رجلان كان جيداً، لأنك تعطف على كم ولا يجوز مثل هذا في باب رب؛
لأنها حرف. فأما قوله:
إن
يقتلوك فإن قتلك لم يكن ... عاراً عليك ورب قتلٍ عار
فعلى
إضمار هو. لا يكون إلا على ذلك. فهذا إنشاد بعضهم. وأكثرهم ينشده
وبعض
قتل عار
فأما
قوله: كم من رجلٍ قد رأيته؟ فتدخل من وأنت لا تقول: عشرون من رجل؛ فإنما ذلك لأن
كم استفهامٌ، والاستفهام يدخل فيما وقع عليه من توكيداً وإعلاماً أنه واحد في معنى
الجميع، وذلك: هل أتاك من أحد؟ كما تقول في المنفي: ما أتاني من رجل. ولو قلت: ما
أتاني رجل، وهل أتاني رجل، لجاز أن تعني واحداً؛ والدليل على ذلك وقوع المعرفة في
هذا الموضع؛ نحو: ما أتاني زيد. وهل أتاك زيد؟. ومعنى قولك: عشرون درهماً: إنما هو
عشرون من الدراهم؛ لأن عشرون وما أشبهه اسم عدد. فإذا قلت: هذا العدد، فمعناه: من
ذا النوع. فلما قلت:
درهماً.
جئت بواحد يدل على النوع. لاستغنائك عن ذكر العدد، فلما اجتمع في كم الاستفهام وأنها
تقع سؤالاً عن واحد؛ كما تقع سؤالاً عن جمع، ولا تخص عدداً دون عدد لإبهامها.
ولأنها لو خصت لم تكن استفهاماً؛ لأنها كانت تكون معلومة عند السائل، دخلت من على
الأصل، ودخلت في التي هي خبر؛ لأنها في العدد والإبهام كهذه.
واعلم
أن كل تمييز ليس فيه ذكر للمقصود فإن من لا تدخله إذا كان مفرداً، لأنك لو أدخلتها
لوجب الجمع؛ وذلك قولك: عشرون درهماً، ومائة درهم، وكل رجلٍ جاءني فله درهمٌ، وهو
خيرٌ منك عبدا، أفره منك داية، وعندي ملءْ قدحٍ عسلا. وعلى التمرة مثلها زبدا. إلا
أن تقول: عشرون من الدراهم،
وهو خيرٌ منك من الغلمان، وعليها مثلها من الزبد. فإن كان فيها ذكر الأول دخلت من
في المخصوص فقلت: ويحه رجلا، وويحه من رجل، ولله دره فارسا، ومن فارس، وحسبك به
رجلا، ومن رجل. ولا يكون هذا في المضمر الذي يقدم على شريطة التفسير؛ لأنه مجمل،
نحو: ربه رجلاً قد رأيته، ونعم رجلاً عبد الله، وقد مضى بابها مفسراً.
هذا
باب
الأفعال
التي تسمى أفعال المقاربة
وهي
مختلفة المذاهب والتقدير، مجتمعة في المقاربةفمن تلك الأفعال عسى وهي لمقاربة
الفعل، وقد تكون إيجاباً، ونحن نذكر بعد فراغنا منها شيئاً إن شاء الله. اعلم أنه
لا بد لها من فاعل؛ لأنه لا يكون فعلٌ إلا وله فاعل. وخبرها مصدر؛ لأنها لمقاربته.
والمصدر اسم الفعل. وذلك قولك: عسى زيدٌ أن ينطلق، وعسيت أن أقوم، أي: دنوت من
ذلك، وقاربته بالنية. وأن أقوم في معنى القيام. ولا تقل: عسيت القيام، وإنما ذلك لأن القيام مصدر،
لا دليل فيه يخص وقتاً من وقت، وأن أقوم مصدر لقيام لم يقع؛ فمن ثم لم يقع القيام
بعدها، ووقع المستقبل. قال الله عز وجل: " فعسى الله أن يأتي بالفتح "
وقال: " فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين " . ولو احتاج شاعرٌ إلى
الفعل فوضعه في موضع المصدر جاز؛ لأنه دالٌّ عليه. فمن ذلك قوله:
عسى
الله أن يغني عن بلاد ابن قادرٍ ... بمنهمر جون الرباب سكوب
وقال
الآخر:
عسى
الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرجٌ قريب
وأما
قولهم في المثل: عسى الغوير أبؤساً فإنما كان التقدير: عسى الغوير أن يكون أبؤسا؛
لأن عسى إنما خبرها الفعل مع أن أو الفعل مجرداً، ولكن لما وضع القائل الاسم في
موضع الفعل كان حقه النصب؛ لأن عسى فعل، واسمها فاعلها، وخبرها مفعولها؛ ألا ترى
أنك تقول: كان زيد ينطلق. فموضعه نصبٌ. فإن قلت: منطلقاً لم يكن إلا نصبا. فأما قولهم: عسى أن يقوم
زيد. وعسى أن يقوم أبواك، وعسى أن تقوم جواريك فقولك: أن يقوم رفع؛ لأنه فاعل عسى.
فعسى فعلٌ ومجازها ما ذكرت لك. فأما قول سيبويه: إنها تقع في بعض المواضع بمنزلة
لعل مع المضمر فتقول: عساك وعساني، فهو غلطٌ منه؛ لأن الأفعال لا تعمل في المضمر
إلا كما تعمل في المظهر. فإما قوله:
تقول
بنتي: قد أنى إناكا ... يا أبتي علك أو عساكا
وقال
آخر:
ولي
نفسٌ أقول لها إذا ما ... تخالفني: لعلي أو عساني
فأما
تقديره عندنا: أن المفعول مقدم، والفاعل مضمر، كأنه قال: عساك الخير أو الشر،
وكذلك: عساني الحديث، ولكنه حذف؛ لعلم المخاطب به، وجعل الخبر اسماً على قولهم:
عسى الغوير أبؤسا. وكذلك قول الأخفش: وافق ضمير الخفض ضمير الرفع في لولاي، فليس
هذا القول بشيءٍ، ولا قوله: أنا كأنت، ولا أنت كأنا بشيءٍ، ولا يجوز هذا، إنما
يتفق ضمير النصب، وضمير الخفض كاستوائهما في التثنية والجمع، وفي حمل المخفوض الذي
لا يجري على لفظ النصب؛ مثل قولك: مررت بعمر. استوى فيه الخفض، والنصب وأدخلت الخفض
على النصب، كما أدخلت النصب على الخفض، فهذان متواخيان. والرفع بائنٌ منهما. وأما
لولا فنذكر أمرها في بابها إن شاء الله.
ومن
هذه الحروف لعل تقول: لعل زيداً يقوم. ولعل حرف جاء لمعنى مشبه بالفعل كأن معناه التوقع
لمحبوب أو مكروه. وأصله عل واللام زائدة فإذا قلت: لعل زيداً يأتينا بخير، ولعل
عمراً يزورنا.
فإنما
مجاز هذا الكلام من القائل، أنه لا يأمن أن يكون هذا كذا. والخبر يكون اسماً؛
لأنها بمنزلة إن، ويكون فعلاً، وظرفاً؛ كما يكون في إن تقول: لعل زيداً صديقٌ لك، ولعل زيداً في الدار، ولعل
زيداً إن أتيته أعطاك. إذا ذكرت الفعل فهو بغير أن أحسن؛ لأنه خبر ابتداء، وقال
الله عز وجل: " لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً " وقال: " فقولا له
قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى " . فإن قال قائلٌ في الشعر: لعل زيداً أن
يقوم جاز؛ لأن المصدر يدل على الفعل، فمجاز المصدر هاهنا كمجاز الفعل في باب عسى.
قال الشاعر:
لعلك
يوماً أن تلم ملمةٌ ... عليك من اللائي يدعنك أجدعا
ومن
هذه الحروف كاد، وهي للمقاربة، وهي فعل. تقول: كاد العروس يكون أميراً، وكاد
النعام يطير. فأما قول الله عز وجل: " إذا أخرج يده لم يكد يراها " فمعناه - والله
أعلم - لم يرها، ولم يكد، أي: لم يدن من رؤيتها. وكذلك: " من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم "
. فلا تذكر خبرها إلا فعلاً، لأنها لمقاربة الفعل في ذاته. فهي بمنزلة قولك: جعل
يقول، وأخذ يقول، وكرب يقول، إلا أن يضطر شاعر، فإن اضطر جاز له فيها ما جاز في
لعل. قال الشاعر:
قد
كاد من طول البلى أن يمصحا
هذا
بابالمبتدأ المحذوف الخبر استغناءً عنه
وهو
باب لولااعلم أن الاسم الذي بعد لولا يرتفع بالابتداء، وخبره محذوف لما يدل عليه.
وذلك قولك: لولا عبد الله لأكرمتك. ف عبد الله ارتفع بالابتداء، وخبره محذوف.
والتقدير: لولا عبد الله بالحضرة، أو لسبب كذا لأكرمتك. فقولك: لأكرمتك، خبرٌ معلق بحديث لولا. ولولا حرف
يوجب امتناع الفعل لوقوع اسم. تقول: لولا زيد لكان كذا وكذا. فقوله: لكان كذا
وكذا، إنما هو لشيءٍ لم يكن من أجل ما قبله. ولولا إنما هي لو و لا، جعلتا شيئاً
واحداً، وأوقعتا على هذا المعنى. فإن حذفت لا من قولك: لولا انقلب المعنى، فصار الشيء
في لو يجب لوقوع ما قبله. وذلك قولك: لو جاءني زيد لأعطيتك، ولو كان زيد لحرمك. ف
لولا الأصل لا تقع في إلا على اسم. ولو لا تقع إلا على فعل. فإن قدمت الاسم قبل الفعل فيها كان على فعل مضمر،
وذلك كقوله عز وجل: " قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي " . إنما أنتم
رفع بفعل يفسره ما بعده.
وكذلك:
فلو
غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين ميسما
ومثل
ذلك قول العرب: لو ذات سوارٍ لطمتني إنما أراد: لو لطمتني ذات سوارٍ، والصحيح من
روايتهم: لو غير ذات سوار لطمتني وفيه خبر لحاتم. وقال الشاعر:
لو
غيركم علق الزبير بحبله ... أدى الجوار إلى بني العوام
فغيركم
يختار فيها النصب؛ لأن سببها في موضع نصب. وقولهم: لو أنك جئت لأكرمتك، وقد مر
تفسيره في باب إن و أن.
هذا
باب
المقصور
والممدود
فأما
المقصور فكل واو أو ياء وقعت بعد فتحة. وذلك؛ نحو: مغزًى؛ لأنه مفعل. فلما كانت
الواو بعد فتحة، وكانت في موضع حركة انقلبت ألفاً؛ كما تقول: غزا، ورمى فتقلب
الواو والياء ألفاً، ولا تنقلب واحدةٌ منهما في هذا الموضع إلا والفتح قبلها إذا
كانت في موضع حركة. فإن كانت ساكنة الأصل وقبلها فتحةٌ لم تنقلب. وذلك؛ نحو: قول،
وبيع، ولا تنقلب ألفاً؛ لأجل سكونها. فإذا أردت أن تعرف المقصور من الممدود فانظر
إلى نظير الحرف من غير المعتل. فإن كان آخره متحركاً قبله فتحةٌ علمت أن نظيره
مقصور. فمن ذلك: معطًى، ومغزًى؛ لأنه مفعل. فهو بمنزلة مخرج ومكرم، وكذلك:
مستعطًى، ومستغزًى؛ لأنه بمنزلة مستخرج. فعلى هذا فقس جميع ما ورد عليك.
ومن
المقصور أن ترى الفعل على فعل يفعل، والفاعل على فعلٍ، وذلك قولك: فرق يفرق فرقاً،
وحذر يحذر حذراً، وبطر يبطر بطراً وهو بطرٌ وحذرٌ. ونظير هذا من المعتل: هوى يهوى
هوًى؛ لأن المصدر يقع على فعل؛ ألا ترى أنك تقول: الفرق، والحذر، والبطر. وهو
بمنزلة هوى يهوى وهو هوٍ، وطوى يطوى طوًى وهو طوٍ. وما كان مصدراً لفعل يفعل الذي الاسم
منه أفعل أو فعلان. فهو كذلك. أما ما كان الاسم منه أفعل فهو أعمى؛ لأنك تقول: عمي
الرجل فهو أعمى، والعشى؛ لأنك تقول: عشي الرجل وهو أعشى، وكذلك القنا من قنا النف،
لأن الرجل أقنى. وأما فعلان فنحو الصدى، والطوى؛ لأنك تقول: صدي الرجل فهو صديان،
وطوي فهو طيان. فنظير ذلك: عطش فهو عطشان، والمصدر هو العطش، وظمئ فهو ظمآن،
والمصدر الظمأ، وعليه فهو علهان. والمصدر العله. ونظير الأول: عور فهو أعور،
والمصدر العور. وكذلك الحول، والشتر، والصلع، ونحو ذلك. ومن المقصور كل اسم جمعه
أفعالٌ مما أوله مفتوح، أو مضموم، أو مكسور وذلك نحو قولك: أقفاءٌ، وأرجاءٌ يا
فتى؛ لأن الجمع إذا كان على أفعال وجب أن يكون واحده من المفتوح على فعل؛ نحو:
جمل، وأجمال، وقتب وأقتاب، وصنم وأصنام. فإن كان مكسوراً فنحو قولك في معًى:
أمعاءٌ؛ لأنه بمنزلة ضلع وأضلاع. وقد وجب أن يكون واحد الأمعاء معًى مقصور. فأما ندُى
فهو فعلٌ، وجمعه الصحيح أنداء فاعلم؛ وعلى ذلك قال الشاعر:
إذا
سقط الأنداء صينت، وأشعرت ... حبيراً ولم تدرج عليها المعاوز
فأما
قول مرة بن محكان:
في
ليلةٍ من جمادى ذات أندية ... ما يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا
فقد
قيل في تفسيره قولان: قال بعضهم: هو جمعٌ على غير واحد، مجازه مجاز الاسم الموضوع
على غير الجمع، نحو: ملامح، ومذاكير، وليالي؛ لأن ليلة: فعلة، ولا تجمع على ليالي،
ولمحة وذكر لا يجمعان على مفاعل ومفاعيل. وقال بعضهم: إنما أراد جمع ندى، أي: ندى
القوم الذي يقيمون فيه، فيضيفون ويفخرون؛ كما قال الشاعر:
يومان
يوم مقاماتٍ وأنديةٍ ... ويوم سيرٍ إلى الأعداء تأويب
فإنما
تستدل على المقصور بنظائره. ومن المقصور ما كان جمعاً لفُعلة أو فِعلة، نحو: رقية
ورقى، ولحية ولحًى، ورشوة ورشًى، ومدية ومدًى. وقد قالوا: مديةٌ ومدًى؛ لأن نظيره
من غير المعتل: كسرة وكسر، وقطعة وقطع، وظلمة وظلم. فإنما تستدل على المقصور بهذا
وما أشبهه. ومن المقصور كل ما كان مؤنثاً لفعلان؛ نحو غضبان، وعطشان، وسكران؛ لأن
مؤنثه سكرى، وغضبى، وعطشى. ومنه ما كان جمعاً لفعلى؛ لأنه يقع على مثال فعل، وذلك
قولك: الدنيا والدنا، والقصيا والقصى. ومنه ما كان مؤنثاً في أفعل الذي كان معه من
كذا؛ لأنه يكون على مثال فعلى. وذلك قولك: هذا الأكبر، وهذه الكبرى، والأصغر
والصغرى، والأول والأولى؛ لأنك تقول: هذا أصغر منك، وهذا أكبر منك، وهذا أول منك.
ومن المقصور ما لا يقال له: قصر لكذا؛ كما لا يقال: إنما سميت قدم لكذا، وقذال لكذا.
ولكنك تستدل على قصره بما هو على خلافه بنحو ما ذكرناه.
فأما
الممدود فإنه ياءٌ او واوٌ تقع بعد ألف زائدة، أو تقع ألفان للتأنيث فتبدل الثانية
همزةً؛ لأنه إذا التقت ألفان فلا بد من حذف أو تحريك؛ لئلا يلتقي ساكنان، فالحذف
لو وقع هاهنا لعاد الممدود مقصوراً، فحرك لما ذكرت لك. فأما ما كان غير مؤنث،
فهمزته أصلية أو منقلبة من ياءٍ أو واو بعد ألف زائدة. فمن ذلك ما بنيته على فعال؛ نحو: شراب، وقتال،
وحسان، وكرام؛ لأن موضع اللام بعد ألف زائدة. فإن كان من ذوات الواو والياء، أو ما
همزته أصليةٌ؛ نحو: سقاء، وغزاء يا فتى؛ لأنه من سقيت وغزوت، وقولك: قراءٌ يا فتى؛
لأنه من قرأت، فهذا كهذا. ومما يعلم منه أنه ممدود ما كان من هذا الباب مصدراً لأفعلت؛
لأنها تأتي على وزن الإفعال؛ نحو: أخطأت إخطاءً، وأقرأته إقراءً. هذا مما همزته أصلية. ومن ذوات الياء
والواو: أعطيته إعطاءً، وأغزيته إغزاءً. وكذلك كل ما كان مصدراً لاستفعلت؛ نحو:
استقصيت استقصاءً، واستدنيت استدناءً؛ لأنه بمنزلة الاستخراج، والاستضراب. وكذلك
كل ما كان مصدراً لقولك: انفعل، وافتعل؛ لأنه يأتي بمنزلة الانطلاق والاقتدار؛ لأن
ما قبل اللام ألفٌ زائدة؛ نحو: اختفى اختفاءً، وانقضى انقضاءً. وكل ما لم نسمه فقسه
على نظيره من الصحيح. وكل جمع من هذا الباب على أفعلة فواحده ممدود، نحو: رداء
وأردية، وكساء وأكسية، وإناء وآنية، ووعاء وأوعية؛ لآن نظيره حمار وأحمرة، وقبال
وأقبلة. ومن الممدود ما كان جمعاً لفعلة من ذوات الواو والياء، وذلك نحو: فروة
وفراء. ومن قال: جروة قال: جراء فاعلم، وكذلك كوة وكواء. فأما قرية وقرى فليس من
هذا الباب؛ لأن قرًى فعل وليس على فعلة وفعال؛ لأن فعالاً في فعلة هو الباب؛ نحو:
صحفة وصحاف، وقصعة وقصاع، وجفنة وجفان. ومن الممدود كل مصدرٍ مضموم الأول في معنى
الصوت، فمن ذلك الدعاء، والعواء، والرغاء. هذا ممدود؛ لأن نظيره من غير المعتل
النباح، والصراخ، والشجاع. فأما البكاء، فإنه يمد ويقصر. فمن مد فإنما أخرجه مخرج
الصوت، ومن قصره أخرجه مخرج الحزن. وكذلك كل ما كان في معنى الحركة على هذا الوزن؛
لأنه بمنزلة النقاز، والنفاض؛ وقلما تجد المصدر مضموم الأول مقصوراً؛ لأن فعلا
قلما يقع في المصادر.
واعلم
أن من الممدود ما لا يقال له: مد لكذا؛ كما لا تقول: وقع حمار لكذا إلا أنك تستدل
بالنظائر. واعلم أن كل ممدود تثنيه وكان منصرفاً فإن إقرار الهمزة فيه أجود، نحو:
كساءان، ورداءان، وقد يجوز أن تبدل الواو من الهمزة فتقول: كساوان، ورداوان، وليس
بالجيد. فإن قلت: قراوان فهو أقبح؛ لأن الهمزة أصل، وليست منقلبة من ياء أو واو.
وهذا جائز. فإن كان ملحقاً كان أحسن، على أن الهمزة أجود. وذلك: علباوان، وحرباوان؛
لأن الهمزة ملحقة، وليست بأصل، ولا منقلبة من شيءٍ من الأصل. وكذلك النسب: من قال: كساءان قال: كسائي، ومن قال:
كساوان قال: كساوي. فإن كانت الهمزة للتأنيث لم يكن إلا بالواو؛ نحو: حمراوان
وحمراوي.
والمقصور
إذا كان على ثلاثة أحرف ردت الواو والياء في التثنية، تقول: قفوان. فإن كان من
ذوات الياء قلت: رحيان، فردت الياء. فإن زاد على الثلاثة شيئاً - منصرفاً كان أو غير منصرف - لم تقل في تثنيته
إلا بالياء؛ نحو: جبليان، ومغزيان، وحباريان. وكذلك الجمع بالتاء نحو: حباريات،
وحبليات. فأما في النسب فما كان منه على ثلاثة انقلبت ألفه واواً من أي البابين
كان؛ نحو: رحوي، وقفوي. فإن
زاد فله حكم نذكره في باب النسبة إن شاء الله. ونذكر بعد هذا مجاز وقوع الممدود
والمقصور، ليعلم ما سبيل المد والقصر فيهما إن شاء الله؟. أما المقصور فإنما هو
على أحد أمرين: إما أن يكون اسماً ألفه غير زائدة؛ نحو: قفًا، وعصًى، ولهًى،
ومرمًى، ومستعطًى، فهذا كله انقلبت ياوه أو واوه ألفاً لما ذكرت لك. وإما أن تكون
ألفه زائدة لإلحاق أو تأنيث: فالإلحاق؛ نحو: حنبطًى، وعفرنًى، وأرطى. والتأنيث نحو: حبلى، وبشرى، وقرقرى.
فهذه صيغٌ وقعت كما تقع الأسماء التي لا يقال لها مقصورةٌ ولا ممدودة. فما كان مثل
قفا وعصا، فنحو جمل. ومثل مغزًى، وملهًى، مخرج، ومدخل. وما كان نحو: حنبطى فلامه أصل؛ لأن ألف حبنطًى
ملحقة به؛ نحو: جحنفل، وما أشبهه، وكأرطًى الذي هو فعلًى، فألفه ملحقة بجعفر
وسلهب، فألفات هذا الضرب أصلية، وتلك ملحقة بها.
وأما
الممدود فلا يكون إلا وقبل آخره ألفٌ زائدة، ويقع بعدها ألف مبدلة من ياءٍ أو واو،
للتأنيث أو للإلحاق. فأما سقاء وغزاء، فبمنزلة ضراب وقتال. وأما الملحقة فنحو:
حرباء، وعلباء. وفعلاء -
فاعلم
- تلحق بسرداح، وشملال. وفعلاءٌ تلحق؛ نحو: قوباءٍ فاعلم فيمن أسكن الواو، وهو
بمنزلة فسطاط. وأما ما كان للتأنيث فنحو: حمراء، وصفراء، وخنفساء. إنما هي زائدة
بعد زائدة. فهذا تأويل المقصور والممدود.
هذا
باب
الابتداء
وهو
الذي يسميه النحويون الألف واللاماعلم أن هذا الباب عبرةٌ لكل كلام، وهو خبر،
والخبر ما جاز على قائله التصديق والتكذيب. فإذا قلت: قام زيد، فقيل لك: أخبر عن
زيد، فإنما يقول لك: ابن من قام فاعلاً، وألحقه الألف واللام على معنى الذي، واجعل
زيداً خبراً عنه، وضع المضمر موضعه الذي كان فيه في الفعل. فالجواب في ذلك أن
تقول: القائم زيدٌ، فتجعل الألف واللام في معنى الذي، وصلتهما على معنى صلة الذي،
وفي القائم ضمير يرجع إلى الألف واللام، وذلك الضمير فاعلٌ، لأنك وضعته موضع زيد
في الفعل، وزيد خبر الابتداء. وإن شئت قلته ب الذي، فقلت: الذي قام زيدٌ. ف الذي
لا يمتنع منه كلامٌ يخبر عنه البتة. وقولك: الفاعل لا يكون إلا من فعلٍ خاصةً.ولو
قلت: زيدٌ في الدار فقال: أخبر عن زيد بالألف واللام، لم يجز؛ لأنك لم تذكر فعلاً.
فإن قيل لك: أخبر عنه بالذي
قلت: الذي هو في الدار زيد، فجعلت هو ضمير زيد، ورفعت هو في صلة الذي بالابتداء،
وفي الدار خبره، كما كان حيث قلت: زيد هو في الدار، وجعلت هو ترجع إلى الذي. فإن
قال لك أخبر عن الدار في قولك: زيد في الدار، قلت: التي زيد فيها الدار. فالهاء في
قولك فيها مخفوضٌ في موضع الدار؛ لأن الدار في المسألة هاهنا خبر التي، فهذا وجه
الإخبار.
هذا
باب
الفعل
الذي يتعدى الفاعل إلى المفعولوذلك نحو: ضرب عبد الله أخاك، وقتل عبد الله زيداً.
فإن قيل لك: أخبر عن الفاعل في قولك: ضرب عبد الله أخاك. قلت: الضارب أخاك عبد الله، وإن شئت قلت: الذي ضرب أخاك
عبد الله، وفي ضرب اسم عبد الله فاعل؛ كما كان ذلك في قولك: ضرب عبد الله، وهو
العائد إلى الذي حتى صلحت الصلة، وعبد الله خبر الابتداء. فإن قال لك: أخبر عن
المفعول. قلت، الضاربه عبد
الله أخوك. ف الهاء ضمير الأخ، وهي مفعول كما كان مفعولاً وعبد الله فاعل كما كان
في المسألة، وأخوك خبر الابتداء، وهو الألف واللام في الحقيقة؛ لأن كل ما تخبر عنه
ف الذي تقدمه له، وهو خبر الابتداء، وكلاهما تقصد به الذي تخبر عنه في الحقيقة.
فإن قلت: ضرب زيدٌ أخاك في الدار، فقيل لك: أخبر عن الدار قلت: الضارب زيدا أخاك
فيها الدار. وتأويله بالذي: التي ضرب عبد الله أخاك فيها الدار. وقولك: فيها هو
قولك: في الدار في المسألة. وقد مضى من التفسير ما يدل على ما يرد من هذا الباب.
فإن قلت: ضرب عبد الله أخاك
قائماً، فقيل: أخبر عن قائم، فقد سألك محالاً؛ لأن الحال لا تكون إلا نكرة،
والمضمر لا يكون إلا معرفة وكل ما أخبرت عنه فإضماره لا بد منه؛ فالإخبار عن الحال
لا يكون. ولا يخبر عن النعت؛ لأن النعت تحلية. والمضمر لا يكون نعتاً؛ لأنه لا يكون تحلية. ولا
يخبر عن التبيين؛ لأنه لا يكون إلا نكرة. ولا يخبر عن الظروف التي لا تستعمل اسماً؛
لأن الرفع لا يدخلها، وخبر الابتداء لا يكون إلا رفعاً. ولا يخبر عن الأفعال، ولا
عن الحروف التي تقع لمعانٍ؛ لأنها لا يكون لها ضمير. فكل ما كان مما ذكرته فقد أثبت
لك العلة فيه. وكل اسم سوى ذلك فمخبرٌ عنه. ولا يخبر عن كيف، وأين، وما أشبهه؛ لأن
ذلك لا يكون إلا في أول الكلام؛ لأنها للاستفهام. ولا يخبر عن أحد وأخواته.
هذا
باب
الفعل
الذي يتعدى الفاعل إلى مفعولين
ولك
أن تقتصر على أحدهما إن شئت
وذلك
قولك: أعطيت زيداً درهما، وكسوت زيداً ثوبا، وما أشبهه؛ لأنك إن شئت قلت: كسوت زيداً، وأعطيت زيداً، ولم تذكر
المفعول الثاني. فإذا قلت: أعطيت زيداً درهما، فقال لك: أخبر عن زيد، قلت: المعطيه
أنا درهما زيدٌ. فإن قال لك: أخبر عن الدرهم قلت: المعطي أنا زيدا إياه درهمٌ، فهذا أحسن الإخبار أن تجعل
ضمير الدرهم في موضعه؛ لئلا يدخل الكلام لبس وإن لم يكن ذلك في الدرهم، ولكن قد
يقع في موضعه: أعطيت زيدا عمرا، فالوجه أن تقدم الذي أخذ، وقد يجوز: المعطية أنا
زيدا درهم؛ لأن هذا لا يلبس؛ لأن الدرهم ليس مما يأخذ. فإذا دخل الكلام لبسٌ،
فينبغي أن يوضع كل شيءٍ في موضعه. فإن قال لك: أخبر عن نفسك، قلت: المعطي زيداً درهما أنا.
واعلم
أن الفعل يتضمن الضمير، واسم الفاعل لا يتبين ذلك فيه، فإذا جرى على ما هو له لم
يظهر فيه ضمير. وإن جرى لمن ليس هو له خبراً، أو نعتاً، أو حالاً، أو صلة، لم يكن بدٌّ
من إظهار الفاعل؛ ألا ترى أنك تقول: زيد أضربه، وعمرو تضربه. فإن وضعت في موضع
تضربه ضاربه، قلت: زيد ضاربه أنا، وعمرو ضاربه أنت؛ لأن الفعل الذي أظهرت قد جرى
خبراً على غير نفسه. فلذلك لما قال لك في قوله أعطيت زيدا درهما أخبر عن نفسك،
قلت: المعطي زيدا درهما أنا، فلم تظهر بعد المعطي مضمراً؛ لأن الألف واللام لك
والفعل لك فجرى على نفسه. وإن أخبرت عن الدرهم، أو زيدا، أظهرت أنا فقلت: المعطيه
أنا درهما زيد؛ لأن الفعل لك، والألف واللام لزيد، فجرى الفعل على غير من هو له،
وكذلك المعطي أنا زيدا إياه درهم؛ لأن الألف واللام للدرهم، والفعل لك. فإن كان
الذي ظهر الفعل، فلم تحتج إلى المضمر المنفصل. وذلك قولك: - إن أخبرت عن زيد -
الذي أعطيته درهما زيدٌ. فإن أخبرت عن الدرهم قلت: الذي أعطيته زيدا درهمٌ، وإن
وضعت ضمير الدرهم موضعه قلت: الذي أعطيت زيدا إياه درهمٌ.
هذا
باب
الفعل
المتعدي إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما
دون
الآخروتلك الأفعال هي أفعال الشك واليقين؛ نحو: علمت زيداً أخاك، وظننت زيداً ذا
مال، وحسبت زيدا داخلاً دارك، وخلت بكراً أبا عبد الله، وما كان من نحوهن. وإنما
امتنع: ظننت زيداً حتى تذكر المفعول الثاني؛ لأنها ليست أفعالاً وصلت منك إلى
غيرك، إنما هو ابتداء وخبر. فإذا قلت: ظننت زيدا منطلقاً فإنما معناه: زيد منطلق
في ظني، فكما لا بد للابتداء من خبر كذا لا بد من مفعولها الثاني؛ لأنه خبر
الابتداء، وهو الذي تعتمد عليه بالعلم والشك. إذا قلت: ظننت زيداً أخاك، فقال لك:
أخبر عن نفسك، قلت: الظان زيداً أخاك نفسك. فإن قال: أخبر عن زيد، قلت: الظانه أنا
أخاك زيدٌ. فإن قال:
أخبر
عن الأخ، قلت: الظان أنا زيدا إياه أخوك. تضع الضمير في موضع الذي تخبر عنه. فإن
قيل لك: أخبر ب الذي عن نفسك قلت: الذي ظن زيداً أخاك أنا. فإن أخبرت عن زيد قلت: الذي ظننته أخاك زيدٌ. فإن
قيل أخبر عن الأخ، قلت:
الذي
ظننت زيدا إياه أخوك، ويقبح أن تقول: الذي ظننته زيداً أخوك؛ لما يدخل الكلام من
اللبس. ألا ترى أنك إذا قلت: ظننت زيداً أخاك، فإنما يقع الشك في الأخوة. فإن قلت:
ظننت أخاك زيداً، أوقعت الشك في التسمية. وإنما يصلح التقديم والتأخير إذا كان
الكلام موضحاً عن المعنى؛ نحو: ضرب زيدا عمرو؛ لأنك تعلم بالإعراب الفاعل
والمفعول، فإن كان المفعول الثاني مما يصح موضعه إن قدمته فتقديمه حسنٌ؛ نحو قولك:
ظننت في الدار زيدا، وعلمت خلفك زيدا. فإن قال: أخبر عن الدار، قلت: الظان أنا فيها زيدا
الدار. و ب الذي تقول:
التي
ظننت فيها زيدا الدار. وكذلك الخلف. تقول: الظان أنا فيه زيدا خلفك. وإن كان المفعول الثاني فعلاً، نحو: ظننت
زيدا يقوم، لم يجز الإخبار عنه لما ذكرت لك. وكذلك إن كان من الظروف التي لا تحل
محل الأسماء.
هذا
باب
الذي
يتعدى إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد
وذلك:
كان، وصار، وأصبح، وأمسى، وليس، وما كان نحوهن
اعلم
أن هذا الباب إنما معناه: الابتداء والخبر، وإنما دخلت كان؛ لتخبر أن ذلك وقع فيما
مضى، وليس بفعل وصل منك إلى غيرك. وإنما صرفن تصرف الأفعال لقوتهن، وأنك تقول
فيهن: يفعل، وسيفعل، وهو فاعل، ويأتي فيهن جميع أمثلة الفعل. فإذا قلت: كان زيد
أخاك فخبرت عن زيد قلت: الكائن أخاك زيد؛ كما كنت تقول في ضرب. فإن أخبرت عن الأخ
فإن بعض النحويين لا يجيز الإخبار عنه، ويقول: إنما معناه: كان زيد من أمره كذا
وكذا؛ فكما لا يجوز أن تخبر عن قولنا: من أمره كذا وكذا؛ كذلك لا يجوز أن تخبر عما
وضع موضعه. وهذا قولٌ فاسد مردود لا وجه له؛ لأنك إذا قلت: زيد منطلق، فمعناه: زيد
من أمره كذا وكذا. فلو كان يفسد الإخبار هناك لفسد هاهنا. وكذلك باب ظننت وعلمت،
وإن وأخواتها؛ لأن معنى: ظننت زيدا أخاك إنما هو: ظننت زيدا من أمره كذا وكذا، وكذلك:
إن زيدا أخوك إنما هو: إن زيدا من أمره كذا وكذا. فمن زعم أنه لا يجوز الإخبار عن
ذلك لزمه ألا يجيز الإخبار عن شيءٍ من هذا، فإن كان يخبر عن هذا أجمع، ويمتنع لعلة
موجودة في هذا، فقد ناقض. فالإخبار عن المفعول في كان - إذا قلت: كان زيد أخاك -
أن تقول: الكائن زيد إياه أخوك. فهذا الأحسن. وإن قلت: الكائنه زيدٌ أخوك، فحسنٌ،
والأول أجود؛ لما قد ذكرته لك في باب كان من أن الذي يقع بعدها ابتداءٌ وخبر. فإذا
قال: الكائنه، فوصل الضمير ب كان، فقد ذهب في اللفظ ما يقوم مقام الابتداء، وهو في
المعنى موجود فاخترنا الأول؛ لأن له اللفظ والمعنى، وقد قال الشاعر:
فإن
لا يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها
فهذا
جائز، والأحسن ما قال الشاعر:
ليت
هذا الليل شهرٌ ... لا نرى فيه عريبا
ليس
إياي وإيا ... ك ولا نخشى رقيبا
فإن
قلت: كان زيد ضارباٌ
عمرا، فقيل: خبر عن ضارب وحده، لم يجز؛ لأنه عامل في عمرو، وإن قيل: خبر عن عمرو
جاز فقلت: الكائن زيد ضاربه عمرٌو. فإن قيل: خبر عن ضارب عمراً قلت: الكائنه زيد ضاربٌ عمرا،
ولك أن تقول: إياه ضارب عمراً فتقول: الكائن زيد إياه ضاربٌ عمرا. فإن قلت ذلك ب
الذي قلت: الذي كان زيد إياه ضاربٌ عمرا. فإن قلته بالهاء قلت: الذي كان زيد ضاربٌ
عمرا، وتحذف الهاء لطول الاسم، وإن شئت جئت بها فقلت: الذي كانه. فأما إذا قلت: الذي كان زيد إياه، فإن إياه لا يجوز
حذفها؛ لأن المتصل يحذف، كما يحذف ما كان من الاسم في مواضع، وإياه منفصلة فلا
تحذف؛ لأن هذا لا يشبه ذلك. ألا ترى أنك تقول: الذي ضربت زيد، ولا تقول: الذي مررت
زيد؛ لأن الضمير قد فصلته بالباء. فأما ليس فلا يجوز أن تخبر عما عملت فيه بالألف
واللام؛ لأنها ليس فيها يفعل، ولا يبنى منها فاعل، ولكن يخبر بالذي، وذلك قولك:
ليس زيد منطلقاً، وليس زيد إلا قائماً. فإن قيل لك: أخبر عن زيد في قولك: ليس زيد
منطلقا، قلت: الذي ليس منطلقاً زيدٌ. وإن قال: أخبر عن منطلق قلت: الذي ليس زيد
إياه منطلق. وإن قيل: أخبر عن زيد في قولك: ليس زيد إلا قائماً، قلت: الذي ليس إلا
قائماً زيدٌ. وإن قال: أخبر عن قائم قلت: الذي ليس زيد إلا إياه قائم.
وكل
شيء ليس فيه فعل فالإخبار عنه لا يكون إلا بالذي، تقول: زيد أخوك. فإن قيل: أخبر
عن زيد قلت: الذي هو أخوك زيدٌ. وإن قيل: أخبر عن الأخ قلت: الذي زيدٌ هو أخوك.
وتقول: إن زيداً منطلق. فإن قال: أخبر عن زيد قلت: الذي إنه منطلق زيدٌ. فإن قال:
أخبر عن منطلق قلت:
الذي
إن زيداً هو منطلق، فعلى هذا تجري الإخبار. تقول: زيد في الدار. فإن قال: أخبر عن
زيد قلت: الذي هو في الدار زيدٌ. وإن قال: أخبر عن الدار قلت: التي زيدٌ فيها الدار. وتقول: كان زيد حسنا وجهه.
فإن قال: أخبر عن زيد قلت: الكائن حسنا وجهه زيدٌ. فإن قال: أخبر عن حسنا وجهه قلت:
الكائن زيد إياه حسنٌ وجهه. فإن قيل: أخبر عن وجهه لم يجز ذلك؛ وذلك لأنه يضع في
موضع وجهه ضميراً. فإن رجع ذلك الضمير إلى الذي لم يرجع إلى زيد شيءٌ فبطل الكلام.
وإن رجع إلى زيد لم يرجع إلى الذي في صلته شيءٌ. وكذلك: كان زيد أبوه منطلق. إن
قيل: أخبر عن أبيه لم يجز للعلة التي ذكرت لك، ويبين هذا أنك إذا قلت: الذي كان
زيد هو منطلق أبوه، فرددت هو إلى زيد فسد من جهتين: إحداهما: أن هو للأب، وقد جعلتها لزيد. والآخر:
أنك لم تجعل في صلة الذي شيئاً يرجع إليه. فإن قال: أرد هو إلى الذي لم يكن في خبر
زيد ما يرجع إليه. ولكن لو قال: أخبر عن منطلق لقلت: الذي كان زيدٌ أبوه منطلقٌ.
فكانت الهاء في أبيه لزيد، وهو الذي به يصح الكلام. واعتبر هذا بواحدة: وهو أن تضع
في موضع الضمير أجنبياً، فإن صلح جاز الإخبار عنه، وإن امتنع لم يجز؛ ألا ترى أنك
لو قلت: كان زيد حسنا عمرو، وكذلك: كان زيد عمرو منطلق لم يجز. فإن قلت: كان زيد أبوه في داره جاز
الإخبار عن أبيه؛ لأنك لو قلت: كان زيد عمرو في داره لصلح. وإن أخبرت عن أبيه قلت:
الكائن زيدٌ هو في داره أبوه. جعلت هو يرجع إلى الذي؛ لأنه المخبر عنه، وجعلت الهاء التي في داره ترجع إلى
زيد. فكل ما كان من هذا فاعتبره بالأجنبي كما وصفت لك. فهذا بابه، وسنفرد باباً
لمسائله بعد فراغنا منه إن شاء الله.
هذا
باب
الإخبار
عن الظروف والمصادرفأما الظروف فهي: أسماء الزمان والأمكنة. وأما المصادر فهي:
أسماء الأفعال.
اعلم
أن كل ظرف متمكنٍ فالإخبار عنه جائز، وذلك قولك - إذا قال قائل: زيد خلفك - : أخبر عن خلف قلت: الذي زيدٌ فيه خلفك،
فترفعه؛ لأنه اسم، وقد خرج من أن يكون ظرفاً، وإنما يكون ظرفاً إذا تضمن شيئاً؛
نحو: زيدٌ خلفك؛ لأن المعنى: زيدٌ مستقرٌ في هذا الموضع، والخلف مفعول فيه. فإن قلت: خلفك واسعٌ، لم يكن
ظرفا، ورفعت؛ لأنك عنه تخبر. وكذلك: سرت يوم الجمعة، فيوم الجمعة ظرف لسيرك. فإن
قلت: يوم الجمعة مباركٌ، أخبرت عن اليوم؛ كما تخبر عن سائر الأسماء؛ لأنه ليس
بظرف، فهو كقولك: زيد حسنٌ،. وعلى هذا قال الشاعر:
فغدت
كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها
فكل
ظرف يستعمل اسماً فهذا مجازه، وما كان لا يقع إلا ظرفاً فلا يجوز الإخبار عنه؛
لأنه لا يرتفع. وكل ما خبرت عنه فلا بد من رفعه؛ لأنه خبر ابتداءٍ. فمن ذلك عند، لو قلت: زيد عندك، فقال
قائل: أخبر عن قولك عندك لم يجز؛ لأنه كان يلزمك أن تقول: الذي زيد فيه عندك؛ فترفع
ما لا يجوز أن يقع مرفوعاً أبداُ. وكذلك ذات مرة، وسوى، وسواء، وبعيدات بين، وسحر
إذا أردت به سحر يومك وقد مرت العلة في هذه الظروف في مواضعها. وكل ما نصبته نصب
الظروف لم تخبر عنه؛ لأن ناصبه قائم، وإنما تخبر عنه إذا حولته إلى الأسماء. وكذلك
المصادر، كل ما تنصب منها نصب المصدر لم تخبر عنه فإن نصبته نصب الأسماء، فقد حكمت
له بالرفع، والخفض في موضعهما، وجعلته كسائر الأسماء، وذلك قولك: سرت بزيد سيراً، ليس في قولك سيراً إلا ما
كان في قولك: سرت إلا أن تنعته، أو تصيره معرفة، أو تفرده، أو تثنى فتقول: سرت
بزيد سيراً شديداً، أو سيرةً واحدةً، أو سيرتين، أو السير الذي تعلم. فإذا أوقعت
فيه الفائدة فالباب فيه التصرف. وتقول: سير بزيد سيرٌ شديد، وسير بزيد سيرتان. فإن
قلت: سير بزيد سيراً فالنصب الوجه، والرفع بعيد؛ لأنه توكيد، وقد خرج من معاني الأسماء.
قال الله - عز وجل - : " فإذا نفخ في الصور نفخةٌ واحدةٌ " فرفع لما
نعت. فإذا أخبرت عن الصور قلت: المنفوخ فيه نفخةٌ واحدة الصور. وإن أخبرت عن
النفخة قلت: المنفوخة في الصور نفخةٌ واحدةٌ. وتقول: سير بزيد فرسخٌ إذا أقمته
مقام الفاعل. فإن قيل: أخبر عنه، قلت: المسير بزيد فرسخٌ. فإن قيل: أخبر عن زيد قلت: المسير به فرسخٌ زيدٌ.
وإن قلت: سير بزيد فرسخا، فنصبته نصب الظروف، ولم تقمه مقام الفاعل لم يجز الإخبار
عنه. وكذلك سير بزيد يوماً، وسير بزيد سيرا. وكل ما لم تجعله من مصدر، أو ظرف
اسماً فاعلاً أو مفعولاً على السعة لم يجز الإخبار عنه؛ لأن ناصبه معه؛ ألا ترى
أنك إذا قلت: سير بزيد سيرا، فجعلت قولك بزيد تماماً فإنما هو على قولك: يسيرون سيراً.
وإنما يكون الرفع على مثل قولك: سير بزيد يومان، وولد له ستون عاماً. فالمعنى: ولد
لزيد الولد ستين عاماً، وسير به في يومين، وهذا الرفع الذي ذكرناه اتساعٌ. وحقيقة
اللغة غير ذلك. قال الله عز وجل: " بل مكر الليل والنهار " ، وقال
الشاعر:
لقد
لمتنا يا أم غيلان في السرى ... ونمت وما ليل المطي بنائم
وقال:
فنام
ليلي وتقضى همي
وقد
استقصينا هذا في بابه، وإنما نذكر منه شيئاً للإخبار. فمن جعل اليوم ونحوه ظرفاً
قال: اليوم سرت فيه؛ لأنه قد شغل الفعل عنه، فرد إليه ضميره على معناه. ومن جعله
اسماً على الاتساع قال: اليوم سرته؛ كما تقول: زيد ضربته. فمن ذلك قوله:
ويومٍ
شهدناه سليماً وعامراً ... قليلٍ سوى الطعن النهال نوافله
فقال: شهدناه، وإنما أراد: شهدنا فيه على ما
ذكرت لك. فإن قيل: سير بزيد فرسخان يومين فأنت مخير: إن نصبتهما نصب الظروف قلت:
فرسخين يومين. والاختيار: أن تقيم أحدهما مقام الفاعل، وإن نصبت اليومين نصب الظرف
قلت: سير بزيد فرسخان يومين. فإن أخبرت عن الفرسخين قلت: المسيران بزيد يومين
فرسخان. فإن أخبرت عن اليومين، وجعلتهما ظرفاً قلت: المسير بزيد فيهما فرسخان
يومان. وإن جعلتهما اسمين على السعة قلت: المسير هما بزيد فرسخان يومان. فإن جعلت الإخبار
عن الذي، وأخبرت عن الفرسخين قلت: اللذان سيرا بزيد يومين فرسخان. فإن أخبرت عن اليومين، وجعلتهما ظرفاً
قلت: اللذان سير بزيد فيهما فرسخان يومان وإن جعلتهما مفعولين قلت: اللذان سيرهما
بزيد فرسخان يومان، وإنما توحد الفعل لتقدمه. وتقول في الألف واللام: المسيران -
إذا أخبرت عن الفرسخين - لأن الفعل لهما، وهو مردود إلى الألف واللام. وفي اليومين
توحد؛ لأن الألف واللام لهما، والفعل للفرسخين، وأفردته لظهور فاعله بعده. ومثل ذلك
قولك: القائمان أخواك؛ لأنك تريد: اللذان قاما، ثم تقول: القائم أبواهما أخواك؛
لأنك تريد: اللذان قام أبواهما، فتوحد الفعل؛ لظهور فاعله بعده. فإن قدمت الفرسخين
على ما شرطنا في أصل المسألة قلت: الفرسخان المسيران بزيد يومين وإن قدمت اليومين
قلت: اليومان المسير بزيد فيهما فرسخان. إن جعلتهما ظرفاً، وإن جعلتهما مفعولين
قلت: المسير هما بزيد فرسخان. فإن قدمت الفرسخين، واليومين، وجعلت اليومين مفعولين
قلت الفرسخان اليومان المسيراهما بزيدهما. بجعل الفرسخين ابتداءً، واليومان
ابتداءً ثانياً، والمسيراهما ابتداءً ثالثاً؛ لأن الألف واللام للفرسخين؛ فلا يكون
خبراً عن اليومين، وقولك هما ضمير اليومين على أنهما مفعولان. فإن جعلتهما ظرفين
قلت: المسيران فيهما، وقولك هما خبر الألف واللام، والألف، واللام، وخبرها خبر
اليومين، واليومان وما بعدهما خبر الفرسخين. وهذا إذا تأملته في الفاعل، والمفعول
مثل قولك: الرجلان الجارية الضارباهما والتقدير: اللذان ضرباها هما. فإن جعلت
الألف واللام في معنى التي قلت: الضاربها هما؛ لأنك أردت: التي ضربها الرجلان. ف
التي خبرٌ عنها، وقولك هما إظهار الفاعلين؛ لأن الفعل جرى على غر من هو له. فعلى
هذا تجري المسألة في الفرسخين. وتقول: زيد الضاربك أبوه، فإن أخبرت عن زيد قلت: الذي هو
الضاربك أبوه زيدٌ. وإن أخبرت عن الضارب بغير أبيه فقلت: الذي زيد هو أبوه الضاربك
لم يصلح؛ لأنك كنت ترفع أباه بالضرب والضمير لا معنى لفعل فيه؛ فمن هاهنا بطل.
ولكن لو قلت: زيدٌ صاحبه أبوه، على أن تجعل صاحبه ابتداءً، وأباه خبراً جاز فقلت: الذي زيدٌ هو أبوه صاحبه؛ ألا ترى أنك لو
قلت: زيدٌ صاحبه عمرٌو أو زيد عمرو أبوه صلح فاعتبر هذا بالأجنبي؛ كما وصفت لك.
هذا
باب
الإخبار
عن البدلوذلك قولك: مررت برجلٍ زيدٍ. فإن قال لك قائل: أخبر عن زيد فإن فيه اختلافاً.
يقول قوم: الإخبار عنه: أن تخبر عن الرجل، ثم تجعله بدلاً منه، فتقول: المار به
أنا رجل زيد، فتجعله بدلاً؛ كما كان في المسألة. وقال آخرون: إنما الشرط الإخبار
عن البدل لا عن المبدل منه، فإنما تبدل منه في موضعه، فتقول: المار أنا برجل به
زيدٌ ترد الباء؛ لأن ضمير المخفوض لا ينفصل، وردها فيما يجوز انفصاله جائز حسن.
قال الله تبارك وتعالى: " قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا
لمن آمن منهم " ، فوقع البدل برد حرف الجر. وقال الله عز وجل في موضع آخر:
" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً " . فجاء البدل بلا
حرف؛ لأنه ينفصل. فهكذا طريق البدل. فإن قلت: رأيت رجلا زيد، فخبرت عن زيد قلت:
الرائي أنا رجلاً إياه زيدٌ، على هذا القول، وعلى القول الأول: الرائيه أنا رجلٌ
زيدٌ، فعلى هذا فأجر البدل.
هذا
باب
الإخبار
في باب الفعلين المعطوف أحدهما على الآخر
وذلك
قولك: ضربت، وضربني زيد. إذا أعملت الآخر فاللفظ معرًّى من المفعول في الفعل
الأول، وهو في المعنى عامل، وكان في التقدير: ضربت زيداً، وضربني زيدٌ، فحذف، وجعل
ما بعده دالاً عليه. وقد مضى تفسير هذا في بابه. فالعرب تختار إعمال الآخر؛ لأنه
أقرب، وتحذف إذا كان فيما أبقوا دليل على ما ألقوا. قال الله عز وجل: "
والذاكرين الله كثيراً والذاكرات " ، وقال: " والحافظين فروجهم والحافظات " .
فالفعلان فارغان في اللفظ، معملان في المعنى. قال الشاعر:
نحن
بما عندنا وأنت بما ... عندك راضٍ والرأي مختلف
أراد: نحن راضون بما عندنا. فإذا أعملت الأول
قلت: ضربت، وضربني زيدا، فإن قدمت ضربني قلت في إعمال الآخر: ضربني، وضربت زيدا
قدمت الفعل مضمراً فيه الفاعل؛ لأن الفعل لا يخلو من فاعل، والذي بعده تفسيرٌ له،
وهو من المضمر المتقدم على شريطة التفسير. وقد قلنا في هذا في موضعه ما يغني عن
إعادته. وتقول: أعطيت،
وأعطاني زيد درهماً، إذا أعملت الأخير. فإن أعملت الأول قلت: أعطيت وأعطانيه زيدا درهما. تريد: أعطيت زيدا
درهما، وأعطانيه. وإعمال الأول في المسألة الأولى: ضربني، وضربته زيد. تريد: ضربني
زيدٌ، وضربته.
وتقول:
ظنني، وظننت زيدا منطلقاً إياه. لا يكون إلا ذلك؛ لأن ظننت إذا تعدى إلى مفعول لم
يكن من الثاني بدٌّ، فهكذا إعمال الأخير، ولم يجز أن تقول: إياه قبل أن تعطف؛ لأنك لا تضمر المفعول قبل ذكره.
وإنما أضمرت الفاعل قبل فعله اضطراراً؛ لأنه لا يخلو فعلٌ من فاعل. فمن ثم وضعت
إياه مؤخراً لما تقدم ما يرد الضمير إليه، وهو قولك: منطلق. فإن أعملت الأول،
وقدمت ظننت، قلت: ظننت وظننيه زيدا منطلقا. أردت: ظننت زيدا منطلقا، وظننيه، وإن
شئت وظنني إياه. وتقول: ظننت، وظناني منطلقاً أخويك منطلقين، على إعمال الأول، والتقدير:
ظننت أخويك منطلقين، وظناني منطلقا، والضمير لا يكون هاهنا؛ لأن خبر الأخوين
مخالفٌ لما يكون للواحد.وإن أعملت الآخر قلت: ظننت وظنني أخواك منطلقاً. أعملت
الآخر، والأول فارغٌ في اللفظ، وهو في المعنى معمل لدلالة ما بعده عليه. وإنما يجب
إذا تعدى الظن إلى المفعول الأول أن يتصل بالثاني؛ لأن الأول والثاني في محل
الابتداء، وخبره. فالأول مذكورٌ ليرد إليه ما استقر له عند القائل من يقينٍ أو شك.
ألا ترى أن قولك: ظننت زيداً منطلقا إنما وقع الشك في الانطلاق، والتقدير: زيدٌ
منطلق في ظني. وقد مضى هذا مفسراً في أول الكتاب. وإنما ذكرنا هاهنا منه شيئاً
ليصل به الإخبار عنه إن شاء الله. إذا قال القائل: ضربت وضربني زيداً. يريد: ضربت
زيداً وضربني، فإن الإخبار عن التاء في قول جميع النحويين، إلا أن أبا عثمان
المازني يقول في هذا الباب قولاً لم يقله أحدٌ، وقوله صحيحٌ يتبينه من سمعه، ويعلم
أن ما كان اصطلاحاً.
يقول
النحويون: إذا أخبروا عن التاء في ضربت وضربني زيدا: الضارب زيداً والضاربه هو
أنا؛ لأن التقدير: ضربت زيداً وضربني. فلما قلت: الضارب زيداً، كانت الألف واللام
لك، والفعل لك مجرى الفعل صلة لنفسه، فلم يحتج إلى إظهار ما بعده، وقلت: والضاربه
هو؛ لأن الألف واللام لك، والفعل لزيد، فجرى الفعل على غير من هو له، فأظهرت الفاعل.
فإن أخبرت عن زيد قلت: الضاربه أنا، والضاربي زيد. أظهرت نفسك؛ لأن الفعل لك،
والألف واللام لزيد. فإن قلت: ضربت، وضربني زيد، فإن أخبرت عن نفسك قلت: الضارب
زيدا، والضاربه هو أنا، فذكرت زيداً مع الفعل الأول ولم يكن الفعل من قبل الإخبار
عنه متعدياً في اللفظ، فجعلته بمنزلته في المسألة الأولى. فإن أخبرت عن زيد فإن
بين النحويين فيه اختلافاً: يقول قوم: الضاربه أنا، والضاربي زيد، ويقولون: ذكرنا الفعل
غير متعدٍّ، ولا بد أن نعديه في الإخبار عنه؛ ليرجع الضمير إلى الألف واللام، وإلا
لم يكن في صلة الذي ما يرجع إليه. وقال آخرون: تقول: الضارب أنا، والضاربي زيدٌ،
فلا تذكر في الضارب شيئاً. فيقال لهم إن لم تريدوا الهاء فالكلام محالً؛ لأنه لا يرجع
إلى الألف واللام اللتين في معنى الذي شيءٌ. فيقولون: نريدها، ونحن نحذفها. ولا
اختلاف في أن حذفها من صلة الألف واللام رديء جداً، وإن كان يحذف من الذي فقد آل
إلى القول الأول، إلا أنهم حذفوا ما إثباته أجود. فإنما كان حذفها جيداً في الذي إذا قلت: الذي ضربت
زيد، والذي ضرب عبد الله زيدٌ، لأن الذي اسم بنفسه والفعل والفاعل والمفعول، فصار
أربعة أشياء اسماً واحداً، فلم يجز حذف الذي وهو الموصول والمقصود، ولا حذف الفعل
وهو الصلة، ولا حذف الفاعل؛ إذا كان الفعل لا يكون إلا منه، فحذف المفعول استخفافاً؛
لأن الفعل قد يخلو منه وهو في النية، ولولا ذلك لم يكن في الصلة ما يرجع إلى
الموصول. والألف واللام في معنى الذي، وليس محلهما محله؛ لأنهما دخلا على ضارب؛
كما يدخلان على الرجل، إلا أن ضارباً وما أشبهه في معنى الفعل، فصارتا في معنى ما
يوصل بالفعل وهذا مذهب النحويين. وهؤلاء الذين قد حذفوا الهاء قد صاروا إلى حال من
أثبتها، إلا أن إثباتها أجود، وليس محلها في الصلة كمحلها في الفعل؛ لأن الموصول
لا بد من أن يكون وقع في صلته ما يرجع إليه، والفعل المطلق يستغنى فيه عن ذلك،
فيكون المفعول فيه فضلةً: كالحال والظرف والمصدر ونحو ذلك، مما إذا ذكرته زدت في
الفائدة، وإذا حذفته لم تخلل بالكلام؛ لأنك بحذفه مستغنٍ؛ ألا ترى أنك تقول: قام زيد،
فلولا الفاعل لم يستغن الفعل، ولولا الفعل لم يكن للاسم وحده معنى إلا أن يأتي في
مكان الفعل بخبر. فإذا قلت: ضرب عبد الله زيدا، فإن شئت قلت: ضرب عبد الله، فعرفتني أنه قد كان منه ضرب، فصار
بمنزلة: قام عبد الله، إلا أنك تعلم أن الضرب قد تعدى إلى مضروب، وأن قولك: قام لم
يتعد فاعله، فإن قلت: ضرب عبد الله زيدا، أعلمتني من ذلك المفعول؟، وقد علمت أن
ذلك الضرب لا بد من أن يكون في مكانٍ وزمان، فإن قلت: عندك أوضحت المكان، فإن قلت: يوم الجمعة بينت الوقت، وقد علمت أن لك
حالاً، وللمفعول حالاً. فإن قلت: قائماً عرفتني الحال منك أو منه، فإن قلت: قاعداً
أبنت عن خالك أو حاله.
وقد
علمت أن ذلك الضرب إما أن يكون كثيراً وإما قليلاً، وإما شديداً، وإما يسيراً. فإن
قلت: ضرباً شديداً،أو بينت فقلت: عشرين ضربةً، زدت في الفائدة. فإن قلت: لكذا أو من أجل كذا أفدت العلة
التي بسببها وقع الضرب. فكل هذا زيادةٌ في الفوائد، وإن حذفت استغنى الكلام، وليس
الفاعل كذلك. ولو قلت:
وعمرو
حاضر، لزدت في الفائدة كنحو ما ذكرنا. وسنأتي على مسائل من هذا الباب على ما أصله
النحويون، ثم نخبر عن فساد الباب في قولهم، وصحة مذهب أبي عثمان المازني إخباراً
شافياً إن شاء الله. فإن قلت: أعطيت، وأعطانيه زيدا درهما. تريد: أعطيت زيدا
درهما، وأعطانيه قلت: - إذا أخبرت عن نفسك - : المعطي زيدا درهما، والمعطيه هو إياه أنا.
تريد: الذي أعطى زيدا درهما، والذي أعطاه زيدٌ إياه أنا. فقولك والمعطيه الألف
واللام لك، والفعل لزيد؛ فلذلك أظهرت الفاعل، ولم تظهره في الأول؛ أنه مبنًى من
أعطيت فالألف واللام لك، والفعل لك. ولو أخبرت ب الذي لم تحتج إلى أعادته مرتين؛
لأنك تجعل الفعلين في
صلته،
ولا يستقيم ذلك في الألف واللام، فكنت تقول: الذي أعطى زيدا درهما، وأعطاه إياه
أنا؛ فلم تحتج إلى هو؛ لأنك ذكرت الفعل، وإنما تحتاج إليه في اسم الفاعل؛ ألا ترى
أنك تقول: زيد أضربه فلا يحتاج إلى شيءٍ، فإن وضعت موضعه ضاربه قلت: زيد ضاربه
أنا، لأن الفعل يحتمل الضمير المتصل، واسم الفاعل لا يحتمل ذلك إلا أن يجري على
صاحبه، فتقول:
زيد
ضاربك، فلا تحتاج إلى هو؛ لأنه خبر عن صاحب الفعل. فإن أخبرت في المسألة التي
ذكرنا عن زيد قلت: المعطيه أنا درهما، والمعطيه زيد، وإن شئت قلت: والمعطي إياه.
وإن أخبرت عن الدرهم فإن الصواب المختار في ذلك أن تقول: المعطي أنا زيدا إياه،
والمعطي هو إياه درهمٌ. والنحويون يجيزون: المعطيه أنا زيدا، والمعطيه هو درهم. وهذا في
الدرهم يبين لعلم السامع بأنه لا يدفع إليك زيدا ولكن قد يقع في مثل هذه المسألة:
أعطيت زيدا عمرا فيكون عمرو المدفوع. فإن قدمت ضميره صار هو القابض والدافع عند
السامع. فالوجه في هذا وفي كل مسألة يدخلها اللبس أن يقر الشيء في موضعه؛ ليزول
اللبس. وإنما يجوز التقديم
والتأخير فيما لا يشكل. تقول: ضرب زيد عمرا، وضرب زيدا عمرو؛ لأن الإعراب مبين.
فإن قلت: ضرب هذا هذا، أو ضربت الحبلى الحبلى، لم يكن الفاعل إلا المتقدم. وإنما
قلت في الإخبار عن الدرهم: المعطي أنا زيدا إياه؛ والمعطى هو إياه درهم، فأظهرت
ضميرك، وضمير زيد؛ لأن الألف واللام الأوليين للدرهم. وكذلك كل ما أخبرت عنه
فالألف واللام له؛ لأنه خبر، والابتداء شيءٌ هو هو، والفعل لك، فجرى على غير نفسه،
فأظهرت الفاعل والألف واللام الأخيرتان له، لأنهما معطوفتان على الابتداء؛ ليكون
خبراً عنهما جميعاً، والفعل لزيد؛ فلذلك أظهرت ضميره؛ إذ جرى على غير نفسه، وعطف الابتداء
على الابتداء كقولك: القائم والقاعد زيد، وأخوك وصاحبك عبد الله. فإن أخبرت ب الذي لم تحتج إلى إعادتها
مرتين؛ لأن الأفعال يعطف بعضها على بعض في صلة الذي. فإن أخبرت عن نفسك قلت: الذي
أعطى وأعطاه إياه زيدا درهما أنا. جئت بالفعل في الصلة؛ كما كان قبل الإخبار عنه.
يعني من التقديم والتأخير. فإن أخبرت عن زيد قلت: الذي أعطيته درهما. وأعطانيه زيد.
هذا الأحسن أن تقدم الدرهم، لأنه لا بد من تقديم ضمير زيد؛ لأنك إذا قدرت على الضمير
المتصل لم يجز أن تأتي بمنفصل. تقول: ضرب زيد عمرا. فإن كنيت عن عمرو قلت: ضربه
زيد، ولم تقل: ضرب زيد إياه. فإن أخبرت عن الدرهم قلت: الذي أعطيته زيدا، وأعطانيه
درهمٌ، وإن شئت قلت: الذي أعطيت زيدا إياه درهمٌ. والتقدير على ما ذكرت لك فيما يلبس. وفيما لا
يلبس. وتقول: كسوت، وكسواني إياهما أخويك جبتين. فإن أخبرت عن نفسك قلت: الكاسي
أخويك جبتين، والكاسيه هما إياهما أنا. فالمسألة كالمسألة الأولى، إلا أنك أفردت
الفعل في الكاسي؛ لأن الألف واللام لك، والفعل للأخوين. فهو فعلٌ متقدم، وأظهرت
هما، لأنه اسم الفاعلين، ولهذا ذكرنا هذه المسألة. فإن قلت: أعطيت وأعطاني أخواك درهمين،
وكسوت وكساني زيد جبة، فأعلمت الأخير في هذه المسألة، إذا أخبرت عن نفسك قل:
المعطي، والمعطيه أخواك درهمين أنا. فإن أخبرت عن الأخوين فقد مضى القول في حذف
الضمير وإثباته؛ إذ كان من حذف يقدر فيه تقدير من أثبته فيقول: المعطيهما أنا
درهما، والمعطياني إياه أخواك، فيصيران في الإخبار في إعمال الثاني في منزلتهما في
إعمال الأول. فهذا الذي أخبرتك به من قول النحويين وكذلك الإخبار عن الدرهم. تقول:
المعطيه أنا أخويك، والمعطياي إياه درهم، وإن شئت: المعطيانيه. فهذا كما وصفنا.،
ولا يستقيم ذلك في الألف واللام، فكنت تقول: الذي أعطى زيدا درهما، وأعطاه إياه
أنا؛ فلم تحتج إلى هو؛ لأنك ذكرت الفعل، وإنما تحتاج إليه في اسم الفاعل؛ ألا ترى
أنك تقول: زيد أضربه فلا
يحتاج إلى شيءٍ، فإن وضعت موضعه ضاربه قلت: زيد ضاربه أنا، لأن الفعل يحتمل الضمير
المتصل، واسم الفاعل لا يحتمل ذلك إلا أن يجري على صاحبه، فتقول: زيد ضاربك، فلا
تحتاج إلى هو؛ لأنه خبر عن صاحب الفعل. فإن أخبرت في المسألة التي ذكرنا عن زيد
قلت: المعطيه أنا درهما، والمعطيه زيد، وإن شئت قلت: والمعطي إياه. وإن أخبرت عن
الدرهم فإن الصواب المختار في ذلك أن تقول: المعطي أنا زيدا إياه، والمعطي هو إياه
درهمٌ. والنحويون يجيزون: المعطيه أنا زيدا، والمعطيه هو درهم. وهذا في الدرهم
يبين لعلم السامع بأنه لا يدفع إليك زيدا ولكن قد يقع في مثل هذه المسألة: أعطيت
زيدا عمرا فيكون عمرو المدفوع. فإن قدمت ضميره صار هو القابض والدافع عند السامع.
فالوجه في هذا وفي كل مسألة يدخلها اللبس أن يقر الشيء في موضعه؛ ليزول اللبس.
وإنما يجوز التقديم والتأخير فيما لا يشكل. تقول: ضرب زيد عمرا، وضرب زيدا عمرو؛
لأن الإعراب مبين. فإن قلت: ضرب هذا هذا، أو ضربت الحبلى الحبلى، لم يكن الفاعل
إلا المتقدم. وإنما قلت في الإخبار عن الدرهم: المعطي أنا زيدا إياه؛ والمعطى هو
إياه درهم، فأظهرت ضميرك، وضمير زيد؛ لأن الألف واللام الأوليين للدرهم. وكذلك كل
ما أخبرت عنه فالألف واللام له؛ لأنه خبر، والابتداء شيءٌ هو هو، والفعل لك، فجرى
على غير نفسه، فأظهرت الفاعل والألف واللام الأخيرتان له، لأنهما معطوفتان على
الابتداء؛ ليكون خبراً عنهما جميعاً، والفعل لزيد؛ فلذلك أظهرت ضميره؛ إذ جرى على غير
نفسه، وعطف الابتداء على الابتداء كقولك: القائم والقاعد زيد، وأخوك وصاحبك عبد
الله. فإن أخبرت ب الذي لم تحتج إلى إعادتها مرتين؛ لأن الأفعال يعطف بعضها على
بعض في صلة الذي. فإن أخبرت عن نفسك قلت: الذي أعطى وأعطاه إياه زيدا درهما أنا.
جئت بالفعل في الصلة؛ كما كان قبل الإخبار عنه. يعني من التقديم والتأخير. فإن
أخبرت عن زيد قلت: الذي أعطيته درهما. وأعطانيه زيد. هذا الأحسن أن تقدم الدرهم،
لأنه لا بد من تقديم ضمير زيد؛ لأنك إذا قدرت على الضمير المتصل لم يجز أن تأتي
بمنفصل. تقول: ضرب زيد عمرا. فإن كنيت عن عمرو قلت: ضربه زيد، ولم تقل: ضرب زيد
إياه. فإن أخبرت عن الدرهم قلت: الذي أعطيته زيدا، وأعطانيه درهمٌ، وإن شئت قلت:
الذي أعطيت زيدا إياه درهمٌ. والتقدير على ما ذكرت لك فيما يلبس. وفيما لا يلبس.
وتقول: كسوت، وكسواني إياهما أخويك جبتين. فإن أخبرت عن نفسك قلت: الكاسي أخويك
جبتين، والكاسيه هما إياهما أنا. فالمسألة كالمسألة الأولى، إلا أنك أفردت الفعل في
الكاسي؛ لأن الألف واللام لك، والفعل للأخوين. فهو فعلٌ متقدم، وأظهرت هما، لأنه
اسم الفاعلين، ولهذا ذكرنا هذه المسألة. فإن قلت: أعطيت وأعطاني أخواك درهمين،
وكسوت وكساني زيد جبة، فأعلمت الأخير في هذه المسألة، إذا أخبرت عن نفسك قل:
المعطي، والمعطيه أخواك درهمين أنا. فإن أخبرت عن الأخوين فقد مضى القول في حذف
الضمير وإثباته؛ إذ كان من حذف يقدر فيه تقدير من أثبته فيقول: المعطيهما أنا
درهما، والمعطياني إياه أخواك، فيصيران في الإخبار في إعمال الثاني في منزلتهما في
إعمال الأول. فهذا الذي أخبرتك به من قول النحويين وكذلك الإخبار عن الدرهم. تقول:
المعطيه أنا أخويك، والمعطياي إياه درهم، وإن شئت: المعطيانيه. فهذا كما وصفنا.
وتقول
في باب المفعولين اللذين لا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر، وهو باب ظننت
وعلمت، كقولك في هذين المفعولين في إعمال الأول والثاني، وذلك نحو: ظننت، وظنني إياه زيدا ذا مال. فإن أخبرت
عن نفسك قلت: الظان زيدا ذا مال، والظان هو إياه أنا؛ فلا بد من هو؛ لأن الألف
واللام لك، والفعل له. فإن أخبرت عن زيد قلت: الظان أنا ذا مال، والظانيه زيدٌ،
وإن شئت قلت: والظاني إياه. فإن أخبرت عن ذي المال قلت: الظان أنا زيدا إياه،
والظاني هو إياه ذو المال؛ فيظهر ضميرك؛ لأن الفعل لك، والألف واللام الأولى لذي
المال، والألف واللام الثانية لذي المال أيضاً، والفعل لزيد؛ فلذلك أظهرت ضمير زيدا.
فإن أخبرت عن المال لم يجز في اللفظ؛ لأن قولك: ذو لا يضاف إلى المضمر. تقول: هذا
ذو مال، ولا تقول: المال هذا ذوه. فإن جعلت مكانه ما يكون مثله في المعنى نحو
قولك: صاحبه ومالكه صلح. فقلت - إذا أخبرت عن المال - : الظان أنا زيدا صاحبه،
والظاني هو إياه المال. فإن أعملت الثاني فقلت: ظننت، وظنني زيدا منطلقا. فأخبرت
عن نفسك قلت: الظان، والظانه زيدا منطلقا أنا. فإن أخبرت عن زيد قلت: الظانه أنا
منطلقا، والظاني إياه زيدٌ. فلم تحتج إلى هو؛ لأن الألف واللام الثانية والفعل لزيد. فإن أخبرت عن منطلق
قلت: الظان أنا زيدا إياه، والظاني هو إياه منطلق. فهذا على المنهاج الذي ذكرنا في
باب أعطيت. فإن قدمت فقلت: ظنني، وظننت زيدا منطلقا إياه، على إعمال الأخير، خالف
باب أعطيت؛ وذلك أنك تقول: أعطاني، وأعطاني زيد درهما، فلم تعتد بضمير الدرهم، وفي
قولك: ظنني، وظننت زيدا منطلقا، لا بد من إياه؛ وذلك لأنك تقول: أعطيت زيدا، ولا
تذكر المفعول الثاني فيجوز، ولا يجوز ظننت زيدا؛ لأن الشك إنما هو في المفعول
الثاني؛ لأن الثاني خبر الأول، ولا يكون أبداً إلا بخبر، وأضمرت الفاعل مضطراً في
قولك: ظنني قبل ذكره؛ لأنه لا يخلو فعل من فاعلٍ، ولا يضمر المفعول قبل ذكره مضطرا
في قولك: ظنني؛ لأنه مستغنى عنه، فتذكره بعد أن ذكرت الاسم مظهراً حتى يرجع هذا
الضمير إليه؛ فمن ثم قلنا في باب الظن والشك هما المفعولان اللذان لا يقتصر على
أحدهما دون صاحبه. وكذلك: علمت، وعلمني زيد أخاك. فإن قلت: علمني وعلمت، فلا بد من
إياه. تقول: علمني، وعلمت زيدا أخاك إياه. فهذا باب واحد. وكذلك الفعل الذي يتعدى
إلى ثلاثة مفاعيل، ولا يكون في الأفعال ما يتعدى إلى أكثر من ذلك إلا ما كان من
ظرف، أو حال، أو فضلة من الكلام نحوهما. فإنه في الأفعال كلها ما يتعدى منها وما
لم يتعد على طريقة واحدة.
والفعل
المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل قولك: أعلم الله زيدا عمرا خير الناس، فلما، أعلمه ذلك
غيره صار مفعولاً بالإعلام، وما بعده على حاله، فاعتبره بأن تقول: علم زيد أن عمرا
خير الناس، وأعلم الله زيدا أن عمرا خير الناس. وكذلك تقول: رأى عمرو زيداً الظريف. إذا أردت برأيت
معنى علمت، لا رؤية العين. فإن أراه ذلك غيره قلت: أرى عبد الله عمرا زيدا خير
الناس. وكذلك نبأت زيدا عمرا أخاك. فكذا هذه الأفعال. ولا يجوز الاقتصار على بعض مفعولاتها
دون بعض؛ لأن المعنى يبطل العبارة عنه؛ لأن المفعولين ابتداءٌ وخبر. والمفعول
الأول كان فاعلاً، فألزمه ذلك الفعل غيره، وصار كقولك: دخل زيد في الدار، وأدخلته
إياها أنا. فإذا أخبرت عن الفاعل في قولك: أعلم زيد عمرا خالدا أخاك قلت: المعلم
عمرا خالدا أخاك زيد. وإن أخبرت عن عمرو لم يجز عندي إلا أن تقول: المعلم زيدا
إياه خالدا أخاك عمرٌو. فإن أخبرت عن خالد قلت: المعلم زيد عمرا إياه أخاك خالدٌ.
فإن أخبرت عن الأخ قلت: المعلم زيد عمرا خالدا إياه أخوك. فإن لم تفعل هذا. وقلت:
المعلمه في بعض هؤلاء المفعولين، التبس الكلام، إلا أن يكون الذي تقول فيه المعلمه
المفعول الأول. فإن كان كذاك جاز، وإلا لم يفهم. وقد أجازه كثيرٌ من البصريين في المفعولات
كلها، وليس قولهم في هذا شيئاً. فإن أخبرت ب الذي في قولك: أعلم زيد عمرا خالدا
خير الناس قلت - إذا أخبرت عن الفاعل - : الذي أعلم خالدا عمرا خير الناس زيد. وإن
أخبرت عن عمرو في قول من وصل الضمير قلت: الذي أعلم زيدا خالدا خير الناس عمرٌو.
تريد: الذي أعلمه، فحذفت الهاء لطول الاسم؛ كقولك: الذي ضربت زيدٌ، وإن شئت جئت
بها فقلت: الذي أعلمه. وإن فصلت الضمير قلت: الذي أعلم زيدا إياه خالدا خير الناس
عمرٌو، ولا يجوز الحذف على هذا؛ لأن الحذف يصلح في صلة الذي إذا وصلتها بالمفعول
الذي لا ينفصل بنفسه، فيحذف منه، كما يحذف الاسم إذا طال. نحو قولك في اشهيباب:
اشهباب. وفي ميِّت: ميت،
وكذلك صيرورة، وقيدودة. إنما أصل هذه المصادر: فيعلول، فألزمت التخفيف.وإذا انفصل
المضمر تم بنفسه، فلم يجز حذفه؛ ألا ترى أنك تقول: الذي ضربت زيد، ولا تقول: الذي
مررت زيد؛ لانفصال الكناية في الثاني. ولو قلت: الذي ضربت إياه زيدٌ، لم يجز حذف إياه
لانفصاله. فعلى هذا يجري ما ذكرنا.
ثم
نعود إلى تكثير المسائل في باب الفعلين المعطوف أحدهما على الآخر في قول النحويين
المتقدمين، فإذا انقضى أخبرنا بفساده، وبالصواب الذي رآه أبو عثمان وأخبر عنه، ولا
يجوز غيره إن شاء الله. إذا قلت: ضربني وضربت زيدا أضمرت الفاعل في ضربني مضطراً
قبل ذكره؛ لأنه لا يخلو فعل من فاعل، فأخبرت عن زيد على قول النحويين قلت: الضاربي
والضاربه أنا زيدٌ؛ ليكون الفعل غير متعدٍّ: كما كان في الفعل قبل الإخبار. فإن
أخبرت عن المفعول، وهو أنت أيها المتكلم قلت: الضاربه هو، والضارب زيدا أنا، فخرج
من هذا الشرط؛ لأنك عديت الضارب، ولو لم يكن متعدياً في الفعل؛ ألا ترى أنك إذا
قلت: ضربت، وضربني زيد، فأخبرت عن نفسك تقول: الضارب زيدا، والضاربه هو أنا، فتعدى
ضربت في الإخبار ولم يكن متعدياً في الفعل؛ فهذا الذي ذكرت لك من أن النحويين جروا
فيه على الاصطلاح. وإنما الابتداء والخبر كالفعل والفاعل، فحق الكلام أن يؤدى في
الإخبار كما كان قبل؛ فإذا زاد أو نقص فسد الشرط. ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيد،
فقيل لك: أخبر عن زيد، قلت: القائم زيد. وإذا قيل لك أخبر عن الدار في قولك: زيد
في الدار، قلت: التي زيد فيها الدار، فجعلت ضميره كل شيءٍ تخبر عنه في موضعه،
وجعلته خبراً. وتقول في قول النحويين: أعطيت وأعطاني زيد درهما، إذا أخبرت عن نفسك
قلت: المعطى والمعطيه زيدٌ درهما أنا. وإن أخبرت عن زيد قلت: المعطيه أنا درهما، والمعطيه
زيدٌ، وإن شئت والمعطي إياه، فهذا على خلاف الشرط؛ لأنك عديت أعطيت، ولم يكن
متعدياً في الفعل. فإن قلت: أعطاني وأعطيت زيدا درهما - قلت - إذا أخبرت عن زيد: المعطي، والمعطيه أنا درهما
زيد. فإن أخبرت عن نفسك قلت: المعطيه هو درهما، والمعطيه زيدا أنا، وإن شئت:
والمعطي زيدا إياه أنا؛ فهذا على ما ذكرت لك.
وتقول
على هذا الشرط في الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين ولا يقتصر على أحدهما كما قلت في
هذا، لا فصل بينهما إلا أنك في ذلك إذا عديت إلى واحد فلا بد أن تعدي إلى آخر. فإن
أخبرت عن زيد قلت:
الظاني
منطلقا، والظانه أنا إياه زيد. وإن أخبرت عن نفسك قلت: الظانه هو منطلقا، والظان
زيدا إياه أنا. وإن أخبرت عن منطلق على هذه الشريطة التي جرت في قولهم، قلت:
الظاني هو إياه، والظان أنا زيدا إياه منطلقٌ. فهكذا مجرى هذا في كلامهم. وهذه
المسائل تدل على ما بعدها، وتجري على منهاجها فيما ذكرنا من الأفعال مما يتعدى إلى
مفعول وإلى اثنين وإلى ثلاثة، وذلك قولك فيما تعدى إلى ثلاثة مفعولين في إعمال
الأول: أعلمت وأعلمني إياه زيدا عمرا خير الناس، وإن شئت: أعلمت، وأعلمنيه إياه
زيدا عمرا خير الناس. فإن أعملت الآخر قلت: أعلمت، وأعلمني زيد عمرا خير الناس.
وإن أخبرت عن إعمال الأول عن نفسك قلت: المعلم زيدا عمرا خير الناس والمعلمه، هو
إياه إياه أنا؛ فأظهرت هو؛ لأن الألف واللام لك، والفعل لزيد. فإن أخبرت عن زيد
قلت: المعلمة أنا عمرا
خير الناس، والمعلمي هو إياه إياه زيدٌ، وإن شئت قلت: والمعلميه هو إياه زيد. كل ذلك حسنٌ، لأن المفعول
الأول في موضعه. فإن أخبرت عن عمرو قلت: المعلم أنا زيدا إياه خير الناس والمعلمي
هو إياه عمرو؛ فأظهرت أنا وهو؛ لأن الألف واللام لعمرو، والفعل الأول لك، والثاني
لزيد. فلما جرى على غير
نفسه أظهرت الفاعل. فإن أخبرت عن خير الناس قلت: المعلم أنا زيدا عمرا إياه
والمعلمي هو إياه إياه خير الناس، وإن شئت قلت: والمعلميه إلا أن الثاني من المنصوبات إياه، وهو
ضمير خير الناس، ليقع كل واحد من هذه المفعولات في موضعه. فإن وصلته وهو متباعد
التبس ولم يبن موضعه؛ ألا ترى أن قولك: أعلمت زيدا أن زيدا هو الذي عرفته، فإذا
قلت: عمرا خير الناس، فإنما عرفته أن عمرا خير الناس. ولو قدمت لصار المعنى: أن
خير الناس المعروف بذلك هو عمرو، وكان ذلك معلوماً، وصار عمرو الفائدة؛ ألا ترى أنك
إذا قلت: أعطيت زيدا عمرا، أن عمرا المدفوع وزيدا هو المدفوع إليه. فضع هذه الأشياء مواضعها لتعرف معانيها.
وإن أعملت الآخر على قول النحويين قلت: أعلمت، وأعلمني زيد عمرا خير الناس، فخبرت
عن نفسك قلت: المعلم والمعلمه زيد عمرا خير الناس أنا. فقلت المعلم فلم تعده كما
كان في الفعل.
فإن
أخبرت عن زيد قلت على قولهم: المعلمه أنا عمرا خير الناس، والمعلمي إياه إياه
زيدٌ، وإن شئت: والمعلميه إياه زيد؛ فصار إعمال الآخر كإعمال الأول في قولهم وفيما
ذكرنا دليل على جميع الباب.
هذا
باب
الإخبار
في قول أبي عثمان المازني
عن
هذا الباب الذي مضى
إذا
قلت: ضربت، وضربني زيد، فأعملت الآخر فإن الإخبار عنك أن تقول: الضارب أنا،
والضاربي زيدٌ، فتجعل الضارب مبتدأ، وتجعل أنا خبره فيكون الخبر هاهنا كالفاعل
هناك؛ لأن نظير الفعل والفاعل الابتداء والخبر، ويصير قولك الضاربي زيد متعدياً؛
كما كان في الفعل، ويكون جملة معطوفة على جملة كما كانت هناك. فاعتبر هذا فإنه لا
يجوز غيره. فإن قلت: ضربني، وضربت زيدا، فأعلمت الآخر أضمرت الفاعل قبل ذكره على
شريطة التفسير، فأخبرت عن زيد قلت: الضاربي هو، والضاربه أنا زيدٌ. جعلت الضاربي
مبتدأ وعديته؛ كما عديته في قولك: ضربني، وجعلت الخبر هو؛ لأنك احتجت إلى أن يكون
مضمراً على شريطة التفسير؛ كما كان في الفعل. ومما يصحح هذا الباب: أنه ليس شيءٌ
يمتنع من أن يخبر عنه، وليس هكذا يقع في قول النحويين؛ لأنك لو قلت: ظناني منطلقا،
وظننت أخويك منطلقين، فأخبرت عن المضمر في قولك: ظناني لم يجز؛ لأنك كنت تقول في
التقدير: الظاناني منطلقا، والظان أنا أخويك منطلقين هما، فلا يقع في قولك: والظان
أنا أخويك منطلقين شيءٌ يرجع إلى الألف واللام فيبطل؛ لأنه ليس في الصلة ما يرجع
إلى الموصول. وفي قول أبي عثمان إذا أخبرت عنهما قلت: الظاناني منطلقا هما، فتجعل
الخبر هما وهو مضمر، ثم تقول: والظان أخويك منطلقين أنا، فتعطف الجملة على الجملة،
وفي صلة كل واحد منهما ضمير يرجع إليه، وسنذكر من المسائل ما يوضح صحة هذا المذهب
ويبطل ما سواه إن شاء الله. وفي قول النحويين أنك إذا قلت: ضربت، وضربني زيد، فإن
الإخبار عن التاء في ضربت، وعن الياء في ضربني واحد؛ لأنهما يرجعان إلى شيءٍ واحد. وذلك قولك على مذهب النحويين: الضارب،
والضاربه زيد أنا. وهذان - وإن كانا راجعين إلى شيءٍ واحد - فإنما ذلك في المعنى.
فأما اللفظ والموضع فمخالفان له. وفي قول أبي عثمان إن أخبرت عن التاء قلت: الضارب
أنا والضاربي زيدٌ، فتجعل الضارب مبتدأ، وأنا خبره، ولا تعده؛ كما لم يكن في الفعل
متعدياً، وتأتي بالفعل، والفاعل في الإخبار وهو: والضاربي زيد؛ لأن الكلام إنما
كان: ضربت وضربني زيد،
فجعلت الابتداء والخبر كالفعل والفاعل، وجعلت المتعدي متعدياً، والممتنع ممتنعاً.
فإن أخبرت عن الياء في ضربني قلت: الضارب أنا، والضاربه زيد أنا؛ كما كنت قائلاً
إذا أخبرت عن نفسك في قولك: ضربني زيد: الضاربه زيدٌ أنا، لأن قولك: وضربني زيد هو الذي
وصفنا؛ أفلا ترى إلى بيان هذا، واشتماله على كل اسم، وامتناع قول النحويين من بعض
الأسماء؛ لامتناع الصلات من راجع إلى الموصولات. ويقول النحويون: إذا قلت: ظننت،
وظنني أخواك منطلقا، فالتقدير في المعنى: أن يكون ظني بهما كظنهما بي. فإن أخبرت
في قول النحويين عن الأخوين فقلت: الظان أنا، والظانان منطلقا أخواك كان محالاً؛
لأن قولك: الظان أنا الألف واللام للأخوين؛ لأنهما الخبر، وليس في الصلة ما يرجع
إلى الموصول فهذا عندهم محال، وكذلك هو على تقديرهم، ويجيزون في الذي؛ لأنهم لا
يحتاجون إلى تكريرها مرتين، ولكنهم يذكرونها مرة ويعطفون أحد الفعلين على الآخر،
فيرجع الذكر في أحدهما، فيكون كلاماً. والتقدير: اللذان ظننت، وظناني منطلقا أخواك فيصير
الضمير في ظناني يرجع إلى اللذين. والقول في هذه المسألة على قول أبي عثمان وهي:
ظننت، وظنني أخواك منطلقا أن تقول - إذا أخبرت عن نفسك - : الظان أنا، والظانان
منطلقا أخواك، فيصير الألف واللام في الظان لك، وتجعل أنا خبر الابتداء؛ كما كان في
المسألة فاعلاً، ولا تعده؛ لأنه كان هناك غير متعدٍّ، ثم تعطف عليه الجملة على ما
كانت في الفعل. فهذا لا يمتنع منه شيءٌ. فكل ما ورد عليك من هذا الباب فقسه على ما
ذكرت لك تجده مستقيماً إن شاء الله.
هذا
باب
من
الذي والتيألفه النحويون فأدخلوا الذي في صلة الذي وأكثروا في ذلك
وإنما
قياسه قياس قولك: الذي زيد أخوه أبوك، فتصل الذي بالابتداء والخبر، وقولك: أبوك خبر الذي؛ لأنه ابتداءٌ فتقول - إذا
كان الذي غير مبتدأ - : أرأيت الذي أخوه أبوك، فكأنك قلت: رأيت زيدا. وقد أعلمتك
أن الذي يوصل بالفعل والفاعل، وبالابتداء والخبر، والظرف، ولا بد في صلة الذي من
راجع إليه يوضحه. فإذا قلت: رأيت الذي قام، فاسمه في قام، وكذلك: رأيت الذي في
الدار. فإن كان الاستقرار
والقيام لغيره، قلت: رأيت الذي في الدار أبوه، ورأيت الذي قام صاحبه. على ذلك
يجري، كذلك: رأيت الذي إن يأتني آته؛ لأن المجازاة جملة، وفيها ما يرجع إليه. وإذا
وصلت الذي بالذي فلا بد للثاني من صلة وخبر، حتى يكون في صلة الأول ابتداءً،
وخبراً. تقول: الذي الذي في داره زيد أخوك. فقولك الذي ابتداءٌ، والثاني مبتدأٌ في
صلته، وقولك في داره فيه ضميران: مرفوع بالاستقرار، ومخفوض بالإضافة. فالمرفوع
يرجع إلى الذي الثاني، والمخفوض يرجع إلى الأول وزيد خبر الذي الثاني، وأخوك خبر
الذي الأول؛ لأن الثاني صار بصلته، وخبره صلة للأول. فهذا مجرى هذا الباب. وتقول: الذي التي اللذان ضربا جاريتها
أخواك عنده عبد الله. فالذي ابتداءٌ، والتي ابتداءٌ في صلة التي، واللذان ابتداءٌ
في صلة التي، وقولك ضربا جاريتها صلة اللذين، والهاء في جاريتها ترجع إلى التي،
وأخواك خبر اللذين فتمت صلة الذي، وقولك عبد الله خبر الذي. فإن أدخلت على هذا كان
فالكلام على حاله إلا الذي، وعبد الله فإنك جاعل أحدهما اسم كان، والآخر خبره. وتقول: اللذان التي في الدار صاحبتهما
أخواك على ما شرحت لك. فإن قلت الذي التي اللذان الذين التي في الدار جاريتهم
منطلقون إليهما صاحباها أخته. زيدٌ، كان جيداً بالغاً. تجعل الذي مبتدأ، والتي ابتداءً في صلة الذي، واللذان
ابتداءً في صلة التي، والذين ابتداءً في صلة الذين، والتي ابتداءً في صلة الذين،
وقولك في الدار صلة التي وجاريتهم خبر التي، والضمير يرجع إلى الذين، وقد تمت
صلتهم؛ لأن التي وصلتها ابتداءٌ، وجاريتهم خبر ذلك الابتداء. فقد تمت صلة الذين،
وقولك منطلقون إليهما خبر الذين، فقد تمت صلة اللذين، وقولك صاحباها خبر اللذين
فقد تمت صلة التي الأولى، وأخته خبر التي الأولى، والهاء ترجع إلى الذي فقد تمت
صلة الذي، وزيد خبر الذي فقد صح الكلام.
هذا
باب
الإضافة
وهو باب النسباعلم أنك إذا نسبت رجلاً إلى حيٍّ أو بلد أو غير ذلك، ألحقت الاسم
الذي نسبته إليه ياءً شديدة؛ ولم تخففها لئلا يلتبس بياء الإضافة التي هي اسم
المتكلم. وذلك قولك: هذا رجلٌ قيسي، وبكري، وكذلك كل ما نسبته إليه.
واعلم
أن الاسم إذا كانت فيه ياءٌ قبل آخره، وكانت الياء ساكنة، فحذفها جائز؛ لأنها حرف
ميت، وآخر الاسم ينكسر لياء الإضافة، فتجتمع ثلاث ياءات مع الكسرة، فحذفوا الياء
الساكنة لذلك. وسيبويه وأصحابه يقولون: إثباتها هو الوجه. وذلك قولك في النسب إلى سليم:
سلمى، وإلى ثقيف: ثقفي، وإلى قريش: قرشي. وإثباتها كقولك في نمير: نميري، وقشير: قشيري، وعقيل: عقيلي،
وتميم: تميمي. فإن كانت هاء التأنيث في الاسم فالوجه حذف الياء؛ لمل يدخل الهاء من
الحذف والتغيير. وذلك قولك في ربيعة: ربعي، وفي حنيفة: حنفي، وفي جذيمة: جذمي، وفي
ضبيعة: ضبعي. فأما قولهم في الخريبة: خريبي، وفي السليقة: سليقي فهذا بمنزلة الذي
يبلغ به الأصل؛ نحو: لححت عينه، " واستحوذ عليهم الشيطان " . والوجه ما
ذكرت لك. فإن كانت الياء
متحركة لم تحذف. وذلك قولك في حمير: حميري، وفي عثير: عثيري.
هذا
باب
النسب
إلى كل اسم قبل آخره ياء مشددة
واعلم
أنه لا بد من حذف إحدى الياءين؛ لاجتماع الياءات والكسرة. والتي تحذفها المتحركة؛
لأنها لو بقيت للزمها القلب والتغيير. فأما القلب فلانفتاح ما قبلها، وأما التغيير
فلاجتماع الحركات مع الحروف المعتلة. فلو شئت لأسكنت. وذلك قولك في النسب إلى أسيد: أسيدي، وإلى هين:
هيني، وإلى ميت: ميتي. لا يكون إلا ذلك. وقد كان يجوز التخفيف من قبل ياء النسب
استثقالاً للإدغام في حروف اللين، فلما توالت الياءات والكسرة لم يكن إلا التخفيف.
فأما التخفيف الأول فهو قولك في ميت: ميت، وكذلك في سيد: سيد، وفي هين: هين، ولين:
لين. ويلزم التخفيف باب
صيرورة، وقيدودة، وكينونة، لكثرة العدد. ولولا التخفيف لكان كينونة، وصيرورة؛
لأنها فيعلولة. فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكون فعلولة؟ قيل له: لو كانت فعلولة
لخالفت؛ لأن هذا البناء لا يكون إلا مضموم الأول، وكنت تقول: كونونة، وقودودة؛
لأنها من القود، والكون؛ ألا ترى أن ميت لو كان فعل لكان موت؛ لأنه من الواو،
ولكنه محذوف من فيعل. فهذا أمرٌ واضح.
هذا
باب
ما
كان على ثلاثة أحرف مما آخره حرف لينٍ
اعلم
أن ما كان من ذلك على فعلٍ فإن الألف مبدلة من يائه أو واوه. وذلك قولك: رحاً، وقفا،
وعصا. واعلم أن النسب إلى ما كان من الياء كالنسب إلى ما كان من الواو. وذلك أنك
تقلب هذه اللف واواً من أي البابين كانت. تقول في قفا: قفوي، وفي عصا: عصوي، وكذلك حصًى، ورحًى. تقول:
حصوي، ورحوي. وإنما قلبت الألف المنقلبة من الياء واواً؛ لكراهيتك اجتماع الياءات
والكسرات، فصار اللفظ في النسب إلى المقصور الذي على ثلاثة أحرف واحدا. وكذلك إن
كان على فعل؛ نحو: عمٍ، وشقٍ. ذهبت به في النسب إلى فعل فقلت: عموي، وشقوي، وفي النسب
إلى الشجي: شجوي؛ فإنما فعلت ذلك كراهيةً لاجتماع الياءات والكسرات. وأنت في غير المعتل كنت تفعل ذلك كراهيةً
لتوالي الكسرتين والياءين. فهذا هاهنا أوجب. فأما غير المعتل فنحو قولك في النمر:
نمري، وفي شقرة: شقري؛ ألا ترى أنك قد سويت بين فعل، وفعل. فلو كان مكان الكسرة
ضمةٌ لم تغيره؛ لأنه لم يتوال ما تكره. وذلك قولك في سمرة: سمري لا غير. فإن كان
على فعل وفعل جرى مجرى غير المعتل. وذلك أنه يسكن ما قبل آخره، فيقع عليه الإعراب كما
يقع على غير المعتل. وذلك قولك: هذا ظبي، ودلو، ونحي، وجرو فاعلم. على هذا يجري
جميع هذا. فإذا نسبت إليه قلت: ظبي، ونحي، وكذلك إن لحقت شيئاً منه الهاء؛ لأن ياء
النسب تعاقب هاء التأنيث. فكل ما نسبت إليه فالهاء ملغاة منه، فكأنه لم تكن هاءٌ.
ألا ترى أنك تقول في النسب إلى طلحة: طلحي، وإلى حمدة: حمدي. فأما قول يونس في
النسب إلى ظبية: ظبوي فليس بشيءٍ. إنما القول ما ذكرت لك. فإن كانت الياء شديدة
أصلية فإن النسب على ضربين: الأحسن في النسب إلى حية: حيوي. تحرك ما قبل الياء
الثانية؛ لتقلبها ألفاً، فإنها إذا كانت كذلك انقلبت واواً في النسب، وإن تركت على
حالها جاز، وفيه قبحٌ؛ لاجتماع أربع ياءات مع الكسرة. وذلك قولك: حيي. ومن قال:
حيوي قال في النسب إلى لية - وهو المصدر من لويت - : لووي؛ لأنها لوية في الأصل.
فلما زال الإدغام أظهرت الواو. فإن كانت الياء زائدة مثقلة فلا اختلاف في حذفها لياء
النسب. وذلك قولك في النسب إلى بختيٍّ: بختيٌّ فاعلم، وإلى بخاتي: بخاتيٌّ فتصرف؛ لأن الياء الظاهرة ياء
النسب. فإنما وجب حذف هاتين الياءين ليائي الإضافة؛ لأن ياءي الإضافة تعاقب هاء
التأنيث، فتقول في النسب إلى طلحة: طلحي، وإلى حنظلة: حنظلي. وإنما عاقبتها؛ لأنه
يؤتى بها زائدةً في الاسم بعد الفراغ من تمامه، فإنهما يحلان محلاً واحداً. ألا
ترى أنك تقول تمرة، وتمر، وبرة وبر، فلا يكون بين الواحد والجمع إلا الهاء. وتقول
على هذا: زنجي وزنج ورومي، وروم، فلا يكون بينهما إلا الياء المشددة؛ فلذلك حلتا
محلاً واحداً. فلما كانت الهاء تحذف لياء النسب كان حذف الياء لها أوجب؛ لأنك أو
أقررتها كنت تجمع بين أربع ياءات مع العلة التي ذكرنا من مضارعة الهاء. فعلى هذا
فأجر هذا الباب.
هذا
باب
الإضافة
إلى الاسم الذي يكون آخره ياء مشددة
والاخيرة
لام الفعل
اعلم
أنك إذا نسبت إلى شيء من ذلك فإن الوجه أن تحذف من الاسم الياء الخفيفة التي كنت
تحذفها من حنيفة، وثقيف، فإذا فعلت ذلك انقلبت الياء فيها ألفاً، ثم انقلبت واو
ليائى النسبة؛ كما تجب في لامات الفعل.
فمن
ذلك قولك في عدى: عدوى؛ لأنك لما حذفت الياء التي تزيد في فعيل صارت عد. فاعلم على
وزن عم، فذهبت بفعل إلى فعل لما ذكرت لك قبل هذا الباب، فقلت: عدوى؛ كما قلت: عموى.
ومثل
ذلك النسب إلى أمية. تقول: أموي. تحذف ياء التصغير، فيصير كأنك نسيت إلى فعل.
وكذلك
قصى تقول في النسب إليه: قصوى. فعلى ما ذكرت لك فأخر هذا الباب.
هذا
باب
النسب
إلى المضاف من الأسماءاعلم أن الإضافة على ضربين: أحدهما: ما يكون الأول معروفاً
بالثاني؛ نحو قولك: هذه دار عبد الله، وغلام زيد، فإن نسبت إلى شيءٍ من هذا فالوجه
أن تنسب إلى الثاني؛ لأن الأول إنما صار معرفة به. وذلك قولك في ابن الزبير:
زبيري، وفي غلام زيد: زيدي. والوجه الآخر في الإضافة: أن يكون المضاف وقع علما، والمضاف إليه من تمامه،
فالباب النسب إلى الأول، وذلك قولك في عبد القيس: عبدي، وكذلك إن نسبت إلى رجل من
عبد الدر: عبديٌّ، وكذلك إن
نسبت إلى أبي عبد الله بن دارم. وقد تشتق العرب من الاسمين اسماً واحداً لاجتناب
اللبس؛ وكذلك لكثرة ما يقع عبد في أسمائهم مضافاً، فيقولون في النسب إلى عبد
القيس: عبقسي، وإلى عبد الدار: عبدري، وإلى عبد شمس: عبشمي. والوجه ما ذكرت لك
أولاً. وإنما فعل هذا لعلة اللبس.
هذا
بابالإضافة إلى الاسمين اللذين يجعلان اسماً واحداً
اعلم
أنك إذا نسبت إلى اسمين قد جعلا اسماً واحداً فإنما النسب إلى الصدر منهما. وذلك
قولك في النسب إلى بعلبك: بعلي، وإلى حضرموت: حضري، وإلى رام هرمز: رامي. وقد يجوز
أن تشتق منهما اسماً يكون فيه من حروف الاسمين؛ كما فعلت ذلك في الإضافة. والوجه
ما بدأت به لك. وذلك قولك في النسب إلى حضرموت: حضرمي؛ كما قلت في عبد شمس، وعبد
الدار: عبشمي، وعبدري.
هذا
باب
ما
يقع في النسب بزيادة
لما
فيه من المعنى الزائد على معنى النسبوذلك قولك في الرجل تنسبه إلى أنه طويل
اللحية: لحياني، وفي طويل الجمة: جماني، وفي طويل الرقبة: رقباني، وفي كثير الشعر:
شعراني؛ فإنما زدت لما أخبرتك به من المعنى فإن نسبت رجلاً إلى رقبة، أو شعر، أو
جمة قلت: جميٌّ، وشعريٌّ، ورقبيٌّ، لأنك تزيد فيه ما تزيد في النسب إلى زيد، وعمرو.
واعلم
أن أشياء قد نسب إليها على غير القياس للبس مرةً، وللاستثقال أخرى، وللعلاقة أخرى.
والنسب إليها على القياس هو الباب. فمن تلك الأشياء قولهم في النسب إلى زبينة:
زباني. وإنما الوجه زبني؛ كقولك في حنيفة: حنفي، وفي ربيعة: ربعي، ولكنهم أبدلوا
الألف من الياء؛ كما قالوا في بقي: بقا، وفي رضى: رضا. والبدل كثير في الكلام، وهو
مشروحٌ في باب التصريف. ومن ذلك قولهم من النسب إلى الشام، واليمن: يمان يا فتى، وشآمٍ يا فتى، فجعلوا الآلف
بدلاً من إحدى الياءين. والوجه: يمني، وشامي. ومن قال: يماني فهو كالنسب إلى
منسوب، وليس بالوجه. وقالوا في النسب إلى تهامة: تهامي فاعلم، ومن أراد العوض غير،
ففتح التاء، وجعل تهامة على وزن يمن فتقديره: تهم فاعلم، ويقال في النسب إليه
تهامٍ فاعلم.
ففتحة
التاء تبين لك أن الاسم قد غير عن حده. وكل شيءٍ سميته باسمٍ من هذه، فنسبته إليه
لم يكن إلا على القياس. ألا ترى أنك تقول: تقية، وتكأة فتبدل التاء من الواو، ولو
بنيت من هذا شيئاً اسماً لحذفت التاء وردت الواو؛ لأنها الأصل. فالبدل يقع لمعانٍ
في أشياء ترد إلى أصولها، فهذا ما ذكرت لك. وقد قالوا في النسب إلى البصرة: بصري، فالكسر من
أجل الياء، والوجه: بصري، ولو سميت شيئاً البصرة فنسبت إليه لم تقل إلا: بصري وهو
أجود القولين في النسب قبل التسمية. وكذلك قولهم في الذي قد أتى عليه الدهر عليه:
دهري؛ ليفصلوا بينه وبين من يرجو الدهر، ويخافه، والقياس: دهري في جميعها. فكل ما كان
على نحوٍ مما ذكرت لك فالتسمية ترده إلى القياس.
هذا
باب
النسب
فيما كان على أربعة أحرف ورابعه ألف مقصورة
أما
ما كانت ألفه أصلاً، أو ملحقة بالأصل منصرفةً في النكرة فإن الوجه فيه، والحد
إثبات الألف، وقبلها واواً؛ للتحرك الذي يلزمها، وذلك قولك في النسب إلى ملهى:
ملهوي، وإلى معزًى: معزوي، وإلى أرطًى: أرطوي. فإن كانت الألف للتأنيث ففيها ثلاثة
أقاويل: أجودها، وأحقها بالاختيار، وأكثرها، وأصحها، وأشكلها لمنهاج القياس حذف
الألف. فتقول في النسب إلى حبلى: حبلي، وإلى دنيا: دنيي، وكذلك بشرى، وسكرى،
ودفلى، وما أشبه ذلك. ويجوز أن تلحق واواً زائدة، لأنك إذا فعلت ذلك فإنما تخرجه
إلى علامة التأنيث اللازمة له. وذلك قولك دنياوي، ودفلاوي حتى يصير بمنزلة حمراوي،
وصحراوي. فهذا مذهب وليس على الحد، ولكنك وكدته؛ لتحقق منهاج التأنيث. والقول
الثالث: أن تقلب الألف واواً؛ لأن الألف رابعة، فقد صارت في الوزن بمنزلة ما الألف
من أصله. تقول:
حبلوي،
ودفلوي. فمن قال هذا فشبهه بملهًى، ومعزًى أجاز في النسب إلى ما الألف فيه أصلية
الحذف يشبهها بألف التأنيث؛ كما شبه الألف به. تقول: ملهي، ومعزي في النسب إلى
ملهًى، ومعزًى. وهو أردأ الأقاويل؛ لأن الفصل هاهنا لازم؛ إذ كان أحد الألفين
أصلاً، والآخر زائداً.
فإن
كانت الألف خامسة مقصورة فليس فيها إلا الحذف منصرفةً كانت أو غير منصرفة. وذلك
نحو: مرامى، وحبارى، وشكاعى. تقول: مرامي، وحباري. وذلك لأنها كانت تحذف رابعة إذا
كانت للتأنيث، ويجوز مثل ذلك فيها إذا كانت أصلية، فلما زاد العدد لم يكن إلا الحذف،
وكلما ازداد كثرةً كان الحذف أحرى. وكذلك إن كان على أربعة أحرف ثلاثةٌ منها
متحركةٌ لم يكن إلا الحذف، ولم تكن الألف إلا للتأنيث. وذلك نحو: جمزى لأنها لا يكون
فيها مثل لغة من قال: حبلوي؛ لأن الحركة أخرجته عن ذلك؛ كما أخرجت قدماً عن أن
تنصرف، اسم امرأة؛ كما تنصرف هند، ودعد؛ لأنها زادت عليها حركة.
فإن
كان الاسم ممدوداً لم يحذف منه شيءٌ، وانقلبت المدة واواً لأنها حرفٌ حيٌّ فلا
يحذف، ولأنها للتأنيث تنقلب، ولا تكون كحرف الأصل. وذلك قولك في حمراء: حمراوي،
وفي خنفساء: خنفساوي. فإن كان منصرفاً وحروفه أصلٍ فالوجه إقرار الهمزة وذلك قولك
في النسب إلى قراء:
قرائي.
فالهمزة أصلٌ، وفي رداء: ردائيُّ. فالهمزة منقلبة، وحالها كحال تلك. وكذلك الملحقة نحو: علباءٍ، و حرباءٍ، وقد
يجوز القلب في هذا المنصرف؛ نحو: علباوي، وحرباوي. فهو في هذا الحيز أصلح؛ لأن
الهمزة زائدة. ويجوز أيضاً في رداءٍ، وكساءٍ وهو فيهما أجود منه في قراءٍ لأن
الهمزة في رداءٍ، وكساءٍ منقلبة وهو فيه أبعد أن تقول: قراوي.
هذا
باب
النسب
إلى الجماعةاعلم أنك إذا نسبت إلى جماعة فإنما توقع النسب على واحدها. وذلك قولك
في رجلٍ ينسب إلى الفرائض: فرضي؛ لأنك رددته إلى فريضة، فصار كقولك في النسب إلى
حنيفة: حنفي. فهذا هو الباب في النسب إليها. والنسب إلى مساجد: مسجدي، وإلى أكلب: كلبي. وإنما فعل ذلك؛
ليفصل بينها وهي جمعٌ وبينها إذا كانت اسماً لشيءٍ واحد؛ لأنها إذا سمي واحدٌ
بشيءٍ منها كان النسب على اللفظ؛ لأنه قد صار واحداً. وذلك قولك في رجلٍ من بني
كلاب: كلابي. فإن نسبته إلى الضباب قلت: ضبابي. وتقول رجل معافري ومعافر بن مر أخو
تميم. وتقول في النسب إلى
أكلب من خثعم: أكلبي، وكذلك هذا أجمع. ونظير ذلك قولك في النسب إلى المدائن:
مدائني؛ لأنها اسمٌ لبلد واحد. وتقول في رجل من أبناء سعد. أبناوي؛ لأنه قد صار
اسمٌ لهم، ولو قلت ابنائي كان جيداً؛ كما تقول: كسائي وكساوي. فإن نسبت إليه وأنت
تقدر أن كل واحد منهم ابن على حياله، ثم تجمعهم. قلت: ابني وبنوي. أي ذلك قلته
فصوابٌ: لأنه النسب إلى ابن.
هذا
باب
النسب
إلى كل اسم على حرفين
اعلم
أنه ما كان من الأسماء على حرفين فإن رد الحرف الثالث إليه في الجمع بالتاء، أو
التثنية. فالنسبة ترده. لا
يكون إلا ذلك. وذلك قولك في النسب إلى أخت: أخوي؛ لقولك: أخوات، وإلى سنة: سنوي فيمن قال: سنوات. ومن قال:
سانهت، مسنيهة في التحقير قال: سنهي. وفي النسب إلى أب، وأخ: أبوي، وأخوي؛ لقولك:
أبوان، وأخوان، وكذلك هذا الجمع لا يكون غير ما ذكرت لك. وإن لم ترد الحرف الثالث
في تثنية، ولا جمع بالتاء فأنت في النسب مخير: إن شئت رددته، وإن شئت لم تردده.
وذلك قولك في النسب إلى دمٍ: دميٌّ، ودمويٌّ، وفي النسب إلى يدٍ: يدي، ويدوي في قول سيبويه. فأما الأخفش
فبقول: يديٌّ، ويديي، ويقول: أصل يدٍ فعل، فإن رددت ما ذهب رجعت بالحرف إلى أصله.
فهذا قوله في كل هذا.
وسيبويه
وأصحابه يقولون: رددنا إلى حرف قد لزمه الإعراب لجهد الاسم؛ فلا يحذف ما كان يلزمه
قبل الرد. وسيبويه يزعم أن دما فعل في الأصل، وهذا خطأ؛ لأنك تقول: دمي يدمى فهو
دمٍ. فمصدر هذا لا يكون إلا فعل؛ كما تقول: فرق يفرق، والمصدر الفرق، والاسم فرقٌ،
وكذلك الحذر، والبطر، وجميع هذا الباب. ومن الدليل أنه فعلٌ أن الشاعر لما اضطر جاء به
على فعل. قال:
جرى
الدميان بالخبر اليقين
فأما
يدٌ ففعل ساكنة لا اختلاف في ذلك؛ لأن جمعها أيدٍ وأفعل إنما هو جمع فعل؛ نحو:
أكلب، وأفلس، وأفرخ. وغدٌ فعل؛ لأن أصله غدو.
وحق
هذه السماء المحذوفة أن يحكم عليها بسكون الأوسط إلا أن تثبت الحركة؛ لأن الحركة
زيادة؛ فلا تثبت إلا بحجة؛ ألا ترى أن الشاعر لما اضطر إلى الرد رد على الإسكان
فقال:
إن
مع اليوم أخاه غدوا
وقال
الشاعر:
وما
الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدواً بلاقع
وإنما
كانت الإضافة رادةً ما رجع في التثنية والجمع بالتاء وما لم ترده تثنيه ولا جمعٌ
لأن الإضافة أردٌ؛ وذلك أنها مغيرة أواخر الأسماء لا محالة؛ لأن الإعراب عليها
يقع، ولأنه يلزمها الحذف من قولك: أسيدي، وأموي، وحنفي، ونحو ذلك. والتغير في مثل
بصري وما ذكرنا يدل على ما بعده؛ فلذلك كنت راداً في الإضافة ما يرجع في تثنية أو
جمع بالتاء لا محالة، ومخيراً فيما لم يرجع في تثنية ولا جمع.
واعلم
أن كل ما كان من بنات الحرفين فحذفن منه حرفاً مزيداً تجعل عدته ثلاثة فلا بد من
الرد؛ لأنك لما حذفت ما ليس منه لزمك أن ترد ما هو منه؛ إذ كنت قد ترد فيما لا
تحذف منه شيئاً؛ لأنه له في الحقيقة. وذلك قولك في النسب إلى ابن: ابني إذا اتبعت
اللفظ، فإن حذفت ألف الوصل رددت موضع اللام فقلت: بنوي. ولا تقول في أخت إلا أخوي؛
لأن التاء تحذف كما تحذف الهاء في النسب؛ لأنها تلك في الحقيقة. وذلك قولك في
طلحة: طلحي، وفي عمرة: عمري، فإذا حذفت التاء من أخت لم تقل إلا أخوي، وكذلك بنت:
بنوي؛ لأن التاء تذهب. ومن قال: ابنة. قال: ابني على قولك: ابني في ابن. ومن قال في
ابن: بنوي قال في مؤنثه: بنوي. وذلك أن النسب إلى كل مؤنثٍ كالنسب إلى مذكره. تقول
في النسب إلى ضارب: ضاربي، وكذلك هو إلى ضاربة.
هذا
باب ما كان على حرفين مما ذهب منه موضع الفاء
وذلك
قولك: عدة، وزنة؛ لأن الأصل كان وعدة، ووزنة؛ لأنه من وعدت، ووزنت، وكذلك رثة من
قولك: ورثته رثة، وجدة. وكل مصدر على فعلة مما فاؤه واو فهذه سبيله، وقد مضى القول
في حذف هذه الواو في موضعه فإذا نسبت إلى شيءٍ منه لم تغيره؛ لبعده من ياء النسب.
تقول: عدي، وزني. فإن نسبته إلى شيةٍ فلا بد من الرد؛ لأنه على حرفين أحدهما حرف
لين، ولا تكون الأسماء على ذلك. فإنما صلح قبل النسب من أجل هاء التأنيث. فإذا
نسبته إليه حذفت الهاء. وكان سيبويه يقول في النسب إليه: وشوي على أصله؛ لأنه إذا
رد لم يغير الحرف عن حركته. هذا مذهبه، ومذهب الخليل على ما تقدم من قولنا حيث
ذكرنا يدا وقوله فيها: يدوي فيمن رد، وغدوي في غدٍ فيمن رد. وكان أبو الحسن الأخفش
يقول في النسب إليها: وشيي؛ لأنه يقول: إذا رددت ما ذهب من الحرف رددته إلى أصله، وثبتت
الياء لسكون ما قبلها؛ كما تقول في النسب إلى ظبي: ظبيي. وقد مضى ذكر القولين في
موضعه. واعلم أنه من رد في الاسم من ذوات الحرفين الذي لا يرجع منه في تثنية ولا
جمع بالتاء نحو: دموي، ويدوي فإنه لا يرد في عدة؛ لأن الذاهب منه ليس مما تغيره
الإضافة. وكذلك ما ذهب منه موضع العين فغير مردود ولكن مذي فاعلم. فقد شرحت لك أن
ياء الإضافة لا يرد لها ما كان على حرفين إلا موضع اللام؛ لأنها لا تغير غير
اللام. تقول: هذا زيد فاعلم، فإذا نسبت إليه قلت: زيدي، فكسرت الدال من أجل الياء،
ولم تقرها على الإعراب؛ لأن الإعراب في الياء، ولا يكون في اسم إعرابان. فأما قوله:
هما
نفثا في فيَّ من فمويهما ... على النابح العاوي أشد رجام
فإنما
فم أصله: فوه؛ لأنه من تفوهت بكذا، وجمعه أفواه على الأصل، فإذا قلت: هذا فو زيد،
فقد حذفت موضع اللام، ولولا الإضافة لم يصلح اسم على حرفين أحدهما حرف لين. ولكن
ثبت في الإضافة؛ لأنها تمنعه التنوين. وكذلك قولك: هذا ذو مال، فأنت تقول: رأيت فا
زيد، ومررت بفي زيد، فإن أفردت لم يصلح اسم على حرفين أحدهما حرف لين؛ لأن التنوين
يذهب حرف اللين فيبقى الاسم على حرف. فتقول في الإفراد فم فاعلم، فتبدل الميم من الواو؛
لأنهما من مخرج واحد.
وإنما
الميم والباء والواو من الشفة، ثم تهوي إلى الفم،؛ لما فيها من المد واللين، حتى
تنقطع عند مخرج الألف. والميم تهوي في الفم حتى تتصل بالخياشيم؛ لما فيها من
الغنة. والباء لازمة لموضعها. فأما قوله: فمويهما فإنه جعل الواو بدلاً من الهاء
لخفائها للين وأن الهاء خفيةٌ. فمن قال فمان قال في النسب: فمي، وفموي. ومن قال
فموان لم يجز في النسب إلا فموي.
هذا
باب
النسبة
إلى التثنية والجمعاعلم أنك إذا نسبت إلى مثنى حذفت منه الألف والنون، وحذفهما
لأمرين: أحدهما: أنهما زيدا معاً، وقد مضى هذا في باب عطشان وحمراء. والوجه
الثاني: أنه يستحيل النسب إليه وألف التثنية أو ياؤها فيه؛ لأنه يجتمع في الاسم
رفعان، أو نصبان، أو خفضان. فإن أضفت إلى جمع مذكر فهو كذلك. تقول في النسب إلى
مسلمين أو مسلمين: مسلمي، وإلى رجلين: رجلي؛ كما ينسب إلى الواحد، وكما ذكرت لك
قبل الجماعة؛ لتفصل بينها وبين الواحد المسمى بجماعة. وتقول في النسب إلى مسلمات:
مسلمي، فتحذف الألف والتاء؛ كما حذفت الألف والنون، والواو والنون؛ وكما تحذف هاء
التأنيث إذا قلت في طلحة: طلحي.
هذا
باب
ما
يبنى عليه الاسم لمعنى الصناعة
لتدل
من النسب على ما تدل عليه الياءوذلك قولك لصاحب الثياب: ثواب، ولصاحب العطر: عطار، ولصاحب البز: بزاز. وإنما أصل هذا
لتكرير الفعل كقولك: هذا رجلٌ ضراب، ورجلٌ قتال، أي: يكثر هذا منه، وكذلك خياط،
فلما كانت الصناعة كثيرة المعاناة للصنف فعلوا به ذلك. وإن لم يكن منه فعلٌ؛ نحو:
بزاز، وعطار. فإن كان ذا شيءٍ، أي: صاحب شيءٍ بني على فاعل؛ كما بني الأول على
فعال، فقلت: رجل فارس، أي: صاحب
فرس، ورجل دارع، ونابل، وناشب، أي: هذا آلته. قال الشاعر:
وغررتني،
وزعمت أنك لابنٌ بالصيف تامر
فأما
قوله:
وليس
بذي رمحٍ فيطعنني به ... وليس بذي سيفٍ وليس بنبال
فإنه
كان حقه أن يقول: وليس بنابل، ولكنه كثر ذلك منه ومعه.
واعلم
أن قولهم: عيشةٍ راضيةٍ، ورجلٌ طاعمٌ كأسٍ. إنما هو على ذا. معناه: عيشة فيها
رضًا، ورجل له طعام وكسوة. وكذلك همٌّ ناصب. إنما هو: فيه نصب. وكذلك كل مؤنث نعت
بغير هاءٍ؛ نحو: طامث، وحائض، ومئتم، وطالق. فما كان من هذا مبنياً على فعل فهو
كقولك: ضربت فهي ضاربة، وجلست فهي جالسة. قال الله عز وجل: " يوم ترونها تذهل
كل مرضعةٍ عما أرضعت " ، لأنه جاء مبنياً على أرضعت. وما كان على غير فعل
فعلى معنى النسب الذي ذكرت لك. وذلك انك تريد: لها حيض، ومعها طلاق. وتأويله: هي ذات كذا. فأما
قول بعض النحويين: إنما تنزع الهاء من كل مؤنث لا يكون له مذكر، فيحتاج إلى الفصل
فليس بشيء؛ لأنك تقول: رجل عاقر، وامرأة عاقر، وناقة ضامر، وبكر ضامر. وكذلك امرأة
قتول، ورجل قتول، وامرأة معطار، ورجل معطار فهذا على ما وصفت لك. فأما قولهم: بعير عاضهٌ، وبعير حامضٌ فهو على هذا إنما
معناه: أنه معتاد لأكل الحمض ولأكل العضاه. فوقع النسب على معنى قولك: هو كذا،
فهذا بابه.
هذا
باب
المحذوف
والمزيد فيه
وتفسير
ما أوجب ذلك فيهمافمن المحذوف ما يكون حذفه قياساً؛ لأن العلة جارية فيه وذلك ما
كان من باب وعد، ووزن، وقد مضى قولنا في ذلك. ومن ذلك ما كان آخره ألفاً أو ياءً
أو واواً من الأفعال فإن الجزم يذهب هذه الحروف؛ لأن الجزم حذف الأواخر، فإذا
صادفت الحرف متحركاً حذفت الحركة، وإن صادفنه ساكناً كان الحرف هو المحذوف، وبقي
ما قبله على حركته وذلك قولك: لم يغز، ولم يخش، ولم يرم، فإذا وصلت قلت: لم يخش يا
فتى، ولم يرم يا فتى، ولم يغز يا فتى. تدع الحركة على ما كانت عليه، لأنك حذفت الحرف
للجزم فلم يكن لك على الحركة سبيلٌ؛ كما أنك لما حذفت الحركة من يضرب ونحوه لم يكن
لك على الحرف سبيلٌ، فبقي كهيئته. فما كان من حذف لعلة تشمله فذلك جامع لبابه.
ومن
المحذوف ما يحذف استخفافاً من الشيء؛ لأنه لا يكون أصلاً في بابه، ويكون الحرف
الذي في آخره من الحروف التي أمرها الحذف، أو مضارعاً لها. فمن ذلك قولهم: لم أبلن
ولم يك، ولا أدر. أما قولهم: لم يك فإن الحد لم يكن وهو الوجه، أسكنت النون للجزم،
فحذفت الواو لالتقاء الساكنين؛ كما تقول: لم أقل، ولم أبع. فأما من قال: لم أك فإنه لما رأى النون ساكنة،
وكانت مضارعةً للياء والواو بأنها؛ تدغم فيهما، وتزاد حيث تزادان، فتكون للصرف،
كما تكونان للإعراب، وتبدل الألف منهما، كما تبدل منها في قولك: اضربا، إذا أردت
النون الخفيفة، وفي قولك: رأيت زيدا، وتحل محل الواو في قولك: بهراني، وصنعاني،
وتحذف النون الخفيفة؛ كما تحذف الياء والواو لالتقاء الساكنين. وكانت تكون الأصل فيما
مضى وما لم يقع. وذلك قولك: أقام زيد؟ فتقول: قد كان ذاك. وتقول: يقوم زيد، فتقول:
يكون. فكانت العبارة دون غيرها من الأفعال. فقد بانت بعلة ليست في غيرها من أنها
عبارة وترحمة، فحذقت لسكونها استخفافاً؛ فإن تحركت النون لم يجز حذفها. تقول: لم
يك زيد منطلقا، ولا تقول: لم يك الرجل؛ لأنها تتحرك هاهنا لالتقاء الساكنين إذا
قلتك لم يكن الرجل.
وأما
لم أبله فإنه كثر في كلامهم، وكان الأصل في كل مطرح، وكان يقول في الوقف: لم أبال،
فيلتقي ساكنان: الألف، واللام، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين؛ لكثرة هذه الحروف.
ولولا كثرته لم يحذف؛ لأنه يلتقي ساكنان في الوقف. ومنهم من يقول: لم أبله؛ فيحذف الألف؛ لأنها زائدة لما
ذكرت لك من كثرة هذه الحروف. فأما قولهم:
ويهاً
فداءٌ لك يا فضاله ... أجره الرمح ولا تهاله
فإن
حرك اللام لالتقاء الساكنين؛ لأنه قد علم أنه لا بد من حذف، أو تحريك، فكان الباب
هاهنا الحذف، فيقول: لا تهل، ولكن للقافية حرك؛ لأن الحد لا تهال، فتسكن اللام
للجزم، ثم تحذف الألف لالتقاء الساكنين. فهذا حرك اللام من أجل القافية حركة
اعتلال، وحركها بالفتح؛ لفتح ما قبلها ولما منه الفتح وهي اللف؛ كما تقول: عض يا
فتى، وانطلق يا فتى فيمن أسكن، وأدخل الهاء لبيان الحركة. وقولهم: لا أدر رديء.
وإنما كان يقف عليه، فوصله على وقفه، وقياسه قياس سبسباً، وكلكلاً، ونحوهما. وقد
مضى القول في هذا مفسراً في موضع الوقف. فأما ما يزاد في مثل قولهم: أمهات وهي في
الإفراد: أم، وكذلك قولهم: يا أمت، ويا أبت في النداء فإن الهاء في يا أمت، ويا أبت بدلٌ من ياء الإضافة؛
لأنه من قال: يا أبي لا تفعل، ويا أمي لا تفعلي، لم يقل: يا أم، ويا أب، ولكنه
يقول: يا أبة لا تفعل، فيجعل الهاء بدلاً من الياء، ويلزمها الكسر؛ لتدل على
الياء؛ لأن هاء التأنيث لا تكون ساكنة؛ لأنها كاسم ضم إلى اسم. فأما أمهات فالهاء
زائدة؛ لأنها من حروف الزوائد. تزاد لبيان الحركة في غير هذا الموضع فزيدت. ولو
قلت: أمات لكان هذا على الأصل، ولكن أكثر ما يستعمل أمهات في الإنس، وأمات في
البهائم. فكأنها زيدت للفرق، ولو وضع كل واحدة في موضع الأخرى لجاز. ولكن الوجه ما
ذكرت لك. والآخر إنما يجوز في شعر. ترده إلى الأصل فتقول: كل واحدة منهما أم. فما
جاز من زيادة في هذا أو حملٍ على الأصل فهو في الآخر جائز. قال الشاعر:
قوال
معروفٍ، وفعاله ... عقار مثنى أمهات الرباع
واعلم
أن لا أدري، ولم يكن، ولم أبال يا فتى الوجه، والحد والاختيار: الإتمام؛ وإنما
ذكرنا الحذف لما فيه من العلل. فأما باب عدة وزنة، فحذف ذلك الحد والقياس.
والأسماء
التي تنقص من الثلاثة لا يجوز أن ينقص منها شيءٌ إلا ما كانت لامه ياءً أو واواً؛
لأنها تعتل، أو تكون من المضاعف، فتحذف للاستثقال، أو يكون خفياً، فيحذف لخفائه.
وحرف الخفاء هو الهاء. فأما ما حذفت منه الياء الواو فنحو: يدٍ، وأصله: يديٌ.
والمحذوف ياءٌ. يدلك على ذلك قولهم: يديت إليه يدا. وتقول في الجمع أيدي. وكذلك
دمٌ من دميت. فأما ما حذفت الهاء منه فشفة؛ لأنها من شافهت. وكذلك سنة فيمن قال
سنيها، وسانهت، ومن قال: سنية جعل المحذوف واواً من قولك: سنوات. فاعتبر هذا بهذا
الضرب. فإن قلت: مذ قد
حذفت النون منه؛ فإنما ذلك لمضارعتها حروف اللين، وقد ذكرنا دخولها في مداخلهن،
وبيناه تبييناً واضحاً، وذكرنا حروف الزوائد، ومواقع زيادتهن، وبيناه تبييناً يغني
عن إعادته.
هذا
باب
ما
يعرب من الأسماء وما يبنىاعلم أن حق الأسماء أن تعرب جمع وتصرف. فما امتنع منها من
الصرف فلمضارعته الأفعال؛ لأن الصرف إنما هو التنوين، والأفعال لا تنوين فيها ولا خفض،
فمن ثم لا يخفض ما لا ينصرف إلا أن تضيفه أو تدخل عليه ألفاً ولاماً، فتذهب بذلك
عنه شبه الأفعال، فترده إلى أصله؛ لأن الذي كان يوجد فيه ترك الصرف قد زال. وكل ما
لا يعرب من السماء فمضارعٌ به الحروف؛ لأنه لا إعراب فيها. وسنذكر من هذه الأسماء
جملة تدل على جميعها، ونذكر ما ضارعت فيه الحروف؛ لأنا قد أحكمنا باب ما ينصرف وما
لا ينصرف. فمن تلك الأسماء: كم، وأين وكيف، وما، ومتى، وهذا، وهؤلاء، وجميع
المبهمة، ومنها: الذي والتي، ومنها: حيث. واعلم أن الدليل على أن ما ذكرنا أسماءٌ،
وقوعها في مواضع الأسماء، وتأديتها ما يؤديه سائر الأسماء.
أما
من فتكون فاعلة، ومفعولة، وغير ذلك. تقول: جاءني من في الدار، وضربت من في الدار،
وضربت من عنك، ومررت بمن أكرمك. وموقعها في الكلام في ثلاثة مواضع: تكون خبراً
فتكون معرفة إذا وصلت، ونكرة إذا نعتت، وتكون استفهاماً، وجزاءً. وتقول في الاستفهام:
من ضربك؟؛ كما تقول: أزيدٌ ضربك؟ وتقول: من ضربت؟، وبمن مررت؟ كما تقول في زيد.
وكذلك الجزاء. تقول: من يأتك تأته، ف من مرفوعة على تقدير: إن يأتك زيدٌ تأته،
وتقول: من تعط يكرمك على تقدير: زيدا تضرب، وكذلك بمن تمرر أمرر به. فهذا قد أوضح
لك أنها اسم. فأما ما بنيت من أجله، ومنعت الإعراب لمضارعته، فإنها ضارعت في
الجزاء إن التي هي حرف الجزاء، وفي الاستفهام تضارع الألف وهل. فأما في الخبر فلا
يجب أن تعرب، لعلل منها:
وقوعها
في الاستفهام والجزاء، ومنها أنها في الخبر لا تتم إلا بصلة فإنما تمامها صلتها،
والإعراب بأواخر الأسماء. ومن هذه الأسماء أين، وكيف، ومضارعتها لحروف الاستفهام
والجزاء قد وضحت لك، وتحريك آخرها؛ لالتقاء الساكنين، حركت بالفتح للياء التي قبل
أواخرها. فكذلك: حيث في قول من فتح. فأما من ضم آخرها فإنما أجراها مجرى الغايات؛ إذ
كانت غاية، وتفسير هذا في موضعه من هذا الباب إن شاء الله. وكل مبني مسكن آخره إن
ولي حرفاً متحركاً؛ لأن الحركات إنما هي في الأصل للإعراب، فإن سكن ما قبل آخره
فلا بد من تحريك آخره؛ لئلا يلتقي ساكنان. فهذه حال المبنية إلا ما ضارع منها المتمكنة،
أو جعل في موضع لعلة بمنزلة غير المتمكنة، وقد ذكرناه في الكتاب وسنعيده في هذا
الباب، لأنه موضعه.
ومن
المبنيات أمس. تقول: مضى أمس بما فيه، ولقيتك أمس يا فتى. وإنما بني؛ لأنه اسم لا
يخص يوماً بعينه، وقد ضارع الحروف. وذلك أنك إذا قلت: فعلت هذا أمس يا فتى إنما
تعني اليوم الذي يلي يومك، فإذا انتقلت عن يومك انتقل اسم أمس عن ذلك اليوم؛ فإنما
هي بمنزلة من التي لابتداء الغاية فيما وقعت عليه، وتنتقل من شيءٍ إلى شيءٍ، وليس
حد الأسماء إلا لزوم ما وضعت علاماتٍ عليه. وحيث زيدٌ جالسٌ. فحيث انتقل زيد فحيث
منتقل معه. فأما كسر آخر أمس فلالتقاء الساكنين: الميم، والسين. وإنما كان الحد
الكسر لما أذكره لك: وهو أنه إذا كان الساكن الذي تحركه في الفعل كسرته؛ لأنك لو
فتحته لالتبس بالفعل المنصوب، ولو ضممته لالتبس بالفعل المرفوع، فإذا كسرته علم
أنه عارض في الفعل؛ لأن الكسر ليس من إعرابه. وإن كان الساكن الذي تحركه في اسم
كسرته؛ لأنك لو فتحته لالتبس بالمنصوب غير المنصرف، وإن ضممت التبس بالمرفوع غير
المنصرف، فكسرته لئلا يلتبس بالمخفوض؛ إذ كان المخفوض المعرب يلحقه التنوين لا
محالة؛ فلذلك كان الكسر اللازم لالتقاء الساكنين.
فأما
الغايات فمصروفة عن وجهها؛ وذلك أنها مما تقديره الإضافة؛ لأن الإضافة تعرفها
وتحقق أوقاتها، فإذا حذفت منها، وتركت نياتها فيها، كانت مخالفة للباب معرفةً بغير
إضافة، فصرفت عن وجوهها، وكان محلها من الكلام أن يكون نصباً أو خفضاً. فلما عن
مواضعها ألزمت الضم، وكان ذلك دليلاً على تحويلها، وأن موضعها معرفة وإن كانت
نكرةً أو مضافةً، لزمها الإعراب وذلك قولك: جئت قبلك، وبعدك، ومن قبلك، ومن بعدك،
وجئت قبلاً وبعداً، كما تقول أولاً وآخراً. فإن أردت قبل ما تعلم فحذفت المضاف
إليه قلت: جئت قبل وبعد، وجئت من قبل ومن بعد. قال الله عز وجل: " والذين من
قبلهم " و " ومن بعد أن أظفركم عليهم " وكذلك جئت من علو، وصب
عليهم من فوق، ومن تحت يا فتى إذا أردت المعرفة. وكذلك من دون يا فتى.
وحيث
فيمن ضم وهي اللغة الفاشية. والقراءة المختارة " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون
" . فهي غاية، والذي يعرفها ما وقعت عليه من الابتداء والخبر. وإنما حق هذا
وبابه للظروف من الزمان، وحيث ظرف من المكان. ولكن ظروف الزمان دلائل على الأفعال،
والأفعال توضح معانيها. ولو أفردت حيث لم يصح معناها. فأضفتها إلى الفعل والفاعل، والى الابتداء والخبر؛
كما تفعل بظروف الزمان؛ لمضارعتها، ومشاركتها إياها بالإبهام؛ فلذلك تقول: قمت حيث
قمت، وقمت حيث زيدٌ قائم؛ كما تقول: قمت يوم قام زيد، وحين زيدٌ أميرٌ، والغايات
كلها بمنزلة ما ذكرناه.
وأما
ظروف الزمان فإنما كانت بالفعل أولى؛ لأنها إنما بنيت لما مضى منه، ولما لم يأت.
تقول: جئت وذهبت، فيعلم أن هذا فيما مضى من الدهر، وإذا قلت: سأجيء وسأذهب، علم
أنه فيما يستقبل من الدهر، وليس للمكان ما يقع هذا الموضع؛ لأنه ثابت لا يزول،
ومرئي مميز: كزيد، وعمرو.
والزمان
كالفعل: إنما هو مضي الليل والنهار. فإذا قلت: هذا يوم زيد. فمعناه: الذي فعل فيه، أو عرف فيه، أو حدث له فيه
حادث، أو حدث به. فإذا قلت: هذا يوم يخرج زيد، فقد أضفته إلى هذه الجملة، فاتصل
بالفعل لما فيه من شبهه، وأتبعه الفاعل؛ لأنه لا يخلو منه. وهو معرفة؛ لأن قولك:
هذا يوم يخرج زيد: هذا يوم خروج زيد في المعنى، و " هذا يوم لا ينطقون "
: هذا يوم منعهم من النطق. واتصل بالابتداء والخبر، والفعل والفاعل؛ كما يكون ذلك
في إذ. وإذ يقع بعدها الفعل والفاعل، والابتداء والخبر. وإذا لا يقع بعدها إلا الفعل،
نحو: آتك إذا جاء زيد. وكنت في إذ تقول: أتيتك إذ زيدٌ أميرٌ، وأتيتك إذ جاء زيد.
فأما جواز الوجهين في إذ؛ فلأن الابتداء والخبر كالفعل والفاعل؛ لأنهما جملتان.
فأما امتناع الابتداء والخبر من إذا فلأن إذا في معنى الجزاء، والجزاء لا يكون إلا
بالفعل. ألا تراها تحتاج إلى الجواب؛ كما تحتاج حروف الجزاء. تقول: إذا جاء زيد
فأعطه، وإذا جئتني أكرمتك فإن قلت: أكرمك إذا جئتني: فأكرمك في موضع الجواب؛ كما تقول
في حروف الجزاء: أكرمك إذا جئتني. فكل ما كان من أسماء الزمان في معنى إذ فهو مضاف
إلى ما يضاف إليه إذ من الابتداء والخبر، والفعل والفاعل. وما كان في معنى إذا وهو
الذي لم يأت فلا يضاف إلا إلى الفعل إذا كان كذلك. تقول: جئتك يوم زيدٌ أميرٌ، وأتيتك
يوم قام زيد. وتقول في المستقبل: أتيتك يوم يقوم زيد، ولا يجوز: يوم زيدٌ أميرٌ
لما ذكرت لك. قال الله عز وجل: " هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " . وقال: " هذا
يوم لا ينطقون
" .
فأما
إذا التي تقع للمفاجأة فهي التي تسد مسد الخبر، والاسم بعدها مبتدأ وذلك قولك:
جئتك فإذا زيد، وكلمتك فإذا أخوك. وتأويل هذا: جئت، ففاجأني زيد، وكلمتك، ففاجأني
أخوك، وهذه تغني عن الفاء، وتكون جواباً للجزاء؛ نحو: إن تأتني إذا أنا أفرح على
حد قولك: فأنا أفرح. قال الله عز وجل: " وإن تصبهم سيئةٌ بما قدمت أيديهم إذا
هم يقنطون
" فقوله: " إذا هم يقنطون " في موضع: يقنطوا. وقوله: إن تأتني
فلك درهم في موضع إن تأتني أعطك درهما؛ كما أن قوله عز وجل: " سواءٌ عليكم
أدعوتموهم أم أنتم صامتون " في موضع: أم صمتم. فمن جعل حيث مضمومة - وهو أجود
القولين - فإنما ألحقها
بالغايات؛ نحو: من قبل، ومن بعد، ومن عل يا فتى، وابدأ بهذا أول يا فتى، ونحوه.
ومن فتح فللياء التي قبل آخره، وأنه ظرف بمنزلة أين، وكيف. فأما قولهم: يا زيد وما
أشبهه في النداء، فقد مضت العلة فيه في موضعها، والمبنيات كثيرة، وفيما ذكرنا
دليلٌ على ما تركنا. وباب حذام، وتراك، وحلاق، وبداد، ونزال، قد ذكرناه فيما يجري
وما لا يجري.
فأما
ما كان من سوى ذلك في معنى الفعل المأمور به؛ نحو: صه، ومه، وإيه، وإيها، ومهلاً
يا فتى، وما أشبه ذلك فنحن ذاكروه: أما صه، ومه، وقد التي بمعنى حسب، فمبنيات على
السكون لحركة ما قبل أواخرها، وأنها في معنى افعل. وأما إيه يا فتى فحركت الهاء
لالتقاء الساكنين، وترك التنوين؛ لأن الأصوات إذا كانت معرفة لم تنون. قال الشاعر:
وقفنا
فقلنا إيه عن أم سالمٍ ... وما بال تكليم الرسوم البلاقع
ولو
جعله نكرة لقال: إيهٍ يا فتى؛ كما يقول: إيهاً يا فتى: إذا أمرته بالكف، وويها:
إذا أغريته. قال الشاعر:
ويهاً
فداءٌ لكم أمي وما ولدت ... حاموا على مجدكم واكفوا من اتكلا
وكذلك
قولهم: قال الغراب: غاق يا فتى، فإن جعلته نكرة نونت، وكذلك ما كان مثله.
هذا
بابالاسم الذي تلحقه صوتاً أعجمياً
نحو:
عمروية وحمدوية، وما أشبهه، والاختلاف في هيهات، وذية، وذيت، وكية، وكيت
اعلم
أن الاسم الأعجمي الذي يلحق الصدر مجراه مجرى الأصوات، فحقه أن يكون مكسوراً بغير
تنوين ما كان معرفةً. فإن جعلته نكرة نونته على لفظه؛ كما تفعل ذلك بالأصوات، نحو
قولك: إيه يا فتى في المعرفة، وإيهٍ، إذا أردت النكرة، وقال الغراب: غاق، وغاقٍ في
النكرة. وتأويل ترك التنوين فيه: أنه قال الشيء الذي كنت تعرفه به؛ والنكرة إنما
هو قال صوتاً هذا مثاله. فأما الصدر فلا يكون إلا مفتوحاً؛ كقولك: حضرموت يا فتى،
وخمسة عشر، وما يفتح قبل هاء التأنيث؛ نحو: حمدة، وما أشبهها. وذلك الاسم ما كان
نحو: عمروية، وحمدوية؛ كما قال الشاعر:
يا
عمرويه انطلق الرفاق ... مالك لا تبكي ولا تشتاق
وزعم
سيبويه مع التفسير الذي فسرناه أن العرب إذا ضمت عربياً إلى عربيٍّ مما يلزمه
البناء ألزمته أخف الحركات، وهي الفتحة، فقالوا: خمسة عشر يا فتى، وهو جاري بيت يا
فتى، ولقيته كفة كفة، و " يا ابن أم لا تأخذ " وإذا بنوا أعجمياً مع ما
قبله حطوه عن ذلك، فألزموه الكسر،وهذا مطرد في كلامهم. فأما هيهات فتأويلها: في
البعد، وهي ظرف غير متمكن؛ لإبهامها، ولأنها بمنزلة الأصوات. فمنهم من يجعلها
واحدا كقولك: علقاة فيقول: " هيهات هيهات لما توعدون " فمن قال ذلك
فالوقف عنده هيهاه وترك التنوين للبناء. ومنهم من يجعلها جمعاً كبيضات فيقول:
" هيهات هيهات لما توعدون " وإذا وقف على هذا القول وقف بالتاء، والكسرة
إذا أردت الجمع للبناء كالفتحة إذا أردت الواحد. ومن جعلها نكرة في الجميع نون فقال: هيهاتٍ يا
فتى. وقال قوم: بل نون وهي معرفة؛ لأن التنوين في تاء الجمع في موضع النون من
مسلمين. قال: والدليل على ذلك أن معناه في البعد كمعناه، فلو جاز أن تنكره وهو جمع
لجاز أن تنكره وهو واحد، وهذا قول قوي. وينشد هذا البيت على وجهين، قال:
ها
أنذا آمل الحياة وقد ... أدرك عقلي ومولدي حجرا
أبا
امرئ القيس،هل سمعت به؟ ... هيهات هيهات طال ذا عمرا
بعضٌ
يفتح وبعضٌ يكسر.
فأما
ذيت وذيت، وذية فإنما هي كنايات عن الخبر؛ كما يكنى عن الاسم المعروف بفلان، وعن
العدد بأن يقول: كذا وكذا. ولم يوضع على الإفراد؛ فلذلك بنيت، والتاء متحركة
بالفتح؛ لالتقاء الساكنين من حيث حركت آخر أين، وكيف، وما أشبه ذلك. وكل اسمين
أزيلا فحكمهما إذا بنيا كذلك؛ نحو: لقيته كفة كفة، وبيت بيت. فقد تجوز فيهما
الإضافة وترك البناء للمعنى. وذلك أن معنى كفة كفة: كفةً لكفة، أي: قابلت صفحة
صفحة. فيجوز أن تقول: لقيته كفة كفةٍ يا فتى. وكذلك هو جاري بيت بيتٍ يا فتى؛ لأن
المعنى: بيته إلى بيتي. فعلى ما ذكرت لك تصلح الإضافة، وتمتنع. فأما شغر بغر
فاسمان ليس في أحدهما معنى الإضافة إلى الآخر؛ فلذلك لم يكن فيهما وفيما أشبههما
إلا البناء. وفيما ذكرت لك من المبنيات ما يدل على جميعها إن شاء الله.
هذا
باب
الأسماء
واختلاف مخارجهااعلم أن الأسماء تقع على ضروب: فمنها ما يقع للفصل غير مشتق، وذلك
نحو: حجر، وجبل، وكل ما كان مثل هذا فهذا سبيله، وهو نكرة لا يعرف بالاسم منه إلا
أنه واحد من جنس. ومن الأسماء ما يكون مشتقاً نعتاً، ومشتقاً غير نعت. فأما النعت
فمثل: الطويل، والقصير، والصغير، والعاقل، والأحمق، فهذه كلها نعوتٌ جارية على
أفعالها: لأن معنى الجاهل: المعروف بأنه يجهل، والطويل: المعروف بأنه طال. فكل ما
كان من هذا فعلاً له أو فعلاً فيه فقد صار حلية له.
والأسماء
المشتقة غير النعوت مثل:
حنيفة؛
وإنما اشتقاقه من الحنيف، وأصله المخالف في هيئته. يقال: رجل أحنف لما في رجليه،
ودين حنيف، أي: مخالف لخطأ الأديان. ولو كان على الفعل فكان من تحنف لكان الفاعل
متحنفاً. وكذلك مضر إنما هو مشتق من قولك: مضر اللبن، إذا حمض. كما أن عيلان من
العيلة، وقحطان من القحط، وليست على أفعالها. ومن الأسماء المبهمة، وهي التي تقع
للإشارة، ولا تخص شيئاً دون شيءٍ، وهي: هذا، وهذاك، وأولئك، وهؤلاء ونحوه. ومن السماء
الأعلام، وإنما هي ألقاب محدثة؛ نحو: زيد، وعمرو. ومن الأسماء المضمرة، وهي التي
لا تكون إلا بعد ذكر، نحو: الهاء في به، والواو في فعلوا، والألف في فعلا. فأنكر
الأسماء قول القائل: شيء؛ لأنه مبهم في الأشياء كلها. فإن قلت جسم فهو نكرة، وهو أخص
من شيءٍ؛ كما أن حيواناً أخص من جسم، وإنساناً أخص من حيوان، ورجلاً أخص من إنسان.
والمعرفة: ما وضع على شيءٍ دون ما كان مثله، نحو: زيد وعبد الله فإن أشكل زيد من
زيد فرقت بينهما الصلة. وقد ذكرنا هذا مفسراً في باب المعرفة والنكرة.
هذا
باب
مخارج
الأفعال
واختلاف
أحوالها وهي عشرة أنحاءفمنها: الفعل الحقيقي الذي لا يتعدى الفاعل إلى مفعوله، وهو
قولك: قام زيد، وجلس
عمرو، وتكلم خالد. فكل هذا وما كان مثله غير متعدٍّ. وكل فعل تعدى أو لم يتعد فهو
متعدٍّ إلى اسم الزمان، واسم المكان والمصدر، والحال، وذلك قولك: قام عبد الله
ضاحكاً يوم الجمعة عندك قياماً حسناً؛ وذلك أن فيه دليلاً على هذه الأشياء. فقولك:
قام زيد بمنزلة قولك: أحدث قياماً، وتعلم أن ذلك فيما مضى من الدهر، وأن للحدث
مكاناً، وأنه كان على هيئة. وكذلك إن قلت: قام عبد الله ابتغاء الخير، فجئت بالعلة التي لها وقع القيام.
وكل ما كان فعله على فعل فغير متعدٍّ؛ لأنه لانتقال الفاعل إلى حال عن حال؛ فلا
معنى للتعدي؛ وذلك قولك: كرم زيد، وشرف عبد الله. والتقدير: ما كان كريماً ولقد كرم، وما كان شريفاً وقد شرف،
فهذا نحو من الفعل. ونحوٌ آخر لا يتعدى الفعل فيه الفاعل، وهو للفاعل على وجه
الاستعارة. ويقع على ضربين: أحدهما: سقط الحائط، وطال عبد الله، وأنت تعلم أنهما
لم يفعلا على الحقيقة شيئاً. فهذا ضربٌ. والضرب الثاني الذي يسميه النحويون فعل المطاوعة.
وذلك قولك: كسرتهفانكسر، وشويته فانشوى، وقطعته فانقطع، وإنما هذا ما أشبهه على
أنك بلغت فيه ما أردت، وانتهيت منه إلى ما أحببت؛ لا أن له فعلاً. ومن الأفعال ما
يتعدى الفاعل إلى مفعول واحد وفعله واصل مؤثر كقولك: ضربت زيدا، وكسرت الشيء يا
فتى. فأما المصدر، والحالات، والظروف، فلا يمتنع منها فعلٌ البتة. ومن هذه
المتعدية إلى مفعول ما يكون غير واصل، نحو: ذكرت زيدا، وشتمت عمرا، وأضحكت خالدا.
فهذا نوع آخر.
ومن
الأفعال ما يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما. وذلك قولك: أعطيت زيدا
درهما، وكسوت زيدا ثوبا، وألبست زيدا جبة. ومنها ما يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن
تقتصر على أحدهما وذلك نحو: ظننت زيدا أخاك، وحسبت زيدا ذا الحفاظ، وخلت عبد الله
يقوم في حاجتك. والفصل بين هذا والأول أن الأول فعل حقيقي يقع مفعولاه مختلفين.
تقول: أعطيت زيدا، فتخبر أنه كان منك عطاءٌ، وإن شئت أن تذكره بعد ذكرته. فأما
قولك: ظننت زيدا فلا يستقيم؛ لأن الشك إنما وقع في المفعول الثاني. فالثاني خبر عن
الأول، والتقدير: زيد منطلق في طني، إلا أن تريد بظننت: اتهمت. فهذا من غير هذا
الباب، وكذلك: إذا أردت بعلمت: عرفت. فهو من باب ما يتعدى إلى مفعول؛ كما قال عز
وجل: " لا تعلمونهم الله يعلمهم " إنما هو: لا تعرفونهم الله يعرفهم.
وكذلك: " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت " . ومن هذه الأفعال ما
يتعدى إلى ثلاثة مفعولين، وهو من باب الفعل المتعدي إلى مفعولين، ولكنك جعلت
الفاعل في ذلك الفعل مفعولاً بأنه كان يعلم، فجعل غيره أعلمه، فيقول: أعلم الله
زيدا عمرا خير الناس، ونبأتك عبد الله صاحب ذلك. فما كان من هذا فهذا سبيله. ومنها
ما يتعدى إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيءٍ واحد، وليست أفعالاً حقيقية،
ولكنها في وزن الأفعال، ودخلت لمعانٍ على الابتداء والخبر؛ كما أن مفعولي ظننت
إنما هما ابتداءٌ وخبر. وذلك قولك: كان زيد أخاك، وأمسى عبد الله ظريفاً يا فتى.
وكذلك ليس، ومازال، ومادام، فهذه ثمانية أفعال متصرفة.
ومنها
فعل التعجب وهو غير متصرف؛ لأنه وقع لمعنى، فمتى صرف زال المعنى. وكذلك كل شيءٍ
دخله معنى من غير أصله على لفظ فهو يلزم ذلك اللفظ لذلك المعنى، وهو قولك: ما أحسن
زيدا؛ وما أظرف أخاك. وقد مضى تفسيره في بابه وهو فعل صحيح.
والعاشر: ما أجري مجرى الفعل وليس بفعل، ولكنه يشبه
الفعل بلفظ، أو معنى. فأما ما أشبه الفعل فدل على معناه مثل دلالته ف ما النافية،
وما أشبهها. تقول: ما زيد منطلقا؛ لأن المعنى: ليس زيد منطلقا، وما أشبهه في
اللفظ، ودخل على الابتداء والخبر دخول كان، وإن وأخواتهما. وقد ذكرنا الحجج في بابها.
هذا
باب
الصلة
والموصول في مسائله
فأما
أصوله فقد ذكرناها
تقول: رأيت الذي أبوه منطلق. ف الذي مرئي، وأبوه
منطلق صلته. فإن قلت: رأيت الذي اللذان أبواهما منطلقان. لم يجز؛ لأن قولك:
أبواهما منطلقان صلة للذين، واللذان في صلة الذي. وهما ابتداءٌ لا خبر له. فلم تتم
الصلة. فإن قلت:
رأيت
الذي اللذان أبواهما منطلقان في الدار، لم يجز أيضاً وإن كنت قد جئت بخبر؛ أنه ليس
في صلة الذي ما يرجع إليه. فإن قلت: رأيت الذي اللذان أبواهما منطلقان في داره أو
عنده أو ما أشبه ذلك، فقد صحت المسألة، وصار التقدير: رأيت الذي أخواك عنده. فإن
قلت: رأيت الذي اللذان أبواهما منطلقان إليه لم يجز، لأن منطلقان خبر الأبوين،
وإليه متصل بمنطلقين، فكأنك قلت: رأيت الذي أخواه. فهذا ابتداءٌ لا خبر له. فعلى
هذا فقس. فإن قلت: رأيت اللذين الذي قاما إليه، فهو غير جائز؛ لأن قولك: الذي قاما
إليه ابتداءٌ لا خبر له. وتصحيح المسألة: رأيت اللذين الذي قاما إليه أخوك. فترجع
الألف في قاما إلى اللذين والهاء في إليه إلى الذي، وأخوك خبر الذي، فتمت صلة اللذين،
وصح الكلام. ولو قلت: ظننت الذي التي تكرمه يضربها، لم يجز، وإن تمت الصلة؛ لأن
التي ابتداءٌ وتكرمه صلتها، ويضربها خبر الابتداء. فقد تم الذي بصلته؛ وإنما فسد
الكلام؛ لأنك لم تأت بمفعول ظننت الثاني. فإن أتيت فقلت: أخاك أو ما أشبهه صح
الكلام. وتقول: ضرب اللذان القائمان إلى زيد أخواهما الذي المكرمه عبد الله. فتجعل
الذي منصوبا، وإن جعلته مرفوعا نصبت اللذين. وتقول: رأيت الراكب الشاتمه فرسك.
والتقدير: رأيت الرجل الذي ركب الرجل الذي شتمته فرسك. وتقول: مررت بالدار
الهادمها المصلح داره عبد الله. فقولك: الهادمها في معنى التي هدمها الرجل الذي
أصلح داره عبد الله.
وتقول:
رأيت الحامل المطعمه طعامك غلامك. أردت: رأيت الرجل الذي حمل الرجل الذي أطعمه
طعامك غلامك، فغلامك هو الحامل، والهاء في المطعمه ترجع إلى الألف واللام الأولى.
ولو قلت: وافق ضربك صاحبك أخوك غلامك، كان جيداً. رفعت الضرب بأنه الموافق غلامك، وضربك تقديره: أن
ضربك، وصاحبك هو الفاعل، وأخوك نعت أو بدل. فهذا جيد. وإنما يحتاج المصدر إلى
الصلة إذا كان في معنى أن فعل أو يفعل. فأما إذا قلت: ضربت ضرباً، فليس المصدر مما
يحتاج إلى الصلة. فإذا قلت: أعجبني ضرب زيدٍ عمرا، فمعناه: أعجبني أن ضرب زيد عمرا
وكذلك إن قلت: ضرب زيدٍ عمرٌو فمعناه: أن ضرب زيدا عمرو. وإن قلت: قيام القائم
إليه زيدٌ معجبٌ الشارب ماءه الآكل طعامك، صار معناه: أن قام الذي قام إليه زيد
معجب الذي شرب ماءه الرجل الذي أكل طعامك. وتقول: أعجب حسن حذاء نعلك حذاؤها لابس
نعل أخيك، وإن شئت قلت: لابسا نعل أخيك.
وهذه
مسائل يسيرة صدرنا بها لتكون سلماً إلى ما نذكره بعدها إن شاء الله من مسائل طويلة
أو قصيرة معماة الاستخراج. تقول: أعجب المدخل السجن المدخله الضارب الشاتم المكرم
أخاه عبد الله زيدا. أردت: أعجب زيدا المدخل السجن المدخله الرجل الذي ضرب الرجل
الذي شتم الرجل الذي أكرم أخاه عبد الله إن شئت نصبت عبد الله بأنه الأخ فبينته
به، وإن شئت جعلته بدلاً، وأبدلته من بعض المنصوبات التي لم تذكر أسماءها إذا كان
إلى جانبه من الصلة، فإن فصلت بين ما في الصلة وبين ما تبدله منها لم يجز، لأنك
إذا أبدلت شيئاً مما في الصلة أو نعت به ما في الصلة صار في الصلة، ولا تفرق بين
الصلة والموصول؛ لأنه اسم واحد. أو قلت: رأيت الذي ضرب أخاك يخاطب زيدا عمرا،
فجعلت عمرا بدلاً من الأخ، ويخاطب حالاً للذي أو مفعولاً ثانياً لرأيت وهي في معنى
علمت لم يجز. فإن جعلت يخاطب زيدا حالاً لأخيك دخل في الصلة، فأبدلت عمرا فهو جيد
حينئذ؛ لأنه كله في الصلة.
وتقول:
سر ما إن زيداً يحبه من هند جاريته. فوصلت ما وهي في معنى الذي بإن، وما عملت فيه
لأن إن إنما دخلت على الابتداء والخبر، والمعنى كذلك، وكذلك أخواتها. قال الله عز
وجل: وآتيناه من الكنوز
ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة. وتقول على هذا: جاءني الذي كأن زيدا أخوه، ورأيت الذي ليته عندنا
وكذلك كل شيءٍ يكون جملة.
تقول:
الذي إن تأته يأتك زيد، ورأيت الذي من يأته يكرمه. فإن قلت: رأيت الذي من يأتيه
يكرمه جاز. تجعل من في موضع الذي. فكأنك قلت: رأيت الذي زيد يكرمه؛ لأن من صلتها:
يأتيه، وخبرها: يكرمه. فأما قول الله عز وجل: " فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما
يبخل عن نفسه " فإن من الأولى في معنى الذي، ولا يكون الفعل بعدها إلا
مرفوعاً. فأما الثانية فوجهها الجزم بالجزاء، ولو رفع رافع على معنى الذي كان
جيداً؛ لأن تصييرها على معنى الذي لا يخرجها من الجزاء. ألا ترى أنك تقول: الذي
يأتيك فله درهم. فلولا أن الدرهم يجب بالإتيان لم يجز دخول الفاء؛ كما لا يجوز:
زيد فله درهم، وعبد الله فمنطلق.وقال الله عز وجل: " الذين ينفقون أموالهم
بالليل والنهار سراً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربهم " . فقد علمت أن الأجر
إنما وجب بالإنفاق.
فإذا
قلت: الذي يأتيك له درهم لم تجعل الدرهم له بالإتيان. فإذا كانت في معنى الجزاء
جاز أن تفرد لها وأنت تريد الجماعة؛ كما يكون من وما، قال الله عز وجل: "
والذي جاء بالصدق وصدق به " . فهذا لكل من فعل، ولذلك قال: " فأولئك هم المتقون
" . فهذه أصول، ونرجع إلى المسائل إن شاء الله.
تقول: محبتك شهوة زيد طعام عبد الله وافقت أخاك،
أردت في ذلك: أن أحببت أن اشتهى زيدٌ طعام عبد الله وافقت هذه المحبة أخاك. ولو
قلت: أعجبت إرادتك قيام زيد إلى المعجبه ضرب أخيه أخاك زيداً، كان زيد مفعولاً
بأعجبت، والكلام ماضٍ على ما كان عليه مما شرحت لك. فالأسماء الموصولة المصادر إذا
كانت في معنى: أن فعلت، والألف واللام إذا كانت في معنى الذي، والتي، ومن، وما،
وأي في الخبر، وألى التي في معنى الذين. فأما ما كان من النكرات؛ نحو: هذا ضاربٌ
زيدا فليس قول من يقول من النحويين إن زيدا من صلة الضارب بشيءٍ؛ لأن ضارباً في
معنى يضرب. يتقدم زيد فيه ويتأخر. فتقول: هذا زيدا ضاربٌ، زيدا عبد الله شاتمٌ.
فإنما الصلة والموصول كاسم واحد لا يتقدم بعضه بعضا، فهذا القول الصحيح الذي لا
يجوز في القياس غيره.
واعلم
أن الصلة موضحة للاسم؛ فلذلك كانت في هذه الأسماء المبهمة، وما شاكلها في المعنى؛ ألا
ترى أنك لو قلت: جاءني الذي، أو مررت بالذي لم يدللك ذلك على شيءٍ حتى تقول: مررت بالذي
قام، أو مررت بالذي من حاله كذا وكذا، أو بالذي أبوه منطلق. فإذا قلت: هذا وما
أشبهه وضعت اليد عليه. فإذا قلت: أريد أن تقوم يا فتى، فتقوم من صلة أن حتى تم
مصدراً، فصار المعنى: أريد قيامك، وكذلك يسرني أن تقوم يا فتى. تقوم من صلة أن حتى
تم مصدرا، فصار المعنى: يسرني قيامك. قال الله عز وجل: " وأن يستعففن خيرٌ
لهن " ، و " وأن تصوموا خيرٌ لكم " فهذا على ما وصفت لك. وكذلك أن
الثقيلة. تكون مع صلتها مصدراً. تقول: بلغني أنكم منطلقون، أي: بلغني انطلاقكم.
وكذلك ما بصلتها تكون مصدراً. تقول: سرني ما صنعت، أي: سرني صنيعك. فأما قولهم:
أنا مقيمٌ ما أقمت، وجالسٌ ما جلست، فهو هذا الذي ذكرنا من المصدر؛ ألا ترى أنك
تقول: آتيك مقدم الحاج، وأتيتك إمرة فلان. إنما تريد: وقت إمرة فلان، ووقت قدوم
الحاج. فإذا قلت: أقيم ما أقمت، فإنما تقديره: أقيم وقت مقامك، ومقدار مقامك.
واعلم
أنك إذا أدخلت شيئاً في الصلة، فنعته وفعله والبدل منه داخلات في الصلة. ولو قلت: جاءني الذي ضرب عبد الله زيدا الظريف يوم
الجمعة قائماً في داره لكان هذا أجمع في صلة الذي، ويعلق بها الهاء التي في قولك:
داره، ودخل الظريف في الصلة؛ لأنه نعت لزيد وهو في الصلة. فعلى هذا تجري هذه
الأشياء. تقول: رأيت المكرمه المطعمه المعطيه درهما عبد الله. فهذه المسألة صحيحة،
وتأويلها: رأيت الرجل الذي
أطعمه الرجل الذي أكرمه الرجل الذي أعطاه درهما عبد الله. فعبد الله هو المعطي، والمعطي هو المكرم، والمكرم
هو المطعم.ولو قلت:
طعاماً
طيباً عند قولك: رأيت المطعمه أو بعد عبد الله، جاز، فإن جعلته بين شيءٍ من هذا
وبين صلته لم يجز أن تفصل بين الصلة والموصول. ولو قلت: رأيت المعطي أخاك الشاتمه،
درهما زيد لم يجز؛ لأنك فصلت بين زيد وبين شاتمه، وقلت درهما بعد الشاتمه، ففصلت
بالشاتمه بينه وبين المعطي. ولكن لو رأيت المعطي أخاك درهما الشاتمه زيد، إذا نصبت
الشاتمه بالنعت للمعطى، أو جعلت رأيت من رؤية القلب، فجعلت الشاتمه مفعولاً
ثانياً. فإن أردت أن ترفع الشاتم لأنه المعطي لم يكن بدٌّ من أن تجعل فيه كناية
ترجع إلى الألف واللام في المعطي. فتقول: رأيت المعطي أخاك درهما الشاتمه أخوه،
تجعل الهاء من أخيه ترجع إلى الألف واللام، فتصير بمنزلة قولك: رأيت الضارب زيدا أخوه،
فإنما رأيت رجلاً ضرب أخوه زيدا ولن ترى أنت الضارب؛ لأن الضارب هو الأخ، وإنما
رأيت واحداً الضارب زيدا أخوه. فعلى هذا قلت: رأيت المعطي أخاك درهما الرجل الذي
شتمه أخوه؛ لأن المعنى: رأيت الذي أعطى الرجل الذي شتمه أخوه أخاك درهما. وتقول:
رأيت الذي اللذان التي قامت إليهما عنده أخواك، فهذا كلامٌ جيدٌ؛ لأن قولك: اللذان
مبتدأ في صلة الذي، والتي مبتدأه في صلة اللذين، وقامت إليهما صلة التي، وعنده
ظرفٌ داخل في الصلة وحقه أن يقال: وعنده خبر التي وقولك: أخواك خبر اللذين. فتمت صلة
الذي فصار تقدير هذا:
رأيت
الذي أخواه قائمان. ولو قلت: جاءني الذي التي اللتان اللذان الذي يحبهما عندهما في
دارهما عنده جاريتك كان جيداً؛ لأن الكلام الذي في صلة الذي الأخير. فكل ما زدت من
هذا فهذا قياسه.
واعلم
أن أن الخفيفة إذا وصلت بفعل لم يكن في الفعل راجعٌ إليها. وكذلك أن الثقيلة؛
لأنهما حرفان، وليسا باسمين. وإنما يستحق الواحد منهما أن يكون اسماً بما بعده،
والذي، ومن، وأي أسماءٌ، فلا بد في صلاتها مما يرجع إليها؛ ألا ترى أنك تقول: جاءني اللذان في الدار، فيعرف. وتقول:
أيهم يأتيك تضربه، وأيهم يأتيك فاضرب.
وما
عند سيبويه إذا كانت والفعل مصدراً بمنزلة أن والأخفش يراها بمنزلة الذي مصدراً
كانت أو غير مصدر. وسنشرح ما ذكرنا شرحاً بيناً شافياً إن شاء الله. وتقول: أن
تأتيني خيرٌ لك، فليس في تأتيني ذكرٌ لأن. ولو قلت: رأيت الذي تقوم لم يجز؛ لأنك لم تردد إلى الذي
شيئاً وهو اسم حتى تقول:
رأيت
الذي تقوم إليه. ولو قلت: بلغني أنك منطلق لم تردد إلى أن شيئا. ولو قلت: جاءني من
إنك منطلق لم يجز حتى تقول: إنك منطلق إليه أو عنده. فهذا أمر الحروف، وهذه صفات
الأسماء.
فأما
اختلاف الأخفش وسيبويه في ما إذا كانت والفعل مصدراً فإن سيبويه كان يقول: إذا
قلت: أعجبني ما صنعت فهو بمنزلة قولك: أعجبني أن قمت. فعلى هذا يلزمه: أعجبني ما
ضربت زيدا؛ كما تقول: أعجبني أن ضربت زيدا، وكان يقوله. والأخفش يقول: أعجبني ما
صنعت، أي: ما صنعته؛ كما
تقول: أعجبني الذي صنعته، ولا يجيز: أعجبني ما قمت؛ لأنه لا يتعدى، وقد خلط، فأجاز
مثله، والقياس والصواب قول سيبويه. فإن أردت ب ما معنى الذي، فذاك ما ليس فيه
كلام؛ لأنه الباب والأكثر، وهو الأصل، وإنما خروجها إلى المصدر فرع.
هذا
باب
ما
جرى مجرى الفعل وليس بفعل ولا مصدر
ولكنها
أسماءٌ وضعت للفعل تدل عليه، فأجريت مجراه ما كانت في مواضعها؛ ولا يجوز فيها
التقديم والتأخير؛ لأنها لا تصرف تصرف الفعل؛ كما لم تصرف إن تصرف الفعل، فألزمت
موضعاً واحداً، وذلك قولك: صه ومه، فهذا إنما معناه: اسكت، واكفف، فليس بمتعدٍّ،
وكذلك: وراءك وإليك، إذا حذرته شيئاً مقبلاً عليه، وأمرته أن يتأخر، فما كان من
هذا القبيل فهو غير متعدٍّ. ومنها ما يتعدى وهو قولك: عليك زيدا، ودونك زيدا، إذا
أغريته. وكذلك: هلم زيدا، إذا أردت: هات زيدا فهذه اللغة الحجازية: يقع هلم فيها موقع
ما ذكرنا من الحروف، فيكون للواحد وللاثنين والجمع على لفظٍ واحد، كأخواتها
المتقدمات. قال الله عز وجل: " والقائلين إخوانهم هلم إلينا " . فأما
بنو تميم فيجعلونها فعلاً صحيحاً، ويجعلون الهاء زائدة، فيقولون: هلم يا رجل،
وللاثنين: هلما، وللجماعة: هلموا، وللنساء: هلممن؛ لأن المعنى: الممن، والهاء
زائدة. فأما قول الله عز وجل: " كتاب الله عليكم " ، فلم ينتصب كتاب
بقوله " عليكم
" ، ولكن لما قال: " حرمت
عليكم أمهاتكم " أعلم أن هذا مكتوبٌ عليهم، فنصب كتاب الله للمصدر؛ لأن هذا
بدلٌ من اللفظ بالفعل؛ إذ كان الأول في معنى: كتب الله عليكم، وكتب عليكم. ونظير
هذا قوله: " وترى الجبال تحسبها جامدةٌ وهي تمر مر السحاب صنع الله " ؛
لأنه قد أعلمك بقوله: " وهي تمر مر السحاب " أن ثم فعلاً، فنصب ما بعده؛
لأنه قد جرى مجرى: صنع الله. وكذلك: " الذي أحسن كل شيءٍ خلقه " . قال
الشاعر:
ما
إن يمس الأرض إلا منكبٌ ... منه وحرف الساق طي المحمل
لأنه
ذكر على ما يدل على أنه طيان من الطي، فكان بدلاً من قوله طوى، وكذلك قوله:
إذا
رأتني سقطت أبصارها ... دأب بكارٍ شايحت بكارها
لأن
قوله: إذا رأتني معناه: كلما رأتني، فقد خبر أن ذلك دأبها؛ فكأنه قال: تدأب دأب بكار؛ لأنه بدل منه. ومثل هذا -
إلا أن اللفظ مشتقٌّ من فعل المصدر، ولكنهما يشتبهان في الدلالة - قوله عز وجل:
" وتبتل إليه تبتيلا " على: وبتل غليه، ولو كان على تبتل لكان تبتلاً. وكذلك: " والله
أنبتكم من الأرض نباتاً " . لو كان على أنبت لكان إنباتاً. ولكن المعنى -
والله أعلم - : أنه إذا أنبتكم
نبتم نباتاً. وقال الشاعر:
وخير
الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبعه اتباعا
وهذا
كثيرٌ جداً.
ومن
الحروف التي تجري مجرى الفعل ما يكون أشد تمكناً من غيره، وذلك أنك تقول للرجل -
إذا أردت تباعده - : إليك فيقول: إلي. كأنك قلت: تباعد، فقال: أتباعد. وتقول: على زيدا، فمعناه: أولني زيدا،
وتقول: عليك زيدا، أي: خذ زيدا. فإن سأل سائل عن اختلافها قيل: هي بمنزلة الأفعال
التي منها ما يتعدى، ومنها ما لا يتعدى، ومنها ما يتعدى إلى مفعولين.
ومن
هذه الحروف: حيهل فإنما هي
اسمان جعلا اسماً واحداً، وفيه أقاويل: فأجودها: حيهل بعمر. فإذا وقفت قلت: حيهلا، فجعلت الألف لبيان الحركة.
وجائزٌ أن تجعله نكرة فتقول: حيهلاً يا فتى، وجائزٌ أن تثبت الألف، وتجعله معرفة،
فلا تنون والألف زيادة، ومعناه: قربه، وتقديره في العربية: بادر بذكره، وإنما حي
في معنى: هلم. ومن ذلك قولهم: حي على الصلاة. قال الشاعر:
وهيج
القوم من دارٍ فظل لهم ... يومٌ كثيرٌ تناديه وحيهلةٍ
وقال
فيما أثبت فيه الألف:
بحيهلا
يزجون كل مطيةٍ ... أمام المطايا سيرها متقاذف
وأدخل
الباء عليه؛ لأنه اسم في موقع المصدر.
ومن
أسماء الفعل رويد ولها باب تفرد به نذكره بعد هذا الباب إن شاء الله. ومن المصادر
ويح، وويل، وويب، وإنما هي إذا قلت: ويلٌ لزيد في موضع: قبوحٌ لزيد. ولكن لم يجز
أن يكون منها أفعال لعلة مشروحة في التصريف. وكذلك أفةً وتفة، وإنما هي في موضع:
نتناً ودفراً. ومنها: سبحان الله، وريحانه، ومعاذ الله، وعمرك الله، وقعدك الله في
النداء.
هذا
باب
تفسير
ما ذكرنا من هذه الأسماء الموضوعة..
موضع
المصادر وما أشبهها من الأسماء
المدعو
بها من غير المصادر؛ نحو: تربا وجندلا، وما أشبه ذلك. أما رويد زيدا، فاسم للفعل،
وليس بمصدر، وبني على الفتح؛ لأنه غير متصرف كما فعلت بأخواته المبنيات، نحو: صه،
ومه، ولم يسكن آخره؛ لأن قبله حرفاً ساكناً، واخترت له الفتح للياء التي قبله؛ كما
فعلت في أين، وكيف وما أشبه ذلك. قال الشاعر:
رويد
عليا جد ما ثدي أمهم ... إلينا ولكن ودهم متماين
فإن
قلت: أرودته كان المصدر إرواداً، وتصرف تصرف جميع المصادر، فإن حذفت الزوائد على
هذه الشريطة صرفت رويد فقلت: رويداً يا فتى. وإن نعت به قلتك ضعه وضعاً رويداً،
وتفرده وتضيفه؛ لأنه كسائر المصادر. وتقول: رويد زيدٍ؛ كما قال الله عز وجل:
" فضرب الرقاب " ، ورويداً زيدا؛ كما تقول: ضربا زيدا في الأمر. فأما
قولك: رويدك زيدا فإن الكاف زائدة، وإنما زيدت للمخاطبة، وليست باسم، وإنما هي
بمنزلة قولك: النجاءك يا فتى، وأريتك زيدا ما فعل؟، وكقولك: أبصرك زيدا. إنما
الكاف زائدة للمخاطبة، ولولا ذلك كان النجاءك محالاً؛ لأنك لا تضيف الاسم وفيه
الألف واللام، وقوله عز وجل: " أرأيتك هذا الذي كرمت علي " قد أوضح لك
أن الكاف زائدة. ولو كانت في رويدك علامةً للفاعلين لكان خطأ إذا قلت: رويدكم؛ لأن
علامة الفاعلين الواو؛ كقولك: أرودوا.
واعلم
أن هذه الأسماء ما كان منها مصدراً، أو موضوعاً موضع المصدر فإن فيه الفاعل
مضمراً؛ لأنه كالفعل المأمور به. تقول: رويدك أنت وعبد الله زيدا، وعليك أنت وعبد
الله أخاك. فإن حذفت التوكيد قبح، وإعرابه الرفع على كل حال؛ ألا ترى أنك لو قلت:
قم وعبد الله كان جائزاً على قبح حتى تقول: قم أنت وعبد الله، و " فاذهب أنت
وربك فقاتلا " و " اسكن أنت وزوجك الجنة " . فإن طال الكلام حسن
حذف التوكيد؛ كما قال الله عز وجل: " لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا "
وقد مضى هذا مفسراً في موضعه. وكذلك ما نعته بالنفس في المرفوع. إنما يجري على
توكيد فإن لم تؤكد جاز على قبح. وهو قولك: قم أنت نفسك. فإن قلت: قم نفسك جاز.
وذلك قولك: رويدك أنت نفسك زيدا، وعليك أنت نفسك زيدا، والحذف جائز قبيح إذا قلت:
رويدك نفسك زيدا.
واعلم
أنك إذا قلت: عليك زيدا ففي عليك اسمان: أحدهما: المرفوع الفاعل. والآخر: هذه الكاف المخفوضة. تقول: عليكم أنفسكم
أجمعون زيدا، فتجعل قولك أجمعون للفاعل: وتجعل قولك: أنفسكم للكاف. وإن شئت
أجريتهما جميعاً على الكاف فخفضته، وإن شئت أكدت، ورفعتهما لما ذكرت لك من قبح
مجرى النفس في المرفوع إلا بتوكيد، وإن شئت رفعت بغير توكيد على قبح. وإن قلت:
رويد نفسك، أو رويدك. جعلت النفس مفعولة بمنزلة زيد؛ كما قال الله عز وجل: "
عليكم أنفسكم "
.
هذا
باب
إياك
في الأمراعلم أن إياك اسم المكنى عنه في النصب؛ كما أن أنت اسمه في الرفع، وهما
منفصلان. لا تقول: إياك إذا قدرت على الكاف في رأيتك وأخواتها؛ نحو: ضربته،
وضربني. وكذلك أنت لا تقع موقع التاء وأخواتها في ضربت وضربنا، وزيد قام يا فتى،
فيقع الضمير في النية، وقد مضى القول في هذا. فلما كانت إياك لا تقع إلا اسماً
لمنصوب كانت بدلاً من الفعل، دالةً عليه، ولم تقع هذه الهيئة إلا في الأمر؛ لأن
الأمر كله لا يكون إلا بفعل. وذلك قولك: إياك والأسد يا فتى وإنما التأويل: اتق
نفسك والأسد. وإياك منصوب بالفعل؛ لأنه والأسد متقيان. وكذلك: إياك والصبي، وإياك
ومكروه عبد الله، وإن أكدت رفعت إن شئت، فقلت: إياك أنت وزيدٌ؛ لأن مع إياك ضميراً،
وهو الضمير الذي في الفعل الذي نصبها. ألا ترى أن معنى إياك إنما هو: احذر، واتق،
ونحو ذلك، وإن شئت قلت: إياك أنت وزيدا، فجعلت أنت توكيداً لذلك المضمر، فإن قلت:
إياك وزيدٌ فهو قبيح وهو على قبحه جائزٌ كجوازه في قم وزيدٌ. والبيت يستوي فيه
الوجهان؛ لأنه فيه توكيد وهو قوله:
إياك
أنت وعبد المسيح أن تقربا قبلة المسجد
ولا
يجوز أن تقول: إياك زيدا؛ كما لا يجوز أن تقول: زيدا اضرب عمرا حتى تقول: وعمرا. وأما قوله: إياك أن تقرب الأسد
فجيد، لأن أن تحذف معها اللام لطولها بالصلة. تقول: أكرمتك أن اجتر مودة زيد.
فالمعنى: إياك احذر من أجل كذا، فهذا جائز، وإن أدخلت الواو فجيد؛ لأن أن وصلتها
مصدر. فأما إياك الضرب فلا يجوز في الكلام؛ كما لا يجوز: إياك زيدا. فإن اضطر
شاعرٌ جاز؛ لأنه يشبهه للضرورة بقوله: أن تقربا. وعلى هذا:
إياك
إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاءٌ وللشر جالب
فاضمر
بعد قوله: إياك فعلاً آخر على كلامين؛ لأنه لما قال: إياك أعلمه أنه يزجره، فأضمر
فعلاً. يريد: اتق المراء يا فتى.
والفصل
بين المصدر نحو: الضرب والقتل. وبين أن يضرب، وأن يقتل في المعنى. أن الضرب اسم
للفعل يقع على أحواله الثلاثة: الماضي، والموجود، والمنتظر. فقولك: أن تفعل لا يكون إلا لما يأتي. فإن قلت: أن
فعلت، فلا يكون إلا للماضي ولا يقع للحال البتة. وقراءة من قرأ: " وامرأةً
مؤمنةً أن وهبت نفسها للنبي " معناه: المضي. وإن قرأ: " إن وهبت نفسها
للنبي " فمعناه: متى كان ذا؛ لأنها إن التي للجزاء والحذف مع أن وصلتها
مستعمل في الكلام لما ذكرت لك من أنها علة لوقوع الشيء فعلى هذا يكون، وهذا بينٌ
واضح. وأما قول الله عز وجل: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا
رجلين فرجلٌ وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " . فإن قال قائل:
قوله: " أن تضل إحداهما " لما ذكر. وهو لم يعدد الإشهاد؛ لأن تضل
إحداهما. فالجواب في ذلك: أنه إنما أعد الإشهاد للتذكير، ولكن تقدمت أن تضل؛ لتوقع
سبب التذكرة. ونظيره من الكلام: أعددت هذا أن يميل الحائط. فأدعمه، ولم يعدده طلباً لأن يميل الحائط، ولكنه
أخبر بعلة الدعم، فاستقصاء المعنى: إنما هو: أعددت هذا لأن إن مال الحائط دعمته،
فإن الأولى هي الثانية. وقد يحذف الفعل في التكرير وفي العطف وذلك قولك: رأسك
والحائط، ورأسه والسيف يا فتى. فإنما حذف الفعل للإطالة والتكرير، ودل على الفعل المحذوف
بما يشاهد من الحال. ومن أمثال العرب: رأسك والسيف، ومن أمثالهم: أهلك والليل وقد دل هذا على أنه يريد:
بادر أهلك والليل. والأول على أنه: نح رأسك من السيف. وتقديره في الفعل: اتق رأسك
والسيف. فلو أفردت لم يجز حذف الفعل إلا وعليه دليل. نحو: زيدا. لو قلت ذلك لم يدر
ما الفعل المحذوف.
فإن
رأيت رجلاً قد أشار بسيف فقلت: زيدا أو ذكرت أنه يضرب أو نحو ذلك جاز لأن المعنى:
أوقع ضربك بزيد. فإن كان مصدراً فقد دل على فعل، فمن ذلك: ضرباً ضرباً، إذا كنت تأمر. وإنما كان الحذف في
الأمر جائزاً؛ لأن الأمر لا يكون إلا بفعل. قال الله عز وجل: " فإما منا بعد
وإما فداءً " وقال:
" فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " . فالمصدر المأمور به يكون
نكرة، وبالألف واللام، ومضافاً. كل ذلك مطرد في الأمر، وكل شيءٍ كان في معنى المصدر
فمجراه مجرى المصدر، وسنبين ذلك إن شاء الله. فأما قولك: الحمد لله في الخبر،
وسقياً لزيد، ورعياً له. فله باب يفرد به إن شاء الله.
هذا
باب
ما
جرى مجرى المصادر وليس بمتصرف من فعلفمن ذلك: سبحان الله، ومعاذ الله، وقولهم:
أفةً، وتفةً، وويلا لزيد، وويحا له، وسلامٌ على زيد، وويلٌ لزيد، وويحٌ له، وتربا
له. كل هذا معناه في النصب واحدٌ، ومعناه في الرفع واحد. ومنه ما لا يلزمه إلا النصب، ومنه ما لا يجوز فيه
إلا الرفع لعلل نذكرها إن شاء الله. ومنه قولك: مرحبا، وأهلاً وسهلاً، وويلةً،
وعولةً. فأما قولهم:
سبحان
الله فتأويله: براءة الله من السوء، وهو في موضع المصدر، وليس منه فعل. فإنما حده
الإضافة إلى الله - عز وجل - وهو معرفة. وتقديره، إذا مثلته فعلاً: تسبيحاً لله.
فإن حذفت المضاف إليه من سبحان لم ينصرف؛ لأنه معرفة، وإنما نكرته بالإضافة؛ ليكون
معرفة بالمضاف إليه. فأما قول الشاعر:
سبحانه
ثم سبحاناً نعوذ به ... وقبلنا سبح الجودي والجمد
في
رواية: نعوذ به. فإنما نون مضطراً، ولو لم يضطر لكان كقول الآخر:
أقول
لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر
فهذا
في موضع: براءةً منه. ومعاذ الله كذلك لا يكون إلا مضافاً. وتقديره تقدير: عياذ الله، أي: عذت بالله عياذاً. فهذا
موضع هذا. ومثل ذلك: حجرة،إنما معناه: حراماً. فهو في موضعه لو تكلمي به. فمن ذلك
قول الله عز وجل:
" حجراً محجوراً " أي: حراماً محرماً. وأما قولهم: مرحباً وأهلاً، فهو
في موضع قولهم: رحبت بلادك رحبا، وأهلت أهلا، ومعناه: الدعاء. يقول: صادفت هذا.
ولو قلت: حجرٌ، ومرحبٌ، لصلح، تريد: أمرك هذا. وأما سبحان وما كان مثله مما لا
يكون إلا مضافاً، فلا يصلح فيه إلا النصب. وهذا البيت ينشد على وجهين: على الرفع
والنصب وهو:
وبالسهب
ميمون النقيبة قوله ... لملتمس المعروف: أهلٌ ومرحب
وقال
الآخر:
إذا
جئت بواباً له قال: مرحباً ... ألا مرحبٌ واديك غير مضيق
فأما
قولهم: سلاماً، وسلامٌ يا فتى، فإن معناه: المبارأة والمتاركة. فمن قال: لا تكن من فلان إلا سلامٌ بسلام فمعناه:
لا تكن إلا وأمرك وأمره المتاركة والمبارأة،وإنما رفعت؛ لأنك جعلته ابتداءً وخبراً
في موضع خبر كان. ولو نصبته كان جيداً بالغاً. فمن ذلك قوله عز وجل: " وإذا
خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً " تأويله: المتاركة، أي: لا خير بيننا وبينكم
ولا شر. ومن كلامهم: سبحان الله، وريحانه. فتأويل ريحان في هذا الموضع: الرزق.
وتقديره في المصادر: تسبيحاً، واسترزاقاُ وتصديق هذا في قوله عز وجل: " والحب
ذو العصف والريحان " . فأما قولهم: ويلٌ لزيد، وويحٌ لزيد، وتبٌ لزيد، وويسٌ له.
فإن أضفت لم يكن إلا النصب فقلت: ويحه، وويله. فإنما ذلك لأن هذه مصادر. فإن أفردت
فلم تضف، فأنت مخير بين النصب والرفع. تقول: ويلٌ لزيد، وويلاٌ لزيد فأما النصب
فعلى الدعاء، وأما الرفع فعلى قولك: ثبت ويل له؛ لأنه شيءٌ مستقرٌ. فويلٌ مبتدأ،
وله خبره. وهذا البيت ينشد على وجهين، وهو:
كسا
اللؤم تيماً خضرةً في جلودها ... فويلٌ لتيمٍ من سرابيلها الخضر
فأما
قوله عز وجل: " ويلٌ للمطففين " وقوله: " ويلٌ يومئذٍ للمكذبين
" . فإنه لا يكون فيه إلا الرفع؛ إذ كان لا يقال: دعاءٌ عليهم، ولكنه إخبارٌ
بأن هذا قد ثبت لهم. فإن أضفت فقلت: ويله، وويحه، لم يكن إلا نصباً؛ لأن وجه الرفع
قد بطل بأنه لا خبر له، فكذا هذه التي في معنى المصادر. فإن كان مصدراً صحيحاً
يجري على فعله فالوجه النصب. وذلك قولك: تباً لزيد، وجوعاً لزيد؛ لأن هذا من قولك:
جاع يجوع، وتب يتب. وكذلك سقياً، ورعياً. والرفع يجوز على بعد؛ لأنك تبتدئ بنكرة،
وتجعل ما بعدها خبرها. فأما سلامٌ عليك فاسم في معنى المصدر، ولو كان على سلم لكان
تسليما. فإن كانت هذه المصادر معارف فالوجه الرفع، ومعناه كمعنى المنصوب، ولكن
يختار الرفع؛ لأنه كالمعرفة، وحق المعرفة الابتداء. وذلك قولك: الحمد لله رب
العالمين ولعنة الله على الظالمين. والنصب يجوز. وإنما تنظر في هذه المصادر إلى
معانيها؛ فإن كان الموضع بعدها أمراً أو دعاءً لم يكن إلا نصباً. وإن كان لما قد
استقر لم يكن إلا رفعاً وإن كان يقع لهما جميعاً كان النصب والرفع. فمما يدعى به أسماءٌ
ليست من الفعل، ولكنها مفعولات. وذلك قولك: ترباً، وجندلا. إنما تريد: أطعمه الله،
ولقاه الله، ونحو ذلك. فإن أخبرت أنه مما قد ثبت رفعت. قال الشاعر:
لقد
ألب الواشون ألباً لبينهم ... فتربٌ لأفواه الوشاة وجندل
فأما
قوله: أفةً وتفةً فإنما تقديره من المصادر: نتناً، ودفراً فإن أفردت أف بغير هاءٍ
فهو مبني؛ لأنه في موضع المصدر وليس بمصدر، وإنما قوي حيث عطفت عليه؛ لأنك أجريته
مجرى الأسماء المتمكنة في العطف. فإذا أفردته بني على الفتح والكسر والضم، وتنونه
إن جعلته نكرة. وفي كتاب الله عز وجل: " فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما
" . وقال: " أفٍّ لكم ولما تعبدون " كل هذا جائزٌ جيد. وهذه
المبنيات إذا جعلت شيئاً منها نكرةً نونت، نحو: إيه يا فتى، وقال الغراب: غاقٍ
غاقٍ يا فتى كذا تأويلها.
واعلم
أن من المصادر التي لا أفعال لها تجري عليها وإنما يوضع موضع المصادر ما يكون مثنى
لمبالغة. وذلك قولك: لبيك وسعديك، وحنانيك، إنما أراد حناناً بعد حنان، أي: كل ما
كنت في رحمةٍ منك فلتكن موصولة بأخرى. وتأويل حنانيك: إنما هو رحمةٌ بعد رحمة.
يقال: تحنن فلان على فلان: إذا رحمه. قال الشاعر:
تحنن
علي هداك المليك ... فإن لكل مقامٍ مقالا
وقال
الآخر:
أبا
منذرٍ أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض
فهذا
مما يجوز إفراده، فإذا أفردت فأنت مخير: إن شئت نصبت بالفعل وإن شئت ابتدأت. فإذا
ثنيت لم يكن إلا منصوباً؛ لأنه وضع موضع ما لا يتمكن؛ نحو: لبيك وسعديك. وقال الشاعر فيما أفرد فيه:
ويمنحها
بنو شمجى بن جرمٍ ... معيزهم حنانك ذا الحنان
وقال
الآخر، فرفع:
فقالت:
حنانٌ ما أتى بك ههنا؟ ... أذو نسبٍ أم أنت بالحي عارف
والفصل
بين الرفع والنصب أن الناصب دعا له. كأنه قال: رحمتك يا ذا الرحمة وقوله:
حنانٌ
ما أتى بك هاهنا؟
إنما
أراد: أمرنا حنانٌ؛ كقوله عز وجل: " مثل الجنة التي وعد المتقون " فالتقدير: فيما
يتلى عليكم مثل الجنة، ثم قال: فيها، وفيها. ومن قال: إنما معناه: صفة الجنة فقد
أخطأ؛ لأن مثل لا يوضع في موضع صفة. إنما يقال: صفة زيد أنه ظريف، وأنه عاقل.
ويقال: مثل زيد مثل فلان. وإنما المثل مأخوذ من المثال والحذو، والصفة تحلية ونعت.
فأما تأويل قولهم: لبيك: فإنما يقال: ألب فلان على الأمر: إذا لزمه ودام عليه فمعناه:
مداومةً على إجابتك، ومحافظةً على حقك. فإذا قال العبد لربه: لبيك فمعناه: ملازمةً
لطاعتك، ومحافظةً على أمرك. وقولك: سعديك. إنما معناه من قولك: قد أسعد فلان
فلاناً على أمره، وساعده عليه. فإذا قال: اللهم لبيك وسعديك، فإنما معناه: اللهم ملازمةً
لأمرك، ومساعدةً لأوليائك، ومتابعةً على طاعتك. فلو كان الباب واسعاً لكان
متصرفاً؛ لأنه بمنزلة الضرب من ضربت، ولكنهما مشتقان للمبالغة من الفعل كسبحان
الله، ومعاذ الله؛ فلذلك ألزما طريقةً واحدة. فأما حنانٌ فمنفرد؛ لأنه من حننت،
مثل قولك: ذهبت ذهاباً، ويتصرف في الكلام في غير الدعاء وحناناً من لدنا وتقول:
تحنن علي. فهذا وجه ما جاء على فعله، وما لم يأت عليه فعل. فأما قولهم: شكرانك لا
كفرانك، فهما مصدران لحقتهما الزيادة. وإنما التقدير: شكراً لا كفراً. ولكن وقعت
الزيادة للمبالغة.
واعلم
أن المصدر كسائر الأسماء إلا أنه اسم للفعل، فإذا نصبت فعلى إضمار الفعل. فمن المصادر ما يكثر استعماله، فيكون
بدلاً من فعله ومنها ما لا يكون له حق الاسم. فأما ما كثر استعماله حتى صار بدلاً
من الفعل فقولك: حمداً وشكراً، لا كفراً. وعجباً إنما أردت: أحمد الله حمداً.
فلولا الاستعمال الذي أبان عن ضميرك لم يجز أن تضمر؛ لأنه موضع خبر، وإنما يحسن
الإضمار ويطرد في موضع الأمر؛ لأن الأمر لا يكون إلا بفعل. نحو قولك: ضرباً زيدا.
إنما أردت: اضرب ضربا. وكذلك
ضرب زيد. نصبت الضرب باضرب، ثم أضفته إلى زيد لما حذفت التنوين؛ كما تقول: هذا
ضارب زيد غدا. والأصل إثبات التنوين وحذفه استخافٌ لعلم المخاطب. ألا ترى أن الاسم
المضاف إلى معرفة على نية التنوين لا يكون إلا نكرة؛ لأن التنوين في النية، نحو
قوله عز وجل: " هذا عارضٌ ممطرنا " و " هدياً بالغ الكعبة " . هو وصف
للنكرة، وتدخل عليه رب كما تدخل على النكرة. وقد مضى تفسير هذا في بابه. قال الشاعر:
يا
رب غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدةً منكم وحرمانا
يريد: غابطٍ لنا. ومن ذلك قوله عز وجل: "
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " وإنما التقدير - والله أعلم - : فضرباً
الرقاب. فهذا يدل على ما بعده، وما يرد من جنسه ونظائره.
هذا
باب
المصادر
في الاستفهام على جهة التقدير
وعلى
المسألةوذلك قولك: أقياماً وقد قعد الناس. لم تقل هذا سائلاً، ولكن قلته موبخاً
منكراً لما هو عليه، ولولا دلالة الحال على ذلك لم يجز الإضمار؛ لأن الفعل إنما
يضمر إذا دل عليه دالٌّ؛ كما أن الاسم لا يضمر حتى يذكر، وإنما رأيته في حال قيام
في وقت يجب فيه غيره، فقلت له منكراً. ومثله: أقعوداً وقد سار الناس، كما قال:
أطرباً
وأنت قنسريٌّ
فإنما
قال إنكاراً على نفسه الطرب وهو على غير حينه. وكذلك إن أخبرت على هذا المعنى فقلت: قياماً - علم الله - وقد قعد الناس،
وجلوساً والناس يسيرون. وإن شئت وضعت اسم الفاعل في موضع المصدر فقلت: أقائماً وقد
قعد الناس. فإنما جاز ذلك؛ لأنه حال. والتقدير: أتثبت قائماً، فهذا يدلك على ذلك
المعنى. وتقول في بابٍ منه آخر: ما أنت إلا سيرا، وما أنت إلا ضربا، وكذلك: زيدٌ
سيرا، وزيدٌ أبداً قياما، وإنما جاز الإضمار لأن المخاطب يعلم أن هذا لا يكون إلا بالفعل،
وأن المصدر إنما يدل على فعله، فكأنك قلت: زيد يسير سيراً، وما أنت إلا تقوم
قياما، وإن شئت قلت: زيد سيرٌ يا فتى. فهذا يجوز على وجهين: أحدهما: أن يكون: زيدٌ صاحب سيرٍ، فاقمت المضاف
إليه مقام المضاف؛ لما يدل عليه؛ كما قال الله عز وجل: " واسأل القرية التي
كنا فيها " إنما هو: أهل القرية كما قال الشاعر:
ترتع
ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبالٌ وإدبار
أي: ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنه جعلها
الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها. وكذلك قوله عز وجل: " ولكن البر من آمن بالله
" . والوجه: ولكن البر بر من آمن بالله. ويجوز أن يوضع البر في موضع البار
على ما ذكرت لك. فإذا قلت: ما أنت إلا شرب الإبل فالتقدير: ما أنت إلا تشرب شرب
الإبل، والرفع في هذا أبعد؛ لأنه إذا قال: ما أنت إلا سيرٌ. فالمعنى: ما أنت إلا
صاحب سيرٍ؛ لأن السير له. فإذا قال: ما أنت إلا شرب الإبل ففيه فعل؛ لأن الشرب ليس
له. وإنما التقدير: إلا
تشرب شرباً مثل شرب الإبل، فإذا أراد الضمير في الرفع كثر، فصار المعنى: ما أنت
إلا صاحب شربٍ كشرب الإبل، فهذا ضعيفٌ خبيث. ومثل الأول قوله:
وكيف
تواصل من أصبحت ... خلالته كأبي مرحب
يريد:
كخلالة أبي مرحب. فهذا كقوله عز وجل: " ولكن البر من آمن بالله " . ومن
ذلك قول الشاعر:
وقد
خفت حتى ما تزيد مخافتي ... على وعلٍ في ذي الفقارة عاقل
واعلم
أن المصادر لا تمتنع من إضمار أفعالها إذا ذكرت ما يدل عليها، أو كان بالحضرة ما
يدل على ذلك. وقياسها قياس سائر الأسماء في رفعها ونصبها وخفضها، إلا أنها تبدل من
أفعالها. ألا ترى قوله عز وجل: " في أربعةٍ أيامٍ سواءً للسائلين " وأن
قوله " أربعة " قد دل على أنها قد تمت. فكأنه قال: استوت استواءً. ومثله: " الذي أحسن كل شيءٍ
خلقه " ؛ لأن فعله خلق فقوله: " أحسن " ؛ أي خلق حسنا خلق، ثم أضافه.
ومثل ذلك: " وعد الله " ؛ لأنه لما قال: " ويومئذٍ يفرح المؤمنون
بنصر الله " علم أن ذلك وعدٌ منه، فصار بمنزلة: وعدهم وعداً، ثم أضافه.
وكذلك: " كتاب الله عليكم " . لما قال: " حرمت عليكم أمهاتكم " أعلمهم أن ذلك
مكتوب عليهم، فكأنه قال: كتب الله ذلك. ومن زعم أن قوله: " كتاب الله عليكم "
نصب بقوله: عليكم كتاب الله، فليس يدري ما العربية؛ لأن السماء الموضوعة موضع
الأفعال لا تتصرف تصرف الأفعال، فتنصب ما قبلها. فمن ذلك قوله:
ما
إن يمس الأرض إلا منكبٌ ... منه وحرف الساق طي المحمل
وذلك
أنه دل بهذا الوصف على انه منطوٍ فأراد: طوي طي المحمل. فهذه أوصاف تبدل من الفعل
لدلالتها عليه.
هذا
باب
ما
يكون من المصادر توكيداوذلك قولك: لا إله إلا الله قولاً حقاًّ. كأنك قلت: أقول قولاً حقاً؛ لأن قولك: لا إله إلا
الله هو حقٌّ، وكذلك: لأضربنك قسماً حقاً؛ لأنه بدلٌ من قولك: أقسم، وكذلك: لأقومن
قسما لأن قولك: لأقومن فيه لام القسم. ومثله.
إني
لأمنحك الصدود وإنني ... قسماً إليك مع الصدود لأميل
فإن
قال قائل: قد تقع اللام فيما لا قسم فيه. قيل: تقع على تقدير القسم؛ لأن قولك:
والله لأفعلن متصل، ولو أقسم مقسمٌ على فعل لم يقع، لم يكن ليتصل به إلا اللام
والنون، فإنما حقه القسم ذكر أو حذف، وكذلك ما كان مثل الكعيت يعني البلبل،
والجميل، إنما هو مصغر، وإن كان تكبيره غير مستعمل لعلة قد ذكرناها في باب
التصغير. ألا ترى أنه يرد إلى الأصل في جمعه، فيجمع على تكبيره، وذلك قولك في جمع
كميت: كمتٌ؛ كما تقول: أشقر وشقر؛ لأن الأصل أكمت، وإنما هو مصغر تصغير الترخيم.
وكذلك تقول: كعتان، وجملان؛ لأن تكبيره: فعل؛ كما تقول في النغر، والصرد، والجعل:
جعلان، ونغران، وصردان.
فمثل
ذلك كرسي، وقمري. إنما هو فعل. والياء ياء النسب وإن لم يستعمل غير منسوب، وليس
فيه نسب إلى أرض ولا رجل ولا غير ذلك.
ومن
المصادر ما يقع في موضع الحال فيسد مسده، فيكون حالاً، لأنه قد ناب عن اسم الفاعل،
وأغنى غناءه، وذلك قولهم: قتلته صبرا. إنما تأويله: صابراً أو مصبراً، وكذلك: جئته مشياً؛ لأن المعنى: جئته ماشياً.
فالتقدير: أمشي مشياً، لأن المجيء على حالات، والمصدر قد دل على فعله من تلك
الحال. ولو قلت: جئته إعطاءً لم يجز؛ لأن الإعطاء ليس من المجيء، ولكن جئته سعياً،
فهذا جيد؛ لأن المجيء يكون سعياً. قال الله عز وجل: " ثم ادعهن يأتينك سعياً
" . فهذا اختصار يدل على ما يرد مما يشاكلها، ويجري مع كل صنف منها.
هذا
باب الأسماء التي توضع موضع المصادر التي تكون حالاً وذلك قولك: كلمته فاه إلى في،
وبايعته يداً بيدٍ. فإنما انتصب؛ لأنه أراد: كلمته مشافهةً، وبايعته نقداً، فوضع قوله:
فاه إلى في موضع مشافهةً، ووضع قوله: يدا بيد في موضع نقداً. فلو قلت: كلمته فوه
إلى في لجاز؛ لأنك تريد: كلمته وفوه إلى في. وأما بايعته يداً بيدٍ فلا يجوز غيره؛
لأن المعنى: بايعته نقداً، أي: أخذت منه، وأعطيت، ولست تخبر أنك بايعته ويدٌ بيدٍ؛
كما أنك كلمته وفوه إلى فيك. ولكن تقول: بايعته يده فوق رأسه، أردت: ويده فوق رأسه، أي:
وهذه حاله؛ لأن هذا ليس من نعت المبايعة؛ كما كان قولك: مشافهة ونقدا من نعت
الفعل، فكذلك بايعته ويده في يدي.
واعلم
أن من المصادر ما يدل على الحال وإن كان معرفة وليس بحال، ولكن دل على موضعه، وصلح
للموافقة، فنصب، لأنه في موضع ما لا يكون إلا نصباً. وذلك قولك: أرسلها العراك.
وفعل ذلك جهده وطاقته، لأنه في موضع: فعله مجتهداً، وأرسلها معتركةً؛ لأن المعنى:
أرسلها وهي تعترك، وليس المعنى أرسلها؛ لتعترك قال الشاعر:
فأرسلها
العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدخال
واعلم
أن هذه المنتصبات عن المصادر في موضع الأحوال، وليست بأحوال، ولكنها موافقة،
وموضوعة في مواضع غيرها؛ لوقوعها معه في المعنى. وكذلك: جاءني القوم قاطبةً،
وطرًّا. إنما معناه: جاءني القوم جميعاً، ولكن وقع طرًّا في معنى المصدر؛ كما
تقول: جاءني القوم جميعاً إذا أخذته من قولك: جمعوا جمعاً. وقد يكون الجمع اسماً
للجماعة. قال الله عز وجل: " سيهزم الجمع ويولون الدبر " . فأما قولك:
طرًّا فقد كان يونس يزعم أنه اسم نكرة للجماعة وإن لم يقع إلا حالاً. ويقال: طررت
القوم، أي: مررت بهم جميعاً. وقال النحويون سوى يونس: إنه في موضع المصدر الذي
يكون حالاً.
هذا
باب
الأسماء
الموضوعة في مواضع المصادر
إذا
أريد بها ذلك أو أريد بها التوكيد جرت على ما قبلها مجرى كلهم وأجمعين
وذلك
قولك: مررت بزيد وحده، ومررت بأخويك وحدهما، ومررت بالقوم خمستهم، ومررت بهم
ثلاثتهم، وأتاه القوم قضهم بقضيضهم. أما قولك: مررت بزيد وحده فتأويله: أوحدته بمروري إيحاداً؛ كقولك: أفردته
بمروري إفرادا. وقولك: وحده في معنى المصدر، فلا سبيل إلى تغييره عن النصب. وأما
قولك: مررت بالقوم خمستهم فجائز أن تجريه على الأول فتقول: مررت بالقوم خمستهم،
وما أشبه الخمسة من قولك: ثلاثتهم، وأربعتهم، والمعنى مختلف لأنك إذا قلت: مررت
بالقوم خمستهم، فمعناه: بهؤلاء تخميساً؛ كقولك: مررت به وحده؛ أي: لم أخلط معه
أحدا. فكذلك قولك في
الجماعة إنما هو خصصتهم. وإذا قلت: مررت بالقوم خمستهم، فهو على أنه قد علم أنهم
خمسة، فإنما أجري مجرى كلٍّ. أراد: مررت بالقوم كلهم، أي: لم أبق من هؤلاء الخمسة
أحداً. فالمعنى يحتمل أن تكون قد مررت بغيرهم؛ كما أنك إذا قلت: مررت بإخوتك كلهم
جاز أن تكون قد مررت بغيرهم أيضاً. وأما قولك: مررت بالقوم قضهم بقضيضهم فعلى هذا،
كأنك قلت: مررت بالقوم كلهم وجماعتهم. ومن قال: قضهم بقضيضهم أراد: انقضاضاً، أي:
انقض أولهم على آخرهم. ولا يجوز مررت بزيد كله؛ لأن كلاًّ لا يقوم في هذا الموضع،
ولا يجوز: مررت بأخويك اثنيهما؛ لأن الاثنين هما الهاء والميم، والشيء لا يضاف إلى
نفسه. وإنما قلت: خمستهم؛ لأن هم لكل جمع، فاقتطعت من الجمع شيئاً، فأضفته إلى
جميعه، فصار مختصاً به. وهما لا يكون إلا تثنية. فإن قلت: فأنت تقول: كلاهما منطلق
ف كلا لا يكون إلا لاثنين، فلم أضفته إلى ضميرهما؟ فالجواب في ذلك: أن كلاً اسم
واحد فيه معنى التثنية، فإنما أضفت واحداً إلى اثنين. ألا ترى أنك تقول: الاثنان
منطلقان، وكلاهما منطلقٌ، وكلانا كفيلٌ ضامنٌ عن صاحبه. فإنما تأويله: كل واحد
منا؛ كما قال الشاعر:
أكاشره
وأعلم أن كلانا ... على ما ساء صاحبه حريص
ومع
هذا إن التثنية إنما تخرج عن الواحد. تقول: رجلٌ ورجلان، وامرأةٌ امرأتان. فمن هذا الوجه أيضا إذا قلت للواحد: مررت
به وحده، قلت للاثنين: مررت بهما وحدهما فذا بينٌ جداً. فأما قولهم: هذا نسيج وحده
فلا معنى له إلا الإضافة، لأنه يخبر أنه ليس في مثاله أحد، فلو لم يضف إليه لقال:
هذا نسيجٌ إفرادا. فالإضافة في الحقيقة إلى المصدر. وكذلك عيير وحده، وجحيش وحده. ولو قال: جحيش نفسه. وعيير نفسه وحدها
لصلح؛ لأنه الرجل الذي يخدم نفسه وحدها. فهذا بينٌ جداً. وكان أبو الحسن الأخفش لا
يجيز: اختصم أخولك كلاهما، ولا اقتتل أخواك كلاهما، ويقول: اختصم لا يكون إلا من
اثنين أو أكثر؛ وإنما أقول: جاءني أخواك كلاهما؛ لأعلم السامع أنه لم يأت واحد، وكذلك:
جاءني إخوتك كلهم؛ لأعلم أني لم أبق منهم واحدا، فقيل له: فقل: اختصم أخواك كلاهما؛ لأنه لا يلتبس بما
بعد التثنية، فذهب أن كلاهما يكثر به، ولا يقلل به. وهذا قول كثير من النحويين
وليس كما قال إذا حدد. وذلك أن كلاً عموم؛ لأن الأعداد قد يقتصر على الشيء منها،
فيكون كلاماً، فتقول:
جاءني
بنو فلان، فيجوز أن تعني بعضاً دون الكل فإذا قلت: كلهم دخلت لتدل على العموم.
وكلا ليس كذلك. إنما تقع على الاثنين وأنت تريد كل واحد منهما. فهذا لا يقع إلا على ما وصفنا لأن جماعةً
أكثر من جماعة، ولا يكون اثنان أعثر عدداً من اثنين فتقول: تكثير أو تقليل. ومن
قول الأخفش أنه يجوز:
استوى
زيد وعمرو كلاهما: لأن الاستواء لا يكون من واحد، إذا أراد: ساوى فلانً فلانا، بل
يدخل في باب اقتتل، واختصم، ونحوه. وإنما تستخرج هذه المسائل بالتفتيش والقياس.
واعلم
أن من الأسماء أسماءً محتملة لا تنفصل بأنفسها. فمتى ما سمع منها شيءٌ علم أن
صوابه أن يكون محمولاً على غيره، وذلك قولك: جاءني رجلٌ آخر، ولا يجوز هذا إلا أن
تكون قد ذكرت قبله رجلا، فتقول: جاءني فلانٌ ورجلٌ آخر، أو يقول القائل: هل جاءك
فلان؟ فتقول:
جاءني
رجلٌ آخر. وكذلك:سائر كذا وكذا. لا يكون إلا مضافاً إلى شيءٍ قد ذكر بعده. تقول:
رأيت الأمير دون سائر الأمراء، وجاءني عبد الله. وتأخر عني سائر إخوتي، إذا كان
عبد الله أخاك، فإن لم يكن أخاك لم تجز المسألة إذا لم يكن بعضا أضفت السائر إليه.
ولو قلت: أتتني جاريتك وامرأة أخرى كان غير جائز. فإن قلت: أتاني أخوك، وإنسان آخر
جاز وإن عنيت بالإنسان امرأة؛ لأن الباب الذي ذكرتها به يجمعها. وكذلك: جاءتني
جاريتك وإنسان آخر، وأنت تعني بالإنسان رجلاً فهو جيد بالغ. فأما قوله:
صلى
على عزة الرحمن وابنتها ... ليلى وصلى على جاراتها الأخر
فإنه
جعل ابنتها جارة لها، ولولا ذلك لم يجز. ألا ترى إلى قول الله عز وجل: " فعدةٌ من أيامٍ أخر
" لما قدم من ذكر الأيام. وكذلك: " منه لآياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأخر
متشابهاتٌ " . فهذا باب هذا. وكان حد آخر أن يكون معه من كذا، وكذا إلا أن
أفعل يقع على وجهين: أحدهما: أن يكون نعتاً قائماً في المنعوت، نحو: أحمر، وأصفر، وأعور.
والوجه الآخر: أن يكون للتفضيل، نحو: هذا أفضل من زيد، وأكبر من عبد الله فإن أردت هذا
الوجه لم يكن إلا أن تقول: من كذا، كذا، أو بالألف واللام؛ نحو: هذا الأصغر،
والأكبر. فأما قوله في الآذان: الله أكبر، فتأويله: كبير؛ كما قال عز وجل: "
وهو أهون عليه
" . فإنما تأويله: وهو عليه هين؛ لأنه لا يقال: شيءٌ أهون عليه من شيءٍ.
ونظير ذلك قوله:
لعمرك
ما أدري وإني لأوجلعلى أينا تعدو المنية أول
أي: إني لوجل. فأما إذا أردت من كذا وكذا فلا
بد من منه أو الألف واللام؛ كقولك: جاءني زيد ورجل آخر، إنما معناه: آخر منه. ولكن
علم أن الآخر لا يكون إلا بعد مذكور أو بعد أول، فلم يحتج إلى منه. والدليل على أن
الأصل هذا قولهم في مؤنثه: أخرى؛ كما تقول: هذا أول منك، وهذه الأولى، والأوسط، والوسطى،
والأكبر والكبرى. فلولا أن آخر قد استغنى فيه عن ذكر من كذا لكان لازماً؛ كما يلزم
قولك: هذه أول من ذاك؛ ولذلك قلت: في أخر بغير الصرف؛ لأنها محدودة عن وجهها؛ لأن
الباب لا يستعمل إلا بالألف واللام أو من كذا. فلما سقط، من كذا سقط ما يعاقبه، فلم يصرف. قال
الله عز ذكره: " وأخر متشابهاتٌ " فلم يصرف. وقال: " فعدةٌ من
أيامٍ أخر " ، فلم يصرف. فهذان دليلان بينان مع المعنى الذي يجمعه.
واعلم
أن أفعل إذا أردت أن تضعه موضع الفاعل فمطرد. فمن ذلك قوله:
قبحتم
يا آل زيد نفرا ... ألأم قومٍ أصغراً وأكبرا
يريد:
صغيراً وكبيراً. فهذا سبيل هذا الباب.
هذا
بابمسائل أفعل مستقصاةً بعد ما ذكرنا من أصوله
تقول: مررت برجل خيرٌ منك أبوه، وجاءني رجل خيرٌ
منك أخوه، ورأيت رجلاً أفضل منك أخوه. يختار في هذا الرفع والانقطاع من الأول؛
لأنه ليس اسم الفاعل الذي يجري على الفعل؛ نحو: فاعل وما أشبه ذلك مما هو اسم
الفاعل، نحو: مررت برجلٍ حسنٍ أبوه؛ لأنه اسم من حسن يحسن، ومررت برجلٍ كريمٍ أبوه
لأنه من كرم كضارب من ضرب. وأفضل فيه معنى الفعل، فإن أجريته على الأول فبذلك المعنى،
كأنك قلت: يفضله أبوه. وإن لم تجره فلما ذكرت لك، وهو الباب. فإن جرى على الأول
أتبعه لأنه نعت له خاصةً، وذلك قولك: مررت برجلٍ خيرٍ منك، ومررت بدرهم سواءٍ يا
فتى، ومررت برجلٍ سواءٍ درهمه. فإن قلت: برجلٍ سواءٍ هو والعدم خفضت؛ لأن سواءً له
خاصة. فعلى هذا يجري هذا الباب.
ثم
نذكر المسائل، ونقول: ما رأيت رجلاً أحسن عنده زيدٌ من عمرو. فأجريت أحسن على
الأول خلافاً لما ذكرت أنه المختار، ولم يجز هاهنا غيره؛ وذلك أنك إذا قلت: ما
رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، فأردت أن ترفع أحسن كنت قد أضمرت
قبل الذكر، وذلك لأن الهاء في قولك منه إنما هي الكحل. ولو قلت: ما رأيت رجلاً
أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، كنت قد فصلت بين الكحل وما هو له بما ليس من
الكلام، ووضعته في غير موضعه. فإن أخرت الكحل، فقلت: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه
منه في عين زيد الكحل وأنت تقدر أن أحسن هو الابتداء، كان خطأ لمل قدمت من ضمير
الكحل قبل ذكره. وإن قدرت أن يكون الكحل هو الابتداء فجيدٌ بالغ، وتأخيره كتقديمه.
فكأنك قلت: ما رأيت رجلاً الكحل في عينه أحسن منه في عين زيد. وكذلك لو قلت: ما من
أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة كان هو الوجه إلا أن تقدم
فتقول: ما من أيام الصوم إلى الله فيها منه في عشر ذي الحجة أو تأخر الصوم، ومعناه
التقديم، فيكون كتأخيرك الكحل في المسألة الأولى. وتقول: زيد أفضل منه عبد الله،
ورأيت زيدا أفضل منه عبد الله. أردت: رأيت زيدا عبد الله أفضل منه، فتجعله ابتداءً
وخبراً في موضع المفعول الثاني. وأما قولهم: مررت برجلٍ أخبث ما يكون أخبث منك
أخبث ما تكون، ومررت برجلٍ خير ما يكون خيرٍ منك خير ما تكون. فهذا على إضمار إذ
كان، وإذا كان، واحتمل الضمير؛ لأن المعنى يدل عليه. والتقدير: مررت برجلٍ خيرٍ
منك إذا كان خير ما يكون إذا كنت خير ما تكون. ومثل هذا قولك: هذا بسرا أطيب منه
تمرا، فإن أومأت إليه وهو بسر، تريد: هذا إذ صار بسرا أطيب منه إذا صار تمرا، وإن
أومأت إليه وهو تمر قلت:
هذا
بسرا أطيب منه تمرا، أي هذا إذ كان بسراً أطيب منه إذ صار تمراً، فإنما على هذا
يوجه؛ لأن الانتقال فيه موجود. فإن أومأت إلى عنب قلت: هذا عنبٌ أطيب منه بسرٌ،
ولم يجز إلا الرفع؛ لأنه لا يتنقل فتقول: هذا عنبٌ أطيب منه بسرٌ، تريد: هذا عنبٌ
البسر أطيب منه. فأما هذا البيت فينشد على ضروب:
الحرب
أول ما تكون فتيةً ... تسعى بزينتها لكل جهول
منهم
من ينشد: الحرب أول ما تكون فتيةً يجعل أول ابتداءً ثانياً، ويجعل الحال يسد مسد
الخبر وهو فتيةً فيكون هذا كقولك: الأمير أخطب ما يكون قائماً، وقد بينا نصب هذا
في قول سيبويه، ودللنا على موضع الخبر في مذاهبهم وما كان الأخفش يختار، وهو الذي
لا يجوز غيره. فأما تصييره فتية حالاً لأول، أول مذكر، وفتية مؤنثة، فلأن المعنى
مشتمل عليها. فخرج هذا مخرج قول الله عز وجل: " ومنهم من يستمعون إليك "
؛ لأن من وإن كان موحد اللفظ فإن معناه هاهنا الجمع، وكذلك: " فما منكم من
أحدٍ عنه حاجزين " ، وهذا كثيرٌ جداً. ومنه قول الشاعر:
تعش
فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
أراد
مثل اثنين ومثل اللذين. وقرأ القراء: " ومن تقنط منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً
" . وأما أبو عمرو فقرأ: " ومن يقنط منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً، فحمل
ما يلي على اللفظ، وما تباعد منها على المعنى، ونظير ذلك قوله عز وجل: " بلا من أسلم وجهه
لله وهو محسنٌ فله أجره عند ربه " فهذا على لفظ من، ثم قال: " ولا خوفٌ
عليهم ولا هم يحزنون " على المعنى. وهذا كثيرٌ جداً. ومنهم من ينشد:
الحرب
أول ما تكون فتيةٌ
يريد:
الحرب فتيةٌ في هذا الوقت. ومنهم من ينشد:
الحرب
أول ما تكون فتيةً
على
غير هذا التفسير الأول ولكن على قوله: أول ما تكون تسعى بزينتها فتيةً، فقدم
الحال. ومنهم من ينشد:
الحرب
أول ما تكون فتيةٌ
أراد:
الحرب فتية وهي أول ما تكون. ومنهم من ينشد:
الحرب
أول ما تكون فتيةً
فخبر
أنها أول شيءٍ في هذه الحال. فهذه الوجوه تدل على ما بعدها. ولو قال قائل: معناه: أنها أول ما تكون إذا كانت فتية،
على قياس: هذا بسراً أطيب منه تمراً، كان مجيداً. فأما قولهم: البر أرخص ما يكون
قفيزاً بدرهم، والزيت أرخص ما يكون ون وين بدرهم فعلى هذا. وقولهم: أرخص ما يكون
البر بستين، تأويله: الكربستين ولكنهم حذفوا الكر لعلمهم بأن التعسير عليه يقع.
فكل ما كان معلوماً في القول جارياً عند الناس فحذفه جائز لعلم المخاطب. فعلى هذا فأجره.
هذا
باب
التسعيرتقول:
أخذت هذا بدرهمٍ فصاعدا، وأخذته بدرهمين فزائداً. لم ترد: أنك أخذته بدرهمٍ
وبصاعد، فجعلتهما ثمناً، ولكن التقدير: أنك أخذته بدرهمٍ، ثم زدت صاعداً؛ فمن ثم
دخلت الفاء، ولو أدخلت ثم لكان جائزاً؛ نحو: أخذته بدرهم ثم صاعداً، ولكن الفاء أجود،
لأن معناه الاتصال، وشرحه على الحقيقة: أخذته بدرهم فزاد الثمن صاعداً. ومن ذلك
قولك: بعت الشاء شاةً
ودرهما. إنما تأويله على الحقيقة: بعت الشاء مسعراً شاةٌ بدرهم. فإن قلت: لك الشاء
شاةً ودرهما كنت بالخيار: إن شئت رفعت؛ لأن لك ظرف. فهو بمنزلة قولك: عبد الله في
الدار قائمٌ، وقائماً. إن قلت: قائمٌ فإنما خبرت عن قيامه. وإن قلت: قائماً فإنما
خبرت عن كونه في هذا المحل، فاستغنى الكلام به. ومن قال: في الدار عبد الله - وهو
يريد أن يرفع القائم
- ، فليس بكلامٌ تام؛ لأنه لم يأت بخبر. وإنما قائمٌ
هو الخبر، ف في الدار ظرفٌ للقائم لا لزيد. وإذا كان في الدار خبراً فهو لزيد لا
لقائم. وقد مضى تفسير هذا. وتقدير قولك: الشاء شاةً ودرهما: وجب لك الشاء مسعراً
شاةٌ بدرهم؛ كما أنه إذا قال: زيدٌ في الدار قائما، وإذا قال: لك الشاء شاةٌ ودرهم
فإنما المعنى: الشاء شاةٌ بدرهم، ثم أخبر أنه بهذا السعر، فعلى هذا يجري هذا الباب.
هذا
باب ما يقع في التفسير من أسماء الجواهر التي لا تكون نعوتاً تقول: مررت ببرٍّ
قفيزٌ بدرهم؛ لأنك لو قلت: مررت ببرٍّ قفيزٍ كنت ناعتاً بالجوهر. وهذا لا يكون؛
لأن النعوت تحلية، والجواهر هي المنعوتات. وتقول: العجب من برٍّ مررنا به قفيزاً
بدرهم. فإن قلت: فكيف أجعله حالاً للمعرفة، ولا أجعله صفةً للنكرة؟ فإن سيبويه
اعتل في ذلك بأن النعت تحلية وأن الحال مفعول فيها، وهذا على مذهبه صحيحٌ بين
الصحة. وشرحه وإن لم يذكر سيبويه: إنما هو موضوع في موضع قولك: مسعراً. فالتقدير:
العجب من برٍّ مررنا به مسعراً على هذه الحال. وإذا قال: مرت ببر قفيزٌ بدرهم فتأويله:
قفيزٌ منه بدرهم، ولولا ذلك لم يجز أن يتصل بالأول ويكون في موضع نعته ولا راجع
إليه منه. وإنما هذا كقولك: مررت برجل غلامٌ له قائم. وقد أجاز قومٌ كثير أن ينعت
به فيقال: هذا راقودٌ خلٌّ، ولهذا خاتمٌ حديدٌ. وسنشرح ما ذهبوا إليه، ونبين فساده على النعت،
وجوازه في الإتباع لما قبله إن شاء الله. ويقال للذي أجاز هذا على النعت: إن كنت
سمعته من العرب مرفوعاً فإن رفعه غير مدفوع، وتأويله: البدل؛ لأن معناه: خاتمٌ
حديدٌ، وخاتمٌ من حديد. فيكون رفعه على البدل والإيضاح. فأما ادعاؤك أنه نعت: وقد ذكرت
أن النعت إنما هو تحلية، فقد نقضت ما أعطيت، والعلة أنت ذكرتها، وإنما حق هذا أن
تقول: راقود خلٍّ، أو راقودٌ خلاً على التبيين. فهذا حق هذا. فإن اعتل بقوله: مررت برجل فضة خاتمه، ومررت برجل
أسد أبوه، على قبحه فبما ذكره وبعده، فإن هذا في قولك: فضة خاتمه غير جائز، إلا أن
تريد: شبيه بالفضة، ويكون الخاتم غير فضة. فهذا ما ذكرت لك أن النعت تحلية. وعلى
هذا: مررت برجل أسدٍ
أبوه؛ لأنه وضعه في موضع شديدٍ أبوه. ألا ترى أن سيبويه لم يجز: مررت بدابة أسد
أبوها إذا أراد السبع بعينه، فإذا أراد الشدة جاز على ما وصفت، وليس كجواز: مررت
برجل قائم أبوه، لأن لهذا اللفظ والمعنى، وذاك محمول على معناه. فحق الجواهر أن
تكون منعوتة؛ ليعرف بعضها من بعض. وحق الأسماء المأخوذة من الأفعال أن تكون نعوتاً
لما وصفت لك. فإن قلت: مررت ببرٍّ قفيزٍ بدرهم. جاز على البدل، ويجيزه على النعت
من عبنا قوله، وأوضحنا فساده. فإن قيل: معناه مسعر. فحق هذا النصب؛ لأن التسعير
يعمل فيه. فعلى هذا فأجر هذا الباب. فأما قولهم: هذا خاتمٌ حديدا على الحال
فتأويله: أنك نبهت له في هذه الحال. فإن قلت: الحال بابها الانتقال؛ نحو: مررت
بزيد قائما. قيل: الحال على ضربين: فأحدهما: التنقل، والآخر: الحال اللازمة. وإنما هي مفعول فاللزوم يقع لما في اسمها،
لا لما عمل فيها. فمن اللازم قوله عز وجل: " فكان عاقبتهما أنهما في النار
خالدين فيها " فالخلود معناه: البقاء. وكذلك: " وأما الذين سعدوا ففي الجنة
خالدين فيها " فهذا الاسم لا لما عمل فيه.
هذا
باب
ما
يجوز لك فيه النعت والحال
ولا
يكون مجازهما واحداً، ولما تحمل كل واحدٍ منهما عليه
وذلك
قولك: مررت بامرأةٍ معها رجلٌ قائمةٍ يا فتى، إذا حملت ذلك على مررت بامرأة، وإن
حملته على الهاء في معها قلت: رجلٌ قائمةً. والمعنى - إذا نصبت - : أنك مررت به معها في حال قيامها، فكانت
المقارنة في هذه الحال. ومن ذلك: هذه دابةٌ تشتد مكسوراً سرجها. إن حملته على
الضمير في تشتد، وإن حملته على دابة رفعت، فيكون نعتاً كأنك قلت: هذه دابة مكسورٌ
سرجها، وفي الباب الآخر أنها تشتد في هذه الحال. وتقول: نحن قومٌ ننطلق عامدين بلد
كذا، وكذا فتنصب عامدين لما في قولك ننطلق. فإن أردت أن تجريه على قوم رفعت. وقد
قرأوا هذه الآية: " ويخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً " ،
أي يخرج له طائره كتابا. ومن هذا الباب: مررت برجل معه صقرٌ صائدٍ به، وصائداً به.
فإن قلت: مررت برجل معه امرأةٌ ضاربها ضاربته كان جيداً، وأجود منه أن تقول: مررت
برجل معه امرأة ضاربته ضاربها، فيجري نعت المرأة وهو إلى جنبها، وإن شئت قلت:
ضاربها للهاء في معه. وتقول: مررت برجل معه فرس راكباً برذونا، وراكبٍ على ما وصفت
لك. وتقول: مررت برجل معه امرأةٌ ضاربها هو لا يكون إلا كذلك؛ لأنك أجريت النعت
عليها، والفعل له. وكذلك لو قلت: مررت برجل معه امرأة ضاربته هي. لم يكن من إظهار
الفاعل بدٌّ؟ لأنه الفعل جرى على غير من هو له وإنما يكون هذا الإظهار في اسم
الفاعل؛ لأنه تبين فيه الإضمار، وأنه محمول على الفعل. فإن كان فعلاً لم تحتج فيه
إلى إظهار. تقول: مررت برجل
معه امرأة يضربها ومعه امرأة تضربه. وكذلك تقول: زيد هند ضاربته؛ لأن الفعل لها.
فإن قلت: زيد هند ضاربها. قلت هو، ويجري على وجهين: إن شئت جعلت زيداً ابتداءً، وهند ابتداءً ثانياً،
وضاربها خبر عن هند، والهاء والراجعة إليها، وهو إظهار فاعل، ورجوعه إلى زيد. وإن
شئت جعلت قولك ضاربها ابتداءً ثالثاً، وجعلت هو خبره، وجعلتهما خبراً عن هند،
وجعلت هنداً وما بعدها خبراً عن زيد. وتقول: مررت بزبد وهندٌ الضاربته، أي وهند التي
تضربه، فموضعها موضع الحال بمنزلة قولك: كلمت زيدا، وعمرو عنده. فتقدير الواو: تقدير إذ؛ كما قال الله عز
وجل: " يغشى طائفةً منكم وطائفةٌ قد أهمتهم أنفسهم " أي: إذ طائفة في
هذه الحال. وتقول: أنت زيد ضاربه أنت؛ لأنك ابتدأت أنت، وجعلت زيدا مبتدأ بعده،
وضاربه لك، فكان مبتدأ ثالثا، وأنت خبره، وإن شئت كان خبراً عن زيد، وأنت فاعله.
ولو أدخلت على هذا كان لم تغيره عن لفظه، إلا أنك تجعل زيدا مرفوعاً بكان. ولو
أدخلت عليه ظننت أو أن لنصبت زيدا، وتركت سائر الكلام على حاله؛ لأنه قد عمل بعضه
في بعض. فصار كقولك: كان
زيد أبوه منطلق، وإن زيدا أبوه منطلق. واعلم أنك إذا قلت: كان زيد أبوه منطلق. أن أباه ومنطلقا في موضع نصب،
والجمل لا يعمل فيها ما قبلها، وكذلك: كان زيد يقوم يا فتى؛ لأنه فعل وفاعل، فهو
كالابتداء والخبر، فهذا مما يؤكد عندك أن عوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال. ولا
يجوز أن تدخل بين الشيء وما يعمل فيه شيئاً مما لا يعمل فيه، نحو: أنت زيد ضاربه. إذا جعلت ضاربه جارياً على زيد، والمسائل
كثيرةٌ، والأصل ما وقفتك عليه. فقس تصب إن شاء الله.
هذا
باب
المصادر
التي تشركها أسماء الفاعلين
ولا
تكون واقعة هذا الموقع إلا ومعها من مشاهدة، فهي منصوبة على ذلك، خبراً كانت أو
استفهاماً
وذلك
قولك: أقائماً يا فلان وقد قعد الناس، وذلك أنه رآه في حال قيام، فوبخه بذلك.
فالتقدير: أتثبت قائماً وقد قعد الناس، وليس يخبر عن قيامٍ منقضٍ، ولا عن قيام
تستأنفه. وكذلك لو قال: أقياماً وقد قعد الناس، وأجلوساً والناس يسيرون، ومثله:
أتخلفاً عن زيد مع بره بك وفضله. ومن ذلك قول الشاعر:
أطرباً
وأنت قنسري
إنما
رأى نفسه في حال طرب مع سنه، فوبخها بذلك. ولو لم تستفهم لقلت منكراً: قاعداً علم
الله، وقد سار الناس، قائماً كما يرى والناس قعودٌ. فهذا لا يكون إلا لما تشاهد من
الحال؛ فلذلك استغنيت عن ذكر الفعل.
واعلم
أن الأسماء التي لم تؤخذ من الأفعال تجري هذا المجرى. وذلك أن ترى الرجل في حال
تلون وتنقل، فتقول: أتميمياً مرة، وقيسياً أخرى، تريد: أتتحول وتتلون، وأغناه عن
ذكر الفعل ما شاهد من الحال. وكذلك إن لم تستفهم قلت: تميمياً مرة - علم الله - وقيسياً أخرى. ومن ذلك
قول الشاعر:
أفي
السلم أعياراً جفاءً وغلظةً ... وفي الحرب أشباه النساء العوارك
وقال
الآخر:
أفي
الولائم أولاداً لواحدةٍ ... وفي العيادة أولاداً لعلات
هذا
باب
ما
وقع من المصادر توكيداوذلك قولك: هذا زيدٌ حقاً؛ لأنك لما قلت: هذا زيد فخبرت،
إنما خبرت بما هو عندك حق، فاستغنيت عن قولك: أحق ذاك، وكذلك هذا زيدٌ الحق لا
الباطل؛ لأن ما قبله صار بدلاً من الفعل. ولو قلت: هذا زيدٌ الحق، لكان رفعه على
وجهين، وليس على ذلك المعنى، ولكن على أن تجعل زيدا هو الحق، وعلى أنك قلت: هذا
زيد، ثم قلت: الحق، تريد: قولي هو الحق، لأن هذا زيد إنما هو قولك. وقد قرئ هذا
الحرف على وجهين، وهو قوله عز وجل: " ذلك عيسى بن مريم قول الحق " ،
وقول الحق. وتقول: هذا القول لا قولك، أي: ولا أقول قولك. فتأويل هذا: أن قولك
بمنزلة هذا القول حقاً، وهذا القول غير قيلٍ باطل؛ لأنه توكيدٌ للأول. ولو قلت:
هذا القول لا قولاً لم يكن لهذا الكلام معنى؛ لأنك إنما تؤكد الأول بشيءٍ تحقه،
فإذا قلت: غير قيلٍ باطل، فقد أوجبت أنه حق فإذا قلت: لا قولك، فقد دللت على أنه
قول باطل، فعلى هذا تؤكد. ومن ذلك: لأضربن زيدا قسما حقا. ومن ذلك قوله:
إني
لأمنحك الصدود وإنني ... قسماً إليك مع الصدود لأميل
لما
قال: إني لأمنحك الصدود، وإنني إليك لأميل، علم أنه مقسم، فكان هذا بدلاً من قوله:
أقسم قسما.
واعلم
أن المصادر كسائر الأسماء، إلا أنها تدل على أفعالها فأما في الإضمار والإظهار
والإخبار عنها والاستفهام، فهي بمنزلة غيرها. تقول إذا رأيت رجلاً في ذكر ضربٍ:
زيدا، تريد: زيداً اضرب، واستغنيت عن قولك: إضرب بما كان فيه من الذكر، فعلى هذا
إذا ذكر فعلاً. فقال: لأضربن، قلت: نعم، ضرباً شديداً. فإن لم يكن ذكر، ولا حالٌ دالة، لم يكن من الإظهار
بدٌّ، إلا أن يكون موضع أمرٍ، فتضمر، وتصير المصدر بدلاً من اللفظ بالفعل، وإنما
يكون ذلك في الأمر والنهي خاصة؛ لأنهما لا يكونان إلا بفعل، فتأمر بالمصدر نكرة،
ومعرفة بالألف واللام والإضافة، ولذلك موضع آخر: وهو أن يكون المصدر قد استعمل في موضع
الفعل حتى علم ما يراد به. ومن ذلك سقياً لزيد؛ لأن الدعاء كالأمر، والنهي وإنما
أردت: سقى الله زيدا سقياً. فإن قلت ذلك لم تحتج إلى قولك: لزيد. وإن قلت: سقياً قلت بعده: لفلان؛ لتبين ما
تعني، وإن علم من تعني.
فإن
شئت أن تحذفه حذفته. ومن ذلك قول عز وجل: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب
الرقاب " إنما هو: فاضربوا الرقاب ضرباً، ثم أضاف. وكذلك قوله، تبارك وتعالى:
" فإما مناً بعد وإما فداءً " إنما تقديره: فإما مننتم مناً، وإما فاديتم
فداءً. وكذلك " وعد الله حقاً " و " صنع الله " .
واعلم
أن من المصادر مصادر تقع في موضع الحال، وتغني غناءه، فلا يجوز أن تكون معرفة؛ لأن
الحال لا تكون معرفة. وذلك قولك: جئتك مشياً، وقد أدى عن معنى قولك: جئتك ماشيا، وكذلك قوله عز وجل: " ثم
ادعهن يأتينك سعياً " . ومنه: قتلته صبرا. وإنما الفصل بين المصدر وبين اسم
الفاعل أنك إذا قلت: عجبت من ضرب زيدٍ عمرا، أن ضرباً في معنى: أن ضرب فيحتاج ما
بعدها إلى الفاعل والمفعول. فإذا قلت: عجبت من ضارب عمرا، فقد جئت بالفاعل، وإنما بقي المفعول، والفاعل
يحمل على المصدر؛ كما حمل المصدر عليه.تقول: قم قائماً فالمعنى: قم قياماً. فمن
ذلك قوله:
على
حلفةٍ لا أشتم الدهر مسلماً ... ولا خارجاً من في زور كلام
إنما
أراد: لا أشتم، ولا يخرج من في زور كلام؛ فأراد: ولا خروجاً فوضع خارجاً في موضعه،
وهذا قول عامة النحويين. وكان عيسى بن عمر يأبى ما فسرنا ويقول: إنما قال:
ألم
ترني عاهدت ربي وإنني ... لبين رتاجٍ قائماً ومقام
على
حلفةٍ لا أشتم الدهر مسلماً ... ولا خارجاً من في زور كلام
يريد:
عاهدت ربي على أمور وأنا في هاتين الحالتين: لا شاتماً، ولا خارجاً من في مكروه.
هذا
باب
ما
يكون حالاً
وفيه
الألف واللام على خلاف ما تجري به الحال لعلةٍ دخلت
وذلك
قولك: ادخلوا الأول فالأول، وادخلوا رجلاً رجلاً. تأويله: ادخلوا واحداً بعد واحد.
فأما الأول فإنما انتصب على الحال وفيه الألف واللام؛ لأنه على غير معهود، فجريا
مجرى سائر الزوائد. ألا ترى أنك لو قلت: الأول فالأول أتونا، لم يجز؛ لأنك لست
تقصد إلى شيءٍ بعينه، ولو قلت: الرجال أتونا، كان جيداً. وإن شئت قلت: دخلوا الأول
فالأول على البدل. كأنك قلت: دخل الأول فالأول. وكذلك لو قلت: دخلوا رجلٌ فرجلٌ،
فأبدلت النكرة من المعرفة؛ كما قال الله عز وجل: " بالناصية ناصيةٍ كاذبةٍ
خاطئةٍ " . فإذا قلت: ادخلوا الأول فالأول، فلا سبيل عند أكثر النحويين إلى
الرفع؛ لأن البدل لا يكون من المخاطب؛ لأنك لو قدرته بحذف الضمير لم يجز. فأما
عيسى بن عمر فكان يجيزه، ويقول: معناه: ليدخل الأول فالأول، ولا أراه إلا جائزاً
على المعنى؛ لأن قولك: ادخل إنما هو: لتدخل في المعنى.
وقرأ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فبذلك فلتفرحوا " فإذا قلت:
ادخلوا الأول والآخر، والصغير، والكبير، فالرفع؛ لأن معناه: ادخلوا كلكم. فهذا لا
يمون إلا مرفوعاً، ولا يكون إلا بالواو؛ لأن الفاء تجعل شيئاً بعد شيءٍ، والواو
تتصل على معنى قولك: كلكم. ألا ترى أنك تقول: مررت بزيد أخيك، وصاحبك، فتدخل الواو
على حد قولك: زيد العاقل الكريم، وكذلك زيد العاقل، والكريم. ولو قلت: العاقل فالكريم،
أو العاقل ثم الكريم، لخبرت أنه استوجب شيئاً بعد شيءٍ. وكان سيبويه يقول: جيدٌ أن
تقول: هذا خاتمك حديدا، وهذا سرجك خزاً، ولا تقول على النعت: هذا خاتمٌ حديدٌ إلا
مستكرهاً، إلا أن تريد البدل؛ وذلك لأن حديداً وفضة وما أشبه ذلك جواهر، فلا ينعت
بها؛ أن النعت تحلية. وإنما يكون هذا نعتاً مستكرهاً إذا أردت التمثيل. وتقول: هذا
خاتم مثل الحديد، أي في لونه وصلابته، وهذا رجلٌ أسدٌ أي: شديد. فإن أردت السبع
بعينه لم تقل: مررت برجل أسد أبوه. هذا خطأ، وإنما أجاز سيبويه: هذا خاتمك حديدا،
وهو يريد الجوهر بعينه؛ لأن الحال مفعول فيها، والأسماء تكون مفعولة، ولا تكون
نعوتاً حتى تكون تحلية. وهذا في تقدير العربية كما قال، ولكن لا أرى المعنى يصح
إلا بما اشتق من الفعل، نحو: هذا زيد قائماً؛ لأن المعنى أنبهك له في حال قيام. وإذا قال: هذا خاتمك حديداً، فالحديد
لازم. فليس للحال هاهنا موضعٌ بين، ولا أرى نصب هذا إلا على التبيين؛ لأن التبيين
إنما هو بالأسماء. فهذا الذي أراه، وقد قال سيبويه ما حكيت لك. ولو قلت: مررت
بزيدٍ رجلاً صالحاً لصلحت الحال لقولك صالحاً إلا أن يكون علم أنك مررت بزيد وهو
بالغ فتقول: مررت بزيد رجلاً، أي في حال بلوغه. فقد دللتك بهذا على معنى الحال.
ومن
الحالات قولك: ما شأنك قائماً والتقدير: ما أمرك في هذه الحال. فهذا التقدير،
والمعنى: لم قمت؟ كما أنك تقول: غفر الله لزيد، واللفظ لفظ الإخبار، والمعنى معنى
الدعاء، وقولك: يعلم الله لأقومن. اللفظ لفظ: يذهب زيد والمعنى القسم. ومثل هذا:
ما لك قائماً؟ والتقدير: أي شيءٍ لك في حال قيامك؟ والمعنى: لم قمت؟ قال الله جل
ذكره: " فما لهم عن التذكرة معرضين " . والمعنى: - والله أعلم - ما لهم يعرضون؟
أي: لم أعرضوا؟. ولو قلت: من زيدٌ قائما؟ لم يجز؛ لأن قولك: من زيد؟ سؤال يقتضي أن
تعرف: أبن عمرو هو أم ابن خالد؟ التميمي هو أم القيسي؟ فالسؤال قد وقع عن تعريف
الذات، فليس للحال هاهنا موضع. ولو قلت: زيدٌ أخوك قائماً وأنت تريد النسب فهو
محال لأن النسب لازم فليس له في القيام معنى، ويستحيل في تقدير العربية مع
استحالته في المعنى؛ لأن الفعل ينصب الحال. ولو قلت: زيدٌ أخوك قائماً، تريد
الصداقة، لكان جيداً. المعنى: يصادقك في هذه الحال. وكل شيءٍ كان فيه فعل مجرد أو معنى
فعل، فالحال فيه صحيحة؛ نحو: المال لك قائماً، أي: تملكه في هذه الحال، وكذلك:
المال لك يوم الجمعة، ولا يصلح: زيد أخوك يوم الجمعة إذا كان من النسب؛ لأنه لا
فعل فيه. وظروف الزمان لا تضمن الفعل الجثث. وكل ما كان فعلاً أو في معنى الفعل
فعمله في ظروف الزمان كعمله في الحال. فأما قولهم: الليلة الهلال، فمعناه: الحدوث، ولولا ذلك لم يجز؛
كما لا تقول: الليلة زيدٌ. وتقول: خرجت من الدار فإذا زيدٌ. فمعنى إذا هاهنا
المفاجأة. فلو قلت على هذا: خرجت فإذا زيد قائماً، كان جيداً؛ لأن معنى فإذا زيد،
أي: فإذا زيد قد وافقني.
هذا
باب
المخاطبةفأول
كلامك لما تسأل عنه، وآخره لمن تسأله، وذلك قولك: إذا سألت رجلاً عن رجلٍ: كيف ذاك
الرجل؟ فتحت الكاف؛ لأنها للذي تكلم. وقولك ذاك إنما زدت الكاف على ذا، وكانت لما
تومئ إليه بالقرب. فإن قلت هذا ف ها للتنبيه، وذا هي الاسم، فإذا خاطبت زدت الكاف للذي
تكلمه ودل الكلام بوقوعها على أن الذي تومئ إليه بعيدٌ، وكذلك جميع الأسماء
المبهمة إذا أردت التراخي زدت كافاً للمخاطبة؛ لأنك تحتاج إلى أن تنبه بها المخاطب
على بعد ما تومئ إليه. فإن سألت امرأة عن رجل قلت: كيف ذاك الرجل؟ تكسر الكاف؛
لأنها لمؤنث. قال الله عز وجل: " قال كذلك الله يخلق ما يشاء " . وتقول
- إذا سألت رجلاً عن امرأة - : كيف تلك المرأة؟ بفتح الكاف؛ لأنها لمذكر. فإن سألت
امرأةً عن امرأة قلت: كيف تلك المرأة، بكسر الكاف من أجل المخاطبة. فإن سألت
امرأتين عن رجلين قلت: كيف ذانكما الرجلان؟. وإن سألت رجلين عن امرأتين قلت: كيف تانكما
المرأتان؟. وإن سألت رجلين عن امرأة قلت: كيف تلكما المرأة؟. وإن سألت امرأتين عن
رجل قلت: كيف ذاكما الرجل؟. وإن شئت قلت: ذلكما، تدخل اللام زائدة، فمن قال في
الرجل ذاك قال في الاثنين ذانك. ومن قال في الرجل ذلك قال في الاثنين ذانك بتشديد النون.
تبدل من اللام نوناً، وتدغم إحدى النونين في الأخرى، كما قال عز وجل: " فذانك
برهانان من ربك " . وإن سألت رجلاً عن نساءٍ قلت: كيف أولئكم النساء؟ وإن
سألت نساءً عن رجالٍ قلت: كيف أولئكن الرجال؟ وإن سألت نساءً عن رجل قلت بغير
اللام: كيف ذاكن الرجل؟ وباللام: كيف ذلكن الرجل؟ كما قال الله عز وجل: "
فذلكن الذي لمتنني فيه
" .
وقد
يجوز أن تجعل مخاطبة الجماعة على لفظ الجنس؛ إذ كان يجوز أن تخاطب واحداً عن
الجماعة، فيكون الكلام له، والمعنى يرجع إليهم؛ كما قال الله تبارك وتعالى: "
ذلك أدنى أن لا تعولوا " . ولم يقل ذلكم؛ لأن المخاطب النبي صلى الله عليه
وسلم فما ورد من هذا الباب فقسه على ما ذكرت لك تصب إن شاء الله.
هذا
باب
تأويل
هذه الكاف التي تقع للمخاطبةإذا اتصلت بالفعل نحو: رويدك وأرأيتك زيدا ما حاله؟،
وقولك: أبصرك زيدا
اعلم
أن هذه الكاف زائدة زيدت لمعنى المخاطبة. والدليل على ذلك أنك إذا قلت: أرأيتك زيدا فإنما هي أرأيت زيدا؛ لأن
الكاف لو كانت اسماً استحال أن تعدي رأيت إلى مفعولين: الأول والثاني هو الأول.
وإن أردت رؤية العين لم يتعد إلا إلى مفعول واحد، ومع ذلك أن فعل الرجل لا يتعدى
إلى نفسه، فيتصل ضميره إلا في باب ظننت وعلمت، لما قد ذكرنا في موضعه. فأما
ضربتني، وضربتك يا رجل فلا يكون. وكذلك أبصرك زيدا يا فلان، إنما هو: أبصر زيدا،
ودخلت الكاف للإغراء توكيداً للمخاطبة. وكذلك رويد. يدلك أنك إذا قلت: رويدك زيدا،
إنما تريد: أرود زيدا، والكاف للمخاطبة. ألا ترى أنها لو كانت اسم الفاعل كان خطأ؛
لأن الواحد المرفوع لا تظهر علامته في الفعل. وإن كان الفعل لاثنين أو ثلاثة قلت:
رويدكما، ورويدكم. فلو كان اسم الفاعل لكان ألفاً في التثنية، وواواً في الجماعة؛
كما تقول: اذهبا، واذهبوا. وقد تقول: رويد زيدا إذا لم ترد أن تبين المخاطبة؛ كما
تقول: أرأيت زيدا، وأبصر زيدا. وزعم سيبويه أن قولك: رويدك زيدا إذا أدخلت الكاف
كقولك: يا فلان لمن هو مقبل عليك توكيداً للتنبيه ولمن هو غير مقبل عليك لتعطفه
بالنداء. فكذلك تنبه بالمخاطبة، وتركها كتركك يا فلان استغناءً بإقبالك عليه، وإنما
القول بغير الكاف: رويد زيدا؛ لأن رويد في موضع المصدر وهو غير متمكن؛ لأن المصدر
من أرودت إنما هو الإرواد. ومن أراد أن يجعل رويد مصدراً محذوف الزوائد جاز له ذلك
فقال: رويداً زيدا. فنظير
الأول قوله:
رويد
عليًّا جد ما ثدى أمهم ... إلينا ولكن ودهم متماين
ومن
جعله مصدراً صحيحاً قال: رويداً زيدا ورويد زيدٍ؛ كما تقول: ضرب الرقاب. وإن كان نعتاً فهو مصروف منون على كل حال،
وذلك قولك: ضعه وضعاً رويداً؛ كما قال عز وجل: " فمهل الكافرين أمهلهم رويداً
" . وإنما صرفنا هذا المصدر عندما جرى من ذكره مع كاف المخاطبة.
هذا
باب
مسائل
من هذه المصادر التي جرتاعلم أنك إذا قلت: رويدك وعبد الله فهو جائز وفيه قبحٌ حتى
تقول: رويدك أنت وعبد
الله وقد تقدم تفسير هذا في باب عطف الظاهر على المضمر. فإن جعلت رويد متصرفةً
قلت: رويد عبد الله، وزيدٍ، ولا تقول: رويدك، ورويد زيدٍ إذا جعلت رويد غير متصرفة
والكاف للمخاطبة؛ لأن الكاف ليست باسم، ورويد اسم، ولا يقع العطف على استواءٍ إلا
أن تجعل الكلام الثاني على غير معنى الكلام الأول، فذلك جائز متى أردته. وكل جملة
بعدها جملةٌ فعطفها عليها جائزٌ وإن لم يكن منها؛ نحو: جاءني زيد، وانطلق عبد
الله، وأخوك قائم، وإن تأتني آتك. فهذا على ذا. ولو قلت: ضعه وضعاً رويداً، لم تقع
رويد المحذوفة التنوين هذا الموضع؛ لأن تلك لا تقع إلا في الأمر على معنى: أرود زيدا.
واعلم
أن الكاف في قولك: النجاءك إنما هي للمخاطبة بمنزلة كاف رويدك والدليل على ذلك
لحاقها مع الألف واللام، ولو كانت اسماً كان هذا محالاً؛ لأنك لا تضيف ما فيه
الألف واللام. فهذا بين جداً.
وفي
هذه المصادر في الأمر والنهي من الضمير ما في الفعل، تقول: النجاءك نفسك، والنجاءكم
كلكم والخفض خطأ؛ لأن الكاف ليست باسم. فأما عليك، ودونك، وما أشبه ذلك، فإن الكاف
في موضع خفض وله ضمير المرفوع الذي يكون به فاعلاً، وإن شئت أتبعته التوكيد
مرفوعاً، وإن شئت كان مخفوضاً. تقول: عليك نفسك زيدا، وإن شئت نفسك، لأنك تريد:
أنظر نفسك. والدليل على أن الكاف لها موضع أن حروف الإضافة لا تعلق ولا تنفرد فهي
واقعة على الأسماء. وكل شيءٍ كان في موضع الفعل ولم يكن فعلاً قلا يجوز أن تأمر به
غائباً، ولا يجوز أن تقول: على زيدٍ عمرا، ولا يجوز أن تقدم فيه ولا تؤخر، فتقول: زيدا عليك، وزيدا دونك.
ومن زعم أن قول الله عز وجل: " كتاب الله عليكم " إنما نصبه بعليكم فهذا
خطأ، وقد مضى تفسير هذا. وإنما قالوا: عليه رجلا ليسني، لأن هذا مثل، والأمثال
تجري في الكلام على الأصول كثيراً.
هذا
باب
ما
يحمل على المعنى وحمله على اللفظ أجود
اعلم
أن الشيء لا يجوز أن يحمل على المعنى إلا بعد استغناء اللفظ، وذلك قولك: ما جاءني غير زيد وعمرٌو. حمل عمرو على
الموضع؛ لأن معنى قوله: غير زيد إنما هو إلا زيدٌ، فحمل عمرو على هذا الموضع.
وكذلك قوله: ما جاءني من أحدٍ عاقلٌ. رفعت العاقل، ولو خفضته كان أحسن. وإنما جاز
الرفع؛ لأن المعنى: ما جاءني أحد. ومن ذلك قراءة بعض الناس: " زين لكثيرٍ من
المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " . لما قال: قتل أولادهم، تم الكلام، فقال:
شركاؤهم على المعنى؛ لأنه علم أن لهذا التزيين مزيناً فالمعنى: زينه شركاؤهم. ومثل
ذلك قول الشاعر:
ليبك
يزيد ضارعٌ لخصومةٍ ... ومختبطٌ مما تطيح الطوائح
لما
قال: ليبكي يزيد علم أن له باكيا. فكأنه قال: ليبكه ضارعٌ لخصومة. ومن هذا قولهم:
قد
سالم الحيات منه القدما ... الأفعوان والشجاع الشجعما
فنصب
الأفعوان؛ لأنك تعلم أن القدم مسالمة؛ كما أنها مسالمة فكأنه قال: قد سالمت القدم
الأفعوان والشجاع. ومن ذلك قول الله عز وجل: " انتهوا خيراً لكم " .
زعم
الخليل أنه لما قال: انتهوا علم أنه يدفعهم عن أمر، ويغريهم بأمر يزجرهم عن خلافه،
فكان التقدير: ائتوا خيراً لكم. وقد قال قوم: إنما هو على قوله: يكن خيراً لكم.
وهذا خطأ في تقدير العربية؛ لأنه يضمر الجواب ولا دليل عليه، وإذا أضمر ايتوا فقد
جعل انتهوا بدلاً منه، وكذلك انته يا فلان أمراً قاصداً. وقد مر من ذكر المضمرات
ما يغني عن إعادته. ومن ذلك قول الشاعر:
وجدنا
الصالحين لهم جزاءٌ ... وجناتٍ وعيناً سلسبيلا
فنصبهما؛
لأن الوجدان في المعنى واقعٌ عليهما. ومثل ذلك:
لن
تراها وإن تأملت إلا ... ولها في مفارق الرأس طيبا
لأن
الرؤية قد اشتملت على الطيب. وهذا البيت أبعد ما مر؛ لأنه ذكره من قبل استغناء.
وإنما جاز نصبه على رأيت؛ لأن المعنى: لن تراها إلا وأنت ترى لها في مفارق الرأس
طيبا. فهذا على الإضمار. فأما قوله:
تواهق
رجلاها يديه ورأسه
فمن
أنشده برفع اليدين فقد أخطأ؛ لأن الكلام لم يستغن، ولو جاز لجاز: ضارب عبد الله
زيدٌ؛ لأن من كل واحد منهما ضرباً.
هذا
باب
أم
وأوفأما أم فلا تكون إلا استفهاماً، وتقع من الاستفهام في موضعين: أحدهما أن تقع
عديلةً على معنى أي. وذلك قولك: أزيد في الدار أم عمرو؟ وكذلك: أأعطيت زيداً أم حرمته؟. فليس جواب هذا
لا، ولا نعم؛ كما أنه إذا قال: أيهما لقيت؟ أو: أي الأمرين فعلت؟ لم يكن جواب هذا لا ولا نعم؛ لأن
المتكلم مدعٍ أن أحد الأمرين قد وقع، ولا يدري أيهما. فالجواب أن تقول: زيدٌ أو عمرو.
فإن كان الأمر على غير دعواه فالجواب أن تقول: لم ألق واحدا، أو كليهما. فمن ذلك
قول الله عز وجل: " اتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار " . وقوله: "
أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها " ومثله: " أهم خيرٌ أم قوم تبعٍ
" ، فخرج هذا مخرج التوقيف والتوبيخ، ومخرجه من الناس يكون استفهاماً، ويكون
توبيخاً. فهذا أحد وجهيها.
ويدخل
في باب التسوية مثل قولك: سواءٌ علي أذهبت أم جئت، وما أبالي أقبلت أم أدبرت، وليت
شعري أزيدٌ في الدار أم عمرو؟. فقولك: سواءٌ علي تخبر أن الأمرين عندك واحد،
فأدخلت حروف الاستفهام هاهنا لإيجابها التسوية. ألا ترى أنك إذا قلت: أزيدٌ في
الدار أم عمرو، أنهما في علمك متساويان، فهذه مضارعة، ولهذا تقول: قد علمت أزيدٌ
في الدار أم عمرو؛ لأنهما استويا عند السامع؛ كما استوى الأولان في علمك. وأي داخلة
في كل موضع تدخل فيه أم مع الألف. تقول: قد علمت أيهما في الدار؟ تريد: إذا أم ذا.
قال الله عز وجل: " فلينظر أيها أزكى طعاماً " . وعلى ذلك قول الشاعر:
سواءٌ
عليه أي حينٍ أتيته ... أساعة نحسٍ جئته أم بأسعد
فقس
أيًّا بالألف وأم؛ كما تقول: أي الرجلين أفضل أزيدٌ أم عمرو؟ وسنفرد باباً للمسائل
بعد فراغنا من الأصول، فهذا أحد موضعيها.
والموضع
الثاني: أن تكون منقطعة مما قبلها، خبراً كان أو استفهاماً، وذلك قولك فيما كان
خبراً: إن هذا لزيد أم عمرو يا فتى. وذلك أنك نظرت إلى شخص، فتوهمته زيدا، فقلت
على ما سبق إليك، ثم ادركك الظن أنه عمرو، فانصرفت عن الأول، فقلت: أم عمرو
مستفهماً. فإنما هو إضراب عن الأول على معنى بل، إلا أن ما يقع بعد بل يقين، وما
يقع بعد أم مظنون مشكوك فيه، وذلك أنك تقول: ضربت زيدا ناسياً أو غالطاً، ثم تذكر أو تنبه،
فتقول: بل عمرا مستدركاً مثبتاً للثاني، تاركاً الأول. ف بل تخرج من غلط إلى
استثبات، ومن نسيان إلى ذكرٍ. وأم معها ظن أو استفهام، وإضراب عما كان قبله. ومن
ذلك: هل زيدٌ منطلق أم عمرو يا فتى قائما. أضرب عن سؤاله عن انطلاق زيد، وجعل
السؤال عن عمرو. فهذا مجرى هذا، وليس على منهاج قولك: أزيدٌ في الدار أم عمرو.
وأنت تريد: أيهما في الدار؟ لأن أم عديلة الألف، وهل إنما تقع مستأنفة. ألا ترى أنك
تقول: أما زيد في الدار على التقرير، وتقول: يا زيد، أسكوتاً والناس يتكلمون.
توبخه بذلك وقد وقع منه السكوت، ولا تقع هل في هذا الموضع. ألا ترى إلى قوله:
أطرباً
وأنت قنسري
وإنما
هو: أتطرب وهو في حال طرب؟. وذلك لأن الألف و أم حرفا الاستفهام اللذان يستفهم بهما عن جميعه، ولا يخرجان
منه، وليس كذا كسائر حروف الاستفهام؛ لأن كل حرفٍ منها لضربٍ لا يتعدى ذلك إلى
غيره، ألا ترى أن أين إنما هي سؤال عن المكان لا يقع إلا عليه. ومتى سؤال عن زمان،
وكيف سؤال عن حال، وكم سؤال عن عدد. وهل تخرج من حد المسألة فتصير بمنزلة قد نحو:
قوله عز وجل: " هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً
" . فالألف وأم لا ينقلان عن الاستفهام كما تنقل هذه الحروف. فتكون جزاءً،
ويكون ما كان منها يقع للناس وغيرهم، نحو: من، وما، وأي كذلك، ويكون في معنى الذي. وحرفا
الاستفهام اللذان لا يفارقانه: الألف وأم، وهما يدخلان على هذه الحروف كلها. ألا
ترى أن القائل يقول: هل زيد بالدار أم هل عمرٌو هناك؟ وتقول: كيف صنعت أم كيف صنع
أخوك؟. فدخل هذان الحرفان
على حروف الاستفهام لتمكنهما وانتقالهما. فمن ذلك قوله:
هل
ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
أم
هل كبيرٌ بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبة يوم البين مشكوم
فأدخل
أم على هل، وقال:
سائل
فوارس يربوعٍ بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم
وقال:
كيف
القرار ببطن مكة بعدما ... هم الذين تحب بالإنجاد
أم
كيف صبرك إذ ثويت معالجا ... سقماً خلافهم وسقمك بادي
وتدخل
حروف الاستفهام على من، وما، وأي إذا صرن في معنى الذي بصلاتهن. وكذلك أم، كقول
الله عز وجل: " أم من يجيب المضطر إذا دعاه " ، وكقوله: " أفمن
يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة " ، فقد أوضحت لك حالهما.
فأما قول الله عز وجل: " آلم. تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين. أم يقولون
افتراه " وقوله: " أم تسألهم أجراً " ، وما كان مثله، نحو قوله عز وجل:
" أم اتخذ مما يخلق بنات " فإن ذلك ليس على جهة الاستفهام؛ لأن المستخبر
غير عالم، إنما يتوقع الجواب فيعلم به. والله - عز وجل - منفيٌّ عنه ذلك. وإنما
تخرج هذه الحروف في القرآن مخرج التوبيخ والتقرير، ولكنها لتكرير توبيخ بعد توبيخ
عليهم. ألا تراه يقول عز وجل: " أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً
يوم القيامة " - وقد علم المستمعون كيف ذلك - ليزجرهم عن ركوب ما يؤدي إلى النار، كقولك
للرجل: السعادة أحب إليك أم الشقاء؛ لتوقفه أنه على خطأ وعلى ما يصيره إلى الشقاء؛
ومن ذلك قوله:
" أليس في جهنم مثوًى للمتكبرين " . كما قال:
ألستم
خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
وأنت
تعلم أنه لم يستفهم، ولكن قررهم بأنهم كذلك وأنه قد ثبت لهم، فمجاز هذه الآيات -
والله أعلم - : أيقولون افتراه؟ على التوبيخ لهم، وأنهم قالوا، فنبه الرسول
والمسلمين على إفكهم، وترك خبراً إلى خبر لا على جهة الإضراب، ولكن على جهة تكرير
خبرٍ بعد خبرٍ: كما يقع أمر بعد زجر، وأمر بعد أمر الترغيب، والترهيب. والله أعلم.
هذا
باب
من
مسائل أم
في
البابين المتقدمين لنوضح كل باب على حياله، ونبينه من صاحبه إن شاء الله
تقول: أعندك زيدٌ أم عمرو، فإذا أردت: أيهما
عندك فهذا عربيٌّ حسن، والأجود: أزيدٌ عندك أم عمرو؛ لأنك عدلت زيدا بعمرو، فأوقعت
كل واحد منهما إلى جانب حرف الاستفهام، وجعلت الذي لا تسأل عنه بينهما، وهو قولك:
عندك. وكذلك:
أزيدا
ضربت أم عمرا، أزيدٌ قام أم عمرو. ولو قلت: أقام زيدٌ أم عمرو؟ وأزيدٌ أم عمرو
قام؟ وأزيدٌ أم عمرو عندك؟ وأزيدا أم عمرو ضربت؟ كان ذلك جائزاً حسناً، والوجه ما
وصفت لك، وكل هذا غير بعيد. فإن أردت أن تجريه على استفهامين قلت: أزيدٌ عندك، أم
عندك عمرو يا فتى. استفهم أولاً عن زيد، ثم أدركه الشك في عمرو، فأضرب عن زيد،
ورجع إلى عمرو، فكأنه قال: أزيدٌ عندك بل أعندك عمرو؟ فهذا تمثيل ذلك، ومثله قول
كثير:
أليس
أبي بالنضر أم ليس والدي ... لكل نجيبٍ من خزاعة أزهرا
ترك
استفهام الأول، ومال إلى الثاني، وإنما أخرجه مخرج التقرير في اللفظ، كالإستخبار.
وأم
المنقطعة تقع بعد الاستفهام كموقعها بعد الخبر، ومن ذلك قولك: أزيد في الدار أم
لا؟ ليس معنى هذا: معنى أيهما، ولكنك استفهمت على أنك ظننت أنه في الدار، ثم أدركك
الشك في أنه ليس فيها، فأضربت عن السؤال عن كونه فيها، وسألت عن إصغارها منه. فأما
قول ابن أبي ربيعة:
لعمرك
ما أدري وإن كنت دارياً بسبعٍ رمين الجمر أم بثمان
فليس
على الإضراب، ولكنه أراد: أبسبعٍ؟ فاضطر، فحذف الألف، وجعل أم دليلاً على إرادته
إياه؛ إذ كان المعنى على ذلك، كما قال الشاعر:
لعمرك
ما أدري وإن كنت دارياً شعيث ابن سهمٍ أم شعيث ابن منقر
يريد:
أشعيث؟. فأما قول الأخطل:
كذبتك
عينك أم رأيت بواسطٍ ... غلس الظلام من الرباب خيالا
فيكون
على ضربين: يجوز أن يكون: أكذبتك عينك، فحذف الألف. ويجوز أن يكون ابتدأ كذبتك
عينك مخبراً، ثم أدركه الشك في أنه قد رأى، فاستفهم مستثبتاً. وأما ما حكى الله عن
فرعون من قوله: " أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم
أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهينٌ " - فإنما تأويله - والله أعلم - : أنه قال: أفلا تبصرون. أم
أنا خير؟ على أنهم ما قالوا له: أنت خير لكانوا عنده بصراء، فكأنه قال - والله
أعلم - : أفلا تبصرون. وهذه أم المنقطعة؛ لأنه أدركه الشك في بصرهم، كالمسألة في
قولك: أزيدٌ في الدار أم لا، وقد مضى تفسير هذا. فهذا في قول جميع النحويين لا
نعلم بينهم اختلافاً فيه. فأما أبو زيد وحده فكان يذهب إلى خلاف مذاهبهم، فيقول:
أم زائدة، ومعناه: أفلا تبصرون أنا خير، وكان يفسر لهذا البيت:
يا
دهر أم كان مشيي رقصاً ... بل قد تكون مشيتي توقصا
يريد: يا دهر، ما كان مشى رقصاً. وهذا لا يعرفه
المفسرون، ولا النحويون، لا يعرفون أم زائدةً ولكن إذا عرض الشيء في الباب ذكرناه،
وبينا عليه.
وتقول: ليت شعري أزيد في الدار أم عمرو؟ وما
بالي: أقمت أم قعدت، وسواءٌ علي: أذهبت أم جئت، وقد ذكرنا هذا قبل، ولكن رددناه
لاستقصاء تفسيره؛ لأن هذا ليس باستفهام، ولا قولك: قد علمت أزيد في الدار أم عمرو.
إنما هو أنك قد علمت أن أحدهما في الدار. لا تدري أيهما هو؟ فقد استويا عندك، فهذه
الأشياء التي وصفنا مستويةٌ، وإن لم تكن استفهاماً. فالتسوية أجرت عليه هذه الحروف؛
إذ كانت لا تكون إلا التسوية. والدليل على ذلك أن أياً لا تكون إلا لهذا المعنى
داخلةً على جميعها. ألا ترى أنك إذا قلت: أزيد في الدار أم عمرو فمعناه: أيهما في
الدار، وإذا قلت: سواءٌ علي أذهبت أم جئت. فمعناه: سواءٌ علي أي ذلك كان، كما تقول: ما أبالي: أقمت
أم قعدت، أي ما أبالي أي ذلك كان، وليت شعري! أي ذلك كان. ألا ترى أنه لا يدخل على
الاستفهام من الأفعال إلا ما يجوز أن يلغى؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
وهذه الأفعال هي التي يجوز ألا تعمل خاصةً، وهي ما كان من العلم والشك فعلى هذا: " لنعلم أي الحزبين
" ، " ولقد علموا لمن اشتراه " ؛ لأن هذه اللام تفصل ما بعدها مما
قبلها. فتقول: علمت لزيدٌ خير منك. وعلى ذلك قوله:
لا
أبالي أنب بالحزن تيسٌ ... أم لحاني بظهر غيبٍ لئيم
وقول
الشاعر:
ليت
شعري وأين مني ليتٌ ... أعلى العهد يلبنٌ فبرام
وقال
الشاعر:
سواءٌ
عليك اليوم انصاعت النوى ... بخرقاء أم أنحى لك السيف ذابح
ونظير
إدخالهم التسوية على الاستفهام لاشتمال التسوية عليها. قولك: اللهم اغفر لنا أيتها
العصابة، فأجروا حرف النداء على العصابة وليست مدعوة؛ لأن فيها الاختصاص الذي في
النداء، وإنما حق النداء أن تعطف به المخاطب عليك، ثم تخبره، أو تأمره، أو تسأله،
أو غير ذلك مما توقعه إليه، فهو مختص من غيره في قولك: يا زيد، ويا رجال. فإذا
قلت: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. فأنت لم تدع العصابة، ولكنك اختصصتها من
غيرها؛ كما تختص المدعو، فجرى عليها اسم النداء، أعني أيتها، لمساواتها إياه في
الاختصاص؛ كما أنك إذا قلت: ما أدري أزيدٌ في الدار أم عمرو، فقد استويا عندك في
المعرفة وإن لم يكن هذا مستفهماً عنه، ولكن محله من الاستفهام كمحل ما ذكرت لك من
النداء. وعلى هذا تقول: على المضارب الوضيعة أيها الرجل، ولا يجوز أن تقول: يا
أيها الرجل، ولا يا أيتها العصابة؛ لأنك لا تنبه إنساناً إنما تختص و يا إنما هي
زجر وتنبيه. وتقول: أزيدٌ في الدار أم في البيت عمرو. لا تريد معنى أيهما ولكنك أضربت
عن الأول، واستفهمت عن الثاني على ما شرحت. وكل ما كان من الإخبار، ومن حروف
الاستفهام غير الألف فليست تقع أم بعده إلا مستأنفةً، وتكون مع الألف مستأنفةً إذا
أجريتها على ما وصفت لك. فإذا أردت معنى أيهما عدلتها بالألف، وتدخل عليها ما كان
للتسوية على ما وصفنا. وكان الخليل يجيز: لأضربنه أذهب أم مكث. يريد: لأضربنه أي ذلك كان،
وإنما عبارة الألف وأم ب أي فحيث صلحت أي، صلحتا، وكان يجيز على هذا: كل حقٍّ لها
سميناه أم لم نسمه، على معنى قوله: أي ذلك كان، والوجه في هذا أو، وتفسيره في
بابها إن شاء الله.
هذا
باب
أووحقها
أن تكون في الشك واليقين لأحد الشيئين، ثم يتسع بها الباب، فيدخلها المعنى الذي في
الواو من الإشراك على أنها تخص ما لا تخصه الواو. فأما الذي يكون فيه لأحد الأمرين
يقيناً أو شكًّا فقولك:
ضربت
زيدا أو عمرا، علمت أن الضرب قد وقع بأحدهما. وذهب عنك أيهما هو؟ وكذلك: جاءني زيد
أو أخوك. فأما اليقين فقولك: ايت زيدا أو عمرا، أي: قد جعلتك في ذلك مخيراً،
وكذلك: لأعطين زيدا أو عمرا درهما. لم تنس شيئاً، ولكنك جعلت نفسك فيه مخيرة.
والباب
الذي يتسع فيه قولك: ائت زيدا أو عمرا أو خالدا. لم ترد: ائت واحداً من هؤلاء،
ولكنك أردت: إذا أتيت فائت هذا الضرب من الناس؛ كقولك: إذا ذكرت فاذكر زيدا أو
عمرا أو خالدا. فإذا نهيت عن هذا قلت: لا تأت زيدا أو عمرا أو خالدا، أي لا تأت
هذا الضرب من الناس؛ كما قال الله عز وجل: " ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً
" . والفصل بين أو وبين الواو أنك إذا قلت: اضرب زيداً وعمراً، فإن ضرب
أحدهما فقد عصاك، وإذا قال: أو فهو مطيعٌ لك في ضرب أحدهما أو كليهما. وكذلك إذا
قال: لا تأت زيدا وعمرا.
فأتى أحدهما فليس بعاصٍ، وإذا قال: لا تأت زيدا أو عمرا فليس له أن يأتي واحداً
منهما، فتقديرها في النهي: لا تأت زيدا ولا عمرا، وتقديرها في الإيجاب: ائت زيدا؛
وإن شئت فائت عمرا معه. وتقول: لأضربنه ذهب أو مكث؛ أي: لأضربنه في هذه الحال كان
أو في هذه الحال. وعلى هذا تقول: وكل حقٍّ لها داخلٍ فيها أو خارجٍ منها، وإن شئت
داخلٍ فيها وخارجٍ منها.
أما
الواو فعلى قولك: كل حقٍّ لها من الداخل، والخارج. وأما أو فعلى قولك: إن كان ذلك الحق داخلاً أو كان خارجاً.
وهذا البيت ينشد على وجهين:
إذا
ما انتهى علمي تناهيت عنده ... أطال فأملى أو تناهى فأقصر
وينشد
أم تناهى. أما أو فعلى قولك: إن طال، وإن قصر. وأما أم فعلى قولك: أيٌّ ذلك كان؟
والألف في أطال ألف استفهام، والأحسن في هذا أو؛ لأن التقدير: إن كان كذا.، وإن
كان كذا، وكذلك كل موضع لا يقع فيه استفهام على معنى أيهما، وأيهم، ونسق به على
هذا التقدير. وكل موضعٍ يقع فيه أي كائناً ما كان فألف الاستفهام وأم تدخلانه، وإن
كان الأحسن فيهما ما قصصنا. وتقول: ما أدري أزيدا أوعمرا ضربت أم خالدا. لم ترد أن
تعدل بين زيد، وعمرو، ولكنك جعلتهما جميعاً عدلاً لخالد في التقدير، والمعنى: ما
أدري أحد هذين ضربت أم خالدا. وتقول: قد علمت أربعي أم مضري أنت أم تميمي كأنه قال: قد علمت أم من أحد هذين
الشعبين أنت أم تميمي. وعلى هذا ينشد قول صفية بنت عبد المطلب:
كيف
رأيت زبرا
أأقطاً
أم تمرا
أم
قرشياً صقرا
لم
ترد أن تجعل الأقط عدلاً للتمر فتقول: أهذا، أم هذا ولكن أرادت: أطعاماً رأيت أم
قرشياً. لا يصلح في المعنى إلا هذا. فأما قول الله عز وجل: " وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون "
فإن قوماً من النحويين يجعلون أو في هذا الموضع بمنزلة بل. وهذا فاسدٌ عندنا من
وجهين: أحدهما: أن أو لو وقعت في هذا الموضع موقع بل لجاز أن تقع في غير هذا
الموضع، وكنت تقول: ضربت زيدا أو عمرا، وما ضربت زيدا أو عمرا على غير الشك، ولكن
على معنى بل فهذا مردودٌ عند جميعهم.
والوجه
الآخر: أن بل لا تأتي في الواجب في كلام واحد إلا للإضراب بعد غلطٍ أو نسيان، وهذا
منفي عن الله عز وجل؛ لأن القائل إذا قال: مررت بزيد غالطاً فاستدرك، أو ناسياً
فذكر، قال: بل عمرو؛ ليضرب عن ذلك، ويثبت ذا. وتقول عندي عشرة بل خمسة عشر على مثل
هذا، فإن أتى بعد كلامٍ قد سبق من غيره فالخطأ إنما لحق كلام الأول؛ كما قال الله
عز وجل:
" وقالوا اتخذ الرحمن ولداً " فعلم السامع أنهم عنوا الملائكة بما
تقدم من قوله: " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاُ " .وقال:
" أم اتخذ مما يخلق بناتٍ " وقال: " ويجعلون لله ما يكرهون "
وقال: " بل عبادٌ مكرمون " ،
أي: بل هؤلاء الذين ذكرتم أنهم ولدٌ عبادٌ مكرمون. ونظير ذلك أن تقول للرجل: قد
جاءك زيدٌ، فيقول: بل عمرو. ولكن مجاز هذه الآية عندنا مجاز ما ذكرنا قبل في قولك:
ائت زيدا أو عمرا أو خالدا، تريد: ايت هذا الضرب من الناس، فكأنه قال - والله أعلم
- : إلى مائة ألف أو زيادة. وهذا قول كل من نثق بعلمه. وتقول: وكل حقٍّ لها علمناه
أو جهلناه. تريد توكيد قولك: كل حقٍّ لها، فكأنك قلت: إن كان معلوماً، أو مجهولاً
فقد دخل في هذا البيع جميع حقوقها.
ولها
في الفعل خاصةٌ أخرى نذكرها في إعراب الأفعال إن شاء الله. وجملتها أنك تقول: زيد
يقعد أو يقوم يا فتى، وإنما أكلم لك زيدا، أو أكلم عمرا. تريد: أفعل أحد هذين؛ كما
قلت في الاسم: لقيت زيدا أو عمرا، وأنا ألقى زيدا أو عمرا، أي: أحد هذين. وعلى
القول الثاني: أنا أمضي إلى زيد، أو أقعد إلى عمرو، أو أتحدث، أي: أفعل هذا الضرب
من الأفعال. وعلى هذا القول الذي بدأت به قول الله عز وجل: " تقاتلونهم أم
يسلمون " ، أي: يقع أحد هذين. فأما الخاصة في الفعل فأن تقع على معنى: إلا
أن، وحتى، وذلك قولك: الزمه أو يقضيك حقك، واضربه أو يستقيم. وفي قراءة أبيٍّ:
" تقاتلونهم أو يسلموا " ، أي: إلا أن يسلموا، وحتى يسلموا. وهذا تفسيرٌ
مستقصًى في بابه إن شاء الله.
هذا
باب الواو التي تدخل عليها ألف الاستفهام
وذلك
قولك - إذا قال القائل: رأيت زيدا عند عمرو - : أو هو ممن يجالسه؟ استفهمت على حد
ما كنت تعطف. كأن قائلاً قال: وهو ممن يجالسه، فقال: أو هذا كذا؟ وهذه الألف
لتمكنها تدخل على الواو، وليس كذا سائر حروف الاستفهام، إنما الواو تدخل عليهن في
قولك: وهل هو عندك؟ فتكون الواو قبل هل. وتقول: وكيف صنعت؟ ومتى تخرج؟ وأين عبد
الله؟ وكذلك جميعها إلا الألف. ولا تدخل الواو على أم، ولا أم عليها، لأن أم للعطف
والواو للعطف. ونظير هذه الواو، والفاء، وسائر حروف العطف قول الله عز وجل: "
أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون " " أو أمن أهل
القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون " . فالواو هاهنا بمنزلة الفاء في
قولك: " أفأمنوا مكر الله " . وإنما مجاز هذه الآيات - والله أعلم -
إيجاب الشيء. والتقدير كما شرحت لك أولاً. وهذه الواو، وواو العطف مجازهما واحد في
الإعراب. وتكون في الاستفهام والتقرير كما ذكرنا في الألف، وللتعجب، وللإنكار.
فأما الاستفهام المحض فنحو قولك: إذا قال الرجل: رأيت زيدا فتقول: أوَيوصل إليه،
فأنت مسترشد أو منكر ما قال؟ فيقول: أوَأدركته؟ تستبعد ذلك. فأما التعجب والإنكار
فقول المشركين " أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون " . والتقرير ما ذكرت
لك في الآيات في الفاء والواو في قوله عز وجل: " أو أمن أهل القرى " .
هذا
باب
ما
يجري وما لا يجري
بتفصيل
أبوابه وشرح معانيه واختلاف الأسماء، وما الأصل فيها.اعلم أن التنوين في الأصل
للأسماء كلها علامةٌ فاصلةٌ بينها وبين غيرها، وأنه ليس للسائل أن يسأل: لم انصرف
الاسم؟ فإنما المسألة عما لم ينصرف: ما المانع له من الصرف؟ وما الذي أزاله من
منهاج ما هو اسمٌ مثله؛ إذ كانا في الاسمية سواءً؟ ونفسر ذلك بجميع معانيه إن شاء
الله.
اعلم
أن كل ما لا ينصرف مضارعٌ به الفعل، وإنما تأويل قولنا: لا ينصرف، أي: لا يدخله
خفض ولا تنوين؛ لأن الأفعال لا تخفض ولا تنون، فلما أشبهها جرى مجراها في ذلك.
وشبهه بما يكون في اللفظ، ويكون في المعنى، بأي ذين أشبهها وجب أن يترك صرفه؛ كما
أنه ما أشبه الحروف التي جاءت لمعنى من الأسماء فمتروك إعرابه؛ إذ كانت الحروف لا إعراب
فيها وهو الذي يسميه النحويون: المبني.
فمما
لا ينصرف: كل اسم في أوله زيادة من زوائد الأفعال يكون بها على مثال الفعل، فمن
ذلك أكلب، وأحمد، وإثمد، وإصبع؛ لأن ما كان من هذا على أفعَل فهو بمنزلة: أذهب، وأعلم،
وما كان منها على أفعِل فهو بمنزلة: أضرب، وأجلس، وما كان منها على مثال إثمد فهو
بمنزلة اضرب في الأمر، وكل ما لم نذكر في هذا الباب فعلى هذا منهاجه. فمن ذلك
تنصب، وتتفل؛ لأنهما على مثال تقعد، وتقتل. وسنفسر ما يلحق هذه الحروف زوائد وما
يكون من نفس الحرف إن شاء الله.
هذا
باب
أفعلاعلم
أن ما كان من أفعل نعتاً فغير منصرف في معرفة ولا نكرة، وذلك: أحمر، وأخضر، وأسود.
وإنما امتنع هذا الضرب من الصرف في النكرة؛ لأنه أشبه الفعل من وجهين: أحدهما أنه
على وزنه. والثاني: أنه نعت؛ كما أن الفعل نعت. ألا ترى أنك تقول: مررت برجلٍ
يقوم. ومع هذا أن النعت تابع للمنعوت كاتباع الفعل الاسم. فإن كان اسماً انصرف في
النكرة؛ لأن شبهه بالفعل من جهة واحدة، وذلك نحو: أفكل، وأحمد، تقول: مررت بأحمد،
وأحمدٍ آخر. فإن قال القائل: ما بال أحمد مخالفاً لأحمر؟ قيل من قبل أن أحمد، وما
كان مثله لا يكون نعتاً إلا أن يكون معه من كذا فإن ألحقت به من كذا لم ينصرف في
معرفة ولا نكرة؛ لأنه قد صار نعتاً كأحمر. وذلك قولك: مررت برجل أحمد من عبد الله،
وأكرم من زيد. وكل ما سميت به من الأفعال لم ينصرف في المعرفة، وانصرف في النكرة،
نحو: يزيد، ويشكر، ويضرب، ونحوه لو كان اسماً، تقول: مررت بيزيد، ويزيدٍ آخر. فإن قال قائل: ما باله
انصرف في النكرة، وهو فعل في الأصل، وقد ذكرت أن ما لا ينصرف إنما امتنع بشبهه
بالفعل، وأحمر وما كان مثله لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، وهي أسماءٌ؟.
قيل
له: إن أحمر أشبه الفعل وهو نكرة، فلما سميت به كان على تلك الحال، فلما رددته إلى
النكرة رددته إلى حال قد كان فيها لا ينصرف؛ فلذلك خالفه. هذا قول النحويين، ولست
أراه كما قالوا. أرى إذا سمي بأحمر، وما أشبهه، ثم نكر أن ينصرف؛ لأنه امتنع من
الصرف في النكرة؛ لأنه نعت، فإذا سمي به فقد أزيل عنه باب النعت، فصار بمنزلة أفعل
الذي لا يكون نعتاً، وهذا قول أبي الحسن الأخفش، ولا أراه يجوز في القياس غيره.
وكل ما لا ينصرف إذا أدخلت فيه ألفاً ولاماً، أو أضفته انخفض في موضع الخفض؛ لأنها
أسماءٌ امتنعت من التنوين والخفض؛ لشبهها بالأفعال، فلما أضيفت وأدخل عليها الألف
واللام باينت الأفعال، وذهب شبهها بها؛ إذ دخل فيها ما لا يكون في الفعل، فرجعت إلى
الاسمية الخالصة، وذلك قولك: مررت بالأحمر يا فتى، ومررت بأسودكم.
هذا
باب
ما
يسمى به من الأفعال
وما
كان على وزنهااعلم أنك إذا سميت رجلاً بشيءٍ من الفعل ليست في أوله زيادة، وله
مثال في الأسماء، فهو منصرف في المعرفة، والنكرة. فمن ذلك: ضرب، وما كان مثله،
وكذلك: علم، وكرم، وبابهما؛ لأن ضرب على مثال: جمل، وحجر، وعلم على مثال: فخذ،
وكرم على مثال: رجل، وعضد. وكذلك ما كثر عدته، وكان فيه هذا الشرط الذي ذكرنا. فمن
ذلك: دحرج؛ لأن مثاله: جعفر، وحوقل؛ لأن مثاله كوثر، والملحق بالأصل بمنزلة
الأصلي. فإن سميت بفعل لم تسم فاعله: لم تصرفه؛ لأنه على مثالٍ ليست عليه الأسماء،
ونحو ذلك: ضرب، ودحرج، وبوطر، إلا أن يكون معتلاً أو مدغماً؛ فإنه إن كان كذلك خرج
إلى باب الأسماء، وذلك نحو: قيل، وبيع، ورد، وما كان مثلها؛ لأن رد بمنزلة: كرٍّ،
وبرد، ونحوهما، وقيل بمنزلة فيلٍ، وديك. وكذلك إن سميت بمثل قطع، وكسر لم ينصرف في
المعرفة؛ لأن الأسماء لا تكون على فعل. فإن قلت: قد جاء مثل بقم، فإنه أعجميٌّ.
وليست الأسماء الأعجمية بأصول، إنما داخلة على العربية. فأما قولهم: خضم للعنبر بن
عمرو بن تميم فإنما هو لقب لكثرة أكلهم. وخضم بعد إنما هو فعل. ولو سميت رجلاً
ضارب، أو ضارب من قولهم: ضارب زيدا إذا أمرته انصرف؛ لأن ضارب بمنزلة ضاربٍ الذي
هو اسم، وضارب بمنزلة خاتم، فعلى هذا يجري ما ينصرف وما لا ينصرف.
فأما
ما كان فيه زيادةٌ من زوائد الأفعال الأربع: الهمزة، والياء، والتاء، والنون، كان
بها على مثال الفعل فقد قلنا فيه، وسنقول في شرحه، وما يحكم عليه منها بالزيادة،
وإن لم يكن له فعل، وما يحكم بأنه أصليٌّ حتى يتبين. أما ما كانت الهمزة في أوله،
والياء فحكمه أن تكونا فيه زائدتين إذا كانت حروفه الثلاثة أصلية؛ لأنك لم تشتق من
هذا شيئاً إلا أوضح لك أنهما فيه زائدتان، فحكمت بما شاهدت منه على ما غاب عنك. وذلك نحو: أفكل، وأيدع، ويرمع؛ لأنك لم
ترها في مثل أحمر، وأصفر، وأخضر، ولا يكون له فعل إلا زائدة، وكذلك الياء؛ لأنك لم
ترها في مثل اليعملة وما كان نحوها إلا زائدة؛ لأن أحمر من الحمرة، وكذلك أخضر،
واسود، ويعملة من العمل.
فأما
أولق فإن فيه حرفين من حروف الزيادة: الهمزة والواو، فعند ذلك تحتاج إلى اشتقاق؛
ليعلم أيهما الزائدة. تقول فيه: ألق الرجل فهو مألوق، فقد وضح لك أن الهمزة أصل
والواو زائدة؛ لأن الهمزة في موضع الفاء من الفعل؛ فقد وضح لك أنها فوعل. وكذلك
أيصر؛ لأن فيه ياءً، وهمزة. فكلاهما من الحروف الزوائد، فجمعه على إصار؛ فقد بان
لك أن أيصر فيعل. قال الأعشى:
فهذا
يعد لهن الخلى ... ويجمع ذا بينهن الإصارا
فأما
النون والتاء، فيحكم بأن كل واحد منهما أصل حتى يجيء أمرٌ يبين زيادتها. فمن ذلك قولك: نهشل، ونهسر الذئب. يدلك
على أصليهما أنك تقول: نهشلت المرأة ونهشل الرجل: إذا أسنا، وقد وضح لك أنه بمنزلة
دحرج؛ لأن النون أصلية.
وكذلك
توأم إنما هو فوعل من أتأمت المرأة كما تقول: أكرمت. فأما تتفل، ونرجس فقد وضح لك
أن فيهما زائدتين؛ لأنهما على مثال لا تكون الأسماء عليه. ألا ترى أنه ليس في الأسماء مثل جعفر، ولا جعفر؛
فقد وضح لك أن تتفلا مثل تقتل فلو سميت به رجلاً لم تصرفه. وكذلك نرجس بمنزلة
نضرب. فهذا حكمه. فأما من قال: تتفل فإنه يصرف إن سمي به؛ وذلك لأنه على مثال لا
يكون الفعل عليه ليس في الأفعال تفعل. ألا ترى أن الزيادة لا تمنع الصرف من
الأسماء إلا ما كان منها على وزن الأفعال. فما كان في أوله زيادة ليس هو بها على
وزن الأفعال فهو مصروف، وذلك نحو:يربوع، وتعضوض، وطريق أسلوب؛ لأن الأفعال لا تكون
عليه، وكذلك إسكاف، وفيما قلنا دليلٌ على ما يرد عليك إن شاء الله.
هذا
باب
ما
ينصرف وما لا ينصرفمما سميت به مذكراً من الأسماء الغربية
اعلم
أن كل ما لا ينصرف من مذكر أو مؤنث، عربي أو أعجمي، قلت حروفه أو كثرت في المعرفة
فإنه ينصرف في النكرة، إلا خمسة أشياء فإنها لا تنصرف في معرفة، ولا نكرة فمنها:
ما كان من أفعل صفةً، نحو: أخضر، وأحمر. وما كان من فعلان الذي له فعلى؛ نحو: سكران،
وسكرى، وعطشان، وعطشى، وغضبان وغضبى، وسنذكر علته في موضعه إن شاء الله. وما كان
فيه ألف التأنيث مقصوراً كان أو ممدوداً. فالمقصور؛ نحو: سكرى وغضبى. والممدود؛
نحو: حمراء، وصفراء، وصحراء. وما كان من الجمع على مثال لا يكون عليه الواحد؛ نحو:
مساجد، وقناديل، ورسائل. وما كان معدولاً في حال النكرة؛ نحو: مثنى، وثلاث، ورباع. فإذا سميت مذكراً باسم عربي فهو مصروف إلا
أن يمنعه أحد هذه الموانع التي وصفت، أو ما أذكره لك مما يوجب ترك الصرف في
المعرفة، إلا المعدول فإن له حكماً آخر إذا سمي به نذكره إن شاء الله. فمن ذلك أن
تسميه بمؤنث فيها هاء التأنيث فإنه لا ينصرف في المعرفة، وينصرف في النكرة. وإنما
منعه من الصرف في المعرفة علم التأنيث الذي فيه، وذلك نحو رجل سميته حمدة، أو طلحة
أو نحو ذلك. وقد تقدم قولنا: إن كل ما كان فيه الهاء مؤنثاً كان أو مذكراً. عربياً كان أو أعجمياً لم ينصرف في
المعرفة، وانصرف في النكرة. فإن قال قائل: ما باله ينصرف في النكرة وما كانت فيه
ألف التأنيث لا ينصرف في معرفة، ولا نكرة؟. قيل: إن الفصل بينهما أن ما كان فيه
الهاء فإنما لحقته وبناؤه بناء المذكر؛ نحو قولك: جالسٌ؛ كما تقول: جالسة، وقائم
ثم تقول: قائمة. فإنما تخرج
إلى التأنيث من التذكير، والأصل التذكير. وما كانت فيه الألف فإنما هو موضوع
للتأنيث على غير تذكير خرج منه فامتنع من الصرف في الموضعين؛ لبعده من الأصل. ألا
ترى أن حمراء على غير بناء أحمر، وكذلك عطشى على غير بناء عطشان.
وما
كان مؤنثاً لا علامة فيه سميت به مذكراً، وعدد حروفه ثلاثة أحرف فإنه ينصرف إذا لم
تكن فيه هاء التأنيث، تحركت حروفه أو سكن ثانيها. وذلك نحو: دعد، وشمس، وقدم،
وقفاً فيمن أنثها. إن سميت بشيءٍ من هذا رجلاً انصرف. وكذلك كل مذكر سوى الرجل.
فإن كان على أربعة أحرف فصاعداً ومعناه التأنيث لم ينصرف في المعرفة، وانصرف في
النكرة. وذلك نحو رجل سميته عقرباً أو عناقا أو عقاباً فإنه ينصرف في النكرة، ولا
ينصرف في المعرفة. وإنما انصرف في الثلاثة لخفته؛ لأن الثلاثة أقل أصول الأسماء. وكذلك إن كان الاسم أعجمياً.
ألا
ترى أن نوحاً، ولوطاً مصروفان في كتاب الله - تبارك وتعالى - وهما اسمان أعجميان،
وأن قارون، وفرعون غير مصروفين للعجمة، وكذلك إسحق، ويعقوب، ونحوهما، ونذكر هذا في
باب الأعجمية إن شاء الله. فأما صالح وشعيب، فاسمان عربيان، وكذلك محمد صلى الله
عليهم أجمعين.
فكل
ما اشتققته، فرأيت له فعلاً، أو كانت عليه دلالة بأنه عربي، ولم يمنعه من الصرف
تأنيث، ولا عجمة، ولا زيادةٌ من زوائد الفعل تكون بها على مثاله، ولا أن يكون عل
مثال الأفعال، ولا عدل فهو مصروف في المعرفة، والنكرة.
هذا
باب
ما
كان من أسماء المذكر
أو
سمي به ما هو على ثلاثة أحرف
اعلم
أن جميع ذلك منصرف إلا ما استثنيناه مما فيه هاء التأنيث؛ نحو: شاة، وشية. أو تكون فيه زائدة يكون بها على مثال
الفعل؛ نحو: يضع، ويزن. أو يكون معدولاً؛ نحو: عمر، وزفر. أو يكون على مثالٍ لا
يكون إلا للأفعال نحو: ضرب، وقتل. فأما غير ذلك فمصروف.
هذا
بابما كان من هذه الأسماء على مثال فُعَل
وإنما
ذكرناه لنبين المعدول منه من غيره. فأما ما كان منه نكرة، ويعرف بالألف واللام فهو
مصروف، واحداً كان أو جمعاً. فالواحد؛ نحو: صرد، ونغرٍ، وجعلٍ، ينصرف في المعرفة
والنكرة والجمع، نحو: ثقب، وحفر، وعمر: إذا أردت جمع عمرة، وكذلك إن كان نعتاً نحو:
سكع، وختع، وحطم كما قال:
قد
لفها الليل بسواقٍ حطم
ولبد
وهو الكثير من قول الله عز وجل: " أهلكت مالاً لبداً " . فأما ما كان
منه لم يقع إلا معرفة؛ نحو: عمر، وقثم، ولكع، فإنه غير مصروف في المعرفة؛ لأنه الموضع
الذي عدل فيه. ألا ترى أنك لا تقول: هذا القثم، ولا هذا العمر؛ كما تقول: هذا
الجعل، وهذا النغر.
هذا
بابما كان من فُعِل
اعلم
أنه ما كان على فعل غير معتلٍ لم يكن إلا فعلاً، وكذلك كل بناءٍ من الفعل معناه فعل
إذا كان غير معتل؛ نحو: دحرج، واستخرج، وضورب. فإن سميت من هذا رجلاً لم تصرفه في
المعرفة؛ لأنه مثال لا يكون للأسماء، وإنما هو فيها مدخل. فإن كان من ذوات الواو
والياء، أو مما يلزمه الإدغام، فكان ذلك مخرجاً له إلى مثال الأسماء، انصرف في
المعرفة، لأن المانع له قد فارقه، وذلك قولك: قد قيل، وبيع، ورد، وشد إذا أردت مثل
فعل؛ لأنه قد خرج إلى مثال فيل، وديك؛ كما خرج المدغم إلى مثال البر، والكر. وإن
كان على مثال: أطيع، وأستطيع، وقوول لم ينصرف في المعرفة، وكذلك: احمور في هذا
المكان، لأنه لم يخرج إلى مثال من أمثلة الأسماء. فهذا جملة هذا.
هذا
باب
ما
اشتق للمذكر من الفعلفمن ذلك ما كان اسماً للفاعل؛ نحو: مجاهد، مقاتل، وضارب،
ومكرم، ومستطيع، ومدحرج، فكل هذا منصرف؛ لأنه لا مانع له من الصرف، وكذلك إن كان مفعولاً،
نحو: مخرج، ومضروب، ومستطاع؛ لأنها أسماءٌ مشتقة. وما كان من الأعجمية معرباً فهذا
سبيله. والمعرب منها ما كان نكرة في بابه؛ لأنك تعرفه بالألف واللام، فإذا كان كذلك
كان حكمه حكم العربية. لا يمنعه من الصرف إلا ما يمنعها. فمن ذلك: راقود، وجاموس،
وفرند؛ لأنك تعرفه بالألف واللام. فإذا كان معرفة في كلام العجم فغير منصرف لامتناعه
بالتعريف الذي فيه من إدخال الحروف العربية عليه. وذلك نحو: إسحق، ويعقوب، وفرعون،
وقارون؛ لأنك لا تقول: الفرعون ولو سميته بيعقوب - تعنى ذكر القبج - لانصرف؛ لأنه
عربي على مثال يربوع. والزوائد التي في أوله لا تمنعه من الصرف؛ لأنها لا تبلغ به
مثال الفعل؛ لأن الفعل لا يكون على يفعول. وكذلك إسحاق إذا أردت به المصدر من
قولك: أسحقه الله إسحاقاً، وتعرق هذا من ذاك بأن إسحق ويعقوب الأعجميين على غير
هذه الحروف، وإنما لاءمت هذه الحروف العرب. ونظير إسحق في القصد إلى العربي
والعجمي ما قلت لك في عمر من أنك إذا أردت به جمع عمرة صرفته. وإن أردت به المعدول
عن عامر امتنع من الصرف. وإن كان الأعجمي قد أعرب ولم يكن على مثال الأسماء
المنصرفة ولا غيرها، صرف وصار كعربيٍّ لا ثاني له؛ لأنه إذا أعرب فهو كالعربية
الأصلية. فمن ذلك آجر مصروف لدخوله في التعريف؛ إذ كان نكرة. فهو بمنزلة عربي
منفرد ببنائه نحو: إبل، وإطل، وصعفوق. فأما بقم فلا ينصرف في المعرفة وإن كان قد
أعرب؛ لأنه قد وقع من أمثلة العرب على ما لا يكون إلا فعلاً، نحو: ضرب، وقطع فمنعه
الصرف ما منع ضرب لو سميت به رجلاً. وكذلك سراويل لا ينصرف عند النحويين في معرفة
ولا نكرة؛ لأنها وقعت على مثال من العربية لا يدخله الصرف، نحو: قناديل، ودهاليز.
فكانت لما دخلها الإعراب كالعربية. فهذا جملة القول في الأعجمي الواقع على الجنس،
والمخصوص به الواحد للعلامة.
هذا
باب
الجمع
المزيد فيه وغير المزيد
أما
ما كان من الجمع على مثال مفاعل، ومفاعيل؛ نحو: مصاحف، ومحاريب، وما كان على هذا
الوزن؛ نحو: فعالل، وفواعل، وأفاعل، وأفاعيل وكل ما كان مما لم نذكره على سكون هذا
وحركته وعدده، فغير منصرف في معرفة ولا نكرة. وإنما امتنع من الصرف فيهما؛ لأنه
على مثال لا يكون عليه الواحد، والواحد هو الأصل، فلما باينه هذه المباينة، وتباعد
هذا التباعد في النكرة، امتنع من الصرف فيها، وإذا امتنع من الصرف فيها فهو من
الصرف في المعرفة أبعد، ويدلك على ذلك قول الله عز وجل: " من محاريب وتماثيل
" وقوله: " لهدمت صوامع وبيع وصلواتٌ ومساجد " . كل هذا هذه علته.
فإن لحقته الهاء للتأنيث انصرف في النكرة على ما وصفت لك في الهاء أولاً؛ لأن كل
ما كانت فيه فمصروف في النكرة، وممتنع من الصرف في المعرفة؛ لأن الهاء علم تأنيث،
فقد خرجت بما كان من هذا الجمع إلى باب طلحة، وحمدة؛ وذلك نحو: صياقلة، وبطارقة.
فإن قال قائل: فما باله انصرف في النكرة، وقد كان قبل الهاء لا ينصرف فيها؟ فالجواب
في ذلك: أنه قد خرج إلى مثال يكون للواحد. ألا ترى أنك تقول: رجل عباقية، وحمار
حزابية، فالهاء أخرجته إلى هذا المثال؛ كما أن ياءي النسب يخرجانه إلى باب تميمي،
وقيسي. وذلك قولك: مدائني ونحوه، ينصرف في المعرفة والنكرة؛ ألا ترى أن مدائنياً
إنما هو للواحد، فبالياء خرج إليه؛ كما أخرجته الهاء إلا أن ما كانت فيه الهاء لا
ينصرف من أجل التأنيث، وما كانت فيه ياء النسب فمصروف في المعرفة، والنكرة. فأما
سراري، وبخاتي، وكراسي فغير مصروف في معرفة ولا نكرة؛ لأن الياء ليست للنسب، وإنما
هي الياء التي كانت في الواحد في بختية وكرسي. فأما قولك: حوالي، وحواري فهو حال،
وحوار، فنسب إليه، فإنما على هذا تعتبر ما وصفت لك. فأما قولهم: رباع، ويمان فنذكره
في باب: ما اعتل من هذا الجمع إن شاء الله.
فأما
ما كان من الجمع على مثال أفعال، وفعول، نحو: أجمال، وفلوس فمنصرف في المعرفة
والنكرة، لأنه على مثال يكون للواحد. وهو جمعٌ مضارع للواحد؛ لأنه لأدنى العدد. أعني
أفعالاً. وفعول وإن كان لأكثر العدد فمضارعته للواحد؛ لأنه يجمع كما يجمع الواحد.
فأما أفعال فما يكون منه على مثال الواحد قولهم: برمة أعشار وحبل أرمام، وأقطاع،
وثوب أكياش: متمزق، ويجمع كما يجمع الواحد وذلك قولك: أنعام وأناعيم، وأعراب
وأعاريب. وما كان على فعول للواحد فقولك: سدوس للطيلسان الأخضر. وما يكون من هذا
مصدراً أكثر من أن يحصى؛ نحو: قعدت قعوداً، وجلست جلوساً، وسكت سكوتاً. ويجمع كما
يجمع الواحد تقول: بيوت وبيوتات. فهما ينصرفان في المعرفة والنكرة على كل حال:
أعني أفعالاً، وفعولاً إلا أن تسمي بهما مؤنثاً فيمنعهما التأنيث الصرف؛ لأن كل
مؤنث، على ثلاثة أحرف متحركات غير منصرف، وكلما زاد في عدد الحروف كان ذلك أوكد
لترك صرفه، ولهذا موضع نذكره قيه إن شاء الله.
وأما
ما كان من الجمع على مثال أفعل نحو: أكلب وأكعب، فغير منصرف في المعرفة؛ وإنما
منعه الصرف أنه على مثال الفعل؛ نحو: أعبد، وأقتل، وينصرفان في النكرة كما ذكرت لك فيما
يكون على مثال الفعل.
وما
كان من الجمع على مثال فعلان، وفعلان؛ نحو: قطبان وظلمان، فغير منصرف في المعرفة
لزيادة الألف والنون، وخروجه إلى باب عثمان وسرحان، وينصرفان في النكرة؛ لأن
الممتنع من الصرف في المعرفة والنكرة من هذا الباب فعلان الذي له فعلى على ما ذكرت
لك؛ نحو: غضبان، وسكران. كما أن الممتنع من باب ما كان على مثال أفعل من أن يصرف
في المعرفة والنكرة، فأفعل الذي هو نعت؛ نحو: أحمر، وأصفر. وما كان من الجمع على مثال فعال
فمصروف، وذلك نحو: كعاب، وكلاب؛ لأنه بمنزلة الواحد نحو: حمار، وكتاب. وفي هذه
الجملة دلالةٌ على كل ما يرد عليك من الجمع إن شاء الله.
التالي بمشيئة الله ج4.وج5.كتاب : المقتضب المؤلف
: المبرد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق